Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"المشقاص" اليمنية التي اشتقت اسمها من حد "المدية"

شهد الإقليم مرور ممالك تاريخية منها الفارسية والرسولية والطاهرية

أحد قلاع إقليم المشقاص الأثرية (اندبندنت عربية)

لطالما ظل اسم "المشقاص" حاضراً بقوة في الذاكرة الحضرمية واليمنية، كمنطقة نبع حضاري وثقافي وتاريخي عريق، وذات تراث متواصل ومتجدد.

والمشقاص اسمٌ جامعٌ لإقليم المناطق الساحلية من محافظة حضرموت بجنوب اليمن، وحددتها وثائق قبائل الحموم التي ذكرها المؤرخ محمد عبد القادر بامطرف في كتابه "الشهداء السبعة"، بأنها تمتد على ساحل البحر من حفر الطين بمنطقة دفيقة بمديرية الشحر إلى دمخ حساي التي تقع بمحاذاة مديرية سيحوت بمحافظة المهرة، وتعتبر الشحر منطقة وسطية بين منطقتي المشقاص والمعراب التي تقع غرب الشحر، وتمتد مساحتها على طول ساحل بحر العرب من الشرق إلى الغرب، وأهمها الديس الشرقية والريدة وقصيعر والحامي.

المعنى

وبحسب عبد الباسط الغرابي، رئيس لجنة توثيق التراث المشقاصي، يعرف اللغويون كلمة المشقاص بكسر الميم وسكون الشين بأنه "بائع اللحم"، كما يفسر الجغرافيون والمؤرخون الحضارم المشقاص بأنه "طرف المدية" أي الخنجر، ويعرف المشقاصيون أنفسهم ومن يقطن حواليهم أنه جهة الشرق، كما ذكر المؤرخ عبد الرحمن الملاحي بأنها في اللغة الحميرية القديمة تعني الشرق.

المشقاص تاريخياً

يرتبط تاريخ المشقاص بتاريخ حضرموت واليمن وشبه الجزيرة العربية، فهي جزء من العالم العربي على مدى العصور، وتداول حكمها العديد من حكام الدول، ولكن يظل أشهرها الحكم الفارسي في القرن السادس الميلادي، عندما استنجد الملك سيف بن ذي يزن بكسرى الفرس أنوشروان لطرد الأحباش من اليمن عام 570م، وسميت تلك المنطقة براس المرزبان، وهي لفظ فارسي يعني (رأس الإمارة) لتكون مقراً لأميرهم وهرز، كما يقول أحمد سعيد باحاج في كتابه (الديس الشرقية، الأرض والسكان)، وتسمى الآن رأس باغشوة، وكان الهدف من إنشائها حماية الحملة من أي هجوم بحري أو بري، وأسسوا ميناء بالقرب من الرأس تسمى البلاد، وهي تبعد عن مدينة الديس الشرقية بنحو 15 كيلومتراً، ولا تزال آثارها موجودة.

 

وشيد الفرس مجموعة من الحصون التي امتدت على قمم الجبال لحماية القوافل، على طول الخط البري للقوافل من وإلى الميناء، ببقية مناطق حضرموت لتأمين قوافل التجارة، وسميت بحصون الكافر، كما آمن أبناء حضرموت بالرسالة النبوية، وانطلقت بعثات المجاهدين من أبناء حضرموت عبر الموانئ للمشاركة في الفتوحات الإسلامية، وسيطرت على سواحل حضرموت الحملة المهرية، وقد حكم المهرة سواحل حضرموت، وذكر أحمد باحاج، من خلال بحثه عن مديرية الديس الشرقية، "بأن المهريين هيمنوا على ساحل حضرموت خصوصاً المشقاص في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين، وقد سميت موانيها باللهجة المهرية مثل ميناء خلفات الذي يسمى الآن بخلفة".

تداول الدول

يوضح الغرابي "أن المشقاص خضعت لحكم الدولة الرسولية ثم الطاهرية حتى نهاية القرن السادس عشر الميلادي، كما حكمت المشقاص الدولة الكثيرية بعد زوال نفوذ القبائل المهرية أواخر القرن السادس عشر الميلادي، ثم السلطنة القعيطية من عام 1858-1967م، وبعد الثلاثين من نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1967، وسقوط حضرموت بيد ثوار الجبهة القومية واستقلال الجنوب عن بريطانيا، انضوت المشقاص تحت مسمى المديرية الشرقية، ضمن المحافظة الخامسة (حضرموت حالياً).

 

شهدت المشقاص حضارات كبيرة مرت على مدى العصور، خلال المراحل التاريخية الموغلة في القدم، تركت لنا آثاراً وتراثاً لا يزال يخلّد تلك المراحل.

حصون الكافر

عبارة عن سلسلة من الحصون شيدت على رؤوس الجبال، ومنها حصن شقبون يقع بمنطقة عسد الجبل، وحصن السولة بمديرية الريدة وقصيعر، وحصن الكافر بمنطقة حلفون بالديس الشرقية، شيدها الفرس على قمم الجبال وما زالت آثارها موجودة.

حصن الدولة

يقع في قلب مدينة الديس الشرقية، وهو مركز الحكم تم إنشاؤه في 1883، بحسب الكاتب سعيد عبد الرب الحوثري، أول رئيس لجمعية التراث بالديس الشرقية، كما تتبعه سلسلة من الحصون الصغيرة تسمى الأكوات تم إنشاؤها حول مداخل المدينة، وهي الآن تحتاج إلى الترميم لحمايتها من الانهيار، وقد تم تحويل حصن الدولة إلى مركز ثقافي بتمويل من وزارة النفط.

ميناء شرمة التاريخي

ميناء شرمة جاء ذكره في خريطة المؤرخ بطليموس الإسكندري 167، وقد ذكر "أنه ميناء ترانزيت للبواخر المقبلة من الهند". واكتشفت الباحثة الفرنسية اكسل روجيل عام 1996، أثناء قيامها بحملة تنقيب في ميناء شرمة، بعض الحفريات والأثاث والمقابر، خلصت من خلالها أن منطقة شرمة مرت بحضارتين؛ (ما قبل الإسلام والإسلامية)، كما وجدت بعض النقود المصكوك عليها اسم الخليفة العباسي هارون الرشيد.

كهف الجاهلية

عبارة عن كهف في إحدى السلاسل الجبلية الواقعة في منطقة المعيملة بالديس الشرقية يسمى بكهف الجاهلية، ورسمت عليه نقوش يقال إنها حميرية.

التراث المشقاصي

خلَّف الأوائل من سكان المشقاص تراثاً عريقاً من خلال نشاطهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فهناك تراث بحري لا يمكن إغفاله خصوصاً لمدينتي الديس الشرقية والحامي، بالإضافة إلى أنهم رجال بحر فهم صناع للسفن الشراعية، وقد امتهن هذه المهنة آل بن عربيد وآل بازياد، وصنعوا أشهر السفن التي وصلت إلى شرق آسيا وسواحل أفريقيا والخليج العربي مثل (القادري والصكر)، وهناك سلسلة طويلة من رجال البحر ذكر الكاتب محمد قاسم الكلدي في كتابه "السفينة قبل المكينة"، أكثر من 117 نوخذه (صاحب سفينة) من مدينتي الديس الشرقية والحامي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعد أهل المشقاص قبائل وأصحاب بأس شديد لا يصبرون على الضيم، ولهم صراعات عدة ضد الاحتلال البرتغالي والاستعمار البريطاني، ومن أشهر قبائلهم الحموم وهم العليي والغرابي والشنيني والعبيدي والجمحي واليميني والقرزي والسعيدي والبحسني، وقبائل ثعين وتتكون من ثعين والسماحي والجريري والبسيري والنموري والقرادي والهزيلي والغتنيني والعساني، بالإضافة إلى السباعي والقبائل اليافعية الحضرمية والسادة والمشائخ.

ألوان الغناء

يوجد في المشقاص عدة ألوان غنائية منها اللون المشقاصي، وكثير من ألحان الدان طوعت إلى روائع غنائية على يد شعراء وفنانون كبار مثل حسين المحضار ومحمد جمعة خان وصالح المفلحي وسعيد عبد المعين. أما اللون الديسي فهو لون غنائي متميز جاء من البيئة المحلية من ألوان التراث الغنائي المختلفة، سوى التي يمارسها الرجال مثل الشبواني والحفة والعدة والغية الرجالية، أو ما يسمى بالدرية أو الألوان النسائية مثل الغية النسائية والهداني، وسميا بذلك الاسم نسبة إلى مديرية الديس الشرقية.

الأنشطة الثقافية

يشير الغرابي إلى ممارسة أهل المشقاص عدة أنشطة ثقافية وتراثية وفنية، وانتشار عدد من الجمعيات والمؤسسات والمنظمات المعنية بالتراث والأدب الشعبي المشقاصي، لا سيما خلال المئة السنة الأخيرة، حيث ولدت عدة مؤسسات ثقافية لها نشاط ملموس منذ القرن الماضي. فقد أشهر الشخصية الاجتماعية الشيخ سعيد عبد الله بحاح، نادي الإخاء والمعاونة في نهاية الخمسينيات بالديس الشرقية، وقدم هذا النادي العديد من الأنشطة الثقافية، واستضاف الوزير الإندونيسي أسعد الكلالي، والكاتب علي أحمد باكثير، والمؤرخ صلاح البكري، والفنان محمد سعد عبد الله، كما توجد الآن مجموعة من المؤسسات الثقافية، منها جمعية التراث والآثار بالديس الشرقية، ومنتدى وادي عمر بالديس الشرقية، ولجنة توثيق التراث المشقاصي، ومؤسسة التراث بمديرية الريدة وقصيعر والحامي، كما يوجد مركز ثقافي بالديس الشرقية، والآن شكلت لجنة ثقافية بمديرية الديس الشرقية برئاسة مدير عام المديرية الأستاذ محمد سعيد باخوار، ومن خلال هذه المؤسسات قدمت العديد من الفعاليات، ولعل أبرزها توثيق التراث المشقاصي بقناة حضرموت الخاصة بدعم من الشيخ عبد الله بقشان، كما صدرت عدة كتب لمجموعة من الكتاب آخرها كتاب عن الشاعر سعيد ياجعالة.

 

وكشف رئيس لجنة توثيق التراث المشقاصي عن استعدادات وتحضيرات لإطلاق حزمة من الأنشطة الثقافية والتراثية في المنطقة المشقاصية، أهمها مهرجان التراث المشقاصي بالتنسيق مع فرع مكتب وزارة الثقافة بالمحافظة والسلطة المحلية بمديريتي الديس الشرقية والريدة قصيعر، الذي سيتم من خلاله إحياء وتوثيق العديد من الرقصات والأهازيج الشعبية والوصلات الغنائية وجلسات الدان المشقاصي.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة