Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المطبخ اليهودي يزيد المائدة التونسية تنوعا وغنى

أكلات تتحدث عن عمق التعايش التاريخي بين الأديان والحضارات التي مرت على البلاد

"العُقُد"، "المدفونة"، "البقيلة"، "الكفتاجي"، كلمات تبدو غريبة لكنها أسماء أطباق يهودية تزيّن المطبخ التونسي الثري بالتنوع الغذائي الذي أوجده الموقع الجغرافي للبلاد القريب من إيطاليا، والتنوع العرقي بين البربر والعرب والهجرات التي وصلت إلى تونس من الشرق والغرب، فضلاً عن تأثير المطبخ الأندلسي الذي ترك بصماته في الموروث الغذائي للبلاد.

ثراء تاريخي

ويعتبر المطبخ اليهودي من المواضيع التي يتحدث عنها التونسيون بسعادة، وتعبّر عن عمق التعايش التاريخي بين الأديان والحضارات التي مرت عليها. الشيف جيل جاكوب لولوش، صاحب أحد المطاعم في مدينة المرسى، بضواحي تونس العاصمة، يصف في كتابه الصادر باللغة الفرنسية بعنوان "المطبخ التونسي رسالة نبيلة"، المطبخ التونسي بأنه ليس مجرد مجموعة كبيرة من الأطباق والأكلات المتنوعة فحسب، إنما خلاصة تلاقح ثقافات وعنوان محبة، مضيفاً أن هناك مطبخاً تونسياً، ولا دين للطبخ، وتشترك العائلات التونسية في إعداد الأكلات ذاتها حتى في المناسبات الدينية، على الرغم من اختلاف الديانات، فمثلاً، تطبخ العائلات المسلمة واليهودية أكلة "المدفونة" و"الملوخية"، للاحتفال برأس السنة، ويتم إعداد الحلويات التقليدية مثل "وذنين القاضي" و"المقروض" و"الغريبة" في أعياد كل الديانات.

"البريكة" سيدة الموائد

أشهر ما يمكن أن يميز موائد الإفطار في شهر رمضان، ولا تغيب عن مائدة الصائمين طوال الشهر الكريم، الوجبة التي تُعتبر مع طبق "الشوربة"، الوجبة الأكثر شعبية في تونس على الرغم من بساطة مكوناتها، وفي أي شارع بمدن تونس تجد محلاً يقدم "البريكة" المقلية، ويزيّن هذا الطبق المطاعم الفاخرة أو الشعبية، ويعتبر الأشهر في البلاد.

ويرى الفنان التشكيلي عباس بوخبزة، أن جزيرة جربة مثالاً للتعايش الإنساني، وعائلاتها تتقاسم الأكلات ذاتها التي تعود إلى أصول بربرية ويهودية وعربية، وهذا التنوع خلق لحمة إنسانية بين أبنائها ولا فرق بينهم في تفاصيل حياتهم اليومية.

مطبخ الذكريات

بعكس كثير من دول العالم، لم يعِش يهود تونس في أحياء خاصة بهم بل عاشوا في المجتمع يتقاسمون معه حياتهم العادية، وفي مدينة قابس، التي كانت من أمثلة العيش المشترك، تقول محبوبة الطرابلسي (70 سنة) إنها تتذكر جيداً جيرانهم اليهود ورائحة طعامهم اللذيذ، مواصلة إلى اليوم إعداد بعض الأكلات كما تعلمتها منهم قبل أن يتركوا بيوتهم ويهاجروا إلى فرنسا. وذكرت أنها تحب "الكفتة" على طريقتهم، ومرق السمك بالعصيدة، التي تعتبرها أكلتها المفضلة، لافتة إلى أن معظم الأكلات التقليدية في منطقتها هي ذاتها التي يطبخها اليهود إلى يومنا هذا، وأخذوها معهم خارج تونس .

أكل الفقراء

وما يميّز المطبخ اليهودي في تونس أنه ليس مكلفاً ولا يعتمد كثيراً على اللحوم، ويقول خير الدين حاج قاسم إن أكلات المطبخ اليهودي تميزت إضافة إلى نكهتها اللذيذة، بأنها قليلة التكلفة وتعتمد على الخضار الرخيصة الموجودة في تونس، ويسهل طبخها، كما أنها تباع بأسعار عادية في كل المطاعم الشعبية، وطبق "الكفتاجي"، المكوّن من خضار مقلية مع الفلفل والبندورة والبطاطا، وأيضاً مع البيض المقلي والبهارات، أحد أهم هذه الأكلات اللذيذة والشهيرة جداً في تونس، وتعبّر عن واقع الحال في الماضي، ومعظم الناس فقراء يعيشون على محاصيل الزراعة.

تونسيون "أباً عن جدّ"

بهذه الكلمات تحدث الطيب بوهدره، أحد كبار الطهاة التونسيين المعروفين عالمياً، قائلاً إن المطبخ اليهودي جزء أصيل من المطبخ التونسي وشريك المطبخ البربري المعروف عالمياً بطبق "الكسكسي"، الذائع الصيت في العالم أجمع، وأتباع الديانة اليهودية هم تونسيون أولاً، وتركوا أثراً في كل نواحي الحياة في المجتمع، ويعود لهم الفضل في تطوير الأكلات الخفيفة، وقليلة التكاليف، والمنتشرة بكثرة في المطابخ الشعبية التونسية، ومعظمها نتاج يهودي تونسي.

حكايات تونسية

في حي الحفصية وسوق "القرانة" داخل أسوار تونس القديمة، كان معظم السكان من اليهود، وكانت هذه الأحياء بمثابة رئة الحياة في تونس العاصمة، إضافة الى انتشار مطاعم الأكلات الخفيفة والقليلة الثمن الشهية، وقد أثّر يهود تونس، بشكل كبير في الموسيقى والغناء، ومنهم أشهر المغنيات والفنانين، من أمثال الشيخ العفريت ورؤول جورنو وحبيبة مسيكه، وكانت هذه الأحياء في ثلاثينيات القرن الماضي مصدر البهجة في حياة المدينة، هكذا تحدث الحاج البحري الفايدي (80 سنة) عن ذكريات المدينة، وأضاف بلهجة فيها كثير من الأسى، واصفاً حياة التونسيين بالقول إنها كانت جميلة، وإن الفقير قبل الغني كان يأكل ما يحب، وكان يسمع الأغاني والموسيقى، مضيفاً أنه على الرغم من كل ما مرّ، فإن الأكلات التونسية التقليدية حملها من هاجر البلاد إلى مختلف مدن العالم لتتحدث عن التعايش والسلام بين أبناء تونس.

المزيد من منوعات