Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما العوائق التي تصطدم بجدار التحالف السياسي الجديد في السودان؟

لا بد من ترجمة مطالب الشارع في عملية سياسية تفضي إلى حكم مدني كامل الأركان

استقبل الشارع السوداني الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك بسخط بالغ (أ ف ب)

في ظل توتر أجواء المشهد السياسي في السودان، فضلاً عن اشتعال الشارع بتظاهرات حاشدة أسبوعية متواصلة، للمطالبة بإبعاد المكون العسكري من السلطة، وإيجاد حكم مدني متكامل، تتجه التطورات السياسية منذ توقيع اتفاق البرهان - حمدوك في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الذي عاد بموجبه الأخير إلى منصبه السابق رئيساً للوزراء الذي ألغته قرارات البرهان التي اتخذها في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، إلى بناء تحالف شامل يؤدي إلى إعلان سياسي لإعادة البلاد إلى مسار الانتقال.

لكن، ما الآلية التي يمكن أن تجمع السودانيين في تحالف عريض يجنّبهم التشرذم السياسي كما هو حاصل اليوم، فضلاً عن كيفية تحقيق مطالب الشارع الذي يشهد حالة من الغليان تصعب تهدئتها بسهولة؟

ثقوب وتجاوز

في هذا السياق، يقول رئيس لجنة السياسات في المكتب السياسي بحزب الأمة القومي إمام الحلو، "حزب الأمة وضع أسساً واضحة في ما يتعلق بالمشهد السياسي الحالي، فهو غير معترف باتفاق برهان – حمدوك الثنائي باعتبار أنه تأسس على انقلاب، لكن في الوقت ذاته الحزب لا يرفض مسألة الحوار، بخاصة أن وجود حمدوك قد يكون عاملاً مساعداً في فتح هذا الباب، لصفته المدنية والتنفيذية في السلطة. أما في ما يتعلق بوجود لجنة لوضع ميثاق سياسي وتحالف جديد، فإننا كحزب لم نشارك فيها، ويفترض إذا كانت هناك مسودة نطّلع عليها لنقول رأينا وقرارنا حول مخرجاتها".

وتابع، "السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: ما الجهة التي تملك حق تعديل الوثيقة الدستورية؟ فإذا كانت لجنة شُكّلت بواسطة السلطة الانقلابية، فهي مرفوضة بتاتاً، على الرغم من أن رأينا المسبق في هذه الوثيقة أن هناك ثقوباً تلازمها، ولا بد من معالجتها، والآن حصل فيها تجاوز من قبل مجلس السيادة الذي يسيطر عليه المكون العسكري بإدخال بنود اتفاقية جوبا للسلام، فنحن في مشروع العقد الاجتماعي، الذي طرحناه سابقاً اقترحنا وضع دستور انتقالي يعالج كل قضايا البلاد شرط عرضه على المجلس التشريعي لإجازته، باعتباره الجهة الوحيدة المخوّلة قبول أو تعديل مثل هذه المشاريع، لكن بشكل عام يمكن للقوى السياسية والمدنية أن تطرح رأيها في تطوير الوثيقة الدستورية وتطرح تصوراتها".

وحول المواءمة بين تطلعات الشارع الرافض للشراكة مع العسكر وإيجاد مخرج للأزمة السياسية، قال الحلو، "لا بد من إيجاد مخرج للانسداد السياسي، الذي يلازم واقع المشهد السوداني المعقد الذي خلقه انقلاب 25 أكتوبر، ولا بد أيضاً من الاستجابة إلى تطلعات الشارع، وهذا يتحقق عبر حكومة مدنية. صحيح أن الشارع يرفع شعار اللاءات الثلاث (لا تفاوض، لا شراكة، لا مساومة مع العسكر)، لكن يفترض من القوى السياسية التي تشارك في الحراك الثوري أن تترجم مطالب هذا الشارع في عملية سياسية تفضي إلى حكم مدني كامل الأركان، وفي هذا الإطار لا بد من حوار مع المؤسسة العسكرية".

شراكة متوازنة

في المقابل، قال الناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة السودانية محمد زكريا، "لقد أفضى الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك في بنوده الـ 14 إلى إعداد ميثاق سياسي يفصل ما ورد في هذا الاتفاق، بالتالي أصبح هذا الميثاق الجديد أمراً ملزماً، فالاتفاق الثنائي في تقديري يمثل إطاراً يحتاج إلى الإجابة عن أسئلة عدة، إضافة إلى ضرورة تأطير العلاقة بين المدنيين والعسكريين، وما شابها من فتور ومشاكسات، وأن يؤسس هذا الإعلان إلى شراكة متوازنة بين المكونين العسكري والمدني".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف، "كما يجب استصحاب قرارات 25 أكتوبر التي أصدرها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان عند تعديل الوثيقة الدستورية من جهة التزام تصحيح الأوضاع السابقة المعيبة، مثل التأكيد على حكومة الكفاءات المستقلة، والتوافق على مجلس تشريعي، تتوافر فيه الوظيفة الرقابية حتى يؤدي دوره الرقابي المناط به على أكمل وجه، إذ كانت الوثيقة الدستورية في السابق تتيح لقوى الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية السابقة للحكومة الانتقالية، الهيمنة بشكل أساسي على المجلس التشريعي بأنها كانت تمثل دور الحكم والوسيط في آن واحد، وهو أمر معيب للغاية".

وبيّن زكريا أنه من الضروري معالجة ما حدث من ربكة واختلال في مسألة تحديد موعد الانتخابات المقبلة، إذ يتحدث البعض عن إقامتها في يوليو (تموز) 2023، وهي على ضوء توقيع اتفاقية السلام في جوبا مطلع أكتوبر 2020، يجب أن تكون في يناير (كانون الثاني) 2024، كذلك فإن الوثيقة في نسختها السابقة شارك فيها عدد محدود من القوى السياسية، ولا بد من توسيع قاعدة المشاركة، لتشمل كل القوى السياسية والمدنية التي كانت موجودة في ثورة ديسمبر (كانون الأول) التي أطاحت نظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، إلى جانب لجان المقاومة.

ونوّه الناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة، إلى أنه لا بد من أن تتوافق الجهات المعنية في الدولة تنفيذية وسيادية على آلية للتشاور، ولن تنشأ هذه الآلية إلا باتفاق سياسي، بالتالي الأولوية حالياً هي للإعلان السياسي، قبل تشكيل الحكومة المدنية، لافتاً إلى أنه على الرغم من التحفظات والمواقف السالبة لعدد من القوى السياسية والمدنية، لكن غالبية هذه القوى على قناعة تامة بأنه لا مخرج من هذه الأزمة التي تشهدها بلادنا إلا بالحوار، وهذا يستوجب أن تكون هناك أرضية مشتركة أو برنامج حد أدنى يجمع كل الأطراف وصولاً إلى الانتخابات العامة المقبلة.

سخط الشارع

وكان أن استقبل الشارع السوداني الاتفاق السياسي، الذي وقّعه كل من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ورئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك، لإنهاء الأزمة التي تفجرت في أعقاب القرارات التي أصدرها البرهان كقائد للجيش السوداني في 25 أكتوبر بإقصاء المكون المدني من إدارة الفترة الانتقالية وحل مجلسي السيادة والوزراء، وإعلان حال الطوارئ، بسخط بالغ، معتبراً ما حدث تسوية غير مقبولة في ظل ما وقع من عنف ضد المتظاهرين السلميين خلال الاحتجاجات الماضية، التي راح ضحيتها 43 قتيلاً وعشرات الجرحى.

وتضمن اتفاق برهان - حمدوك 14 بنداً، بحيث اعتبر الوثيقة الدستورية لعام 2019 (تعديل 2020) المرجعية الأساسية، لاستكمال الفترة الانتقالية مع مراعاة الوضعية الخاصة لشرق السودان والعمل المشترك على معالجتها بصورة ترضي أهل الشرق وتضمن الاستقرار، مع تعديل الوثيقة بالتوافق، بما يحقق مشاركة سياسية شاملة وواسعة لمكونات المجتمع السوداني كافة باستثناء حزب المؤتمر الوطني المحلول، كما أكد الاتفاق أن الشراكة القائمة بين المدنيين والعسكريين هي الضامن لاستقرار السودان وأمنه، لذلك اتفقا على إنفاذ الشراكة بروح الثقة والالتزام التام بتكوين حكومة مدنية من الكفاءات الوطنية المستقلة (تكنوقراط)، وضمان انتقال السلطة في موعدها المحدد إلى حكومة مدنية منتخبة.

"مليونيات" ديسمبر

وشهدت الفترة التي تلت إعلان قرارات 25 أكتوبر، تنظيم ست تظاهرات حاشدة تعرضت الأربع الأولى منها إلى عنف مفرط أدى إلى سقوط 43 قتيلاً، نتيجة استخدام قوات الأمن السودانية الرصاص الحي لتفريق المحتجين من أماكن تجمعاتهم، بينما لم تشهد الأخيرتان اللتان أعقبتا توقيع الاتفاق الثنائي بين البرهان وحمدوك، استخدام عنف مفرط كما شهدته التظاهرات الأولى، ويرجع ذلك إلى التغييرات الكبيرة التي طالت بعض قيادات الجيش والأجهزة الأمنية والشرطية، بحيث تم إعفاء مدير الاستخبارات العسكرية في الجيش ياسر عثمان، ومدير "جهاز الأمن والمخابرات" جمال عبد المجيد، وتعيين بدلاً عنهما اللواء محمد صبير مديراً لجهاز الاستخبارات العسكرية، والفريق أحمد المفضل مديراً لـ"جهاز الأمن والمخابرات"، إلى جانب إعفاء مدير الشرطة الفريق أول خالد مهدي إبراهيم الإمام ونائبه الصادق علي إبراهيم، وتعيين بدلاً عنهما فريق شرطة حقوقي عنان حامد محمد عمر مديراً عاماً للشرطة، ولواء شرطة مدثر عبد الرحمن نصر الدين عبدالله نائباً له ومفتشاً عاماً.

ومواصلة لبرنامج التصعيد الثوري ضد إجراءات البرهان الأخيرة، وما تلاها من اتفاق ثنائي ضم الأخير وحمدوك، وضعت تنسيقيات لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين اللذان يقودان هذا الحراك، برنامجاً تصعيدياً خاصاً بشهر ديسمبر الذي انطلقت فيه الثورة السودانية (19 ديسمبر 2018) التي أطاحت حكم البشير (1989- 2019)، يتضمن تنظيم خمس مسيرات بدأت أولها في السادس من ديسمبر، والبقية أيام 13 و19 و25 و30 من هذا الشهر، للتنديد بالانقلاب العسكري والمطالبة بإزالة المكون العسكري من الحكم وتسليم السلطة كاملة إلى المدنيين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير