Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سرقة الكهرباء في لبنان لتشغيل مناجم تعدين العملات الرقمية

الزيادة المرتفعة لحمولة خطوط التغذية وراء كشف الجريمة التي يتربح أصحابها على حساب المواطنين

مراكز تعدين العملات المشفرة تسرق الكهرباء وتغرق لبنان في الظلام  (أ ف ب)

تنتشر ظاهرة تعدين العملات الرقمية بشكل ملحوظ في لبنان، خصوصاً في المناطق التي تتأمن فيها الكهرباء بشكل كبير، بطريقة شرعية أو غيرها. ففي ظل الأزمة التي تعصف بالبلاد ومع ارتفاع سعر صرف الدولار، تُعلّق آمال المواطن على أي مصدر للربح السريع بأي وسيلة كانت، فكيف بالأحرى إذا كان الربح الذي يمكن أن يحققه بالدولار "الفريش". هذا ما يبرر انجذاب قسم كبير من اللبنانيين إلى الاستثمار "أونلاين" في العملات المشفرة ولو كان المدخول قليلاً، فهو بالدولار ما يجعله يستحق المحاولة. وبما أن دخول أي شخص إلى هذا العالم يتطلب منه تأمين الكهرباء والإنترنت طوال اليوم، أوجد البعض الحل في التعدي على شبكة الكهرباء لأن المعدات المستخدمة لها قدرة عالية وتتطلب كميات هائلة من الطاقة لتشغيل الأجهزة المرتبطة ببعضها. فالهدف هو تحقيق مزيد من الربح ولو على حساب مواطنين آخرين يتكبّدون خسائر.

يحفظ القائمون بهذه الأنشطة البيانات وعمليات التداول ويعملون على تسجيلها في سلاسل محاسبية أو ما يُعرف بـ"سلسلة الكتل"، ما يتطلب استخدام الإنترنت والطاقة الكهربائية بمعدلات عالية جداً طوال الوقت لتشغيل الأجهزة المتخصصة في تعدين العملات الرقمية. و"لتحقيق مزيد من الأرباح وبمعدلات أعلى أُقيمت ’مزارع التعدين‘ التي تضم مجموعة كبيرة من الأجهزة التي تتطلب طاقة كهربائية هائلة، فبقدر زيادة عدد الأجهزة ترتفع الأرباح. وهي بالطبع من الأنشطة غير المنظمة بالقانون وغير الشرعية في لبنان، فيما يتم تنظيمها بالخارج على الأقل عبر تخصيص مناطق معينة يمكن ممارسة هذا النوع من الأنشطة فيها"، بحسب ما أوضح الخبير في التحوّل الرقمي وأمن المعلومات رولان أبي نجم في حديثه إلى "اندبندنت عربية".

يضيف، "في جزين مثلاً حيث يعتمد كثيرون على الطاقة المتجددة، لا تُعتبر ممارسة هذه الأنشطة مشكلة بما أنه يتم استهلاك الكهرباء المؤمنة من الطاقة المتجددة. إنما في الحالات العادية وحتى بغياب التعديات، بما أن تعدين العملات الرقمية يستهلك كثيراً من الطاقة يشكّل هذا عبئاً حقيقياً على شبكة الكهرباء في البلاد، خصوصاً أن الطاقة الكهربائية محدودة فيها، إذ إن الوضع بالأساس كارثي والشبكة منهكة ولا تُجرى لها أعمال الصيانة اللازمة".

 يؤكد أبي نجم أن "إفساح المجال لهذا النوع من الأنشطة يتطلب استهلاكاً خيالياً للطاقة الكهربائية على الشبكات التي لا تحتمل هذا الضغط الهائل، بغض النظر عن التعديات التي تحصل في بعض المناطق". ويوضح أن "المناطق التي تقع فيها التعديات هي تلك التي تحصل على ساعات أكثر من التغذية بالكهرباء، مقارنة بنظيرتها التي يعتمد المواطنون فيها على المولدات، الأمر الذي يفسح المجال للقائمين بهذه الأنشطة للاستفادة إلى أقصى حد ممكن، عبر هذه المخالفات والتعديات على الشبكات على حساب غيرهم من المواطنين الذين يتحمّلون الخسارة ويدفعون الثمن".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في بلدة الزعرورية في الشوف مثلاً وبلدات أخرى بالمنطقة ذاتها وجزين والمحيط، يستفيد "العاملون بالمنجم الافتراضي"، كما تمت تسميتهم، و"سماسرة" هذا العالم من تغذية هذه المناطق بالكهرباء في معظم ساعات النهار لاعتبارها تُنتج من المحطات الكهرومائية على نهر الليطاني. ولوحظ وجود خلل ما في شبكة الكهرباء وانقطاع في محوّلاتها لدى أهالي البلدة، كما يوضح رئيس البلدية سلام عثمان، ما دفعه إلى التوجه بخطاب إلى شركة كهرباء لبنان والجهات المعنية للتدخل وإزالة هذه التعديات على شبكات التوزيع التي يقوم بها المستثمرون في هذه الأنشطة.

يقول عثمان، "بما أننا لا نملك الصلاحيات للتدخل في هذا المجال، تدخلت الأجهزة المعنية ومن قبل شركة الكهرباء وتم تسجيل مخالفات وتحرير محاضر ضبط وإزالة التعديات. كما تلقّينا وعوداً بمتابعة هذا الموضوع عبر القيام بزيارات مفاجئة إلى البلدة حرصاً على عدم تكرار هذه الأعمال، على اعتبار أن الأزمة أسهمت في توجه كثيرين من المواطنين إلى هذا النوع من الأنشطة".

وكانت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، من جهتها، وجّهت خطاباً إلى مؤسسة كهرباء لبنان وإلى الوزارات المعنية كافة والنيابة العامة التمييزية للمطالبة بإزالة التعديات من قبل محال التعدين على شبكات التوزيع وبسبب سرقة الكهرباء في مناطق جزين وإقليم التفاح وجوارها المستفيدة من محطة الأوّلي. كما طالبت بتكليف الأجهزة الأمنية ضبط الأنشطة غير القانونية لمحال التعدين التي تستعمل العملات المشفرة ومصادرة الأجهزة المخصصة لذلك لعدم شرعيتها واستهلاكها الطاقة الكهربائية بمعدلات مرتفعة، وهو الأمر الذي اتضحت صحته، بحسب مدير عام ورئيس مجلس إدارة المصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية.

يقول علوية إن "حمولة خطوط التوتر المتوسط في معمل الأوّلي ارتفعت بشكل غير مبرر، بحيث إن الحمولة الإضافية تخطّت نسبة 20 في المئة من الاستهلاك العادي لهذا الخط خلال شهرين، مع الإشارة إلى أن مثل هذه التعديات التي تستهلك الشبكة العامة ومحطة التحويل تؤدي إلى إرهاقها، وصولاً إلى مرحلة توقفها عن خدمة المواطنين على أثر ذلك". وتحركت الأجهزة المعنية وضبطت محال التعدين هذه، وعلى الرغم من اتخاذ الإجراءات اللازمة في حينها بهذه المناطق، يبقى السؤال إذا ما كانت الجهات المعنية ستحرص على متابعة الموضوع حتى لا تتكرر هذه الأفعال. فيعرف الكل أنه بغياب المحاسبة وعدم تطبيق القوانين، تستمر الفوضى التي يستغلها كثيرون لتحقيق الأرباح في مختلف القطاعات.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي