Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شرق السودان ما بين الإغلاق الكامل ومهلة الحسم

لم تتمكن اللجنة السيادية من حل هذه الأزمة بشكل جذري فطلبت مهلة جديدة ونظارات البجا تدرس الأمر

شدد المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة في شرق السودان على إغلاق كامل الإقليم بـالمتاريس غداً (أ ف ب)

في وقت شدد المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة في شرق السودان على إغلاق كامل الإقليم بـ"المتاريس" غداً الأحد 5 ديسمبر (كانون الأول)، بعد انتهاء مهلة الشهر التي مُنحت لمجلس السيادة دون جدوى لتنفيذ مطالبهم بإلغاء مسار الشرق في اتفاقية جوبا للسلام، التزمت السلطات السودانية الصمت تجاه هذه القضية حتى هذه اللحظة، ما زاد مخاوف السودانيين من الانعكاسات السالبة لإغلاق الموانئ والطرق في الشرق من ناحية تأثيرها في إحداث أزمات في الوقود والسلع الاستراتيجية، فضلاً عن الخسائر الباهظة التي يتعرض لها اقتصاد البلاد.

وأشارت وسائل إعلام سودانية إلى أن اللجنة العليا التي شكلها مجلس السيادة برئاسة نائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) لمعالجة أزمة الشرق، عقدت مساء أمس الجمعة اجتماعاً مع المجلس الأعلى لنظارات البجا، توصل إلى طلب مهلة ثانية تمكن اللجنة السيادية من حل هذه القضية بشكل جذري، وعلى ضوء ذلك قرر مجلس نظارات البجا السبت 4 ديسمبر منح اللجنة العليا وللمرة الثانية، مهلة أسبوعين تبدأ غداً الأحد، استجابة لطلب اللجنة العليا التي تعهدت بحل هذه القضية خلال الأيام المقبلة بطريقة توافقية ترضي كل مكونات الإقليم المختلفة.

في السياق، أكد القيادي في المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة كرار عساكر، لـ "اندبندنت عربية" أن المجلس ولجانه المختلفة قررا تنفيذ التصعيد التام على مستوى إقليم شرق السودان، بإغلاقه كاملاً من ناحية توقف نشاط الموانئ والطرق القومية، ليس بهدف إلغاء مسار سلام الشرق، بل لفقد الثقة في الحكومة التي تدار من قبل أقلية العسكر.

وأضاف عساكر، "استجبنا في الفترة الماضية لنداء القيادة عندما تدخلت طالبة منحها مهلة شهر، لكن للأسف جرت تسمية مجلس السيادة، وانتهت اليوم السبت الرابع من ديسمبر المهلة دون تنفيذ لمطالبنا، لذلك ليس لدينا خيار سوى استئناف آلياتنا الثورية لاقتلاع حقوقنا المطلبية بالطرق السلمية، ولا نسأل عن أي شيء يتعلق بالآثار السلبية التي قد تحدث جراء إجراءات الإغلاق الكامل للإقليم، بل سنتجه للمطالبة بحق تقرير المصير وفقاً لمقررات مؤتمر سنكات 2020".

استمرار حركة الملاحة

لكن، في المقابل أوضح مدير الإعلام والعلاقات العامة في هيئة الموانئ البحرية السودانية سعد عبد النبي، أن حركة ميناء بورتسودان "تسير بشكل طبيعي، ولا يوجد تغيير في جداول وبرامج حركة الملاحة الواردة والقادمة إلى الميناء، بسبب ما يشاع من إغلاق الموانئ في ساحل البحر الأحمر". مؤكداً أن الهيئة لم تتلق أي خطابات أو إفادات من شركات الملاحة المحلية والأجنبية بتوقف نشاطها خلال الفترة المقبلة، حيث تسير عمليات الشحن بالنسبة إلى الصادر والوارد بكفاءة عالية، بل هناك حركة نشطة بصورة غير طبيعية وصلت إلى أكثر من 95 في المئة من طاقة الميناء.

وبين أن الميناء حالياً في أحسن حالاته من حيث الكفاءة، إذ يشهد عمليات تطوير مستمرة، آخرها تدشين عشر آليات مناولة حديثة، تمثل إضافة حقيقية لجهود التشغيل ورفع كفاءة المناولة بنسبة 50 في المئة، وزيادة الإنتاج بخبرات وطنية من كوادر الهيئة، فضلاً عن تمكين الموانئ السودانية من جذب خدمات البضائع القابلة لإعادة الشحن والبضائع العابرة (تجارة المسافنة والترانسيت).

رسالة سالبة

من جانبه، حذر الباحث الاقتصادي السوداني محمد الناير من إسهام قضية شرق السودان من خلال تكرار إغلاق الموانئ في بث رسالة سلبية للمجتمع الدولي، بخاصة في عملية التعاون التجاري، فلا يعقل أن ترهن مصالح البلاد واقتصادها في يد من لا يجيدون حلول الأزمات التي تتطلب السرعة والجدية في اتخاذ القرارات الحاسمة، لافتاً إلى أنه ليس من المعقول أن لا تتوصل الدولة خلال شهر كامل إلى معالجة قضية محورية تهم اقتصاد السودان، على الرغم من تشكيل لجنة عليا لحسم هذه القضية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع الناير، "كنا نتوقع أن تصل هذه اللجنة بالسرعة المطلوبة إلى حلول مرضية والإعلان عن توافق جميع الأطراف، لكن المشكلة أنه في حال استمرار الدولة في ذات النهج سيقع الضرر على الاقتصاد، وسيكون له أثر كبير عند استعادة التوازن، وهو ما يستغرق وقتاً طويلاً".

وحول حجم الخسائر، التي يتعرض لها الاقتصاد السوداني من جراء إغلاق الموانئ، أجاب الباحث الاقتصادي، "بالنظر إلى حجم تعاملات السودان مع دول العالم من ناحية الصادر والوارد فإنها تصل لقرابة الـ 11 مليار دولار سنوياً، بالتالي هذا الإجراء سيفقد البلاد في حدود 30 مليون دولار يومياً، بسبب توقف نشاط حركة الصادر والوارد، فضلاً عن نقص السلع والنقد الأجنبي، وانخفاض إيرادات الموانئ التي تعتمد عليها ميزانية الدولة، إلى جانب الاتجاه لاعتماد موانئ بديلة للموانئ السودانية، الأمر الذي يكلف البلاد ثمناً باهظاً".

في غضون ذلك، رفضت نظارة قبائل الأمرار والعموديات المستقلة في شرق السودان إعادة إغلاق الموانئ والطريق القومي، مؤكدة في خطاب وجهته إلى والي إقليم شرق السودان المكلف بالقول، "لن نسمح لكائن من كان بالإغلاق، بخاصة أنهم تضرروا كثيراً جراء الإغلاق السابق، كما أن الموانئ مصدر دخل للشعب السوداني ورافد حقيقي للموازنة العامة للدولة، وأن هذه الموانئ تتبع لنظارتهم جغرافياً، وعليه سنقاتل كل من سولت له نفسه بإغلاقها، وسنكون بذلك قمنا بواجبنا تجاه الدولة والشعب".

تجاذبات سياسية

في حين، أكدت نقابة الموانئ البديلة عدم توقف حركة البواخر إلى ميناء بورتسودان، مؤكدة أنها تعمل بشكل طبيعي، كما أن مختلف الخطوط الملاحية العالمية تعمل أيضاً دون توقف.

وبحسب رئيس النقابة البديلة لعمال ميناء بورتسودان عثمان طاهر، فإن هناك مخاوف وسط مختلف القطاعات، بخاصة الصادر والوارد، من إعادة الإغلاق.

وشدد طاهر على أنهم كعاملين لا نية لهم في الإغلاق هذه المرة، كما أن عدداً من الأجسام في شرق السودان تعارض تلك الخطوة، فضلاً عن أن الحاضنة الاجتماعية لمجلس نظارات البجا منقسمة في مسألة الإغلاق، وأن الذين يصرحون بالإغلاق متفلتون، على حد قوله.

واستبعد توقف حركة البواخر في الموانئ السودانية، مبيناً أنه حتى هذه اللحظة لم تبلغهم أي شركة من الشركات العالمية بتوقف عملها في ميناء بورتسودان، كذلك لم يخطرنا أي خط ملاحي عالمي بتوقف نشاطه في الموانئ السودانية.

وأشار رئيس نقابة عمال الميناء، إلى أن هناك مخاوف منطقية من الإغلاق، لتأثيره المباشر على كل القطاعات، مؤكداً أنهم كعاملين في هيئة الموانئ البحرية لن يشاركوا في حال إعلان الإغلاق، بخاصة أن الأغراض أصبحت سياسية بحتة، كما أننا أكثر من تضرر خلال الإغلاق السابق.

وأضاف، "لن نكرر ذلك الخطأ مرة أخرى لنكون لعبة في يد السياسيين، ونناشد المكون العسكري في مجلس السيادة والمدنيين وحكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بعدم جعل ملف شرق السودان رهين التجاذبات السياسية وتصفية الحسابات بالإسراع في الحلول حتى لا يكون ملف الشرق أداة للخلاف".

أربعة مطالب

وكانت قبيلة البجا، وهي أحد أكبر المكونات السكانية في شرق السودان، قد بدأت في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي إغلاق الميناء الرئيس للبلاد، ووضعت متاريس "حواجز" في عديد من المدن والنقاط الواقعة على الطريق الرئيس، الذي تمر فيه صادرات وواردات البلاد، وكذلك إغلاق خطي تصدير واستيراد النفط.

وتمسك المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة بأربعة مطالب رئيسة، هي إنهاء التهميش وتحقيق التنمية لمناطق الشرق، وإلغاء اتفاقية مسار الشرق المضمن في اتفاقية جوبا للسلام، وتغيير الحاضنة السياسية أو توسيعها (الائتلاف الحاكم)، وحل لجنة إزالة التمكين واستبدالها بمفوضية مكافحة الفساد، وحل الحكومة الحالية وتشكيل مجلس عسكري يدير البلاد لفترة انتقالية تعقبها انتخابات.

واستجابة إلى نداء قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان عقب إعلانه حالة الطوارئ، وإلغاء الشراكة مع المكون المدني في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، رفع المجلس الأعلى لنظارات البجا الحصار الذي كان مفروضاً على ميناء بورتسودان والطرق القومية التي تؤدي إلى الإقليم، في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني)، لمدة شهر واحد لمنح الحكومة المركزية في الخرطوم فرصة لحل القضية وإلغاء اتفاقية مسار الشرق موضوع الأزمة.

مؤتمر سنكات

مما يذكر أن مجلس نظارات البجا يتمسك بمقرارات مؤتمر السلام والتنمية والعدالة، الذي عقد في منطقة سنكات إحدى مدن إقليم شرق السودان مطلع أكتوبر 2020 تحت شعار (من أجل تثبيت الحقوق التاريخية والثقافية)، حيث طالب بتخصيص 70 في المئة من موارد إقليم شرق السودان لمواطنيه، وأكد أن أزمة الإقليم ليست صراعاً قبلياً، بل قضية أمن قومي وتدخلات خارجية.

وقرر المؤتمر تفويض المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، للتعبير عن قضايا الإقليم في كل المحافل، ورفض مسار الشرق بمنبر جوبا والتجاوزات التي تمت في اختيار والي ولاية كسلا.

واعتمد البيان الختامي للمؤتمر الذي نظمه المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، تحالف كيانات (كسلا، والقضارف، والبحر الأحمر)، وتكوين هيئه تنسيقية عليا مشتركة بين كل المكونات، ورفض كل التدخلات الخارجية ومحاولات التغول على السيادة الوطنية.

كما طالب البيان بتنفيذ كل مخرجات الورش والمؤتمرات التي عقدت من أجل قضايا الإقليم في (1958، 1964، و1968)، فضلاً عن استكمال تنفيذ بند الترتيبات الأمنية وبند الثروة في اتفاقية سلام شرق السودان (أسمره)، إضافة إلى إنهاء السياسات الوصائية الإقصائية لجماهير الإقليم لتحديد خيراته، وإدانة المتهم والمتسبب الرئيس في الأحداث المؤسفة التي شهدتها بورتسودان في 18 نوفمبر 2019.

علاوة على إيقاف نشاط حركات الجهاد الإسلامي وجبهة التحرير المعادية للجارة إريتريا، ونزع السلاح ومصادرة الأموال وطرد العناصر المسلحة من الإقليم، وإغلاق معسكرات اللاجئين ومراجعة قوانين التواجد الأجنبي التي تؤسس لمخططات التغيير الديمغرافي في المنطقة.

وأعلن المؤتمر تمسكه، بحق أبناء الإقليم في حكم إقليمهم والمشاركة في حكم الدولة على كل المستويات، وإقرار الإقليم الواحد بحدوده التاريخية المعروفة، والتمسك بالحقوق التاريخية والثقافية للبجا في المنطقة، مطالباً أيضاً بالإيقاف الفوري لجميع المخططات السكنية والزراعية وتصديقات الأراضي، وإيقاف عمليات التعدين والشركات والمشروعات المركزية في مناطق البجا لحين وضع الأسـس التي تقنن عملها بما يحقق مصلحة إنسان المنطقة كأولوية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير