Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مستقبل النفط الصخري في الولايات المتحدة

بدأت الأمور تتغير... فالشركات تحقق تدفقات نقدية حرة رغم توزيعات الأرباح وتستطيع تدويرها بالاستثمار

فترة انخفاض الأسعار كانت فرصة كبيرة للقيام بحفر آبار جديدة (أ ف ب)

حتى يتم تخفيض استهلاك النفط بنحو 8 ملايين برميل يومياً، يجب أن يكون على الطرق نحو 225 مليون سيارة كهربائية في العالم. هناك أقل من 25 مليون سيارة كهربائية حالياً. في أي عام سيكون هناك 225 مليون سيارة كهربائية؟ الوكالة الدولية للطاقة تتوقع أن يبلغ عدد السيارات الكهربائية 145 بحلول 2030. هذا التطور الرهيب جعل مؤيدي السيارات الكهربائية يصفون هذا التقنية بأنها مزعزعة، وفي بعض الترجمات يستخدمون كلمة "تخريبية"، ولكن بالمعنى الجيد لها.

توقع الوكالة الدولية للطاقة يعني أنه خلال 20 عاماً، ستخفض هذه التقنية المزعزعة الطلب على النفط بنحو 5.16 مليون برميل يومياً.

إذاً، ماذا نقول عن التقنية التي أضافت نحو 8 ملايين برميل يومياً خلال 8 سنوات؟ أليست مزعزعة؟ أليس أثرها أكبر خلال فترة زمنية قصيرة جداً؟

لهذا، نسميها ثورة الصخري. الثورة تقلب الموازين رأساً على عقب. وهذا ما فعلته ثورة الصخري، قلبت كل الموازين رأساً على عقب. فقد جعلت هذه الثورة الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط والغاز، ومن كبار مصدري النفط والغاز، بعدما كانت تستورد كليهما! ولهذه الثورة انعكاسات سياسية عدة، نرى بعضها اليوم في ما يخص أزمة الغاز في أوروبا.

هذه الثورة لن تتكرر في أماكن أخرى، على الرغم من استفادة بعض الدول من الغاز والنفط الصخريين. ولعل رأس الدول المستفيدة من الغاز الصخري هي السعودية. ولكن، لماذا لن تتكرر الثورة في أماكن أخرى؟ هناك أسباب عديدة أهمها الملكية الخاصة للموارد في الولايات المتحدة، ووجود بنية تحتية مسبقاً، ووجود قوانين وأنظمة تحكم الصناعة. وهناك الجامعات التي ترفد الصناعة بالخبراء والمهندسين والعمالة الماهرة، وبالبحوث المختلفة.

أزمة النفط الصخري

حقق المستثمرون أرباحاً ضخمة في بداية ثورة النفط الصخري، خصوصاً مع تضاعف أسهم بعض الشركات أكثر من 30 مرة خلال أقل من عامين. إلا أن انهيار أسعار النفط في عام 2015، جعل الصناعة كسيحة في تلك الفترة، وانخفض الإنتاج بنحو مليون برميل يومياً. ومع تحسن الأسعار، على الرغم من أن التحسن كان طفيفاً، انتعشت الصناعة بشكل كبير، ورفعت الإنتاج باستمرار حتى أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج في العالم، وأصبحت مصدّراً صافياً للنفط في بعض الفترات في عامي 2018 و2019. إلا أن المستثمرين أُصيبوا بخسائر ضخمة طيلة هذه الفترة.

بدأت معاناة النفط الصخري مع ندرة التمويل في 2019، وبدأ نمو الإنتاج بالتناقص بشكل كبير، إلا أن الخلاف الروسي - السعودي في مارس (آذار) 2020 الذي خفض الأسعار بشكل كبير كان جرس الإنذار. ثم جاءت الإغلاقات نتيجة انتشار فيروس كورونا، فقصمت ظهر صناعة النفط الصخري، خصوصاً عندما تحولت أسعار خام غرب تكساس إلى السالب في 20 أبريل (نيسان) 2020.

الأسعار السالبة شائعة في قطاعي الغاز والكهرباء، ولكنها لا تحصل في أسواق النفط (هناك حالة واحدة في كولورادو، ولكن سببها رغبة المنتج في التخلص من النفط الثقيل الذي لاتقبله خطوط الأنابيب، وكانت الكمية قليلة. بعبارة أخرى، نظر المنتج إلى النفط الثقيل على أنه عفش زائد يجب التخلص منه، وعليه أن يدفع للتخلص منه). تضافرت عوامل عدة يومها لتحول أسعار النفط إلى السالب، منها طبيعة عقد خام غرب تكساس الذي يجب أن ينتهي بالتسليم، بينما عقد برنت يمكن أن ينتهي بخسارة من دون اشتراط التسليم، ولكن حالة الأسعار السالبة هذه كانت وما زالت وستظل نادرة. وجدير بالذكر أنه لا يوجد منتج أميركي واحد باع بسعر سالب. الكميات القليلة التي تم تداولها كانت بين تجار نفط، وليس بين منتج ومشتر. وقام من ليس لديه قدرة على التخزين ببيع النفط بالسالب لمن لديه مكان للتخزين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كي يتفادى المنتجون بيع النفط بأسعار منخفضة، التي كانت أخفض من تكاليف التشغيل، أغلقوا عدداً كبيراً من الآبار في كل مناطق الصخري من حوض "إيغل فورد" في جنوب الولايات المتحدة إلى حوض "داكوتا" الشمالية في شمال الولايات المتحدة، فانخفض الإنتاج بنحو مليون برميل يومياً. بعد قيام دول "أوبك+" بتخفيض الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل يومياً ابتداء من مايو (أيار) 2020، بدأت أسعار النفط بالتحسن. ومع هذا التحسن، بدأ المنتجون بفتحون الآبار المغلقة، وبدأ إنتاج النفط في الزيادة. 

فترة انخفاض الأسعار كانت فرصة كبيرة للقيام بحفر آبار جديدة، أو إكمال ما تم حفره، أو فرصة للاستحواذ. ولكن، لم يتم ذلك لعدم توافر سيولة عند هذه الشركات، ورفض البنوك تقديم قروض أو توسيع خطوط الائتمان. وبعد ارتفاع الأسعار وتجاوزها 60 دولاراً للبرميل، لم تستطع الشركات التوسع في عمليات الحفر والإكمال للسبب نفسه. إلا أن هناك أموراً إضافية زادات الطين بلة، وهي الأمور المتعلقة بالحوكمة البيئية والمجتمعية من جهة، والاتجاهات العامة للوصول للحياد الكربوني من جهة أخرى. كل هذه الأمور منعت إنتاج النفط الصخري من النمو بشكل كبير.

إلا أن السبب الرئيس لعدم نمو إنتاج النفط الصخري خلال الأشهر الماضية بشكل كبير هو عمليات التحوط التي تمت في فترة ماضية، وبأسعار رخيصة. ففي الوقت الذي وصلت فيه أسعار النفط إلى 75 دولاراً، كان كثير من الشركات الأميركية تبيع نفطها ما بين 40 و45 دولاراً للبرميل، بسبب عمليات التحوط. هذا يعني أن الشركات لم تتمكن من تحسين وضعها المالي بما يتناسب مع أسعار النفط، ومن ثم فلم يكن هناك أي حوافز لقيام البنوك والمستثمرين بدعم هذه الشركات. 

في ظل عدم توافر التمويل، تعاني صناعة النفط الصخري من ارتفاع معدلات النضوب، ونظراً للمستوى المرتفع للإنتاج، فإن معظم الاستثمارات الحالية يذهب للتعويض عن النضوب. بمعنى آخر، معظم الاستثمارات تذهب للحفاظ على مستوى الإنتاج.

المستقبل

الآن، بدأت الأمور تتغير. فالشركات تحقق تدفقات نقدية حرة، على الرغم من توزيعات الأرباح، وتستطيع تدويرها بالاستثمار. وجود تدفقات نقدية حرة، وتحقيق هذه الشركات أرباحاً كبيرة، بدأ جذب المستثمرين، خصوصاً الصناديق المتخصصة. كما أن البنوك بدأت تغير نظرتها نحو القطاع ككل. لهذا، نجد أن هذه البنوك هي التي تتوقع أسعار نفط عالية في 2022. وبدأت كبرى شركات النفط تركز على النفط الصخري.

في الوقت نفسه، حصلت تطورات عدة في العامين الماضيين نتج منها زيادة في الكفاءة في إدارة مشاريع الصخري، وانخفاض التكاليف. 

وعلى الرغم من هذه الأخبار الإيجابية، إلا أن هناك عقبات.

العقبة الأولى تمويلية. تحتاج صناعة الصخري إلى أموال ضخمة كي تنمو، ليس بسبب ارتفاع معدلات النضوب وتصاعد حدة الحرب ضدها فحسب، ولكن بسبب الانخفاض الكبير في أعداد الآبار المحفورة غير المكملة أيضاً، والتي ساعد وجودها الصناعة في العامين الماضيين. وعلى الرغم من إعلان إدارة معلومات الطاقة الأميركية عن وجود آلاف الآبار غير المكملة حالياً، إلا أن جزءاً كبيراً منها لن يتم إكماله لأسباب متعددة معظمها يتعلق بالتقنية والجيولوجيا، وتوافر معلومات إضافية عن المنطقة.

العقبة الثانية تشغيلية. فقد قامت الصناعة بتسريح عشرات الألوف من المهندسين والعمال المهرة في 2020، وأغلبهم لن يعودوا للصناعة. في الوقت نفسه، انخفض عدد الطلاب الذي يدرسون هندسة النفط والجيولوجيا بشكل كبير في الجامعات الأميركية لدرجة أن بعض الأقسام أغلقت. يأتي هذا في ظل قوانين تحد من الهجرة والاستقدام، وفي ظل الحجر ومنع السفر والإغلاقات بسبب كورونا.

العقبة الثالثة بيئية. المشكلة هنا ليست القوانين الحكومية، وإنما متطلبات المستثمرين ومجالس الإدارة، بغض النظر عن صحة هذه المواقف أم لا. الحوكمة البيئية والاجتماعية تعني زيادة التكاليف وانخفاض معدلات نمو الإنتاج.

العقبة الرابعة التضخم. على الرغم من تحسن الكفاءة وانخفاض التكاليف في العامين الماضيين، إلا أن التضخم الذي ضرب كل شيء، ونقص العمالة، وارتفاع أسعار الفائدة يعني ارتفاع التكاليف، وهذا بدوره يؤدي إلى محدودية الزيادة في الإنتاج.

خلاصة الأمر، أن هناك عوامل داعمة لزيادة الإنتاج، وهناك عوامل محجمة له. وبناء على المعطيات الحالية يتضح أن العوامل المحجمة له ستحد من نموه، ومن ثم فإن إنتاج النفط الصخري سيرتفع، ولكن بشكل محدود، على الرغم من عودة المستثمرين للقطاع.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء