Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الألماني دانييل كيلمان يروي التاريخ بطريقة فانتازية

 رواية "تيل" امتداد لمشروعه السردي الذي عرف نجاحا عالميا

الروائي الألماني دانييل كيلمان (موقع أدباء ألمان)

يُعد الروائي الألماني النمساوي دانييل كيلمان أحد الكتاب المحظوظين لدى قراء العربية، فالكاتب الذي وُلد في عام 1975 نشرت له، حتى الآن، ثلاث ترجمات لأعماله. وكان مشروع كلمة في هيئة أبو ظبي، سباقاً في نشر أول عملين للكاتب الشاب إلى العربية، وهما رواية "مسح العالم"، في عام 2009، وبترجمة السوري الكردي كاميران حوج، ورواية "زمن مالر" للمترجم المصري سمير جريس، في عام 2013. وتأتي ترجمة روايته الجديدة "تيل" بترجمة السوري نبيل الحفار.

ويشتهر كيلمان بمشروعه التاريخي الحكائي الذي لا ينتهي، ويراهن النقاد على مواصلة مشروعه السردي هذا، ما دام يحقق نجاحاً سردياً وجماهيرياً، وكذلك دولياً، يحسد عليه.

وقبل روايته المترجمة "مسح العالم"، ذاع صيت كيلمان مع نشره رواية "زمن مالر" في عام 1999. ووقتها امتدح النقاد صنعته السردية، وهو ابن الثانية والعشرين، ووصفوها بالاتقان الشديد وسرده بالسحري. روايته "أنا وكامينسكي" التي صدرت في عام 2003، وهو في الثامنة والعشرين من عمره، حققت نجاحاً كبيراً أيضاً. وهي رواية صغيرة الحجم تجري أحداثها في 172 صفحة، ولكن روايته "مسح العالم" هي التي حققت له حضوراً عالمياً، مع ترجمتها إلى أكثر من 40 لغة من بينها العربية. واعتبرها بعض النقاد "واحداً من أعظم نجاحات الأدب الألماني في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية"، وهو قول، على الرغم من أنه يستحق الكثير من النقاش، لافت للنظر جداً بالنسبة لكاتب شاب.

وكما في رواياته السابقة، التي تتناول شخصيات حقيقية في قرون وعقود سابقة، ولكن ليس ككتابة سيرة لتلك الشخصيات، كتب كيلمان روايته "تيل" هذه عن شخصية فولكلورية تدعى "تيل أولنشبيغل" أو "ديل أولنشبيغل" بحسب اللهجات الألمانية. وهذه الشخصية كانت بطلة رواية شعبية، تخص مناطق ألمانيا السفلى والوسطى، صدرت في عام 1510 لكاتب مجهول. وشخصية تيل في هذا الكتاب هي كذلك شخصية مهرج ولاعب خفة جوال مع فرقته الغنائية والراقصة. وعلى الرغم من أنه يبدو شخصاً غبياً ومبعثاً للسخرية، فإنه ماكر وشديد الذكاء، ويصنع حيلاً لا تخطر في البال. وللصدفة، هذا الكتاب صنف الأكثر مبيعاً في القرن السادس عشر.

ولكن تيل يكون شخصاً من القرن الرابع عشر، في الرواية الشعبية تلك، بينما وضعه كيلمان داخل أحداث تجري في القرن السابع عشر، خلال حرب الثلاثين عاماً (1618 – 1648).

الإبن الناجي

وكالعادة، يختار كيلمان أشخاصاً عاديين وسطحيين أبطالاً لرواياته، وإذا كان شخصاً ذكياً فإنه يعاني عقداً حياتية ونفسية تجعله مثاراً للسخرية والطرد من الحياة الاجتماعية على الأقل. فتيل يكون ابن الطحان كلاوس أولنشبيغل، اللذين يسكنان قرية في الجنوب الألماني في القرن السابع عشر، وهو يثير استغراب والده الذي فقد أطفالاً كثيرين خلال وضع زوجته، بينما نجا ابنه تيل على الرغم من ضعفه وشروده وهروبه من العمل مع والده، فهو يقضي كل وقته في ربط حبل بين شجرتين والتمرن على السير على الحبل، صباحاً ومساءً، صيفاً وشتاءً. وبعد سقطات كثيرة وكسور وآلام، يستطيع تعلم القفز والرقص على الحبل، وخلال ذلك يتابع تعلم أعمال الخفة وحده.

والده كان رجلاً عصامياً علم نفسه بنفسه، واجتهد أكثر عندما عثر على كتب للسحر، وصار صاحب سمعة في القرية، التي وصل إليها فجأةً وتزوج إحدى بناتها وقرر البقاء فيها والعمل طحاناً، وصار يساعد الناس في العلاج، وكذلك في النجاة من الأخطار. وسُمعته هذه دلت عليه لجنة القيصر التي كانت تلاحق السحرة وتعدمهم.

كان تيل شاهداً مجبراً على علاقة والده بالسحر، فاعترف هو ووالدته بأعمال والده السحرية، ليحصلا على النجاة... "فهو سيعدم في النهاية"، وهم "يعرفون كل شيء"، كما قال لهم رجال اللجنة.

ملك الشتاء

يهرب تيل من القرية قبل إعدام والده، وتهرب معه ابنة الخباز "نله" من دون أن يعرفا إلى أين. وتجري أحداث وحكايات ومفارقات هائلة طوال هروبهما الدائم، وعملهما معاً في فرقة تيل.

لكن الرواية لا تبدأ هكذا. فهي ليست سيرة لتيل وأهله وعائلته، والرواية لا تبدأ من نهاية الأحداث لتتم استعادتها في الفصول السبعة اللاحقة، بل هي تبدأ مع وصول تيل، بعد أن أصبح قائداً لفرقته وشهيراً جداً، إلى قرية نجت بالصدفة، حتى ذلك الوقت، من الحرب ودمارها. وهي إحدى القرى القليلة الناجية... "كان جابي الضرائب يأتي مرتين في السنة، ويفاجأ دائماً بأننا ما زلنا في مكاننا. بين الحين والآخر كان يأتي بعض التجار، ولكن بما أننا لم نشتر شيئاً، كانوا يتابعون طريقهم بسرعة، وكان هذا يناسبنا. لم نكن في حاجة إلى شيء من العالم الواسع، ولم نفكر به".

مع شهرته التي تكبر وتكبر يصبح تيل "مهرج ملك الشتاء" فريدريش الخامس، ملك بوهيميا، الذي تزوج من ابنة ملك بريطانيا اليزابيث ستسوارت، إذ كانت عادة تلك الأيام أن يكون لكل ملك مهرج، ولكن "ملك الشتاء" يباح دمه بمبادرة من قيصر النمسا وألمانيا، ولا يهب أحد لمساعدته واسترجاع عرشه. والفصول الخاصة بـ"ملك الشتاء" وزوجته من الفصول فائقة الجمال في هذه الرواية.

الدهشة المستمرة

إضافة إلى "ملك الشتاء" وزوجته تستدعي الرواية كذلك، ملك السويد غوستاف الثاني أدولف، ورجل الدين والعالم اليسوعي أثناسيوس كيرش، والطبيب والشاعر الألماني بول فليمنغ، وآخرين، وهي شخصيات حقيقية.

تجري الرواية في ثمانية فصول. ويشعر القارئ بالدهشة المستمرة من عمل كيلمان في التنقل والقفز، كما بطل روايته تيل، مع انتقال الحرب والشخصيات من مكان إلى آخر، وتوليد الكثير من الشخصيات والقصص التي لا تخص معظمها بطل روايته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكذلك لا يوجد تسلسل زمني للفصول، بل يقفز كيمان من زمن إلى آخر، ومن مكان إلى آخر، ومن شخصية إلى أخرى، ومن حكاية إلى أخرى، بخفةلا تنهك القارئ. فكيلمان برع في صنع هذه الشخصيات ودواخلها، حتى ولو كانت تلك التفاصيل لا علاقة لها بالحقيقة، وأكثر الشخصيات هي شخصيات حقيقية، بل يذهب كيلمان في التفاصيل لصالح السرد والحبكة وليس لصالح التاريخ والحقيقة.

يبرع كيلمان في الحوارات كذلك، وهذه الميزة هي التي تشرح دواخل الشخصيات، لدرجة أن كل شخصيات عمله، حتى الحمار الناطق، تبدو من لحم ودم، وكأن كيلمان على اطلاع كامل حتى بأدق تفاصيل تفكيرها.

الواقعية السحرية

يمكن القول إن أكثر روايات كيلمان، منذ روايته الأولى "عرض بيرهولمس" (1997)، تنتمي إلى الواقعية السحرية، وليس فقط إلى الخيالي التاريخي، على الرغم من قول كيلمان في مقالة له في صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه" في عام 2011 بتأثره الشديد بالكاتب الأميركي إدغار لورانس دكتورو (1931 – 2015) المتخصص بأدب الخيال التاريخي، ولكن كيلمان لا يخلص لهذه المدرسة السردية؛ بل يكتب ضمن مدارس سردية متعددة. فروايته "أنا وكامينسكي" لا يمكن تصنيفها ضمن حقل الواقعية السحرية على سبيل المثال.

هذه التقنيات في الكتابة، وإتقان كيلمان لعمله بها ومعها، يبعد عن أعماله شبهة أنها أعمال "البيست سيلر". فرواية "مسح العالم" مثلاً باعت أكثر من مليوني نسخة في البلاد الناطقة بالألمانية وحدها. وروايته هذه، التي وصلت بترجمتها إلى الإنجليزية إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر، باعت خلال سنتين أكثر من مليون نسخة.

رواية "تيل" حققت نجاحاً كبيراً فور صدورها عن دار "روفولت" الألمانية في عام 2017، وصدرت في عدة طبعات، كمعظم أعماله السابقة، بعد دخولها قائمة الأكثر مبيعاً، ولكن هذا النجاح في ألمانيا يفهمه المرء لأن القارئ الألماني لديه شغف بهذه الشخصيات والأحداث وقرأ عنها، ولديه الرغبة في قراءة ما هو مغاير لما يعرفه من جهة، ولما هو تفصيلي وحكائي. ولا نعرف إذا كان هذا العمل سيحقق رواجاً عربياً، على الرغم من الترجمة المميزة كما في ترجمتي عملية السابقين، خاصة أن عمل كيلمان الأشهر "مسح العالم" لم يحقق للأسف الرواج والاهتمام المفترضين لدى القارئ العربي.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة