Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يمكن البناء على الإشارات الإيجابية الأخيرة في العلاقات الإثيوبية السودانية؟

يشكل السلام بين البلدين ضرورة للتنمية وتنفيذ المشاريع الحيوية العابرة للحدود

جانب من احتفالات الإثيوبيين المسيحيين في أديس أبابا بعيد الغطاس، الذي يذكر باعتماد السيد المسيح في نهر الأردن، الثلاثاء 18 يناير الحالي (أ ب)

شهدت الفترة الأخيرة تجاوباً متبادلاً بين إثيوبيا والسودان لإرجاع العلاقات الثنائية إلى مسارها الطبيعي، بعدما كان السودان قرر إغلاق معبر القلابات في يوليو (تموز) الماضي إثر توتر أمني. ووضِعت زيارة وفد ولاية النيل الأزرق إلى إثيوبيا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ضمن إطار التكامل الأمني مع إقليم بني شنقول الإثيوبي المتاخم، واعتُبرت مؤشراً إلى نيات متفائلة لتحسين العلاقة بين البلدين، فهل تشهد المرحلة المقبلة تطورات إيجابية في هذا الملف؟

أدبيات العلاقة

يجمع الطرفان الإثيوبي والسوداني على أن علاقتهما متداخلة في الجوانب التاريخية والمعطيات الجغرافية، مما جعلهما بنظر بعض المؤرخين، بلداً واحداً. فمنذ فجر التاريخ، ظل تداخل الشعوب في تلك الرقعة الجغرافية التي تضم إثيوبيا والسودان، يُعتبَر حياة طبيعية تشترك في كل أوجه التفاعل من كدح وعطاء، إلى جانب الطباع المشتركة في العادات والتقاليد، لتظهر مدى الاندماج والخصائص المشتركة لشعوب المنطقة. وقال المؤرخ السوداني الدكتور جعفر ميرغني "عُرفت الحضارة في تلك المناطق بحضارات النوبة، وحبشت، والبجا، والحبشة، وإثيوبيا، حيث شهدت هذه الرقعة الجغرافية الممتدة ممالك متداخلة متنافسة، متعاقبة. وكان امتداد المنطقة من دون حدود فاصلة بين البلدين، وظلت هذه المنطقة الواسعة تشهد تعايشاً تلقائياً لآلاف السنين على امتداد يبدأ بطول البحر الأحمر والحدود الجنوبية الغربية من خارطة السودان الحديثة، حيث لا حدود فاصلة عبر مساحات شاسعة على مشارف مدار السرطان شمالاً إلى مشارف خط الاستواء جنوباً، في عرض يتناسب مع طوله من ساحل البحر الأحمر شرقاً إلى دارفور غرباً".
وللدولتين أعماق حضارية خاصة، عبر تأثير الديانات والثقافات العابرة، فارتبط تاريخ إثيوبيا منذ القدم بالديانة المسيحية التي لا تزال مرجع الثقافة والعادات والتقاليد لقطاعات سكانية كبيرة تأثرت بها، ولا تزال تنعكس عبر حياتها. أما السودان وعلى الرغم مما غشيه من أثر مسيحي في القديم، فإن عبور الإسلام إليه وتأثره بالهجرات العربية التي تغلغلت في أعماقه، أرسى فيه ثقافات متجددة في مقدمتها اللغة العربية التي سادت كلغة مخاطبة ووسيط ثقافي ارتبط بالإسلام. فالدولتان لهما خصائصهما الناجمة عن ظروف التاريخ والجغرافيا، ولا يزال مد التأثر جارياً نسبةً إلى التداخل بين الشعوب ضمن ظروف الحياة وتقلباتها، وما تتسبب فيه من هجرات متبادلة. ونتيجة لذلك، يشترك الشعبان في كثير من العادات إلى جانب قرب التقاليد وإيقاعات الفنون التي توحّد بينهما، حيث يلمس كل شعب تذوقه فنَّ الآخر، وهي خاصية يتميز بها الشعبان.

تقديم الحوار

من جهة أخرى، تؤثّر خلافات البلدين خلال العهد الحديث سلباً في إيجابيات التداخل والتلاقي، فمسألة الحدود بينهما وضعها المستعمر لتسهيل إدارته، ومن ثم أصبحت واقعاً سياسياً لم تستطع الدول التخلي عنها بحكم التنافس الطبيعي بين السكان.
وبعد ما شهدته الفترة السابقة من جفاء في العلاقة بين الدولتين في حيثيات قضية الفشقة، إثر دخول القوات السودانية إليها في عام 2020، يجمع الطرفان على أنه ينبغي أن تكون المفاوضات السلمية بين الدولتين هي الحل. وسواء في قضية الفشقة أو غيرها من القضايا الحدودية، يجب أن يجلس الطرفان للتفاوض، ويضعا أسساً ثابتة لمعالجة أي خلافات تطرأ بحكم التداخل الطبيعي بين سكان البلدين. ومن ثم شهدت الفترة السابقة هدوءاً في العلاقة، وحرص الطرفان الإثيوبي والسوداني على ضبط النفس تجاه أي عنف يستجد، ما جنبهما الدخول في صراع لا يستفيد منه أحد.
في إطار آخر، نجح البلدان في تعطيل فتَن حاولت القوى الدولية أن تخلق منها فرصاً للصراع، فقال الناطق الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية السفير دينا مفتي، بشأن مجريات الأحداث التي يشهدها السودان حالياً، إن بلاده "تحرص بشدة على سلام واستقرار السودان، والشعب السوداني قادر على حل مشاكله من دون تدخلات خارجية". وأضاف في تصريح لوكالة الأنباء الإثيوبية، أدلى به في يناير (كانون الثاني) الحالي، "أن أديس أبابا تراقب من كثب الوضع في السودان، وتثق بقدرة الشعب السوداني على حل خلافاته الداخلية سلمياً من دون أي تدخل أجنبي".
من جانبه، صرح سفير السودان لدى إثيوبيا جمال الشيخ في 13 يناير الحالي، أن "العلاقات السودانية - الإثيوبية قديمة شعبياً ورسمياً، وهي قوية على الرغم مما قد يعتريها من وقت إلى آخر من بعض المواقف والحالات الطارئة، لكن تظل هذه العلاقات استراتيجية، والسودان حريص جداً على علاقاته مع إثيوبيا كدولة جارة".

هدف السلام

في السياق، ظلت إثيوبيا تقدم السلام كهدف مرتبط بغايات التنمية التي تعمل من أجلها، فعملت على طي ملفات الخلاف مع الجارة إريتريا، ولعبت الحكومة الإثيوبية أدوار وساطة على النطاق الإقليمي تجاه العديد من مشاكل دول المنطقة، إلى جانب الدعوة الحكومية الحالية للسلام التي أطلقها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.
ويدرك السودان وإثيوبيا أن السلام بينهما يشكل أحد أهم دواعي الاستقرار في المنطقة الإقليمية، وتعتمد عليه الكثير من متطلبات التنمية والتكامل الاقتصادي العابر للحدود، وتحديداً مشاريع الطاقة والطرق البرية الرابطة بين البلدين وغيرها.
ولطالما مثّل مشروع سد النهضة غايةً تصبو إليها إثيوبيا منذ زمن طويل من أجل التنمية، وأصبح السد واقعاً بعدما لعب السودان دوراً تذكره أديس أبابا عبر تبنيه "اتفاقية الخرطوم للمبادئ" في مارس (آذار) 2015.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان لدعوة الرئيسة الإثيوبية ساهلي زويدي، الأسرة الدولية إلى دعم اتفاق السلام السوداني، إبان مشاركتها في احتفالية التوقيع النهائي لاتفاق "سلام السودان" في جوبا في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، دور في استقرار السودان.

مستجدات النيات

وكان وفد سوداني من ولاية النيل الأزرق زار إقليم بني شنقول غموز، غربي إثيوبيا، للمشاركة في منتدى تشاوري، في 28 ديسمبر الماضي، في أول زيارة بعد التوترات الحدودية بين البلدين. ووقعت الحكومتان الإقليميتان مذكرات تفاهم في قضايا أمنية واقتصادية. وأعرب حاكم إقليم بني شنقول غموز، الشاذلي حسن، عن سعادته لزيارة الوفد السوداني إلى إثيوبيا، وقال "إن الجانبين ناقشا قضايا أمنية واقتصادية واجتماعية وإعلامية، ووضعا خططاً للعمل المشترك بما فيه مصلحة شعبَي البلدين".
من جانبه، أكد والي ولاية النيل الأزرق السودانية اللواء أحمد العمدة، أن "عملية إحلال السلام والتنمية في إقليم بني شنقول غموز وولاية النيل الأزرق تُعد من الأولويات لدى حكومتَي البلدين". وأضاف "سنعمل على تنفيذ التوجيهات الموضوعة للعمل في القطاعات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية لاستقرار ورفعة بلدينا".

علاقات متجذرة

وحول طبيعة العلاقة الثنائية، قال السفير عبد المحمود عبد الحليم، مندوب السودان السابق بالأمم المتحدة، "لئن شهدت العلاقات السودانية - الإثيوبية صعوداً وهبوطاً طوال عهودها التاريخية السابقة لأسباب داخلية تارة، ولأصداء خارجية مرات أخرى، فإن الثابت تاريخاً ووجداناً أنها علاقات متجذرة وذات جرس وطعم خاص، وأنها علاقات عميقة شعبياً وليست فوقية، وكلما ألمت نازلة بهذه العلاقات فإن المصدات والمزاجات الكامنة عند شعبَي البلدين تعيدها فوراً إلى وضعها الطبيعي، هذا بخلاف وجود مصالح ومشتركات وعلاقات ثقافية واجتماعية، وتداخلات قبلية وإثنية وتحديات مشتركة". وأضاف "ما ينبغي أن يعلمه الحكام والأنظمة السياسية التي تأتي وتذهب أن هذه العلاقات خُلقت لتبقى، وأنه ينبغى تعزيز آلياتها وتواصل مؤسساتها المعنية بالتعاون الثنائي وحل المشكلات العالقة بالطرق السلمية".
وتجاه قضايا الحدود، رأى السفير عبد الحليم أنه "لا بد من عمل مشترك يسبقه إبداء حسن نيات، وأن تُعيد لجان الحدود نشاطها، وينبغي أن يُترجم هذا النشاط في وضع علامات الحدود بين البلدين لإغلاق أي ثغرات في هذا الجانب". وأضاف " أتوقع أن تؤدي هذه الخطوات في المرحلة المقبلة إلى تطور إيجابي في ملف العلاقات الثنائية، كي تتجه الجهود نحو التعاون والتنمية المشتركة".
الأسس الراسخة للتعاون
في سياق متصل، قال الباحث السياسي الإثيوبي زاهد زيدان الهرري، إن "العلاقات بين الحكومتين في السودان وإثيوبيا شهدت جفاءً في الفترة الأخيرة، بخاصة بعد التدخلات الخارجية في السودان، وما اعتمدته هذه الجهات الأجنبية من وسائل للنيل من علاقة البلدين". وأضاف "ثم أتت زيارة كبار العلماء والمفكرين وعدد من المهتمين بعلاقة البلدين إلى إثيوبيا في وقت سابق كدليل على حرص النخب السودانية ونظرائهم الإثيوبيين على الحفاظ على علاقة البلدين والرفع من شأنها بوجه المصاعب". وتابع زيدان "ولا ننسى تصريحات عضو مجلس السيادة السوداني، الأستاذ مالك عقار وتأكيده أن العلاقات بين البلدين لا بد أن تعود إلى سابق عهدها. كما هدفت زيارة الوفد السوداني برئاسة والي ولاية النيل الأزرق السودانية والعديد من الجنرالات والمسؤولين من كل ألوان الطيف السوداني في ديسمبر الماضي، إلى تعزيز التعاون المشترك بين البلدين في كل المجالات، وكان الترحيب بذلك الوفد كبيراً جداً من الجانب الإثيوبي في إقليم بني شنقول".
وعن مستجدات العلاقة، قال الباحث السياسي الإثيوبي إنه "في الأيام الماضية تم فتح الحدود المشتركة بين البلدين، وكان هناك سعادة وفرح عارم من قبل الشعبين اللذين لا يفترقان ولا يتخاصمان لأنهما يجتمعان برباط الأخوة والأصل الواحد". وزاد "مهما تغيّرت الحكومات فلن تتغير تلك الروح المشتركة بين الشعوب، ففي قناعتنا أن السودان هو الحبشة الشمالية وإثيوبيا الحبشة الجنوبية، كما قال الشاعر السوداني واصفاً إثيوبيا بأنها أخت بلاده وهذا المعنى متأصل في الشعبين".
واعتبر زيدان أن "المرحلة المقبلة مرحلة تعاون بين الحكومات، ونتمنى أن يكون التعاون بين الشعوب على كل المستويات والأصعدة، وإذا تم تعزيز التعاون لن يكون هنالك مجال لتدخل الآخرين للتأثير في علاقة البلدين. وسيكون سد النهضة الإثيوبي أحد رموز التعاون المشترك بين البلدين، لما سيوفره من فوائد للسودان، أجمع عليها الاختصاصيون. ففي الأقل سيتمكن السودان من استغلال حصته من المياه كاملة، حسب خبراء السدود، كما ستنتهي أضرار الفيضانات. يتبقى شيء واحد من حكومتي البلدين وهو وضع الأسس الراسخة للتعاون، وهو ما نرى أنه يتصدر متطلبات المرحلة المقبلة".

المزيد من متابعات