Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التحولات المرتقبة من تعيين السفير الأميركي الجديد لدى الخرطوم

أهمية الملف الإيراني بالنسبة إلى الولايات المتحدة وتدخلاتها عبر وكلائها في دول المنطقة باعتبار السودان دولة استشرافية

أميركا تعين سفيراً لها في السودان للمرة الأولى منذ 25 عاماً (غيتي)

بتعيين السفير جون جودفري أول سفير أميركي لدى الخرطوم بعد 25 عاماً من القطيعة، تكون الولايات المتحدة فتحت مرحلة جديدة في علاقاتها مع السودان، وهي الخطوة التي بدأت في أعقاب الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، ولكن ظلت ملامح هذه العلاقة غير واضحة. وعلى الرغم من إعلان الولايات المتحدة عام 2019 أنها ستعمل على تطوير العلاقات مع السودان وتبادل السفراء، وقد أرسلت بالفعل الحكومة الانتقالية سفيراً إلى واشنطن، لكن إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب لم ترسل سفيراً إلى الخرطوم، واكتفت بإشادة جاءت على لسان وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، باعتبار ترقية العلاقات الدبلوماسية مع السودان "خطوة ذات مغزى إلى الأمام في تعزيز العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والسودان".

والآن يبدو أن العلاقات الأميركية مع السودان بدأت تتشكل متجاوزة اللهجة الحادة التي أبدتها الولايات المتحدة إبان أحداث 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وستكون مستندة إلى دعمها الواضح للحكومة الانتقالية في ظل حاجة السودان إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي في هذه الفترة، وما بذلته الحكومة الانتقالية منذ 2019 بالعمل على إعادة التواصل مع المجتمع الدولي، وإعادة بناء العلاقات الثنائية في الخارج ومع المانحين الدوليين، شطبت الولايات المتحدة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو ما كان بمثابة انفراجة كبيرة.

تغير الوضع

يعتقد السفير علي يوسف أنه باعتبار "الولايات المتحدة الأميركية دولة عظمى ورقماً صعباً ومهماً في العلاقات الدولية، فأغلب الدول تحرص على أن تكون علاقاتها طيبة معها وطبيعية أو فوق ذلك، وبالنسبة إلى السودان فإن وضع اسمه في قائمة الدول الراعية للإرهاب وخفض العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى القائم بالأعمال في ظل النظام السابق، أوقفا الدعم الاقتصادي والعسكري والثقافي، وبقي فقط ملف مكافحة الإرهاب الذي شهد تعاوناً بين البلدين بسبب الضرورة الملحة للطرفين".

ويرى يوسف أن أحد التحولات ينطلق من "تغير الوضع بعد سقوط النظام السابق وتولي عبدالله حمدوك رئاسة الوزراء، وحرصه على تطوير العلاقات باعتبارها مفتاح الدخول إلى بقية العالم الاقتصادي والمالي والسياسي، وبذلت جهود كبيرة خلال العامين الماضيين لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتم من خلال التحركات التي قامت بها الحكومة السودانية دفع تعويضات لذوي ضحايا تفجير سفارتي واشنطن في نيروبي ودار السلام في 7 أغسطس (آب) 1998، وتعويضات لعائلات 17 بحاراً أميركياً قتلوا باستهداف تنظيم القاعدة لسفينتهم المدمرة "يو إس إس كول" بميناء عدن في 12 أكتوبر (تشرين الأول) 2000، ولقاء رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبدالفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو.

ويستعرض السفير بقية التحولات مثل "رجوع علاقات السودان مع المؤسسات النقدية الدولية والعلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة في المجالات العسكرية والاقتصادية وإعفاء ديون السودان، وداخلياً بعد أحداث 25 أكتوبر ولعب الولايات المتحدة دوراً في محاولات منع تدهور الوضع في السودان، ومتابعتها التي أفضت إلى توقيع الاتفاق السياسي بين رئيس المجلس الانتقالي عبدالفتاح البرهان ورئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك".

توقيت مهم

ويلفت يوسف إلى أن "أهمية الإعلان عن وصول سفير للولايات المتحدة إلى الخرطوم بعد 25 عاماً، هو دليل على حرص الولايات المتحدة على تطوير علاقاتها مع السودان ولعب دور مهم في مسار الفترة الانتقالية لضمان نجاحها وضمان تنفيذ الاتفاق السياسي، وتشكيل حكومة كفاءات ثم المضي إلى تشكيل المؤسسات الانتقالية الأخرى مثل المجلس التشريعي والمفوضيات وغيرها، إضافة إلى حرص الولايات المتحدة على التقدم في ملف السلام وقضية الشرق".

ويؤكد أن "وجود سفير أميركي في الخرطوم بعد استكمال إجراءات تعيينه وفقاً لجلسة الاستماع في الكونغرس الأميركي سيكون له تأثير كبير أيضاً في تطوير العلاقات الإقليمية، خصوصاً ملف أمن البحر الأحمر، بعد الاتفاق بين موسكو والخرطوم بأن تكون هناك قاعدة عسكرية لروسيا في البحر الأحمر، وستسعى الولايات المتحدة إلى ألا يتم ذلك، أو أن يكون لها وجود أكبر في المنطقة، كما يمكن أن تكون للولايات المتحدة اعتبارات دولية محيطة مثل انسحابها من أفغانستان، والأحداث في العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن، وكلها مرتبطة بملف الإرهاب والسلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وهي كما ذكر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في مؤتمر الأمن في الشرق الأوسط بالبحرين قبل أيام، بأن أميركا ستبقى ملتزمة بعلاقاتها مع أصدقائها الحلفاء حول العالم، بما في ذلك دول الشرق الأوسط، حتى بعد انسحاب الجيش الأميركي من أفغانستان وتحويل اهتمامه إلى مواجهة الصين".

تقاطع العلاقات

وفي السياق، يتطرق يوسف إلى أهمية الملف الإيراني بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وتدخلاتها عبر وكلائها في دول المنطقة باعتبار السودان دولة استشرافية يحيط بها وجود إيران في اليمن، ومحاولات تطويقه بالسيطرة على الممرات المائية ومنطقة القرن الأفريقي، ثم ملف الاتفاق النووي وإمكان أن تصبح إيران دولة نووية تهدد أمن إسرائيل. وينتقل إلى ملف آخر وهو "التطورات والأحداث التي تجري في إثيوبيا، والعلاقات السودانية - الإثيوبية وينضوي تحته ملف سد النهضة وملف التوتر على الحدود السودانية - الإثيوبية، وداخل إثيوبيا نفسها باتساع صراع تيغراي مع الحكومة الفيدرالية، لما لكل ذلك من تأثير على المصالح الأميركية في المنطقة، وللدور المحوري والاستراتيجي الذي يمكن أن يلعبه السودان في تطورات المنطقة".

وينوه إلى أنه "من المفترض أن تكون العلاقات مع الولايات المتحدة طبيعية وجيدة ومميزة، ولكن يجب أيضاً ألا تكون على حساب علاقات السودان مع دول أخرى عربية أو أفريقية أو مع الصين وروسيا وغيرها، وأن تتطور مسارات العلاقات المختلفة بصورة إيجابية ومميزة على كافة المستويات من دون حدوث أي نوع من التقاطع".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سياق موضوعي

من جانبه، يرى دبلوماسي سوداني رفض ذكر اسمه أن "ترفيع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين السودان والولايات المتحدة إلى درجة السفير من مستوى القائم بالأعمال، مؤشر إلى أن البلدين يرغبان في طي صفحة العداء الذي وسم هذه العلاقات طوال فترة النظام السابق، والانتقال بها إلى مرحلة جديدة تعود فيها العلاقة لشكل العلاقات الدبلوماسية الطبيعية بين الدول، لكن من المهم الإشارة إلى أن هذه الخطوة مع أهميتها الدبلوماسية إلا أن الواقعية تقتضي النظر إليها في سياق موضوعي، ومن دون تعليق آمال كبيرة حول تأثير هذه الخطوة في الأوضاع السودانية على نحوٍ مباشر وسريع المفعول".

ويضيف، "بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن السودان ليس من البلدان التي تربطها بها مصالح حيوية واستراتيجية، وحتى ما يتداوله كثر من السودانيين عن زيارات ناجحة لمسؤولين سودانيين إلى الولايات المتحدة واستقبالهم بمظاهر من الحفاوة والدفء خلال عقد الستينيات وحتى الثمانينيات، كان يندرج في سياق ترتيبات الحرب الباردة وسعي الولايات المتحدة إلى تقليل النفوذ السوفياتي عبر إظهار الحفاوة بقادة دول العالم الثالث الذين يزورون واشنطن".

انحصار الاهتمام

ويؤكد الدبلوماسي أنه "إذا نظرنا إلى اهتمام الولايات المتحدة بالسودان من خلال الزيارات التي قام بها كبار المسؤولين الأميركيين إلى السودان منذ استقلاله، باعتبار أن الزيارات الثنائية هي مؤشر إلى العلاقات الثنائية لأي بلدين، فإننا نلحظ أن اهتمام أميركا بالسودان ينحصر في مجالين اثنين، إنساني وأمني داخلي، أو ذي صلة بالعلاقة مع إسرائيل". ويوضح أن "زيارة جورج بوش الذي كان نائب الرئيس الأميركي الأسبق وقتها رونالد ريغان إلى السودان عام 1985، كانت تتصل بنقل يهود "الفلاشا" من إثيوبيا إلى إسرائيل عبر الخرطوم، وكذلك بالوضع الإنساني المترتب على المجاعة التي ضربت أجزاء واسعة من السودان في تلك الفترة"، وأيضاً زيارة وزيرة الخارجية نهاية تسعينيات القرن الماضي مادلين أولبرايت، التي كان في صدارة أجندتها الوضع الأمني في جنوب السودان ودعم حكومة السودان في تلك الفترة لجماعات تثير انشغال إسرائيل، وعلى النحو ذاته فإن زيارات وزراء الخارجية اللاحقين، كولن باول وكونداليزا رايس، كانت تتعلق بالوضع الإنساني والأمني في دارفور، أما زيارة وزير الخارجية السابق مايك بومبيو خلال الفترة الانتقالية الحالية، فمحورها دفع العلاقة مع إسرائيل قدماً".

ويتابع، "يذكر أن هناك مؤشرات تدفع للاعتقاد إلى أن إدراج السودان في القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب جاء استجابة لمطالب إسرائيلية، كما أن الرفع تم بعد حدوث الاختراق في علاقة السودان بإسرائيل إثر لقاء البرهان - نتنياهو في أوغندا".

تعمق العلاقات

ويتابع، "على المدى المتوسط والبعيد يمكن للعلاقات السودانية - الأميركية أن تتعمق أكثر في حال ارتبط السودان بمصالح حيوية لأميركا في السودان، ويكون ذلك من خلال ترتيبات ثنائية تخاطب ما يثير الاهتمام الأميركي بالسودان، وعلى رأسها إقامة علاقة طبيعية مع إسرائيل بما يحقق مصالح السودان الوطنية وحسب، وأن يُصار إلى إفساح المجال لقطع البحرية الأميركية للتموضع في السواحل السودانية على البحر الأحمر، وأن يلعب السودان دوراً إقليمياً يشجع على حفظ الأمن والاستقرار في شبه إقليم شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، ويتضمن ذلك استعداد الخرطوم للمشاركة في عمليات حفظ السلام الأممية في شبه الإقليم، وتفعيل جهود دبلوماسية السودان الوقائية ودبلوماسية فض النزاعات في الإقليم، وأن يتاح المجال للشركات الأميركية للاستثمار في مجال المعادن والنفط والصمغ العربي والطاقة".

مهددات أمنية

ويوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين فتح الرحمن الأمين أن "أهمية تعيين أول سفير للولايات المتحدة في الخرطوم منذ العام 1996، يسهم في الانتقال الديمقراطي في السودان وإعادة إدخاله في النظام المالي الدولي، بعد أن ظل خارجه منذ فرض العقوبات عليه، كما سيسمح القرار الأميركي بتسوية ديون السودان، وفتح المجال للاستفادة من المنح الدولية".

ويضيف، "يجيء تعيين السفير جون جودفري، خصوصاً من واقع أنه شغل وظيفة القائم بأعمال منسق وزارة الخارجية الأميركية لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، والمبعوث الخاص للتحالف الدولي لدحر تنظيم داعش، نسبة إلى وقوع السودان في منطقة عبور لمنظمات إرهابية وتجار بشر وغيرها من المهددات الأمنية".

ويتابع، "على الرغم من أن الولايات المتحدة ظلت حاضرة في السودان عبر مبعوثها للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، ورئيس بعثة الأمم المتحدة بالسودان (يونيتامس) فولكر بريتس، إلا أن وجود سفيرها في الخرطوم يعد اعترافاً بالحكومة الانتقالية ومتابعة قيام الانتخابات، نظراً إلى الانطباع السائد والمتعلق بالسمعة الدولية عن أن الولايات المتحدة هي راعية النظم الديمقراطية في العالم".

المزيد من تحلیل