Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فوضى الفتوى في الجزائر تستنفر وزارة الشؤون الدينية

تؤسس الفتاوى النابعة من خارج السياق المحلي لهوية اجتماعية جديدة تكون نتيجتها صداما واختلافا

يواجه وزير الشوؤن الدينية الجزائري يوسف بلمهدي تحدي تنظيم مجال الفتوى في البلاد (موقع التلفزيون الجزائري)

عادت مسألة الفتوى لتسبب صداعاً لوزارة الشؤون الدينية في الجزائر، بعد تسللها إلى أوساط المجتمع عبر مختلف الوسائل ولعل أهمها مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي التي باتت الفضاء الملائم لمعركة دينية "تهز" تماسك هوية الجزائريين الفقهية المبنية على المذهب المالكي.

فتاوى تثير توتراً ونزاعاً وصداماً

وعرفت الفتوى الدينية في الجزائر فوضى لافتة منذ التسعينيات، بعد سيطرة الحركات الإسلامية على المجتمع وبعض مفاصل الدولة، وازدهرت خلال تلك الفترة، وكانت وقود الأزمة الأمنية التي شهدتها البلاد في تلك الفترة، غير أنها تراجعت بسبب "الحرب على الإرهاب" التي أعلنتها السلطات في إطار مواجهة الجماعات المتشددة المسلحة التي "عاثت فساداً"، لكنها عادت بقوة مع انتشار القنوات الفضائية الدينية والتقدم التكنولوجي في مجال الإلكترونيات الذي أسهم في التطور الهائل لمختلف أجهزة الاتصالات وما تبعه من "انفجار علمي" مس وسائل التواصل.
وتسبب هذا التطور في إثارة فوضى دينية أثرت سلباً على تماسك المجتمع الجزائري الذي يعتمد على المذهب المالكي في تسيير شؤونه الدينية، كما كانت مدخلاً لإحداث نعرات وخصامات بلغت في بعض المرات حد المواجهات مع قوات الشرطة، إضافة إلى تعطيل سياسات حكومية والتسبب في الاحتقان من أجل الدفع باتجاه وضع داخلي متوتر، ولعل تسلل الفتوى الدينية في ملفات التطعيم ضد "كورونا" وغلق المساجد وحرق الغابات وغيرها من المواضيع، دليل على وجود سياق متعمد لـ"زعزعة" استقرار الهوية الفقهية للمجتمع الجزائري.

إعطاء أهمية بالغة

دفع هذا الوضع، وزارة الشؤون الدينية إلى إعطاء أهمية بالغة لمسألة القضاء على "فوضى الفتوى"، درءاً للخطر، بعدما ظهرت صراعات في المساجد والشارع ووسائل الإعلام والجامعات بين المتمسكين بالفتاوى المحلية، وأنصار الفتاوى التي تأتي من الخارج، حيث يرى الطرف الأول أن الفتوى المحلية نابعة من خصوصيات المجتمع، وهي ملمة بظروفه وحاجاته وطبيعة سلوكه وتفكيره، في حين يعتبر الطرف الثاني أن الإسلام واحد، والعلم الشرعي الحقيقي موجود في أماكن أخرى.

غياب منصب مفتي الجمهورية

في السياق، يرجع أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بريك الله حبيب، أسباب فوضى الفتوى إلى "غياب منصب مفتي الجمهورية الذي يعد المرجعية الأولى لكل قضايا الفتوى في البلاد، وعليه يتم الاعتماد في استصدار الفتوى لكل القضايا والإشكالات التي تواجه المواطن"، مشدداً على أن "القنوات الفضائية ومختلف الوسائل لها دور كبير في انتشار هذه الفوضى التي أثرت بشكل لافت على المجتمع الجزائري الذي أصبح يتلقى الفتاوى الجاهزة وفق مذاهب متنوعة لا تتماشى والمرجعية المالكية المحمدية".

عامل استقرار

من جهة أخرى، قال وزير الشؤون الدينية الجزائري يوسف بلمهدي، أن "الفتوى تعتبر عامل استقرار، وآلية من آليات تسيير الأزمات التي تمر بها الشعوب والأمم، باعتبارها تستجيب للمتغيرات الزمانية والمكانية، وتستوعب الوضعيات المختلفة للأفراد والجماعات، وتسترشد برأي الخبراء كما حصل مع جائحة كورونا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما أصدرت وزارة الشؤون الدينية تعميماً جديداً لأئمة المساجد وموظفي الشؤون الدينية في مختلف المحافظات، تأمرهم فيه بالتصدي لفتوى دينية أطلقتها أطراف معروفة، وقالت إنه يجب التصدي لهؤلاء الذين يصدرون فتاوى تكفيرية وتضليلية، ما من شأنه تفريق المسلمين وتمكين الشقاق بين مكونات الأمة والمجتمع الجزائري الواحد.
ودعت اللجنة الوزارية للفتوى في وقت سابق، إلى تجنب الإشاعة ونشر الأخبار والمعلومات غير الصحيحة حول الوضع الصحي الناجم عن وباء "كورونا" من دون تثبت ولا استناد إلى المصادر الموثوقة، ما يثير القلق والاضطراب والخوف بين الآمنين، والتلاعب بالصحة النفسية للمواطنين، والتأثير على منظومة القيم والأخلاق، وغير ذلك من الآثار التي قد تسبب الفتنة في المجتمع. وأكدت أنه "يحرم صناعة الإشاعات ونشرها وتداولها، لما في ذلك من الكذب الذي يعد من كبائر الإثم والمعاصي"، داعية إلى "التثبت من المعلومات وأخذها من مصادرها المؤكدة، وعدم الاعتماد على المصادر المشبوهة، إضافة إلى تعزيز ثقافة احترام التخصص لأنها تعد من أفضل ما يلتزم به في هذا الظرف".

الابتعاد عن المتاجرين بالدين

من جانبه، حذر رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر، عبد الله غلام الله، من "الفتاوى التي تبثها القنوات الفضائية على لسان أشخاص غير مؤهلين أصلاً للفتوى". وأوضح أن "مصدر الفتوى يجب أن يوكل لرؤساء المجالس العلمية للفتوى بالمحافظات"، معبراً عن أسفه لـ"تفنن قنوات فضائية في جلب المشاهدين عن طريق بث فتاوى على لسان أشخاص لا علاقة لهم بالأمر"، داعياً إلى "الابتعاد عن المتاجرين بالدين، لأن أمهات القضايا المتطلبة فتوى إن تعذرت على المجالس العلمية ترفع إلى اختصاص وزير الشؤون الدينية".

لا تراعي الخصوصيات

يرى الباحث في التراث الإسلامي سعيد جاب الخير، أن "الفتوى التي تنبع من خارج السياق الجزائري والموجهة إليه، تشبه الدواء الذي يوصف لغير المريض المعني به، لأنها لا تراعي الخصوصيات، وتقفز على ملامحها، مما يؤسس لهوية اجتماعية جديدة، فتكون النتيجة صداماً واختلافاً، كانا منعدمين في ظل الوحدة الفقهية سابقاً"، موضحاً أن رفضه الفتاوى المستوردة، "لا يعني أنها ليست صالحة في بيئتها الأصلية، بل لا تملك القدرة على تفهم البيئة الجديدة التي تصدر إليها".

المزيد من العالم العربي