Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تتفاعل القاهرة مع "فوضى" السياسة الليبية؟

مصر ترغب في إنجاز الانتخابات وعينها على ملفي "الميليشيات والمرتزقة الأجانب"

كثفت القاهرة من تواصلها مع كافة الأطراف الليبية خلال الفترة الأخيرة (أ ف ب)

وسط حال من القلق والترقب، تتابع القاهرة من كثب تطورات المشهد الليبي "المليء بالفوضى السياسية والأمنية"، وفق توصيف بعضهم، وذلك بعد تعثر عقد الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في الـ 24 من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، على وقع خلافات متفاقمة بين الأطراف الليبية في شأن القواعد الحاكمة للانتخابات وخريطة الطريق الممهدة للعملية السياسية برمتها.

يقول المعنيون بالملف الليبي في الأوساط المصرية، إن التعاطي المصري مع أزمة جارتها الغربية يحكمه بالأساس الحذر من بعض الجهات الفاعلة محلياً واللاعبين الإقليميين والدوليين، ورغبتها في الوصول إلى محطة الاستقرار والأمن وإعادة الإعمار، لما تمثله ليبيا من امتداد لأمنها القومي والجيواستراتيجي وفق تصريحات مسؤوليها المتكررة، كأهداف استراتيجية لن يمكن تحقيقها إلا مع وقف "انتشار الميليشيات والحركات المسلحة وإخراج المرتزقة المدعومين من الخارج"، وهى ملفات تصعب إنجاح أي عملية سياسية مستقبلية في هذا البلد الذي يعاني فوضى منذ العام 2011.

ومع تأكيد مصر رسمياً في أكثر من مناسبة حرصها على ضرورة إنجاز الانتخابات في مواعيدها المقررة سابقاً، (كانت الانتخابات الرئاسية مقررة في ديسمبر -  كانون الأول، والبرلمانية في يناير - كانون الثاني المقبل) كان السؤال الأبرز المطروح بالنسبة إلى دورها في الأيام الأخيرة، حول سياسات تحرك القاهرة في ليبيا ما بعد تأجيل الانتخابات، فضلاً عن أي المرشحين المحتملين في الانتخابات الرئاسية الذين تجاوز عددهم 90 مرشحاً وفق المفوضية الوطنية العليا للانتخابات الليبية، سيكون "فرس رهان" القاهرة مع تعدد الأسماء المعروف عنها قربها أو بعدها من المصالح المصرية.

والأربعاء 22 ديسمبر (كانون الأول) أعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات أنها تقترح وبالتنسيق مع مجلس النواب تأجيل الجولة الأولى من الاقتراع في الانتخابات الرئاسية، إلى 24 يناير (كانون الثاني) 2022، على أن يتولى مجلس النواب اتخاذ الإجراءات بإزالة "القوة القاهرة" التي تواجه استكمال العملية الانتخابية"، وذلك غداة إعلان اللجنة الانتخابية البرلمانية الليبية أنه سيكون "من المستحيل إجراء الانتخابات الرئاسية" في موعدها المقرر، داعية رئيس البرلمان إلى بدء التخطيط لخريطة طريق سياسية جديدة.

سياسة هادئة أم قلق وتخوف؟

بحسب تصريحات وأحاديث متواترة من مقربين وفاعلين في دوائر صناعة القرار المصرية المعنية بمتابعة الملف الليبي، "كان تأجيل الانتخابات وترجيح استحالة إتمامها في المواعيد المقررة سلفاً السيناريو الأرجح للعملية السياسية في ليبيا، نظراً إلى صعوبة توفير الظروف الأمنية والسياسية لإتمامها من جانب الحكومة الانتقالية الليبية التي تشكلت بداية العام 2021 في نهاية عملية بقيادة الأمم المتحدة، مهمتها تنظيم انتخابات رئاسية ومن ثم نيابية".

وقال مصدر دبلوماسي مصري لــ "اندبندنت عربية"، "لا تزال ملفات شائكة ومصيرية لإنجاح أي عملية سياسية موجودة على الأرض، أبرزها المرتزقة الأجانب وانتشار الميليشيات المسلحة، فضلاً عن التناحر السياسي المحتدم بين بعض الأطراف المحلية". مضيفاً، "كثفت القاهرة اتصالاتها الإقليمية والدولية ومع الأطراف المحلية خلال الأشهر الأخيرة لحلحلة هذه الملفات، بهدف تهيئة الأجواء للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، إلا أنها لم تحرز التقدم المطلوب".

وقبل ثلاثة أيام من الموعد الذي كان مقرراً للانتخابات الرئاسية في ليبيا في الـ 24 من الشهر الحالي، أعلنت رئاسة الجمهورية المصرية استقبال الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، إذ أكد الرئيس المصري خلال اللقاء دعم بلاده الكامل لكل ما من شأنه أن يحقق المصلحة العليا للشقيقة ليبيا، ويفعل الإرادة الحرة لشعبها ويحافظ على وحدة وسيادة أراضيها.

وفي الـ 25 من الشهر ذاته أجرى السيسي محادثات هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تصدرتها الأزمة الليبية، وذكرت رئاسة الجمهورية المصرية أن الاتصال تناول استعراض تطورات الأوضاع الراهنة في ليبيا، إذ أكد أن مصر مستمرة في جهودها ومساعيها إلى تقريب وجهات النظر بين الأشقاء الليبيين، حتى يتسنى لليبيا عبور المرحلة الانتقالية الحالية وتفعيل الإرادة الحرة للشعب الليبي الشقيق في اختيار قياداته وممثليه، موضحة أنه جرى التوافق بين الجانبين خلال الاتصال على أهمية تكثيف الجهود المشتركة والتنسيق المتبادل بين مصر وروسيا لتسوية الأزمة الليبية، وتحقيق الطموحات المنشودة للشعب الليبي في مستقبل أفضل، وكذلك مكافحة وتقويض الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، ووضع حد للتدخلات الخارجية غير المشروعة في الشأن الليبي.

وذكر الدبلوماسي المصري في حديثه المقتضب إلينا، أنه "مع الحرص المصري الشديد على أهمية وضرورة إنجاز محطة الانتخابات الملحة في مسار العملية السياسية في ليبيا، إلا أن هناك قلقاً من إجرائها في ظل وجود مرتزقة أجانب تابعين لأطراف خارجية، وهو ما يرشح التدخل في سير العملية الانتخابية والتأثير في سيرها". مضيفاً، "أبدت القاهرة هذه الملاحظات خلال اتصالاتها وتنسيقها مع الأطراف الدولية الصديقة في ما يتعلق بالملف الليبي، إلا أن الملف لم يحل بعد".

وتابع، "تدعم القاهرة كل ما يخدم تطلعات وطموحات الشعب الليبي ويحقق الأمن والاستقرار في الجارة الغربية، ونتابع التطورات الخاصة بإجراء الانتخابات التي تتخذها اللجنة الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا".

ويقول مراقبون مصريون إن قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية في ليبيا من قبل اللجنة الوطنية العليا للانتخابات يبقى الأصوب، لا سيما في ظل ما تبدى خلال الأسابيع الأخيرة من تعبئة عسكرية من قبل بعض الجماعات المسلحة في ليبيا، مما زاد مخاوف انهيار العملية الانتخابية، وتحدد تصاعد الصراعات المحلية وتفجير جولة جديدة من العنف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلى ذلك، ووفق تصريحات أحد الدبلوماسيين الغربيين في القاهرة لـ "اندبندنت عربية"، فإن "الأطراف الغربية الفاعلة في الأزمة تدرك جيداً أهمية ما تمثله ليبيا بالنسبة إلى القاهرة، وهناك تنسيق عالي المستوى وعلى كل الصعد في هذا الخصوص، إلا أن هناك بعض نقاط التباين في الرؤى حول العملية الانتخابية".

ومن دون توضيح نقاط التباين تابع الدبلوماسي الأوروبي، "العملية السياسية والانتخابات يجب أن تعود لمسارها في أسرع وقت، إذ تزداد التخوفات من أن تقوض الخلافات سواء بين الأطراف المحلية أو الإقليمية خريطة الطريق في ليبيا وعملية السلام الأشمل المدعومة من الأمم المتحدة بين المعسكرين الرئيسين في شرق البلاد وغربها، اللذين التزما وقف إطلاق النار منذ العام الماضي".

وفي أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي جرى التوقيع على وقف لإطلاق النار بين المعسكرين الرئيسين المتنافسين في شرق ليبيا وغربها، أُنهيت بموجبه العمليات العسكرية التي شنها "الجيش الوطني الليبي" بقيادة المشير خليفة حفتر على طرابلس وغرب ليبيا واستمرت 15 شهراً، وانتهت بانسحاب قواته إلى سرت منتصف العام 2020.

أين تقف مصر؟

وفق مراقبين مصريين وليبيين تحدثت إليهم "اندبندنت عربية"، فإن محددات رئيسة تحكم التحرك المصري في ليبيا، اتساقاً مع ما تمثله الجارة الغربية لها من أهمية وارتباط وثيق بأمنها القومي والاستراتيجي، مضيفين أن الغاية بالنسبة إلى القاهرة تبقي استقرار الأوضاع في ليبيا ووصول حكومة منتخبة تعبر عن إرادة الليبيين، وقادرة على إنهاء صور الفوضى وعدم الاستقرار الممتد منذ 10 سنوات.

يقول الباحث المتخصص في الشأن الليبي بالمركز المصري للفكر والدراسات أحمد عليبة، "لم تغير القاهرة سياستها المتبعة تجاه الملف الليبي منذ سنوات، وتتعاطى في الوضع الراهن انطلاقاً من اعتبار أن أزمتها لا تزال مستمرة وممتدة، وبالتالي فمن المهم جداً الحفاظ على الخطوات التي جرى إنجازها في مسارها، ويمكن البناء عليها بشكل جيد".

وأوضح، "بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار في أكتوبر من العام الماضي وضعت بعض الأسس وحدثت توافقات دولية ومحلية في شأنها، وعليه حصل إنجاز في بعض الملفات ولو كان نسبياً، وبعضها الآخر حدث فيه تراجع أو لم يكتمل بعد مثل الانتخابات، وهو الأمر الذي ترغب القاهرة في استمرار الحفاظ عليه عبر تكثيف التواصل والتنسيق مع الأطراف الليبية المختلفة والدولية المعنية بالأزمة".

ويضيف عليبة، "في مرحلة الانتخابات الراهنة في ليبيا لا يرتبط القلق الرئيس من تأجيلها بقدر الخوف من احتمالات تصاعد التوتر بين الأطراف في الداخل الليبي، ومن ثم خروج الأمور عن السيطرة وانهيار وقف إطلاق النار الذي يعد أبرز المكتسبات التي تحققت خلال السنوات الأخيرة".

ويتابع، "أعتقد أن مصر الآن في مرحلة المتابعة وتكثيف الاتصالات بالنسبة إلى ليبيا، وكما اعتدنا على السياسة المصرية في هذا الشأن فهي لا تضع مسارات أو مواقف استباقية أو توجيهاً لبعض الأطراف، بقدر ما هي تحاول تقديم النصيحة والتنسيق والدعم في المرحلة الحالية لليبيين، انطلاقاً من محورية الدور المصري في الأزمة"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أهمية تضافر الجهود الدولية والمحلية في تأكيد عدم إطالة الفترة ما بعد 24 ديسمبر (موعد الانتخابات الرئاسية)، حتى لا نفقد الزخم في شأن الانتخابات، فضلاً عن التوصل إلى جدول واضح لما هو قادم لتفادي الإشكالات التي حدثت خلال الفترة الماضية.

من جانبه، يقول مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي، "تنطلق الرؤية المصرية من ضرورة تحقيق الاستقرار والأمن في ليبيا، وإنجاز انتخابات معبرة بشكل كامل عن طموحات وإرادة الليبيين الحرة من دون تدخلات خارجية، ونتفهم بواعث القلق لدى السلطات الليبية الحالية في شأن تأجيل الانتخابات".

ويضيف هريدي، "الانتخابات الليبية سواء الرئاسية أو البرلمانية هي محطة مفصلية في تاريخ التسوية السلمية لليبيا، ومنعطف تاريخي مهم جداً".

وتابع: "لكن يبقى خروج القوات الأجنبية من ليبيا مسألة مهمة ومصيرية بالنسبة إلى مصر، لأن عملهم يقوض أي فرصة للتسوية ويلعب بمقدرات الدولة الليبية من دون أي مسؤولية"، مشيراً إلى أن "أبرز ما يميز السياسة المصرية في الفترة الأخيرة تجاه ليبيا هو تشكيل علاقات جيدة وعميقة مع كل أطراف الصراع، ومحاولة الوصول لتكون على مسافة واحدة من الجميع".

بدوره، ووفق أستاذ القانون الليبي محمد الزبيدي فإن "ارتباط أمن واستقرار ليبيا الوثيق بالأمن القومي المصري يحتم على القاهرة لعب دور محوري، خشية أن تتحول جارتها الغربية إلى نقطة ارتكاز للجماعات الإرهابية والمتطرفة التي تزيد الفوضى وعدم الاستقرار إقليمياً ودولياً".

ويوضح الزبيدي أنه "في الفترة الأخيرة نجحت مصر في تكوين علاقات جيدة مع كل الأطراف الليبية، وهو ما يعني في مرحلة الانتخابات أن تكون على مسافة واحدة من الجميع، وعدم فرض شخصية بعينها عبر التدخل في مسار الانتخابات كما تحاول بعض الأطراف الدولية الأخرى". مضيفاً، "التأجيل الذي طاول الانتخابات الرئاسية كان الخيار الأرجح في ظل الفوضى السياسية والأمنية المستمرة، وعدم تهيئة الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات".

المزيد من تقارير