Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصير أبيي يحكمه التنازع القبلي وتوافق هش بين الخرطوم وجوبا

برزت مؤشرات على التحول من مرحلة السكون إلى التصعيد في المنطقة المتنازع عليها

تنبع خصوصية أبيي من كونها مورد نفط مهماً بالنسبة للسودان بعد انفصال دولة الجنوب (اندبندنت عربية - حسن حامد)

كانت منطقة أبيي الغنية بالنفط والمتنازع عليها بين دولتَي السودان وجنوب السودان، لوقوعها بين ولايتي كردفان الشمالية وبحر الغزال الجنوبية، في مرحلة أقرب إلى السكون الذي يسبق العاصفة. وإن كانت المشكلة سياسية في الأساس فإن ذخيرتها تشمل أنواعاً من التعقيدات الإدارية والقصور الاقتصادي والتشابكات الاجتماعية.
ولا تزال تبعية أبيي السياسية لأي من الدولتين، وكذلك الشعبية لأي من القبيلتين "المسيرية" أم "دينكا نقوك"، غير محسومة.
وقبل أن يمتد إليها التوتر الذي حدث، الأسبوع الماضي في منطقة جنوب كردفان، سارع رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى إرسال "لجنة الإشراف المشتركة" لمتابعة الأوضاع السياسية والأمنية والإدارية هناك.
وتنبع خصوصية أبيي، من أنها كذلك تقع ضمن حزام السافانا الغنية الماطرة ذات الأراضي الخصبة، إضافة إلى كونها مورداً مهماً للنفط بالنسبة للسودان بعد انفصال دولة الجنوب.

وضع خاص

ونشأت منطقة أبيي بموقعها الجغرافي الفاصل بين إقليم جنوب السودان وإقليم كردفان في الشمال، على خلافات إثنية وثقافية ولغوية ودينية. وبدأ هذا الوضع الخاص لأبيي منذ تقسيمها الإداري في عام 1905 ضمن كردفان، لكنها أُسندت في عام 1951 إلى قبيلة "دينكا نقوك" الجنوبية، ما شكل أساساً نمت عليه الخلافات، ولكن يُقال إن سلطان مشيخات الدينكا، دينق ماجوك، الذي كانت تربطه علاقات وثيقة بقبيلة "المسيرية" العربية وبزعيمها الناظر بابو نمر، وتتشابك نشاطاتهما الاقتصادية إذ كانت القبيلتان تجتازان حدودهما شمالاً وجنوباً في رحلات موسمية بحثاً عن المياه والمراعي، رفض التقسيم وأصر أن تبقى أبيي جزءاً من إقليم كردفان، كما كانت عليه. وفي تلك الفترة التي شهد فيها السودان اشتعال الحرب الأهلية الأولى  (1955-1972)، نصت اتفاقية أديس أبابا التي وُقعت في 27 فبراير (شباط) 1972 بين الحكومة السودانية و"الحركة الشعبية لتحرير السودان"، على إجراء استفتاء لسكان المنطقة ليختاروا أن يبقوا جزءاً من شمال السودان أو ينضموا إلى إقليم الجنوب. وقبل أن يُنفَّذ الاستفتاء اشتعلت الحرب الأهلية الثانية في عام 1983 واستمرت إلى أن انتهت بتوقيع اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) في 2005، والتي تضمنت "بروتوكول أبيي" الذي نص على أن يُستبدل وضع أبيي بولاية قضائية جديدة ذات وضع إداري خاص كجزء من ولايتَي جنوب كردفان في دولة السودان، وشمال بحر الغزال في دولة جنوب السودان، إلى حين إجراء استفتاء بالتزامن مع استفتاء جنوب السودان.
في تلك المرحلة، كانت أبيي جزءاً من الحرب الأهلية، وبعد انتهائها استمر العنف بين القوات الحكومية وقوات "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، إضافة إلى الميليشيات القبلية من الجهتين. وأدى العنف إلى وقوع آلاف الضحايا ونزوح عشرات الآلاف، ثم إلى توقيع اتفاق سلام مؤقت في يونيو (حزيران) 2011 أسس على إثره الاتحاد الأفريقي بالتعاون مع الأمم المتحدة "قوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لأبيي" (يونيسفا) ومن ضمنها القوة الإثيوبية، لمنع أي توتر بين السودان وجنوب السودان، وفق تفويض لحماية المدنيين المعرضين لتهديد العنف الجسدي والعاملين في مجال المساعدة الإنسانية.


تباين المواقف

وأُجري استفتاء جنوب السودان الذي أدى إلى الانفصال في يوليو (تموز) 2011، وفي عام 2013، أجرى سكان أبيي من مشيخات دينكا نقوك التسع، استفتاء عشائرياً لم تعترف به حكومة السودان ودولة جنوب السودان كما عارضته قبيلة المسيرية.
وفي أغسطس (آب) الماضي، عقدت اللجنة الوطنية للوضع النهائي لأبيي التابعة لدولة جنوب السودان اجتماعاً مع وفد الحكومة السودانية في جوبا. واتفق رئيس وزراء الفترة الانتقالية في السودان، عبد الله حمدوك، ورئيس دولة الجنوب سلفا كير ميارديت على إعادة الفتح المؤقت لممرات العبور الحدودية في 1 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وإنشاء مناطق تجارة حرة على طول الحدود. ولم تحسم جولة المحادثات الأولى ما جاء في الوثائق التاريخية المتعلقة بمنطقة أبيي، فهي في أصلها متباينة وفقاً للتواريخ التي وضِعت فيها التقسيمات القديمة، وعليه لم يتم التوافق عليها وتبعها تباين في المواقف، إذ ظل كل طرف يتمسك بالوثائق التي تثبت أحقيته في المنطقة. وتزامناً مع إيفاد سلفا كير لجنة محادثات إلى منطقة أبيي، أوفد البرهان لجنة أخرى إلى المنطقة لعقد اجتماعات تشاورية. وعادت اللجنتان إلى الخرطوم وجوبا برأيَين متوازيَين، بانتظار الاجتماع المشترك بين حكومتَي البلدين.
وقبل أن يُحسم هذا الأمر اتفقت وزارة الخارجية السودانية مع مبعوث الأمم المتحدة للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان على استبدال القوات الإثيوبية التابعة لقوات الأمم المتحدة لحفظ السلام الموجودة بمنطقة أبيي بأخرى. ولم يكن لهذا الموقف أي تفسير سوى أنه رد فعل مباشر على رفض إثيوبيا الوساطة السودانية في صراع إقليم تيغراي. إضافة إلى توتر العلاقات الحدودية بين إثيوبيا والسودان وضلوع ميليشيات الشفتة من إقليم أمهرة، التابعة للقوات الإثيوبية الفيدرالية، في أحداث العنف في مدينة الفشقة وتعديها على المزارعين وسكان المنطقة السودانيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واعتُبر أن هذا الأمر يُخرج القوات الإثيوبية في أبيي من حياديتها كتابعة للقوات الأممية، وقد يكون عنصر آخر لتأجيج النزاع في المنطقة. ومع الفراغ الذي ستتركه هذه القوات، سيكون احتمال نشر قوة أمنية بديلة مؤقتة لحفظ السلام مرجحاً.

حلول مطروحة

في غضون ذلك، تسير مقترحات الحلول المطروحة لأزمة أبيي بخطى وئيدة، مستفيدة من العلاقات الجيدة بين الخرطوم وجوبا والرعاية الدولية للمنطقة والتوافق الدولي مع الحكومة الانتقالية السودانية مثلما هو مع دولة جنوب السودان. ولكن يبدو أن هذا الوضع لن يستمر طويلاً، إثر بروز مؤشرات إلى التحول من مرحلة السكون إلى التصعيد. المؤشر الأول هو اعتراض دولة الجنوب على قرار الحكومة الانتقالية السودانية سحب القوات الإثيوبية قبل التوصل إلى اتفاق نهائي يحدد وضعية أبيي، وتأكيدها أن تغيير القوات الأممية الموجودة في المنطقة لا يسهم في الوصول إلى حل نهائي للأزمة. والمؤشر الثاني هو عدم استقرار الفترة الانتقالية، ففي حالة فرض المكون العسكري سيطرته على الحكومة الانتقالية في الفترة المقبلة خصوصاً بعد تطورات الأحداث في فترة ما بعد 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وحتى نهاية الفترة الانتقالية، ربما تنذر بتعنت المجتمع الدولي تجاه الحلول التي يمكن أن تقترحها الحكومة الانتقالية في الخرطوم، أو استبعاد المجلس العسكري السوداني أو فرض عقوبات على المسؤولين العسكريين، ما يتعذر معه التعاون بين الحكومة بطاقمها كاملاً وقوات الأمم المتحدة الموجودة في أبيي. أما المؤشر الثالث فهو توقعات بالتحام النزاعات القبلية الممتدة من الولايات شمال منطقة أبيي، والتي تنشب بين حين وآخر، في ولاية جنوب كردفان. ووقع آخرها الأسبوع الماضي في منطقة أبو جبيهة بين قبيلتَي الحوازمة وكنانة بسبب سرقة مواشي. إلا أنه وإن تعددت الأسباب، فالثابت هو الاشتباكات المتكررة.

نقطة التقاء

 سيكون أمام حكومتي البلدين التصدي لجذور القضية العميقة لأبيي مع الاستفادة من أجواء السلام، وإشراك النازحين الذين بدا عليهم الحذر بشأن العودة إلى مناطقهم خوفاً من القتال، بينما وعدهم البرهان بتسوية قضاياهم الإدارية وتوفير الخدمات في ظل الصعوبات التي تواجه منظمات الإغاثة لتوصيل المساعدات الغذائية والعلاج، مثل وعورة الطرق وكثافة الأمطار والتهديدات الأمنية، غير أن اللجنتين من دولتي السودان وجنوب السودان لم تضعا جدولاً زمنياً محدداً لحل سياسي، ما يهدد سير هذه الوعود وانحراف القرار النهائي عن المدى الزمني المتوقع.
وتحتاج وعود البرهان بتأسيس البنى التحتية والتنمية المستدامة، إلى إعادة صياغة منطقة أبيي إدارياً والتوافق حول حل سياسي يسبق المشاريع التنموية الفضفاضة ويفرض مبدأ التعايش السلمي بين المجموعتين المتناحرتين إذ تستند كل منهما إلى دولة منفصلة. مع الأخذ في الاعتبار، أن هناك سابقة كانت تتعلق بضرورة استفادة المجتمع المحلي للمنطقة من عائدات النفط، ولكن أعاقها عدم التقسيم الإداري والفساد المصاحب لحكومة المنطقة في ظل النظام السابق. فوفقاً لما نصت عليه اتفاقية نيفاشا، كان يُفترض تخصيص جزء من عائدات النفط المنتَج في أبيي، ثم إنشاء "صندوق تنمية وإعادة بناء وتأهيل أبيي" لمعالجة برامج الإغاثة وإعادة التوطين والاستقرار والدمج. ومن ضمن الأولويات التي ظلت الإدارة الأهلية في المنطقة تطالب الحكومة بتفعيلها هي احتواء العنف وفق تسويغ قانوني يضمن إضافة إلى دفع الديات والتعويضات لأحداث القتل القبلي، بأن تقع المسؤولية على الجاني من دون أن تؤخَذ قبيلته بجريرته حتى تنتهي دائرة العنف. وهنا تحتاج الحكومة الانتقالية إلى تفعيل صيغة تتلاءم مع مجتمع المنطقة والتمييز في التعامل بين ثلاث قوى مؤثرة هي المؤسسة السياسية الرسمية، والقوة الاجتماعية، والكيان العسكري المتمثل في القوات الأممية المؤقتة لحفظ السلام. وهذا سيسهل التفاوض بمقتضى بنود تتمثل في قناعات الطرفين للوصول إلى نقطة التقاء، قبيلة المسيرية التي تتمسك بنتيجة محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي عام 2009 والتي أعادت تعيين حدود أبيي ليكون حقل هجليج النفطي ضمن إقليم كردفان التابع لشمال السودان، ومشيخات دينكا نقوك التي تتمسك بالتقسيم الإداري لعام 1951.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل