Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مقاهي المغرب... انعكاس لخصوصيات المجتمع

المقهى مساحة اجتماعية أساسية ذات أبعاد رمزية وثقافية

مقهى شعبي في المغرب (اندبندنت عربية)

أصبح المغاربة يتداولون مقولة "بين مقهى ومقهى هناك مقهى" وذلك من فرط تكاثر المقاهي في المغرب، إذ يُعتبر المقهى أفضل استثمار بالنسبة إلى الأفراد الذين يملكون مبلغاً من المال ويريدون إنشاء مشروع مربح. ويضم المغرب أنواعاً مختلفة من المقاهي تبعاً للتفاوت الطبقي الاجتماعي، إضافة الى العنصر الوظيفي. الكاتب المغربي حسن نجمي وصف تلك المقولة بـ"غير الواقعية" "لأن عدداً من المدن الصغيرة تضج بعدد وافر من المقاهي ربما أكثر من اللازم، ما يدل على نوع من التأزم في ظل غياب فضاءات أخرى إلا فضاء المقهى، فلا دور شباب ولا دور ثقافة. وفي المقابل في المدن الكبرى كالبيضاء والرباط مثلاً لا يمكن تطبيق ذلك المثل، فما يريدون قوله هو أن فضاء المقاهي هو الفضاء الوحيد الرائج الذي يستقطب الناس وهو أمر غير صحيح، إذ إن عدداً من المقاهي يعاني الكساد، فليس مؤكداً أن تفتح مقهى وتحصل على مكسب تجاري دائماً، فأحياناً يخسر المرء إمكانيات هائلة على مقهاه، لكنه يفشل كمشروع تجاري، بينما يمكن لمقهى بسيط جداً وفقير جداً من ناحية الموقع والأثاث أن يشهد إقبالاً، نظراً إلى وجوده الاستراتيجي في الحياة الاجتماعية واليومية للناس".

مكان اجتماعي

ورأى نجمي أن "المقهى فضاء اجتماعي بامتياز له بعد ثقافي ورمزي"، مضيفاً "لدي ذاكرة حافلة بالمقهى كفضاء وأستعيد باستمرار لحظات ثمينة وجميلة عدة عشتها في مقاهٍ متعددة في مدن متعددة، وفي بلدان وقارات مختلفة، وأجد نفسي دائماً أقرب إلى المقهى الشعبي منه إلى المقهى الأنيق، لأن فيه روح التضامن ويحس الفرد فيه فعلاً أنه جالس مع الآخرين وليس لوحده، في حين يشعر المرء وكأنه جالس لوحده في المقاهي الحديثة، فعلى الرغم من الحضور المتنوع لروّادها، يغيب التواصل مثل الفرق بين أن تسكن في عمارة حديثة وأن تسكن في حي شعبي تشعر فيه بالتضامن والتواصل اليومي ودفء العلاقات".
وتابع نجمي "المقهى أيضاً مكان للقراءة على الرغم من الضجيج والجلبة التي تحيط بك، فيمكنك أن تقرأ وأن تعثر على نفسك في كتاب، وفي الغالب أفضّل أن أقرأ في الضجيج في المكان العام على أن أكتب في العزلة وفي الوحدة والصمت، للمقهى تاريخ في الثقافة المغربية والعربية والإنسانية أيضاً".
كذلك، قال الروائي المغربي أحمد الكتيري "استمرت علاقتي منذ سنوات الدراسة الجامعية بالمقهى كفضاء للقراءة والتحصيل، سواء وحيداً أو برفقة طلاب آخرين. وحتى يومنا هذا، ما زالت العلاقة التي تربطني بالمقهى علاقة وظيفية، إما للقراءة أو الكتابة أو الالتقاء بالأصدقاء، فلا يمكن أن أجلس في المقهى لأكثر من نصف ساعة، أحدّق في الفراغ وأراقب الناس كما يفعل كثيرون من روادها، فإذا لم يكن لدي هدف، أشرب قهوتي وأغادر، ثم إنني أكره المقاهي ذات الفضاءات المغلقة أو الضيقة. أحب أن أجلس في باحات المقاهي الهادئة المفتوحة على السماء والهواء والبعيدة عن الناس والضجيج والدخان".



المقهى فضاء أساسي

من جهة أخرى، أكد حسن نجمي أن "المقهى مكان أساسي في حياتنا اليومية وليس مجرد ترف بل بالعكس، فهو يكسر الروتين اليومي الذي نعيشه في بيوتنا لأننا لا يمكننا أن نعيش حياتنا بالكامل داخل بيوتنا، فلدينا أمكنة للعمل وبيوت نقطنها ونعيش فيها حياةً أو أجزاء أساسية من الحياة ونحن في حاجة لأمكنة أخرى، مثل المقهى والسينما وصالات الرياضة ودور الثقافة ودور الشباب والمسجد... كل حسب حاجاته الخاصة، ولذلك فالمقهى شرط من شروط المدينة، لا نتصور خرائط ولا طبوغرافيا للمدينة في العالم من دون مقاهي".

أنواع المقاهي

تختلف نوعية المقاهي لناحية المكان أو الوظيفة التي تتخصص فيها، هناك المقاهي الفاخرة في الأحياء الثرية، زبائنها هم من "علية القوم"، من رجال أعمال ومسؤولين كبار، يتجنبها الفقراء نظراً إلى تكاليف خدماتها، إضافة إلى وجود مقاهي المستوى المتوسط وهي الأكثر عدداً، على الرغم من أن تكاليف بنائها قد تصل إلى آلاف الدولارات. ويشكل زبائنها طبقة كبيرة من المجتمع، فتجد هناك الجد المتقاعد الذي يجتمع بأصدقائه هرباً من رتابة الجلوس في المنزل، والطالب الذي يراجع دروسه، نظراً إلى العدد القليل من المكتبات.
تستضيف تلك المقاهي أيضاً المواعيد العاطفية للشبان الذين يفضّلون اللقاء في مثل تلك الفضاءات عوض التسكع في الشوارع، كما رُصِدت ظاهرة ارتفاع أعداد النساء المدخنات في مثل تلك المقاهي، تفادياً لنظرة الناس لهنّ في الشارع العام، فيخترن بالتالي فضاءً أصغر من الشارع، يضم عدداً أقل من الناس، إذ لا يزال المجتمع المغربي ينظر إلى المرأة التي تدخن، نظرة دونية. وهناك من الموظفين مَن يفضل إكمال عمله في المقهى كفضاء مكمِّل للمكتب، فيما يظل جمهور كرة القدم الشريحة الكبرى من مرتادي المقاهي، حيث تمتلئ جل تلك الأماكن عن آخرها خلال بث مباريات الدوريات الأوروبية التي تحظى بمتابعة كبيرة بين المغاربة.
يوجد كذلك في المغرب مقاهي متخصصة في الشيشة (النارجيلة) وهي عبارة عن نوادٍ مغلقة تفتح أبوابها للمدخنين فقط، على الرغم من منع السلطات تداول الشيشة في الأماكن العامة، وأُغلقت مقاهٍ تقدم تلك الخدمة. يُضاف إلى ذلك، المقاهي المتخصصة في ألعاب الحظ التي تعج بآلاف الحالمين بالفوز بالملايين.



المقاهي الأدبية

كذلك، تحدث نجمي عن بدايات فكرة إنشاء المقاهي الأدبية في المغرب، قائلاً "عندما كنت أتحمل مسؤولية رئاسة اتحاد كتاب المغرب، بادرت إلى إطلاق ظاهرة المقاهي الأدبية والثقافية التي بدأناها مع حلول عام 2000. في الرباط، كان هناك مقهى "باليما" ومقهى "الفن السابع" ومقهى "كموفل" في أكدال، كانت تلك الانطلاقة. ثم افتُتح المقهى الأدبي في المركب التجاري المنال في يعقوب المنصور الذي استمر بحرصٍ من نور الدين أقشاني الذي طوّر هذا التقليد حتى بعد توقف تجربة اتحاد الكتاب، ثم بدأ يوثّق الروابط والعلاقات مع عدد من المقاهي التي بدأت بالظهور في بعض المدن، لتتشكّل رابطة للمقاهي الثقافية". لكن الروائي أحمد الكتيري رأى أن تلك المقاهي تراجع رواجها، إذ قال "إنها فكرة جيدة للانفتاح على عموم الناس وتقريب الفن والإبداع منهم، لكن للأسف، مع انتشار ظاهرة الشاشات الكبيرة ومباريات كرة القدم التي لا تنتهي وميول الناس إلى الحياة الافتراضية عبر هواتفهم الذكية، أصبح فعل الثقافة داخل هذه المقاهي نشازاً".

علاقة الأدب بالمقهى

نجمي أشار إلى أن "بعض المقاهي المغربية ارتبطت بأسماء بعض المبدعين، لكن ليس بشدة الارتباط نفسها التي عرفتها أوروبا وبعض الدول العربية. هناك مقهى في مدينة طنجة كان الكاتب الراحل محمد شكري من أبرز روّاده، نصير جولا و أوريد في تطوان، وهناك مقاه أخرى كان يرتادها محمد الصباغ أو ابراهيم الخطيب على سبيل المثال أو غيرهم من أدباء تطوان. في الدار البيضاء، هناك مقاهٍ في حي مرس السلطان من المعروف أن الكاتب أحمد بوزفور كان يرتادها، إضافة إلى بعض الفنانين التشكيليين. ومن أشهر المقاهي في مدينة الرباط، مقهى باليما الذي كان يزوره على الدوام كلّ من "سلطان باليما" والشاعر علي الحداني على سبيل المثال وعدد من الصحافيين والكتاب والمبدعين".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات