من يستطيع الآن أن يأخذ رئيس وزراء بريطانيا على محمل الجد؟

حتى ولو كانت "الخطة ب" عبارة عن تكتيك أرادت منه الحكومة التي ترزح تحت ضغوط فضيحة "الحفلات غيت" في مقر رئاسة الوزراء في عشرة داونينغ ستريت، صرف الأنظار، فالخطة تعتبر خطوة تستحق الترحيب، وفي الواقع، كان يجب اتخاذها قبل وقت طويل. كان ينبغي للوزراء أن يسارعوا  حالما ظهر متحور أوميكورن الجديد والخطير إلى تطبيق تدابير من شأنها الحدّ من التفاعل الاجتماعي  ومن انتشار الفيروس، وذلك استناداً إلى المبدأ الوقائي.

يبدو الآن أن متحور أوميكرون في الحقيقة قد يكون أكثر قابلية للانتشار ولكنه يسبب حالات أقل من المرض الشديد. غير أن ذلك لم يكن معروفاً حين وصلت الأنباء أول الأمر من جنوب أفريقيا بأن نسخة جديدة من فيروس كورونا متحورة على نحو كبير ربما تبدأ قريباً بالانتشار وهي تتميز بالقدرة على تجنب اللقاحات. ويظهر حتى في الوقت الحالي وبعد كل التطورات الأخرى المشجعة، أن المتحور الجديد للأسف مقاوم بشكل خاص للقاح فايزر. ويشكّل هذا كله سبباً إضافياً من أجل  الحضّ على إطلاق  برنامج التلقيح المعزِّز.

ستساعد الإجراءات المعتادة، التي باتت حالياً مألوفة، في تخفيف الضغط عن "خدمة الصحة الوطنية" وإنقاذ الأوراح. وحتى من دون وجود أوميكورن ومن غير العمل على استقرار تداعيات متحور دلتا [بحيث لاتتفاقم]، فإن تراكم الحالات والضغوط المعتادة على "خدمة الصحة الوطنية" في  فصل الشتاء، كانت تؤدي إلى إرهاق شديد في بعض الخدمات، كما كانت تدل بشكل خاص الأوقات التي تستغرقها استجابة سيارات الإسعاف. ولهذا السبب، كان كبح متحور دلتا  أو متحور أوميكرون ضرورياً ببساطة للسماح لـ" خدمة الصحة الوطنية" بالاهتمام بأعمالها الملحّة.

إن المزيد من ارتداء الأقنعة، وشهادة على وضعية كوفيد (أو ما يسمى  بجوازات سفر اللقاح) ومرحلة إضافية من العمل من البيت، هي كلها من قبيل التدابير المعقولة والمتناسبة مع [التطورات الجديدة] . وإذ ستلحق هذه الإجراءات بعض الأذى القليل نسبياً بالاقتصاد والحريات الشخصية، فهي ستتمخض عن  نتيجة فعالة بالنسبة إلى  الصحة العامة تفوق الأضرار التي ستسببها. لقد نجحت سياسات من هذا النوع  من قبل في الجائحة من أجل "كسب الوقت"، على الرغم من أن الفرص المستمدة، على سبيل المثال في "الفحص والتتبع"، قد تم تبديدها في أغلب الأحيان.

ويتمثل التحدي الآن، مع أنه  مستجد وغير مرغوب فيه، في التساؤل عن كيفية اقناع الجمهور بالامتثال للقواعد التي يتجاهلها أولئك الذين يصوغونها  في مقر رئاسة الحكومة. إن المشاهد في داونينغ ستريت تعطي الانطباع  بوجود "نخبة" شابة  متعجرفة، ليست عرضة للخطر الشخصي الشديد من كوفيد في العادة، وتقوم بالسخرية من بقية السكان، بمن في ذلك أفراد العائلات المعرضة للخطر لأسباب طبية، والأسر المفجوعة، الذين كانوا جميعاً يتبعون القواعد  انطلاقاً من الشعور بالحفاظ على النفس وأيضاً احتراماً للواجب العام.

لقد وقعت المشكلة نفسها تماماً خلال رحلة دويمينك كمينز سيئة السمعة إلى بلدة برنارد كاسل. والذي يجدر تذكره هو كم أنفق رئيس الوزراء من الوقت ورأس المال السياسي في إطار سعيه حماية كبير مستشاريه في ذلك الوقت.  ولايختلف الأمر كثيراً عن محاولته الأخيرة السخيفة للدفاع عن الحفلات التي أُقيمت في مقر رئاسة الحكومة  خلال الإغلاق الذي كان سارياً في الشتاء الماضي.

منذ ذلك الحين، كان هناك العديد من الفضائح والاخفاقات الخطيرة الأخرى، المتعلقة بالفساد وأزمة اللاجئين، و الإذلال في أفغانستان، والإلغاء الجزئي لـHS2  [خط سكة الحديد لقطار عالي السرعة]، ورفع الضرائب، ووصول الـ"بريكست" إلى طريق مسدود، والوفيات التي سببها كوفيد. لقد استنزفت هذه  كلها جلّ ما تبقى من سلطة كان رئيس الوزراء يوماً يتمتع بها. ولعله الآن  يطلب من الناس تقديم تضحيات متواضعة، لكن من الذي سيتكبد عناء أخذه على محمل الجد؟ هذا هو الثمن الحقيقي لتلك الوقائع  الاجتماعية التي شهدها عيد الميلاد.