Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما تداعيات تعليق الاتحاد الأفريقي لعضوية السودان؟

إن التحدي الذي يواجه الخرطوم دولياً وإقليمياً هو احتمال السيطرة العسكرية مما يعرض البلاد إلى توتر آخر قد يمتد أعواماً طويلة

مقر الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا (غيتي)

بتعليق مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي عضوية السودان بعد تعطيل الفريق عبد الفتاح البرهان لبعض مواد الوثيقة الدستورية وحل مجلس السيادة الانتقالي، تكون هذه المرة الثانية لتعليق العضوية خلال ثلاثة أعوام منذ قيام ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018.

أما المرة الأولى، فكانت عقب استيلاء المجلس العسكري الانتقالي على السلطة في 11 أبريل (نيسان) 2019 بعد إطاحة نظام عمر البشير مباشرة. ووفق بيان مجلس الأمن والسلم، فإن القرار "يأتي تماشياً مع البروتوكول المتعلق بإنشاء مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، والميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم".

ووفق المادة 30 من القانون التأسيسي تحت بند "تعليق المشاركة"، فإنه "لا يُسمح للحكومات التي تصل إلى السلطـة بطرق غيـر دستورية بالمشاركة في أنشطة الاتحاد".

إن التحدي الذي يواجه السودان دولياً وإقليمياً هو احتمال السيطرة العسكرية، مما يعرض البلاد إلى توتر آخر قد يمتد أعواماً طويلة. كما أن هناك إجماعاً داخلياً على ضرورة بناء الدولة المدنية لتطوير شكل الحكم، فإن هناك أيضاً رفضاً لفرض القرارات الفوقية الدولية والإقليمية على البلاد، فما حدث في الأعوام الثلاثين الماضية خلال حكم النظام السابق، من تعليق لعضوية السودان في المؤسسات الدولية والإقليمية، أثبت أن التأثير المباشر كان في الشعب السوداني ولم تتأثر الحكومة به، إذ كوّنت إمبراطورية مالية من الصناعات الحربية المحلية، والاستثمار في مجال التعدين واستخراج النفط  بالالتفاف على العقوبات الدولية من خلال الصين المستفيدة الأولى، وكانت عائدات هذا القطاع تصب في مصلحة النظام الشخصية.

ردع القوة

يكتنف قرار الاتحاد الأفريقي ادعاءان، الأول نابع من مبادئه التي نص عليها ميثاقه بضرورة إشاعة السلم في أفريقيا، ولكن عندما يُنظر إلى هذه المهمة من خلال تحققها في الفضاء السياسي الإقليمي، يسقط المعيار العادل، بخاصة أن دولة جارة وعضواً في الاتحاد الأفريقي هي تشاد لم تُعلّق عضويتها بتغيرّ نظام الحكم إلى نظام عسكري، وذلك بتولّي محمد كاكا ديبي، بعد مقتل والده، منصب رئيس المجلس العسكري الانتقالي في 21 أبريل الماضي، للمرحلة الانتقالية التي ستستمر 18 شهراً، من المفترض أن يتم بعدها تنظيم "انتخابات رئاسية ديمقراطية وحرة" في البلاد.

ولم يدِن مواطنه، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي هذا التطور، بل ظهر تناقض الاتحاد مع مبادئه في قراره بعدم تطبيق قواعده على تشاد .

أما الادعاء الثاني فهو سياسي، إذ إن الاتحاد الأفريقي يبحث عن مكاسب فرض قيود على دول ذات سيادة، وكذلك في ما يتعلق باستخدام القوة بوصفها أداة في السياسة الخارجية له.

وانطبق استخدام القوة على دول مثل مالي التي تماثل حالتها حالة السودان، وقد عُلّقت عضويتها مرتين بعد انقلابين، آخرهما الذي نفّذ فيه رئيس المجلس العسكري أسيمي غويتا، انقلاباً على الرئيس المؤقت باه نداو في أغسطس (آب) 2020، وأجبره على الاستقالة وأعلن نفسه رئيساً مؤقتاً، ولكن الفرق بين حالتي السودان ومالي أنه في الخرطوم حتى الآن لم يتم التوافق في التعبيرات السياسية على مسمّى ما حدث بأنه انقلاب، كما أن الخلاف القائم هو بين شريكين في حكومة انتقالية كلاهما غير مرشح عبر انتخابات ديمقراطية.

 وعلى ذلك، يمكن أيضاً  قياس اختلاف حالة السودان عن حالة غينيا التي نفذ فيها الانقلاب العسكري مامادي دومبوي في  5 سبتمبر (أيلول) الماضي  على الرئيس المنتخب ألفا كوندي، إذ أعلن الاتحاد الأفريقي تعليق عضوية غينيا وعدم مشاركتها في أنشطته. تدل هذه النماذج  على أن الاتحاد الأفريقي لديه تفضيلاته الخاصة لدول المنطقة في التعامل مع أزماتها.

أزمة السد

 على الرغم من المطالبات الإقليمية بضرورة قبول إثيوبيا بوساطة أفريقية، إلا أنها رفضت تدخل الاتحاد الأفريقي وأي دولة أفريقية في صراعها، قائلة إن القضية داخلية وستُحل في هذا الإطار، بينما رحّبت بتدخل الاتحاد في قضية سد النهضة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويأتي تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي كمؤشر إلى سير حل هذه القضية على نطاق الأمن القومي الإقليمي، بعد أن أخذت الأزمة صفتها الدولية بتعدد تأثيراتها وتوزعها بين ثلاث دول رئيسة وأخرى مشتركة في حوض النيل. وغير بعيد من ذلك، تفجر أزمة في يوليو (تموز) الماضي بين إثيوبيا وجامعة الدول العربية، على إثر محاولة أديس أبابا إبعاد الجامعة العربية عن مفاوضات السد في رسالتها إلى مجلس الأمن  التي أوضحت فيها أنها ترفض تدخل الجامعة العربية في قضية سد النهضة بما وصفته بأنه ربما يقوّض العلاقات الودية والتعاونية بين الجامعة والاتحاد الأفريقي. 

وقبلها جاء طلب السودان من مجلس الأمن بتحويل مبادرة الاتحاد الأفريقي إلى وساطة دولية، للضغط على الدول الثلاث للتوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة.

وبعد أن أعلنت أديس أبابا رفضها طلب الخرطوم نقل ملف أزمة السد إلى مجلس الأمن الدولي، أكد وزير الري الإثيوبي سيليشي بيكيلي أن "حل هذه الأزمة يكمن في مفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، وأن القضايا المتنازع عليها حول السد لا تشكل تهديداً أمنياً، ولا يمكن حلها في مجلس الأمن". وبمحاولات استبعاد إثيوبيا الجامعة العربية ومجلس الأمن، فربما تنفرد من خلال الاتحاد الأفريقي الذي يتخذ من أديس أبابا مقراً له، بقضية السد.

وإزاء الآليات المعروفة لحل النزاعات ومنها تغيير الأولويات أو تعديل موقف الدول الأطراف، أو المقايضة بحصول كل طرف على طلباته من جانب آخر في القضية، أو إقامة استفتاء ينتهي بالتوافق على حل، فإن  المؤشرات قد تقود عوضاً عن ذلك إلى اللجوء إلى التحكيم  الذي ينطبق على مثل هذه الحالة، وذلك بعد استنفاد أو استبعاد فرص التفاوض أو التسوية. ويتم عبر إجراءات قانونية معقدة لن تتوافق عليها الأطراف بسهولة، خصوصاً مع تغييب السودان.

سلام جوبا  

 ستواجه اتفاقية جوبا للسلام الموقعة بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة تهديدات بعد قرار الاتحاد الأفريقي تعليق عضوية السودان. وستكون المعضلة في كيفية تنفيذ بنود الاتفاق، خصوصاً الترتيبات الأمنية التي "حددت 39 شهراً لعملية الدمج والتسريح المتعلقة بمقاتلي الحركات المسلحة مع تشكيل قوات مشتركة من الجيش السوداني والشرطة والدعم السريع لحفظ الأمن في ولاية دارفور والمنطقتين (جبال النوبة وإقليم النيل الأزرق) تمثّل فيها قوات الحركات المسلحة نسباً تصل إلى 30 في المئة".

وتكمن أهمية هذا البند في أنه ضمن المواد الثابتة في الوثيقة الدستورية، وسيتكثف التركيز عليه بعد حل بعض المواد من قبل قائد المجلس العسكري الفريق عبد الفتاح البرهان، وسيكون مع بقية البنود تحت اختبار جدية البرهان ووعده بتنفيذها.

كما سيتأثر عمل بعثة "يونيتامس" في إطار مهمتها بتنفيذ توجيهات الأمم المتحدة بإعطاء أولوية لمراقبة وقف إطلاق النار في دارفور ومتابعة عودة النازحين واللاجئين وإجراء التعداد السكاني وتحقيق التحول الديمقراطي، باعتبارها من أولويات الفترة الانتقالية.

ربما كان من الضروري في هذه المرحلة أن يقدم السودان إطاراً عملياً لنجاح تدخل الاتحاد الأفريقي، من خلال نشأته منذ الاستقلال في كنف هذه المؤسسة، وأن يرعى مرحلة تآلف المجتمع مع الحكومة، في دولة ذات مستوى مضطرب من التماسك الاجتماعي السياسي.

انتكاسة المصالحة

 على الرغم من أن مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي طلب من رئيس مفوضية الاتحاد إرسال مبعوث خاص إلى السودان للتشاور مع أصحاب المصلحة بشأن تسريع استعادة النظام الدستوري واتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل تسهيل استئناف الحوار، إلا أن الأهداف الموضوعة، إضافة إلى وساطة تهدف إلى تيسير إقرار سلم دائم ومنع تكرار العنف وحفظ السلم ودعمه ونزع السلاح، وبناء السلم عن طريق إيجاد استقرار وحكم رشيد مبني على المساواة والعدالة، كلها ستظل في الجانب النظري مع سريان تعليق عضوية السودان.

أما عملياً، فقد سعى الاتحاد الأفريقي إلى تحقيق أهدافه من قبل في ظل وجود السودان ولكن معيقات سياسية واقتصادية عدة حدّت من فاعلية هذه النصوص. ومن الواضح أن تجارب الاتحاد الأفريقي في التزام بعض البنود مع ضعفها، تتّسم بالانتقائية.

كما أنه وراء الصورة الزاهية لهذه المبادئ في ظل العضوية الكبيرة في الاتحاد الأفريقي ومدى إدارته لخلافات القارة، توجد دول فاشلة ومنهارة ومسيطر عليها عسكرياً.

فالموجة الرابعة من التحول الديمقراطي في أفريقيا والسودان لها تأثيراتها السلبية والإيجابية، فالبلاد الآن في طور بناء ثقافة ديمقراطية، وإخراجها من منظمة إقليمية كالاتحاد الأفريقي يُعدّ انتكاسة بعد أن وصل السودان إلى مرحلة القبول في المجتمع الدولي والمنظمات العالمية.

ربما لا يستطيع الاتحاد الأفريقي المضي في موقفه وقراره بتعليق عضوية السودان حتى النهاية، فالالتزامات والضغوط الواقعة عليه بضرورة أن يكون مؤسسة فاعلة في قارة تعج بالأزمات، ربما تغيّر موقفه.

فمن ناحية، يُعدّ التأثير الذي يخلقه تعليق عضوية السودان والمرتبط بتمثيل نظامه وشغله مقعداً في الاتحاد الأفريقي قوياً في الداخل السوداني للإحساس بفقدانه سنداً إقليمياً. ومن ناحية أخرى، سيؤثر في أداء الاتحاد الأفريقي لواجباته ودوره السياسي في حل الأزمات.

لذا، ربما يكون الآن هو الوقت المناسب لكي يعيد الاتحاد الأفريقي النظر في تعليق عضوية السودان حتى لا تؤدي خطوته إلى إهمال ما تم التوافق عليه من المهمات التي تُعنى بالمصالحة وإدارة الخلاف بين مكوّنَي الحكم في الفترة الانتقالية، فالجهد يُبذل الآن للاستعانة به لحل الخلاف في مجتمع سياسي منقسم، ما يستوجب مصالحة داخلية وإقليمية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل