Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"قوانين بيت التفاح" لجون إيرفنغ ملحمة روائية معتقة

مواقف نضالية شائكة في ثنايا أدب يجابه الواقع على قسوته بجرأة

مشهد من الفيلم المقتبس عن "قوانين بيت التفاح" (موقع الفيلم)

حتى وإن لم يكن، لحد علمنا على الأقل، من أولئك الكتاب الأميركيين الذين ترد أسماؤهم مرة على الأقل في كل عام لمناسبة التكهنات بصدد تسمية لمرشحين لنيل جائزة نوبل للآداب، فإن جون إيرفنغ يعتبر بحق واحداً من أكثر الروائيين شعبية في أميركا. هو الذي يعتبر في الوقت نفسه من أبطال المصارعة الحرة ويوزع وقته بين التدريس الجامعي وتدريب الطلاب على تلك المصارعة التي تستحوذ على اهتمامه كلياً وإن لم يكن من ممارسيها الفعليين الآن، وقد أربى على الثمانين وسيحتفل بذكرى مولده هذا بعد شهرين ونيف. ومع هذا لا يمكن النظر إلى إيرفنغ باعتباره ظاهرة إلا بالنسبة إلى الضآلة الكمية لإنتاجه الروائي. لكنه إنتاج يحظى عادة بنجاح كبير لدى القراء. وإلى ذلك من المعروف أن ثمة نحو نصف دزينة من أفلام سينمائية وتلفزيونية حققت انطلاقاً من بعض أشهر رواياته. ومن بينها واحد كتب له السيناريو بنفسه، ما أتاح له إحداث تعديلات جوهرية في الرواية سيقول، إنه كان يجب أن يفعل الشيء نفسه عند كتابة الرواية قبل ذلك بسنوات. فهو أحب الفيلم بأكثر مما فعل بالنسبة إلى الرواية. وكان من الواضح أن محكمي جوائز الأكاديمية (الأوسكار الهوليوودية) جاروه في ذلك فمنحوه عام ظهور الفيلم (1999) أوسكار أفضل اقتباس سينمائي عن عمل أدبي.

في أعلى المبيعات

ما نتحدث عنه هنا هو فيلم "قواعد بيت التفاح" (أو "عصير التفاح" بالأحرى) الذي يعتبر من أشهر الأفلام المقتبسة عن عمل لإيرفنغ وإن لم تكن الرواية التي اقتبس عنها، وتحمل العنوان نفسه، أشهر رواياته. فهذه المكانة تعود بالتأكيد إلى روايته "العالم بحسب غارب" التي تعتبر واحدة من أمهات الأدب الأميركي الحديث منذ صدورها عام 1978 محققة نجاحاً ضخماً كان القراء قد ضنوا به على عدد من روايات له سبقتها في الظهور. والحال أن نجاح هذه الرواية قد جر وراءه ولأربع مرات متتالية نجاحات لروايات نشرت من بعدها واحتلت مرتبة أولى وأحياناً ثانية في لوائح الكتب الأكثر مبيعاً، وكانت "قواعد بيت التفاح" الثانية من بعدها حيث بقيت أسابيع طويلة في عام نشرها 1985 في صدارة لائحة "نيويورك تايمز" لأكثر الكتب مبيعاً. وهي عادت بعد سنوات لتشغل في مبيعات طبعات تالية منها مكانة متقدمة إذ نشرت لمناسبة عرض الفيلم والنجاح الكبير الذي حققه. ليأتي من بعده نجاح جماهيري آخر لها لمناسبة اقتباسها في عمل مسرحي... وهكذا.

على الطريقة الأميركية البسيطة

"قواعد بيت التفاح" رواية ملحمية على النمط الذي عرف الأدباء الأميركيون كيف يكتبونه خلال النصف الأول من القرن العشرين مع أن إيرفنغ ورواياته جميعها تنتمي إلى الربع الأخير من هذا القرن. وربما يعود نجاحها إلى ذلك الحنين الذي استشعره ملايين القراء لأزمنة كانت أكثر براءة وأقل تعقيداً، كما إلى حكايات الحب البسيطة والمناخات التي تجمع بين حياة الريف وحياة المدن الصغرى ناهيك عن المواضيع التي تنساب في النص الروائي بسهولة إنما من دون أن تتخلى عن ذلك الحس النضالي الإنساني الذي دائماً ما ميز أدباً (همنغواي، إرسكين كالدويل، أو سنكلير لويس...) يعرف كيف يمرر الأفكار الكبرى من خلال حبكات لا تبدو للوهلة الأولى وكأنها تحملها. وهو ما سوف نعود إليه وإلى أهميته في رواية إيرفنغ هذه، ولكن بعد أن نتوقف عند مسارها وبعض شخصياتها الأساسية. وواحدة من هذه الشخصيات بالتحديد هي شخصية الفتى هومير الذي تربى ونشأ في مأوى للأيتام مقام في منطقة ريفية منعزلة بولاية مين في نيو إنغلاند الأميركية. وهومر عاش كل سنوات طفولته ومراهقته هنا تحت رعاية الطبيب ويلبور لارش الذي رعاه ودربه على مهنة الطب كما جعله مساعده في عمليات إجهاض سرية يقوم بها في زمن كان الإجهاض لا يزال ممنوعاً فيه. راحت الحياة تسير بهومر هادئة وسط أطفال يحبونه ويحنو هو عليهم كما يفعل الدكتور لارش، وعلى الأقل حتى يتاح لكل طفل منهم أن يقصد المأوى من يريد طفلاً يتبناه.

نحو "العالم الخارجي"

حتى بداية الرواية لم يكن هومر قد عرف الكثير عن "العالم الخارجي" بل لم يكن قد رأى المحيط رغم أن المأوى لم يكن بعيداً عنه. ولكن ذات يوم سيقصد المأوى للاستفادة من كونه عيادة إجهاض كذلك، شاب وشابة هما والي ورثنغتون وكاندي كندال وهما حبيبان يريدان التخلص من حمل كاندي بجنين تكون أبكر مما يريدان. تنجح العملية بالطبع ولكنها سرعان ما تترك لدى هومر هوى يتولد لديه تجاه كاندي فيجد الفرصة ملائمة كي يسأل والي أن يصحبه معه إلى ذلك "العالم الخارجي" الذي بالكاد كان يحس بوجوده من قبل، دون أن يعرف إلى أين سيتجه أو ماذا سيفعل بعد ذلك. بيد أن الأمور سرعان ما تتجه إلى الحلول البسيطة على الطريقة الأميركية: سيصحبه والي إلى مزرعة التفاح ومصنع العصير العائلي، حيث يمكنه أن يشتغل في قطاف التفاح وتوضيبه، فيما ستمكنه كاندي من رؤية المحيط هي التي تقطن مع والدها الصياد بمحاذاته. وينساق هومر في الاتجاهين وقد راحت تحلو له الحياة إلى درجة بدا معها وكأنه نسي رفاق الطفولة والدكتور لارش، بل حتى تلك الحسناء الغامضة التي كان من الواضح خلال عيشه في المأوى أنها تحبه من دون أن يلتفت هو إليها حقاً. عالمه الجديد بات كل شيء في حياته. أما كاندي الطيبة فباتت هي كل شيء في ذلك العالم الجديد. لقد أغرم بها رغم صداقته مع والي.

هدية أتت في وقتها

لكن والي رغم حبه لكاندي وحدبه عليها يتطلع إلى البعيد، لا سيما حين يتطوع وهو الملازم الطيار، للقتال في جنوب شرقي آسيا. وإذ يتوجه والي إلى الجبهة ويطول غيابه لا تجد كاندي للترفيه عن نفسها ببراءة أولاً ثم بقدر أقل من البراءة، إلا هومر المقيم الآن مع عمال تراحيل من السود والمهاجرين الآخرين في انسجام وألفة، ومن بينهم الصبية مادي التي تعيش في كنف أبيها. وذات لحظة إذ يتلقى هومر من أستاذه الدكتور لارش هدية يتجاهلها أول الأمر لكنه سرعان ما تكشف له الظروف أهميتها وأهمية الدعوة المبطنة التي تحملها: فذات يوم تكشف له مادي أنها حامل، وأن الفاعل ليس سوى أبيها. وهنا يجد هومر لزاماً عليه أن يعمل على إجهاضها وبواسطة... الهدية التي لم تكن سوى معدات طبية كاملة. وبالتوازي مع ذلك تكون قد وصلت من الجبهة أنباء تفيد بأن العدو أسقط طائرة والي وهو يقاتل بها في الجبهة، وأن الشاب مفقود الآن ويجري البحث عنه. ومن الواضح أن هذه المأساة تربك علاقة هومر بكاندي، وعلى الأقل حتى اللحظة التي ترد فيها أنباء عن أن والي لم يقتل، وإنما أصيب بشلل نصفي وسترحله القيادة إلى دياره عما قريب...

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تشعبات الرواية وفكرها الخفي

طبعاً ما سقناه هنا ليس سوى الخط الأساسي لرواية تزداد تشعباً في رسم مصائر شخصياتها في اتجاهات كان من الواضح أن إيرفنغ اشتغل على اختصارها حين حول النص إلى ذلك السيناريو الذي فاجأ بإحكامه ودقته وخلق للكاتب آفاق إبداع جديدة لا يزال يتجول فيها حتى اليوم هو الذي عرف كيف يلغي العديد من الأحداث الجانبية كمتابعة حياة مادي بعد قتلها أباها انتقاماً من اعتدائه عليها، أو الاستزادة من خوض تفاصيل ما حدث لوالي على الجبهة رغم أن ذلك الجانب من الرواية إنما استقاه الكاتب مما اكتشفه عن فصل من حياة أبيه الذي لم يكن يعرفه ولا يعرف كيف وإلى أين رحل فيما كان هو طفلاً. وهكذا حين كان في صدد كتابة الرواية أطلعه البعض على حكاية والده فأدمجها في الرواية ولكن من خلال شخصية والي، صديق وغريمه في الغرام. ومع هذا أبقى إيرفنغ في ثنايا فيلمه على العديد من الأفكار الأساسية كضرورة تشريع الإجهاض الذي كان لا يزال محل سجالات عنيفة في أميركا. مع لفتات إلى بؤس أوضاع عمال التراحيل، وحق الإنسان في الحب، وترجيح كفة الخبرة والممارسة حتى في الطب على الشهادات، وهذا من خلال تزوير محمود يقوم به الطبيب لصالح هومر يمكنه من الحلول مكانه في ممارسة المهنة رغم أنه لم يتعلمها في الجامعات أبداً!

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة