Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صراع إداري وسياسي على سهل نينوى

يرفض المكون الشبكي قرارات صادرة عن جهات عليا نظراً إلى ما يتمتع به من قدرات أمنية وعسكرية

طلبة من جامعة الحمدانية خلال احتفالية لكافة مكونات المنطقة (عن الموقع الرسمي للجامعة)

بعد رفض مجلس محافظة الموصل يوم أمس، في مايو (أيار)، القرارات الأولية الصادرة عن مجلس الوزراء العراقي حول إعادة تخطيط الوحدات الإدارية وتشكيلها في المُحافظة، عادت النقاشات المُحتدمة حول المُستقبل الإداري والسياسي لمنطقة سهل نينوى، التي تشمل كامل منطقة شمال مدينة الموصل، ويعيش فيها خليط سُكاني من المكونات الاجتماعية والدينية والقومية العراقية، من مسيحيين ويزيديين وكُرد وعرب وشبك وكُرد كاكائيين. المخاطبات الأولية طوال الأشهر الأربعة الماضية بين الأجهزة الإدارية العراقية المُعقدة، من مجالس النواحي والأقضية في تلك المنطقة، مع مجلس محافظة الموصل ودائرة التخطيط في المُحافظة، وعن طريقها مع وزارة التخطيط العراقية، أدت إلى نتيجة غير متوقعة، إذ أصدر مجلس الوزراء العراقي قراراً أولياً باستحداث وحدتين إداريتين جديدتين في تلك المنطقة، واحدة شرق مدينة الموصل باسم "ناحية كلك" والأخرى شمال المدينة باسم "ناحية بازوايا"، على أن تكونا تابعتين إدارياً لمركز محافظة الموصل مباشرة.

قال رئيس شبكة تحالف الأقليات العراقية حُسام عبدالله في حديث  لـ "اندبندنت عربية" إن هذا القرار أثار حفيظة المكون الشبكي في تلك المنطقة، لأنه من جهة يعني أن القُرى الشبكية في "ناحية كلك" ستصبح ضمن تشكيل إداري ذي غالبية كُردية، وكذلك فإن القُرى الشبكية ضمن "ناحية بازوايا" ستكون تابعة مباشرة إلى مركز ذي غالبية عربية مُطلقة، ما يُهدد بانحلال المكون الشبكي ضمن الهويات الأكبر في تلك المنطقة، ولا يسمح بأن تتشكل وحدات إدارية ذات هوية شبكية واضحة، كما تُطالب التنظيمات والقوى السياسية الشبكية في المنطقة. فسّر عبدالله قُدرة المكون الشبكي على رفض القرارات الصادرة عن الجهات الأعلى إدارياً وسياسياً بالقدرات الأمنية والعسكرية الراهنة التي يتمتع بها الشبك في تلك المنطقة، خصوصاً عبر اللواء 30، الذي هو فصيل من الحشد الشعبي، مؤلف بالكامل من أبناء المكون الشبكي الشيعة، سلمتهم الحكومة المركزية السيطرة العسكرية والأمنية التامة على تلك المنطقة، بعد أحداث الـ 16 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2017، حين انسحبت قوات البيشمركة من تلك المناطق، ولم تُقدّم السُلطة المركزية دعماً واضحاً للشرطة المحلية أو الشرطة الاتحادية، مما سمح لفصائل الحشد الشعبي، وتحديداً فصيل اللواء 30 الشبكي الشيعي، بالهيمنة تماماً على تلك المنطقة.

صراع مسيحي شبكي

تمتد جذور المزاحمة بين مكونات المنطقة إلى أوقات سابقة. فمنطقة سهل نينوى التي تتشكل إدارياً من قضاء الحمدانية المؤلف من نواحي المركز وبرطلة والنمرود، شهدت صراعات  دائمة من هذا النوع، منها ما هو غير مرئي بين سُكان مراكز هذه النواحي وسُكان القُرى المحيطة والتابعة لها إدارياً واقتصادياً. فناحية المركز كانت على الدوام ذات غالبية سُكانية آشورية مسيحية، بينما كانت غالبية القُرى المُحيطة بها شبكية، كذلك ناحية برطلة، التي كانت ذات مركز مسيحي وقرى مؤلفة من مزيج من القُرى التركمانية والشبكية. أما ناحية النمرود، فكانت ذات غالبية عربية لكن القُرى المُحيطة بها كانت ذات غالبية كُردية كاكائية. بعد العام 2003، كانت هذه المنطقة جزءًا من المناطق المُتنازع عليها بين الحكومة المركزية العراقية وإقليم كُردستان العراق. لأجل ذلك، فإن الطرفين تقاسما إدارة تلك المناطق، أمنياً وبيروقراطياً. فقد كانت قوات البيشمركة وأجهزة الأسايش الكُردية تتشارك مع الشُرطة الاتحادية، السيطرة على تلك المنطقة، التي كانت تتبع المؤسسات الإدارية لمحافظة الموصل. شعرت تلك المكونات الشبكية والمسيحية من عام 2003 وحتى 2014 بالإهمال، لأن ثمة شراكة عربية كُردية في السيطرة على تلك المنطقة، أمنياً وإدارياً.

خلفية تاريخية

شكّل الآشوريون المسيحيون الغالبية التاريخية في تلك المنطقة، وهُم ما تبقى من أبناء العرق القومي الآشوري من الحضارات الآشورية والبابلية في العراق، حيث كانت مدينة الموصل والحواضر التاريخية المُحيطة بها مركز عاصمتهم التاريخية نينوى. ويقدر الآشوريون وباقي المكونات المسيحية من كلدان وسريان المنتمية لنفس العِرق، بحوالى مليون ونصف نسمة قبل الغزو الأميركي على العراق، لكن بسبب الأحوال الأمنية والهجرة، فإن آخر التقديرات تقول إن أعدادهم الحالية لا تزيد على ربع مليون فقط. أما الشبك، فهم تشكيل ثقافي واجتماعي يضم خليطاً من الأعراق الكُردية والفارسية، وتفيد الأبحاث الأنثروبولوجية بأنهم أتوا إلى العراق، وتحديداً إلى سهل نينوى، في القرن السابع عشر. يملك الشبك لهجة كُردية خاصة، أقرب لأن تكون لُغة بذاتها. تعرّضوا لحملات تعريب وتهجير شديدة في زمن حُكم حزب البعث، لأنهم رفضوا التخلي عن هويتهم اللغوية والعرقية الخاصة. وكان الإحصاء الرسمي العراقي للعام 1977 يفيد بأنهم حوالى 60 ألف مواطن، بينما تشير التقديرات الحديثة إلى أنهم يناهزون 200 ألف نسمة حالياً. مع هجوم داعش الشهير على تلك المنطقة طوال صيف 2014، فإن اليزيديين والمسيحيين والشبك الشيعة والكُرد الكاكائيين هُجروا من تلك المنطقة وتم الاستيلاء على مناطقهم وممتلكاتهم. بعد القضاء على داعش، عادت هذه المكونات إلى مناطقها، لكن مع كثير من الحساسيات نتيجة تبعات تلك الأحداث، وعودة المكون الشبكي كقوة عسكرية وأمنية مدعومة من السُلطة المركزية، خصوصاً بعد انسحاب قوات البيشمركة من تلك المناطق. فجميع المكونات تشعر بالغبن والتهميش في ظل الهيمنة الأمنية والعسكرية لأبناء المكون الشبكي، الشيعة منهم بالذات، الذين يسيطرون عبر اللواء 30 من الحشد الشعبي.

لكن أهم أوجه الحساسية الراهنة هي بين المسيحيين والشبك، فالمسيحيون يشعرون أن الشبك، وبفضل قوّتهم العسكرية والاقتصادية، باتوا ينزحون بكثافة من القُرى إلى مراكز النواحي والأقضية، وتحديداً إلى الحمدانية وبرطلة ذات الغالبية المسيحية، وأن هذا النزوح يستهدف محو الهوية المسيحية عن تلك المناطق.  الشبك بدورهم يشتكون من غياب الخدمات الصحية والتعليمية وشبكة الطُرق في قُراهم، وقلة المُخصصات المالية لمناطقهم، متذرّعين أن هذا النقص يدفعهم إلى النزوح نحو مراكز النواحي التي تتمتّع بالخدمات والاهتمام الحكومي، ومؤكدين أنهم لا يتقصدون أي شكل من أشكال التغيير الديموغرافي.

مبادرات مدنية

بعد ارتفاع وتيرة الحساسية بين المكوّنَيْن المسيحي والشبكي في هذه المنطقة، خصوصاً في ملفي الممتلكات والهجرة من القُرى الشبكية نحو مراكز النواحي المسيحية، فإن شبكة تحالف الأقليات العراقية تقدمت بمبادرة لحوار ثنائي بين القادة السياسيين والمُجتمعيين من أبناء هذين المكونين، وتحت رعاية من القوى السياسية العراقية والمؤسسات الدولية المُختصة. وأوضح رئيس شبكة تحالف الأقليات العراقية حُسام عبدالله أن تلك المُبادرة تُوّجت باتفاق مبدئي بين الطرفين، قائم على وضع حلول موضوعية لجوهر الصراع المُحتدم بينهُما، بحسب مبدأ تحويل بعض القُرى في تلك المنطقة إلى نواحٍ إدارية، وتحويل بعض النواحي إلى أقضية، لتفكيك حساسية بعض المكونات تجاه مسألة التغيير الديموغرافي، وزيادة المخصصات المالية والخدمات العامة في بعض المناطق بغية إزالة أسباب الهجرة الداخلية.  عبدالله أضاف أن التفاهمات توصلت إلى إمكانية تحويل قرية بازوايا الشبكية الكبيرة إلى ناحية، على أن تُستقطع القُرى الشبكية من ناحيتي برطلة وبعشيقة المسيحيتين، وأن تتحول بذلك إلى ناحية شبكية بالكامل، مرتبطة بقضاء بعشيقة، التي يجب أن تتحول بدورها من ناحية إلى قضاء. في المقابل، فإنه يجب أن تتحول قرية خورسيباط الشبكية أيضاً إلى ناحية أخرى، وبذلك يكون ثمة ناحيتان ذات غالبية شبكية مُرتبطتين بمركز قضاء بعشيقة، فتنتفي آلية الهجرة وحساسية التغيير الديموغرافي بين المكونين.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي