Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتجه الأوضاع السياسية في السودان إلى انفراج؟

"ثمة مَن يقيس الأوضاع السودانية اليوم على قياسات خاطئة ويقارنها بما جرى في المنطقة من أحوال الربيع العربي"

إن قرار دعم الشعب السوداني وثورته السلمية كان قراراً دولياً (اندبندنت عربية - حسن حامد)

على الرغم من الانسداد الذي يخيم على المشهد السياسي السوداني، منذ انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على يد العسكر الذي خالف الوثيقة الدستورية وقوّض المرحلة الانتقالية، فإن الشواهد والحيثيات اليوم تؤشر إلى أن طبيعة هذا الانسداد ستُفضي إلى انفراج، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار معطيات سياسية عدّة، والجهود الدولية والأممية والإقليمية الحثيثة من أجل الخروج من هذا المأزق الذي يمر به السودان حالياً.
في ظل هذا الانسداد الشكلي الذي يحرص العسكر على تمديد سيطرتهم عبره، دون أي قدرة على ذلك التحدي – كما تشير معطيات كثيرة - ثمة مَن يقيس أوضاع السودان اليوم على قياسات خاطئة ويقارنها بما جرى في المنطقة العربية من أحوال الربيع العربي التي جرت في مجموعة من دول المنطقة، لكن يمكن القول إن أي رهان على قياس آخر لمآلات الوضع في السودان لا يمكن أن يعكس سوية موضوعية لحقيقة الأوضاع التي تعيشها البلاد.
فمن ناحية، جاءت الثورة السودانية انتفاضةً على نظام إسلام سياسي كان هو، للمفارقة، وريث نتائج العمليات الانتخابية التي أدت إليها الانتخابات في بعض الدول التي جرت فيها أحداث الربيع العربي، كمصر وتونس، بالتالي فإن هذا المؤشر الذي يعكس حيوية الثورة السودانية واختلافها سيكون، في الوقت نفسه، مؤشراً إلى حقائق أخرى، منها أن الخراب الذي عممه نظام الإسلام السياسي السوداني على يد البشير – الترابي (وهو خراب دام ثلاثين سنة) لم يكن خراباً عادياً، بل كان تسميماً لصيغة الدولة الوطنية أدى إلى انقسام السودان وإلى حروب أهلية، وفساد. ومن ناحية ثانية يبدو السودان لجهة ريادته الثورية في المنطقة، أكثر خبرةً بالتجريب الذي يمكّن القوى السياسية فيه من ابتداع صيغ غير تقليدية في تثبيت قواعد الثورة، على ما يبدو عليه الحال من تشكيلات لجان المقاومة التي تقود الحراك الثوري اليوم.

مقدرات السودان
من ناحية ثالثة، لا تعكس الأوضاع الجيوسياسية للسودان والثروات والقدرات المادية والبشرية التي ينطوي عليها أي مقارنة مع أي دولة من دول المنطقة العربية. وهذه كلها معطيات مختلفة وفارقة لجهة أن وضع الثورة السودانية الأخيرة التي ألهمت العالم بسلميتها إلى جانب تلك القدرات والثروات والإمكانات الجيوسياسية تضع السودان اليوم في درجة امتياز تجعل من القوى الدولية في العالم أكثر اكتراثاً للحرص على إنجاح الصيغة الديمقراطية فيه على الرغم من الانسدادات التي تبدو عليها الأمور.
الانقلابيون اليوم في السودان، مدركون أكثر من غيرهم لطبيعة المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه، خصوصاً بعد أن اتضح لهم، بما لا يدع مجالاً للشك، الحال الذي أصبح عليه السودان خلال أربعة أشهر من النتائج الكارثية للانقلاب.
لذلك فإن الضغوط التي جعلت من الانقلاب منبوذاً داخلياً بفضل قوى الثورة والقوى السياسية، وخارجياً، عبر المجتمع الدولي الذي رفض التعامل مع الانقلاب، من خلال تجميد وتعليق المساعدات الدولية، سواء عبر مساعدات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أو عبر مساعدات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى جانب الضغوط السياسية لمجموعة "الترويكا" (النرويج – أمريكا – بريطانيا) و عبر دول الرباعية (أميركا – السعودية – بريطانيا – الإمارات) إلى جانب مجموعة دول أصدقاء السودان. كل تلك الضغوط، هي اليوم ما يؤشر إلى تحريك الوضع السياسي في السودان باتجاه انفراج، على الرغم من الانسداد العام. 

فرصة العسكر الأخيرة
ويبدو أن الفرصة الأخيرة التي أمام العسكر للنزول من الشجرة هي مبادرة الأمم المتحدة التي يقودها رئيس البعثة الأممية في السودان (يونيتامس) فولكر بيرتس، والتي تجد دعماً كبيراً من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، خصوصاً بعد مؤتمر "أصدقاء السودان" الذي عُقد في الرياض الأسبوع الماضي، وشاركت فيه الولايات المتحدة بوفد رفيع المستوى ضم المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي ديفيد ساترفيلد، ومساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي فيي. وذهب الوفد بعد ذلك إلى السودان للقاء القوى السياسية والمكون العسكري ولجان المقاومة.
ثمة تحركات خارجية أخرى باتجاه الضغط على العسكر، كالزيارة السرية التي أجراها الوفد الإسرائيلي إلى السودان واجتمع بقيادة قوات الدعم السريع، إلى جانب الزيارة غير المعلنة، يوم السبت 22 يناير (كانون الثاني) الحالي، للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ونظن أن هاتين الزيارتين الخارجيتَين في تقارب توقيتهما مع زيارة الوفد الأميركي الرفيع، ربما تعكسان جهوداً خاصة في اتجاه دعم الجهود الأميركية والدولية المعلنة للخروج من أزمة الانقلاب، ولكن عبر قنوات ضغط خاصة مع العسكر. وفي تقديرنا، فإن الضغوط الداخلية لفاعليات الثورة، وضغوط المجتمع الدولي بقيادة أميركا ستثمر في النهاية حالةً من الانفراج في الوضع السياسي السوداني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن الحدود النسقية، وضيق مجال المناورة للعسكر، فضلاً عن عدم جدواها، لا يمكن أن تستمر لأكثر من أسابيع معدودة، لأن الوضع الذي سيكون عليه السودان بمرور تلك الأسابيع المحدودة، قد يفوق التصور في احتقانه وانسداده.

حالة إرباك
إن حدود التمانع كما يراهن على رسمها العسكر اليوم حيال الوضع السياسي، على الرغم من عدم جدواها الظاهرة، تغذيها حدود عدمية تصب في ذات الاتجاه وإن كانت معاكسة له، كموقف الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين التابع له، المناهض لمبادرة الأمم المتحدة والعامل باتجاه الوقوف ضد تلك المبادرة.
لقد كشفت أزمة انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن حالة خطيرة من الإرباك أصبح عليها السودان في ظل أوضاع سياسية بتلك الهشاشة، وما تعكسه بعض مواقف القوى السياسية والعسكرية اليوم من الدفع باتجاهات متمانعة تفضي إلى انسدادات عدمية، ما يقتضي من جميع القوى الدولية دعم قوى الاعتدال والحوار في الشارع السياسي. فالقوى السياسية التي تقدّر خطورة الموقف المصيري الذي أصبح عليه السودان اليوم نتيجة للتخريب الذي أوصله إليه نظام البشير طوال 30 عاماً، تضمر موقفاً عدمياً خطراً على مصير السودان، مهما بالغت في رفع الشعارات، ومهما ادعت الحرص على مواقف وطنية متشددة.

مرحلة الحسم
إن الأيام المقبلة ستشهد حركاً ثورياً حاسماً، من طرف قوى الثورة، في الوقت الذي سيراقب العالم فيه عن كثب طبيعة وردود فعل العسكر على الحراك والزخم الثوري الكبير. وفي تصورنا، فإن الحراك الخارجي من طرف المجتمع الدولي والولايات المتحدة والقوى الإقليمية ستسفر عن تطورات إيجابية في النهاية بفضل صمود الثورة السودانية وإصرار قوى الثورة على المطالبة المستمرة  بالسلطة المدنية الكاملة للشعب.
وإذا ما بدا اليوم، إن تجريب المجَرَّب (أي ما جرَّبه نظام الإسلام السياسي عبر الانقلاب العسكري لثلاثين عاماً) الذي يستأنف العسكر تجريبه مرةً أخرى منذ 25 أكتوبر، لا يمكن أن يفضي إلا إلى مزيد من الاحتقان، فإنه مع استمرار هذا التجريب الخطير، ستكون التداعيات القصيرة الأجل هي أسوأ ما يمكن أن يصير إليه مآل السودان ما لم تتدارك القوى السياسية العاقلة صيغةً لإنقاذ الوضع مع كافة الجهود السياسية الدولية والإقليمية التي تُبذل من أجل إخراج البلاد من وضعها الراهن.
وفيما يبدو اليوم الوضع محتقناً ومنسدّاً على هذا النحو الذي نراه، فإن معطيات الواقع الدولي والإقليمي والمحلي تتجه نحو الانفراج الذي لا بد منه، لأن الوضع في السودان، نظراً لما ذكرنا من معطيات، لا يمكن أن ينجرّ إلى أوضاع مماثلة مما بدت عليه بعض أوضاع دول الربيع العربي، فلا طبيعة الشعب السوداني ميالة إلى العنف، ولا صبر ذلك الشعب على قسوة تخريب نظام الإخوان المسلمين الذي سمم حياته لـ30 عاماً هي قسوة يمكن أن يحتملها شعب آخر، لهذا فإن استحقاق الشعب السوداني لمصير أحسن وحال أفضل هو المصير الذي يليق به جزاء صبره الصوفي العظيم على الأوضاع التي عاش فيها قسوةً سمّمت حياته خلال العقود الثلاثة الماضية.
إن قرار دعم الشعب السوداني وثورته السلمية كان قراراً دولياً، ولا يزال المجتمع الدولي حتى اليوم، وعلى رأسه الولايات المتحدة، ملتزماً بتحقيق هذا الاستحقاق، وهو ما يمكن الرهان عليه، على الرغم من الأوضاع المحتقنة نتيجة انقلاب 25 أكتوبر.

المزيد من آراء