Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يتحمل رجل بايدن في فيينا اللوم عن تقدم البرنامج النووي الإيراني؟

ربما تحققت مخاوف المنتقدين لتعيين روبرت مالي بشكل آخر بعدما كانوا يخشون من اتفاق جديد من شأنه أن يقدم تنازلات كبيرة لطهران

روبرت مالي، المبعوث الأميركي الخاص لإيران، أمام فندق إمبريال بالقرب من فندق جراند فيينا حيث تُجري المحادثات النووية (أ ب)

أحد أكبر الإخفاقات السياسية للإدارة الأميركية وحلفائها الأوروبيين خلال عام 2021، هو الفشل في إعادة إيران إلى الاتفاق النووي مثلما تعهد الرئيس جو بايدن. ليس ذلك فحسب، بل استطاعت طهران خلال العام المنصرم اكتساب معرفة نووية أكبر واتخاذ مزيد من الخطوات التي تنتهك اتفاق عام 2015 بشكل واسع، فأعلنت إيران في أبريل (نيسان) الماضي أنها بدأت تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة أي أعلى بكثير من عتبة 3.67 في المئة المنصوص عليها في الاتفاق الدولي، مقتربة من نسبة 90 في المئة الضرورية لصنع قنبلة ذرية، على الرغم من نفيها أن تكون لديها نية بذلك.

يبدو أن هناك إقراراً في البيت الأبيض بهذا الإخفاق والبدء جدياً بالبحث عن بدائل، كما جاء مراراً على لسان كبار المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الذي قال قبل نحو أسبوعين خلال مؤتمر صحافي، إن واشنطن تعمل جاهدة مع حلفائها وشركائها في ما يتعلق بالبدائل في حال فشلت مفاوضات فيينا الرامية إلى إنقاذ الاتفاق النووي. كما أعرب دبلوماسيون من بريطانيا وفرنسا وألمانيا عن تشاؤم وإحباط من الوضع، قائلين لوكالة الصحافة الفرنسية، الشهر الماضي، "نضيع وقتاً ثميناً في مناقشة مواقف إيرانية جديدة، لا تتماشى مع خطة العمل الشاملة المشتركة أو تتجاوز ما تنص عليه".

قبل أيام، أفادت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية بأن إدارة بايدن تعرف أنه ربما لا سبيل لعقد اتفاق نووي مع إيران، وأنها تسعى إلى إلقاء اللوم على الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي من المفترض أن انسحابه من الاتفاق النووي في مايو (أيار) 2018، قدّم إلى طهران ذريعة لانتهاك الاتفاق النووي. ففي رده على تعليقات محاوره بأن "طريق الدبلوماسية يبدو أنه فاشل"، ركز بلينكن على إلقاء اللوم على الرئيس السابق، وقال إن قرار ترمب بالانسحاب من الاتفاق (اتفاق 2015) كان خطأ كارثياً، لأن ما حدث منذ ذلك الحين هو أن إيران استخدمت ذلك ذريعة للتراجع عن التزاماتها وإعادة بناء البرنامج النووي الذي قوّضه الاتفاق.

غير أن أنتوني روجيرو، الزميل لدى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، قال في مقال نشرته المجلة إن الحقيقة غير المريحة للإدارة الحالية هي أن التحركات الإيرانية الأكثر عدوانية، جاءت بعد انتخاب الرئيس بايدن، فما يدفع طهران إلى المضي قدماً في أنشطتها النووية ليس حملة الضغط القصوى التي شنّها ترمب عبر العقوبات الاقتصادية القاسية، ولكن قرار بايدن تخفيف هذا الضغط، مشيراً إلى أن التقدم النووي الأكبر كثيراً لإيران حدث بعد انتخاب بايدن، وليس بعد انسحاب ترمب من الاتفاق قبل أكثر من ثلاثة أعوام ونصف العام.

رجل بايدن في فيينا

وفي حين أقدمت طهران على سلسلة من التجاوزات النووية خلال عام 2021، في الوقت الذي كان ممثلوها يجلسون مع المفاوضين الدوليين بشكل مباشر والأميركيين بشكل غير مباشر، لم تقدِم واشنطن على فرض أي عواقب على تلك التجاوزات، بل واصلت سياسة "التفاوض فقط"، التي يعتقد البعض أن من يقف وراءها هو روبرت مالي، ممثل الإدارة الأميركية في فيينا، حيث تجري المحادثات النووية، وهو الدبلوماسي البارز الذي حاك قبلاً اتفاق عام 2015.

وبدأت المفاوضات العام الماضي بعرض أميركي مذهل لإيران وهو رفع العقوبات مقابل عودة طهران إلى الامتثال لبنود الاتفاق النووي، لكن في الوقت ذاته فشلت واشنطن في إرفاق العرض بإجراءات أخرى مثل الانسحاب من طاولة المفاوضات أو التلويح بعواقب حال الرفض أو المماطلة. ومن ثم واصل الإيرانيون المطالبة بمزيد من التنازلات، جنباً إلى جنب مع المضي قدماً في برنامجهم النووي، إذ تلاشى أي شعور حقيقي بالخطر أو الضغط.

يلقي مراقبون باللوم على مالي، الرئيس السابق لمجموعة الأزمات الدولية (مؤسسة بحثية) والمفاوض الأميركي، الذي لعب دوراً رئيساً في الاتفاق النووي خلال إدارة باراك أوباما. فعندما كان مالي يجلس في فندق الوفد الأميركي في فيينا، حيث تجري المفاوضات غير المباشرة بوساطة أوروبية ومشاركة روسيا والصين، همّت إيران إلى إنتاج اليورانيوم ورفع درجة تخصيبه إلى درجة نقاء 60 في المئة، وخفّضت تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في المواقع النووية المعلنة اعتباراً من فبراير (شباط) الماضي، إذ لم تعُد تسمح بمراجعة البيانات من معدات المراقبة وغيرها من التقنيات المستخدمة لمراقبة البرنامج النووي. ليس ذلك فحسب، فزادت طهران من إنتاج أجزاء أجهزة الطرد المركزي المتقدمة منذ أغسطس (آب).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول الكاتب البريطاني جاك سايمونز في مقال نُشر حديثاً بصحيفة "ذا سبيكتاتور"، إن جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، هو صوت أكثر منطقية في المعسكر الأميركي حيال إيران، لكن مالي قام بتهميشه باستمرار مصرّاً على فرض نسخته الخاصة من المفاوضات. ويعتقد سايمونز أنه نتيجة لذلك، ربما لا يعلم البيت الأبيض، الغارق في المشكلات الداخلية، الحجم الحقيقي للكارثة.

ومع استمرار المأزق شهراً تلو الآخر، بينما يواصل الإيرانيون تعزيز موقفهم بالمماطلة وفي الوقت ذاته تخصيب اليورانيوم إلى مستويات أعلى، أصبح المزاج السائد بين الدبلوماسيين الغربيين متصدعاً. وبحسب الكاتب البريطاني، هناك خلاف بين مالي وفريقه بشأن ذلك النهج الليّن تجاه إيران.

انتقادات سابقة

وعلى الرغم من أنه لا يمكن اختصار سياسة الإدارة الأميركية المتراخية تجاه إيران في فرد وحيد داخل فريق البيت الأبيض، فإنه منذ أن وقع الاختيار على مالي، المولود لأب يساري مصري يهودي، اعتبر بعض المراقبين والسياسيين داخل الولايات المتحدة أن اختيار مالي مبعوثاً خاصاً لإيران يتناقض مع ما يقوله بايدن ومسؤولوه في شأن ما ستسير عليه واشنطن حيال سلوك النظام الإيراني. واتفق المنتقدون على القول إن مالي يعتقد أن التعامل مع خصوم أميركا هو الطريقة الوحيدة لترويضهم. وغرد السيناتور الجمهوري توم كوتون، الذي دعم حملة الضغط القصوى ضد إيران، قائلاً "لدى مالي سجل حافل من التعاطف مع النظام الإيراني والعداء لإسرائيل". وأضاف أن تعيين "متطرفين" مثل مالي يكذّب كل خطاب الرئيس بايدن وتوني بلينكن عن الوحدة.

وأشار الكاتب الأميركي إيلي لاك، في مقال على وكالة "بلومبيرغ"، آنذاك، إلى أنه عام 2008، تم استبعاد مالي من حملة الانتخابات الرئاسية لأوباما في شأن السياسة الخارجية بعد ظهور تقارير تفيد بأنه التقى قادة حركة "حماس"، المصنفة منظمة إرهابية لدى الخارجية الأميركية.

وفي فبراير (شباط) 2021، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالاً يصف مالي بأنه "وكيل لكل شيء"، مستعينة بوصف بنجامين جيه رودس، نائب مستشار الأمن القومي السابق في إدارة أوباما، لمالي مازحاً "روب وكيل لكل شيء"، في إشارة إلى الجدل الخاص برؤيته للشرق الأوسط ودفاعه المعروف عن التعامل مع الجهات المختلفة، بما في ذلك حركة "حماس" و"حزب الله" ورئيس النظام السوري بشار الأسد. وأشارت إلى أنه بالنسبة لمنتقديه، فإن الدبلوماسي المخضرم يشك بشكل مفرط في القوة الأميركية، ويتعاطف مع الجهات الأجنبية بما في ذلك إيران.

ليس للمحافظين فقط، فحتى بعض الديمقراطيين الوسطيين لم يثقوا بمالي منذ أن عمل كمفاوض سلام للشرق الأوسط في إدارة بيل كلينتون، وفقاً للصحيفة. وبعد انهيار محادثات السلام الإسرائيلية - الفلسطينية في نهاية إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، فإن مالي، الذي شارك في تلك المحادثات، اعترض علناً على وجهة نظر كلينتون بأن المحادثات فشلت بسبب تصلب موقف الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وفشله في تقديم عرض.

عقيدة الدبلوماسية والأزمات الدولية

وبعيداً من الاتهامات التي قوبلت بدفاع من البيت الأبيض وسياسيين ومتخصصين في السياسة الخارجية ومؤسسات بحثية، فإن نهج مالي حيال إيران ينطلق من عقيدة سياسية تتعارض مع تلك النظرة الأخلاقية لدور أميركا في العالم، التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة والتي يؤمن بها الرئيس بايدن نفسه. هذه العقيدة السياسية هي ذاتها التي تأسست عليها مجموعة الأزمات الدولية، التي نشأت بهدف تعزيز حل النزاعات عبر الحوار والدبلوماسية دون غيرها.

ويقول جيمس تروب، الزميل لدى مركز التعاون الدولي التابع لجامعة نيويورك، إن تقارير تلك المؤسسة التي رأسها مالي وعمل بها لأعوام طويلة، والتي تستند إلى التقارير الميدانية الدقيقة، عادة ما تخلص إلى أن الأفعال الجبرية سواء من خلال القوة العسكرية أو العقوبات تزيد النزاعات بدل حلها، بينما الدبلوماسية لديها القدرة على إنهائها. ويضيف أن تلك العقيدة تقف وراء موقف المؤسسة الرافض للتدخل الأميركي في أماكن عدة مثل سوريا، وكذلك رفض المواجهات مع الجهات الفاعلة السيئة مثل المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي، إذا كان القيام بذلك سيؤثر في التسوية الدبلوماسية. وهي وجهة نظر تختلف عن أولئك الذين يصرون على أن الولايات المتحدة يجب ألّا تتردد في المواجهة في سبيل تأكيد قيمها.

رحيل مالي

وبصفته رجل بايدن المفوض بالتفاهم مع إيران والمسؤول عن كبح جماح برنامجها النووي الموسع، كان هؤلاء المنتقدون يخشون أن يضغط مالي من أجل اتفاق جديد مع طهران من شأنه أن يقدم تنازلات كبيرة لحكامها باسم المصالحة، وهو ما بات يتحدث عنه كثيرون في واشنطن حالياً بعد استمرار محادثات فيينا طيلة أشهر من دون جدوى، ومواصلة إيران تطوير برنامجها النووي من دون رادع.

وتقليدياً، يقول سايمونز، يميل الأميركيون إلى السماح لمفاوضيهم ومبعوثيهم بالركض حتى السقوط، ثم استبدالهم. فهناك شعور ملموس في الدوائر الدبلوماسية الغربية بأن النهاية تقترب بالنسبة إلى السيد مالي. وفي حين أن رحيله في الوقت الحالي سيلقي المفاوضات في حالة من الفوضى المؤقتة، والتأجيل اللاحق سيفيد إيران، فإن الكاتب البريطاني يعتقد أن هذا الضرر ربما يسمح للاعب أكثر جدّية بقيادة الوفد الأميركي.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات