Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تعددت الأسباب والصورة النمطية واحدة

عندما يرد في الإعلام الغربيّ خبر عن أحكام إعدام في بلاد إسلامية فغالباً ما يشير إلى أنه سيتم بالسيف

الإعدام بالسيف يحضر في الذهنية الغربية كدلالة فانتازية مرتبطة بألف ليلة وليلة

الصورة النمطية للشعوب أمرٌ لا يمكن تجاوزه بسهولة. وتكاد تكون واحدة من أصعب التحديات الثقافية التي تواجهها كل الجهات المعنية في مجتمعات أكثر قبولاً للآخر وانسجاماً مع المكوّنات المختلفة فيها. ولكنها تشكّل فرصة أيضاً. ليس عندما تكون الصورة النمطية إيجابية فحسب، إذ إن سلبيتها أيضاً تمنح الخصوم السياسيين والإعلام الموجّه مساحة واسعةً للهجوم من دون الحاجة إلى إعداد تبريرات مقنعة.

أبرز ما يرد في الذهن في هذا العصر هو الصورة النمطية للشعوب العربية والمسلمة لدى الغرب. وهي صورة مغمّسة حتى آخرها في مخيال ألف ليلة وليلة، العمل الذي شارك به العرب والمسلمون في مسرح الثقافة العالمي للتاريخ البشري، ثم تورّطوا فيه إلى الأبد. ومن الغرائب فعلاً أن يظلّ هذا العمل يطلّ برأسه من خلف حجابِ التراث ويظلّ حاضراً في تفاعلات المجتمعات العربيةِ والغربية على الرغم من مرور كل هذه القرون الطويلة.

لننظرْ مثلاً إلى تناول الإعلام الأميركيّ عقوبةَ الإعدام وكيف يتمّ تسليط الضوء على أسلوب التنفيذ وليس الحكم نفسه. فالإعدام بالسيف مثلاً يحضر في الذهنية الغربية كدلالة فانتازية مرتبطة بألف ليلة وليلة، حتى أن السيف نفسَه يتم تصويره في الرسوم عريضاً معقوفاً مثلما يتخيل الغربيّ هذا السيف، الذي هو في حقيقة الأمر، لا يشبه السيف العربيّ النحيل الطويل. وعندما يرد في الإعلام الغربيّ خبرٌ عن أحكام إعدام صدرت في بلاد إسلامية، لا سيما السعودية، فإن الخبرَ غالباً ما يشير إلى أن الإعدام سيتمّ بالسيف. وكأن آليةَ التنفيذ تفوق أهمية الحكم نفسه. وهي في آخر المطاف، تكرّس صورة نمطيةً في الذهن الغربيّ بطريقة يتقنها الإعلام جيداً ويؤمن بأن الخبر الذي يكرّس ما في ذهن القارئ ينعكس إيجاباً على رضا المتلقي وصدقيةِ المصدر أكثرَ من الخبر الذي يزعزع ويشكك ويناقض مسلماتِ المتلقي وقناعاته.

إن هذا يحدث في إعلام دولةٍ لا تزال بعض ولاياتها تعدم مجرميها صعقاً بالكرسي الكهربائيّ. وعلى الرغم من ذلك، فإن من السائدِ أن نرى متلقياً للإعلام الأميركيّ وقد أثاره خبرٌ عن قطع رأس بالسيفِ في دولةٍ تبعد آلاف الأميال، ولا يثيرهُ خبرُ صعق شخصٍ بالكهرباء في سجنٍ قد يبعد عنه مئات الأمتار.

لماذا هذا المعيار المزدوج؟

إنها الصورة النمطية التي أوحت للمتلقي بأن ممارسةَ الإعدام بالسيفِ هي ارتجاعٌ لممارسات قروسطية، فانهمرت مع الخبرِ كتلةٌ من الإدانات الذهنيةِ لكلّ ما هو قديم وظلاميّ وقروسطيّ قد لا تكونُ لها علاقة بالقضية نفسها التي صدر بشأنها هذا الحكم. أما الكرسيّ الكهربائيّ الذي أُقرّ استخدامه في الولايات المتحدة قبل 130 عاماً فقط فلا يحمل معه هذه الحمولةَ الرجعية القروسطيةَ التي تثير المتلقّي.

بالتالي، فإن المقارنةَ بينهما لا تحضر في ذهنه أساساً على الرغم من أن كليهما حكمٌ بإنهاء حياة المتّهم. وهذا ما يفترضُ أن يكون محورَ الجدل ومنبع الأهمية. أما المقارنة التي تقوم على معاييرَ طبية للوسيلةِ الأقلّ إيلاماً وأكثرَ رحمةً فإنها لم تحضر أصلاً في سياق وجيهٍ ولم تطرحْ للنقاش على مستوى سياسيّ. فالخبرُ الذي حمله المصدر الإعلاميّ للمتلقي الغربيّ كان بسيطاً للغاية إلى الحدّ الذي لا يبعث معه حتى الحد الأدنى من الجدل: الموتُ بالسيف ممارسةٌ ظلامية تشي بأن الدول التي ما زالت تقرّها هي دولٌ رجعية تعيش في زمان ألف ليلة وليلة. في حين أن حكم الإعدام بالكرسيّ الكهربائي الذي تم تنفيذه في ولاية أركنسو الأميركية قبل ستة أشهرٍ فقط من تاريخ هذه المقالة ليس ممارسةً ظلاميةً ولا رجعية ولا حتى قاسية. طبعاً، باستثناء الجدلِ الحزبي في الولايات المتحدة بشأن أحكام الإعدام نفسها، والذي هو قائمٌ أيضاً في الدول العربية والإسلامية.

المزيد من آراء