Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل احتجاجات كازاخستان إشارة تحذير للكرملين؟

واشنطن تراقب التطورات في آلماتي وتتهم موسكو بالتضليل

ترددت أصداء الاحتجاجات في كازاخستان والتي بلغت ذروتها الأربعاء 5 يناير (كانون الثاني)، في أنحاء آسيا الوسطى والعالم، لكن وقعها في موسكو كان مختلفاً، حيث تابع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتفاضة أخرى ضد دولة متحالفة مع الكرملين، في أعقاب الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في أوكرانيا عام 2014 وبيلاروس عام 2020، مما دفع وسائل الإعلام الروسية إلى اتهام الولايات المتحدة بأنها تقف وراء حركة الاحتجاج، وهو ما نفته واشنطن ووصفت روسيا بالتضليل، فهل احتجاجات كازاخستان إشارة تحذير إلى بوتين كما يصورها بعضهم؟ أم هي نتيجة طبيعية لتردي الأوضاع الاقتصادية؟

بين الترقب والحسم

تراوح رد الفعل الأميركي تجاه احتجاجات كازاخستان المتصاعدة بين الترقب والحسم، فمن ناحية أصدرت الخارجية الأميركية بياناً مقتضباً قالت فيه إن الولايات المتحدة تتابع عن كثب الوضع في كازاخستان التي وصفتها بأنها شريك مهم، ودانت أعمال العنف وتدمير الممتلكات التي شهدتها البلاد خلال الاحتجاجات، ودعت السلطات والمتظاهرين إلى ضبط النفس واحترام المؤسسات الدستورية وحقوق الإنسان وحرية الإعلام، وحثت جميع الأطراف على إيجاد حل سلمي لحال الطوارئ.

لكن المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي كانت أكثر حسماً في تعاطيها مع ما رددته وسائل إعلام روسية موالية للكرملين، زعمت فيها أن الولايات المتحدة تقف وراء اضطرابات كازاخستان، وهو ما نفته ساكي بشدة مؤكدة ألا علاقة للولايات المتحدة بالاضطرابات في الجمهورية السوفياتية السابقة. وذهبت ساكي إلى حد وصف المزاعم الروسية بأنها مجنونة، بل من الواضح أنها جزء من قواعد اللعبة المعروفة للتضليل الروسي، على حد وصفها.

مشهد مرعب

غير أن ما تصفه وسائل الإعلام الأميركية بأنه مشهد مرعب لبوتين تمثل في تلك اللقطات التي غمرت وسائل التواصل الاجتماعي لتمثال نور سلطان نزارباييف وهو يسقط، فمن الناحية النظرية يعد نزارباييف البالغ من العمر 81 عاماً خارج دائرة الحكم، لكن من حيث الواقع لا يزال هو الحاكم الفعلي للبلاد، أو على الأقل له يد واضحة في إدارة شؤون البلاد مع الرئيس الحالي قاسم جومارت توكاييف الذي اختاره نزارباييف بعناية عندما تنحى عن السلطة عام 2019. وليس أدل على ذلك من أنه أصبح هدفاً مباشراً للمتظاهرين الذين هتفوا مطالبين برحيل من وصفوه "بالرجل العجوز" الذي يثير غضبهم المستمر كحاكم فعلي مدى الحياة.

وقد حافظ نزارباييف على قوة سياسية كبيرة، إذ حصل على لقب "زعيم الأمة" عام 2010، مما يحميه من الملاحقة القضائية حتى بعد التقاعد، واستمر في رئاسة مجلس الأمن في البلاد، بل إن العاصمة التي شيدت حديثاً في البلاد حملت اسمه الأول "نور سلطان". واستمرت روايات الفساد الكبير في الانتشار حول نزارباييف وعائلته منذ أن ترك منصبه، فبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية حاولت الحكومة البريطانية من دون جدوى إجبار ابنته وحفيده على شرح كيف تمكنا من شراء ممتلكات في لندن بقيمة 108 ملايين دولار، وكشفت تسريبات في ما يسمى أوراق "باندورا" عن اسم ملكة جمال سابقة وصفت في بعض التقارير بأنها الزوجة الثالثة غير الرسمية لنزارباييف، التي حصلت على مبلغ غامض قدره 30 مليون دولار.

آخر الوجوه السوفياتية

وعلى الرغم من أن نزارباييف لم يلعب أي دور في مكافحة الاحتجاجات، وترك ذلك لخليفته المختار توكاييف، إلا أن أعنف احتجاجات في حقبة ما بعد الشيوعية تضع قطيعة حاسمة لحكم الرجل بعد ثلاثة عقود من حكمه البلاد، والتي بدأت مع انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1990 وإعلان كازاخستان استقلالها، فمنذ ذلك التاريخ أصبح عامل الصلب السابق نور سلطان نزارباييف البالغ من العمر آنذاك 51 عاماً، الرئيس الأول للأمة الجديدة.

وعلى الرغم من كونه شخصية سابقة في الحزب الشيوعي فقد وعد بمستقبل جديد مشرق للبلاد تترسخ فيه الديمقراطية واقتصاد السوق.

لكن احتجاجات عشرات الآلاف على مضاعفة أسعار الوقود وتفشي الفساد وعدم التوزيع العادل لثروة بلد يعد الأغنى في وسط آسيا، عكست فشل نزارباييف ومن جاء بعده في الوفاء بالعهود، في بلد يقل عدد سكانه عن 19 مليون نسمة، ويبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 10 آلاف دولار سنوياً، على الرغم من الثروة النفطية الكبيرة في البلاد، كما يبلغ متوسط ​​الراتب الشهري فيه 570 دولاراً، بينما اقترب التضخم من تسعة في المئة على أساس سنوي حتى نهاية عام 2021.

إشارة تحذير

وبصرف النظر عن الموقف الأميركي من الاحتجاجات، إلا أن بعض المراقبين ومنهم المتخصص في شؤون آسيا الوسطى أركادي دوبنوف، اعتبر أن الاحتجاجات تمثل إشارة تحذير إلى الكرملين، واصفاً الحكومة في كازاخستان بأنها نسخة مصغرة من الحكومة الروسية، وأن الكرملين لن يرغب في رؤية النظام الحاكم في كازاخستان يتحدث إلى المعارضة ويستسلم لمطالبها.

ومن المرجح أن تثير صور تعرض الشرطة لهيمنة المتظاهرين القلق في موسكو، حيث تستسلم دولة أخرى مجاورة تشترك مع روسيا في حدود طويلة للاضطرابات السياسية.

علاوة على ذلك، فإن نزارباييف هو أحدث شخصية في حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي التي تواجه احتجاجات كبيرة في الشوارع خلال السنوات الماضية، ففي بيلاروس المقربة من موسكو أبقى الرجل القوي ألكسندر لوكاشينكو رقابة مشددة على البلاد منذ تنصيبه رئيساً عام 1994. وعندما اندلعت احتجاجات بعد انتخابات متنازع عليها قبل عامين، تمكن لوكاشينكو من سحق حركة الاحتجاجات، وأغلق وسائل الإعلام المستقلة واعتقل 34 ألف شخص، ولكن ما حدث هز الرجل المعروف باسم آخر ديكتاتور في أوروبا.

ويعد توقيت الاحتجاجات بعد أسابيع من دفع عشرات الآلاف من القوات الروسية نحو الحدود مع أوكرانيا التي انفصلت عن مدار موسكو عام 2014 محرجاً بشكل خاص لبوتين، الذي يأمل باستخدام اجتماعات الأسبوع المقبل مع الوفود الغربية لإعادة التفاوض في شأن الاتفاقات الأمنية الدولية لما بعد الحرب الباردة في شأن أوكرانيا، وما تعتبره روسيا مجال نفوذها في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى.

العصا والجزرة

لكن الجزرة التي حرص النظام على تقديمها للمحتجين في الرابع من يناير من وعد بخفض سعر الوقود إلى ما دون المستوى الذي كان عليه قبل الاحتجاج، وإعادة تقديم الدعم وإقالة الحكومة تماشياً مع مطالب المتظاهرين، تم التراجع عنها بعدما اتسعت دائرة الاحتجاجات وشملت مطالبات أخرى سياسية واقتصادية، فاتجه الرئيس توكاييف إلى استخدام العصا عبر إعلانه حال الطوارئ ووصف المتظاهرين بأنهم "عصابة من الإرهابيين الدوليين"، وأكد أن الوزراء سيظلون في مناصبهم حتى تشكيل حكومة جديدة، مما يجعل من غير المؤكد إذا ما كانت الاستقالة ذات تأثير كبير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وترافق ذلك مع إعلان تحالف عسكري تقوده روسيا إرسال قوات لحفظ السلام إلى كازاخستان، بناء على دعوة من رئيس البلاد للمساعدة في إخماد حركة الاحتجاج، من دون توضيح عدد الجنود الذين يمكن حشدهم أو المدة التي قد يمكثون فيها.

بينما تشتهر روسيا بإرسال قوات تحت ستار بعثات حفظ السلام، حيث تستمر لتأسيس وجود دائم في البلدان المضيفة، ولا يزال لدى الكرملين قوات لحفظ السلام متمركزة في ترانسنيستريا وإقليم ناغورنو قره باغ المتنازع عليه، فضلاً عن دعم الانفصاليين الروس في شرق أوكرانيا، وهناك قوات روسية في أجزاء من جورجيا وأبخازيا.

وبحسب رئيس كازاخستان، فإن دعوته لتدخل قوات من خارج البلاد هي النسخة الروسية من حلف شمال الأطلسي، وهي منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تضم روسيا وبيلاروس وأرمينيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، من أجل مساعدة كازاخستان على التغلب على هذا التهديد.

مزيد من التصعيد

ومع هذه التطورات بدا أن الوضع في كازاخستان يتجه نحو مزيد من المواجهات، إذ تعتزم السلطات قمع التظاهرات، بينما يريد المتظاهرون تحقيق مطالبهم التي خرجوا من أجلها وقد امتدت من المطالبة بتحسين الظروف المعيشية والاقتصادية لتشمل تحرراً سياسياً أوسع وانتخابات مباشرة لقادة كازاخستان الإقليميين، بدلاً من النظام الحالي للتعيين الرئاسي.

ويرى المحلل السياسي المقيم في ألماتي دوسيم ساتباييف، أن السلطات تمزج الوعود والتهديدات على أمل تهدئة الأمور، لكنها جهود لا تعمل حتى الآن، متوقعاً أن يرد النظام بقوة لأنه لا يمتلك أدوات أخرى.

ويشكل عدم الاستقرار مصدر قلق محتمل لشركات النفط الأجنبية، لا سيما في الولايات المتحدة، حيث استثمرت شركتا "إكسون موبيل" و"شيفرون" عشرات المليارات من الدولارات في غرب كازاخستان، وهي المنطقة التي بدأت فيها الاضطرابات هذا الشهر، وهناك اتحاد تقوده شركة "شيفرون" في خضم مشروع لتوسيع الإنتاج في حقل نفطي بري بكلفة تقديرية تبلغ 37 مليار دولار، وهو أحد أكبر استثمارات الطاقة في العالم الآن.

 

 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير