Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التضخم والعملة وحياة الناس عناوين الاقتصاد في العام الجديد

السياسات النقدية قد تساعد في وقف ارتفاع الأسعار وزيادة كلفة المعيشة

موجات التضخم مستمرة مع العام الجديد وسط توجه الدول نحو تشديد السياسات النقدية ( رويترز)

ربما كانت الكلمة الأكثر تكراراً في الأخبار الاقتصادية وحتى الأخبار اليومية العادية خلال عام 2021 هي "التضخم"، ويظل المصطلح مهيمناً على الأخبار في العام الجديد 2022 حتى مع بدء بعض الدول في تشديد السياسة النقدية للحد من ارتفاع معدلات التضخم. وتظل السلطات المسؤولة عن وضع السياسات النقدية للدول الرئيسة في العالم في بؤرة الضوء خلال العام الجديد، وسط عدم يقين في شأن ما تتخذه من إجراءات، وإن كانت فعلاً ستكبح جماح التضخم أم لا.

ومع ذلك فقد حدث التأثير الأساس لموجة التضخم غير المسبوقة في أغلب اقتصادات العالم، وتلمس الناس العادية ذلك في تفاصيل حياتها اليومية مع ارتفاع الأسعار بوتيرة مطردة منذ بداية عام التعافي من أزمة وباء كورونا.

في البداية اعتبرت البنوك المركزية، المسؤولة عن وضع السياسة النقدية، أن موجة التضخم "انتقالية" ومؤقتة وناتجة من عودة النشاط الاقتصادي بقوة بعد عام الركود الذي صاحب إغلاق الاقتصاد للحد من انتشار وباء كورونا في 2020، لكن بنهاية العام 2021 ساد الاعتقاد بأن استمرار ارتفاع لتضخم ليس مؤقتاً، وإنما هو قوي ومستدام، مما يستدعي التصرف.

فما هي أهمية التضخم للاقتصاد العالمي ولحياة كل فرد في كل مكان حول العالم، ولماذا هذا القلق من استمرار ارتفاعه؟

معنى التضخم وأسبابه

ربما كان التعريف الأكثر إيجازاً للتضخم في أي اقتصاد هو "انخفاض القوة الشرائية للعملة الوطنية"، والذي ينعكس في ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ومع أن التضخم المرتفع يضر بفرص النمو الاقتصادي إلا أنه لبعض أصحاب الأصول يعد أمراً إيجابياً، لأنه يعني ارتفاع قيمة تلك الأصول مثل العقارات وغيرها.

لكن في الأغلب الأعم يعني تدهور قيمة العملة تدهوراً في مستوى حياة الناس نتيجة ارتفاع كلفة المعيشة، وعدم قدرة دخولهم ومدخراتهم على شراء حاجاتهم الضرورية لارتفاع أسعارها أمام تدهور القيمة الشرائية للعملة.

ولأن الوظيفة الأساسية للبنوك المركزية هي الحفاظ على معدلات التضخم عند مستويات معقولة، فإن ما تفعله حين تتجاوز مستويات التضخم النسبة التي حددتها كهدف لتوازن الأسعار واستقرار الاقتصاد، تبدأ في وقف ضخ السيولة في الاقتصاد وتشدد قيود الائتمان برفع أسعار الفائدة، وتكون النتيجة لرفع سعر الفائدة في أي بلد أن ترتفع قيمة عملته، أي تتحسن قوتها الشرائية، وهذا في النهاية ما يحد ارتفاع الأسعار.

غالباً ما يكون السبب الرئيس لزيادة معدلات التضخم هو ضخ كميات هائلة من السيولة النقدية، إما بطبع العملة وشراء البنوك المركزية لسندات الدين، أو بخفض معدلات الفائدة لتسهيل الإقراض.

 

ومع أزمة وباء كورونا قامت البنوك المركزية بالأمور الثلاثة معاً، مما جعل معدلات التضخم ترتفع بنسب غير مسبوقة، من أكثر من ستة في المئة في أكبر اقتصاد في العالم بالولايات المتحدة، إلى ما يزيد على خمسة في المئة في بريطانيا وأوروبا، ذلك على الرغم من أن معدل التضخم المستهدف من البنوك المركزية في كل تلك الدول هو في حدود اثنين في المئة.

يقاس التضخم عامة بمؤشرات عدة، أهمها أسعار المستهلكين، وترتفع الأسعار في السلع والخدمات إما لزيادة الطلب عن العرض في الاقتصاد، أو لارتفاع كلفة الإنتاج فتحمّل الزيادة على الأسعار للمستهلك.

ومع وباء كورونا برزت أهمية عامل ثالث هو "الدائرة المفرغة للمال السهل" مع مشكلات سلاسل التوريد، مما ضاعف كلفة الإنتاج في وقت زيادة هائلة في الطلب نتيجة توافر المال.

قيمة العملة

ومع خفض البنوك المركزية نسب الفائدة إلى قرب الصفر في معظم الاقتصادات الرئيسة وضخ النقد لتنشيط الاقتصاد في عام الوباء، تدهورت القوة الشرائية للعملة، مما غذى الارتفاع في معدلات التضخم، والآن تبدأ البنوك المركزية في نسبة الفائدة بعدما أوقفت برامج ضخ السيولة، لكن بعض الاقتصاديين والمحللين يشككون في أن معدلات الزيادة في سعر الفائدة ليست قوية بالقدر الذي يمكن أن يعزز القوة الشرائية للعملة، ويحد من ارتفاع الأسعار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذا في الاقتصادات الرئيسة التي تحكمها قواعد السوق، أما في الدول ذات الاقتصادات المختلطة (ما بين اقتصاد السوق والتنظيم من قبل الدولة) فإن السياسات النقدية غالباً ما تنظر للنمو الاقتصادي أكثر من مهمتها الرئيسة وهي ضبط التضخم.

على سبيل المثال، لطالما لجأت الصين لخفض قيمة عملتها عمداً لزيادة الإنفاق الاستهلاكي في الاقتصاد، بما يجعل نسب النمو في الناتج المحلي الإجمالي عالية، وهذا ما تحاول تركيا مثلاً فعله الآن، مع الفارق أنه في حال الصين كان التدخل منضبطاً بشدة، ومتوازياً مع نمو هائل في قطاع التصنيع، لذا لم يشهد الـ "يوان" انهياراً شديداً، ولم ترتفع الأسعار بشكل منفلت.

أما في تركيا، فإن خفض سعر الفائدة يدفع بالليرة نحو الانهيار وترتفع الأسعار، حتى أصبح معدل التضخم ما بين 20 و30 في المئة.

أما في معظم دول منطقة الشرق الأوسط، فإن ربط عملاتها بالدولار بشكل كامل أو جزئي، يحميها من تقلبات هائلة ويساعد السلطات النقدية في ضبط معدلات التضخم بالأدوات التقليدية من تحديد أسعار الفائدة وحجم ضخ السيولة في الاقتصاد، وإن كان ذلك بالطبع يعني أن اقتصاداتها تتأثر بارتفاع الأسعار بذات المعدلات التي يشهدها الاقتصاد الذي عملته الدولار.