Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي ينطلق بالممكن متحديا كورونا

فرقة تريبليون السعودية تفتتح المسابقة الرسمية بنص مصري

مسرحية "خنزير" السعودية والنص مصري (الخدمة الإعلامية للمهرجان)

انطلقت الدورة الثامنة والعشرون من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وسط أجواء احتفالية بسيطة، وكذلك وسط اعتذار فرقتين من بريطانيا والمغرب عن عدم المشاركة بسبب جائحة كورونا، واعتذارالفرقة الفلسطينية بسبب تأخر إجراءات السفر، واعتذر رئيس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية سامح مهران لمرضه، وحل بدلاً منه أبو الحسن سلام.

وعلى رغم الاعتذارات وبعض الظروف غير المواتية فالدورة تشهد مشاركة ثلاثة عشر عرضاً عربياً وعالمياً، فضلاً عن ثلاثة عروض على الهامش، عرضان من مصر، وآخر من سويسرا، وكذلك تسعة عروض تحت مسمى "نوادي المسرح التجريبي" تقدم في محافظات مصر، للمرة الأولى في تاريخ المهرجان، وسبع ورش تدريبية في القاهرة والأقصر وبني سويف والإسكندرية، إلى جانب محور فكري عن التجريب وآفاقه.

وضمن عروض المسابقة الرسمية يشارك العرض السعودي "الخنزير"، وعلى خلاف معظم العروض المشاركة، التي تعتمد لغة الجسد في الأساس، جاء العرض، الذي قدمته فرقة تريبليون السعودية، معتمداً اللغة الكلامية، مضفراً إياها ببعض المشاهد التعبيرية، فحقق التوازن المطلوب، بين التجريب، وبين القدرة على التواصل مع الجمهور، من دون أن يفقد منحاه التجريبي.

تجريبي وجماهيري

ربما تكون أكبر مشكلة تواجه جمهور العروض التجريبية هو اعتمادها في الأساس لغة الجسد، التي تتطلب جمهوراً نوعياً ومدرباً، يستطيع فك شفراتها أو تأويل مغزاها، الأمر الذي يجعلها في النهاية- بخاصة في منطقتنا العربية- محصورة بين فئة محددة ومحدودة من الجمهور، مع أن التجريب، في معناه الواسع، لا يعني تنحية الكلمة تماماً، وحتى إذا نحاها تكون لديه البدائل القادرة على مد خيط التواصل بينه وبين الجمهور.

هكذا فطن مخرج العرض السعودي ماجد السيهاتي، وسعى إلى إحداث ذلك التوازن: أن تكون تجريبياً، وتكون في الوقت نفسه، قادراً على التواصل مع الجمهور، ليس عبر الكلمة فحسب ولكن عبر التعبير الجسدي أيضاً، مستعيناً بالضوء واللون والموسيقى، وبممثلين قادرين على قراءة الشخصيات وأزماتها، لتقدم في النهاية رؤيتك وتطرح أسئلتك عبر سياق درامي منضبط، وبطرق مختلفة عن السياقات التقليدية.

العرض الذي كتب نصه المصري ماجد عبد الرازق، دراماتورجيا عبدالله غزواني وماجد السيهاتي، سينوغرافيا عقيل خميس، يدور في مكب للنفايات يقطنه شخص يدعى شحتوت، والده سجين وأخته تعمل فتاة ليل، تم فصله من عمله. تقدم للعمل في أكثر من مهنة وتم رفض طلبه لكونه لا يجيد لغة أجنبية، وتسببت والدة زوجته في انفصاله عن الزوجة، ويدخل في صراع دائم مع شخص يدعى "نايكي" على اسم ماركة أحذية شهيرة، مرة يكون "نايكي" هذا عبارة عن فردة حذاء نايكي بالفعل، ومرة أخرى يكون بشرياً، والزوجة كذلك عبارة عن دمية. ويدور بينه وبينها حوار دائم، نكتشف من خلاله تاريخه الشخصي. يحاول الهجرة ويفشل، ويعود إلى مكب النفايات الذي تغير في غيابه، لكنه يتعرف إليه من خلال الرائحة، وبعد أن يئس من الحياة ومصاعبها يقرر الانتحار، لكن السم الذي تناوله يكون مغشوشاً فيظل على قيد الحياة داخل مكبه أو عالمه الذي يعد تجسيداً للعالم خارجه.

صراع بين شخصيتين

الخنزير معروف بقذارته، وبأنه يتغذى من النفايات، ومعروف كذلك بأنه لا يغار على أنثاه، وتلصق به العديد من الصفات السيئة. لكن السؤال الذي يطرحه العرض، من يكون الخنزير؟ هل هو شحتوت أم أنه المجتمع الذي يسحق الطبقات المهمشة، ويضطرها إلى أن تكون مجرد خنازير لا تقودها سوى غريزة البقاء والرغبة في ملء البطون حتى لو تعرضت للإهانة والتعذيب؟

لا يقدم العرض سؤاله بشكل مباشر، لكنه اكتفى بتجسيد تلك الحالة عبر الصراع القائم بين شحتوت ونايكي. فالأخير يحرضه دائماً على أن تكون لديه غريزة الانتقام وعدم الاستسلام لواقعه. لكن شحتوت، الذي يخشى القيام بأي شيء أو حتى التفكير في أي شيء، يظل على تلك الحالة من الاستسلام التي أجبره عليها المجمتع، ويبدو من السياق أنهما شخصية واحدة منقسمة على نفسها.

لا مكان أو زمان محددين، العالم هنا هو مكب النفايات، أين ومتى، لا نعرف، وهو ما يعطي العرض نوعاً من العمومية ولا يقصره على مكان أو زمان محددين. هي أزمة وجودية يحياها الإنسان غير القادر على الفعل، أو حتى رد الفعل، يتقبل الصفعة تلو الأخرى من دون قدرة على ردها، فالواقع الذي يحياه قتل فيه تلك الرغبة في المقاومة أو الاحتجاج. حتى أنه لا يجد سبيلاً للتخلص من أزمته سوى محاولة الانتحار.

السمكة والدجاجة

وعلى رغم قتامة الأحداث ووطأتها الشديدة فقد جاء العرض منتمياً إلى الكوميديا السوداء، التي تسخر من الأزمات وتقطع أوصالها عبر الضحك، وهو أقصى ما يمكن أن تفعله.

إن شحتوت هنا تنبطق عليه نظرية السمكة والدجاجة، التي جاءت على لسانه، فالسمكة تضع آلاف البيوض التي تحيي بها أمة بحرية بأكملها، وذلك في هدوء تام ومن دون أي ضجيج. أما الدجاجة فهي تضع بيضة واحدة، وعلى رغم ذلك تملأ الدنيا صياحاً، وذلك في إشارة دالة على تقدير المجتمع لمن يصيح أكثر. كان شحتوت يؤدي عمله على أكمل وجه، وفي هدوء تام، بينما غيره لم يكن يفعل شيئاً، ويكتفي بالصياح والضجيج، والمفارقة أن يفصل هو من عمله بينما يظل الأكثر صياحاً باقياً وصاعداً في سلم الترقي.

العرض في عمومه صرخة جمالية، إن جاز التعبير، في وجه المجتمعات التي تدفع مهمشيها إلى الهاوية ثم تتهمهم بالقذارة والدونية، من دون أن يطرف لها جفن، في حين أنها هي من يوسم بالقذارة والدونية، لكونها غير قادرة أو بمعنى أدق، غير راغبة في مد يد العون إلى تلك الطبقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

جاء ديكور العرض مصوراً مكب النفايات عبر مجموعة كبيرة من أكياس النفايات الملقاة بغير ترتيب، وفي المنتصف مقعد بال، يتحول إلى نعش في مشهد محاولة انتحار شحتوت، ومجموعة ملابس بالية ملقاة هنا وهناك. ولعبت الإضاءة دوراً مهماً في إضفاء طابع القتامة والفوضى والمعاناة على المكب وساكنيه، ومالت في أغلبها إلى اللونين الأزرق والأحمر بكل ما يحملان من دلالات. وكذلك أسهمت الموسيقى التي تم إعدادها، في شحن أجواء العرض بالتوتر، بخاصة في لحظات الصراع بين شحتوت ونايكي، والتي تم تجسيدها عبر التعبير الحركي الذي أجاده شحتوت (حسين يوسف) ونايكي (حسين عامر). وأجادا كذلك تقديم كوميديا الموقف، بشكل محسوب، بعيداً من استجداء الضحك، وبخاصة في مشهد ذهاب شحتوت إلى مكتب متخصص لمساعدة الراغبين في الانتحار على اختيار الطريقة المناسبة للانتحار، وهو أكثر المشاهد عبثية في العرض.

عرض "الخنزير" الذي استغرق خمسين دقيقة فقط، توافرت له عناصر جيدة كتابة وإخراجاً وسينوغرافيا. وعلى رغم أنه ينتمي إلى عروض الديو- دراما وما يمكن أن تحدثه من ملل في بعض الأحيان، فقد نجح صناعه في الاستحواذ على المشاهدين على مدى الخمسين دقيقة، محافظين على إيقاعهم المنضبط، محلقين من مكان لآخر من دون تغيير الديكور، وأسهمت الإضاءة في تجسيد هذه النقلات بوعي وبساطة. ينتهي العرض في نوع من عدم الإشباع بالنسبة إلى الجمهور الذي فوجئ بنهاية العرض، وهي مفاجأة في صالح صناعه بالتأكيد. 

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة