Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخاوف وقلق من عدم إنجاز تونس موازنتها للعام المقبل

يحذر متابعون من عواقب اهتزاز صدقية البلاد في الأوساط المالية العالمية

جرت العادة أن يكون مشروع الموازنة التونسية جاهزاً ومعلناً عنه منذ منتصف أكتوبر وفق ما ينص الدستور (رويترز)

لم يتبقَ على انتهاء عام 2021 سوى خمسة أسابيع، ولم تُعد تونس إلى الآن موازنتها التي تمثل بوصلة البلاد، وتعكس خططها وتوجهاتها الاقتصادية والمالية.

وجرت العادة أن يكون مشروع الموازنة التونسية جاهزاً ومعلناً عنه مند منتصف أكتوبر (تشرين الأول) وفق ما ينص عليه الدستور، ولكن هذا العام تغيرت المسائل ليكتنف الغموض والضبابية الموازنة الجديدة التي لم يقع الإفصاح عنها، ويثير هذا الوضع مخاوف المتخصصين والمحللين الذي أعربوا عن قلقهم ومخاوفهم الشديدين من عجز البلاد عن إنجاز موازنة ما ستهز صورتها وصدقيتها داخلياً، وفي الأوساط المالية العالمية.

وتعيش تونس منذ عام 2020 أزمة اقتصادية ومالية كبيرة بسبب تداعيات أزمة فيروس كورونا، تعمقت أكثر في عام 2021 لتدخل البلاد في نفق مظلم من المديونية الخارجية إلى درجة أنها أضحت عاجزة عن الاقتراض الخارجي.

وضع غير طبيعي

وعبر الباحث الاقتصادي والمالي عز الدين سعيدان عن قلقه الشديد من عدم إنجاز تونس إلى حد الآن موازنتها للعام المقبل، معتبراً أن الوضع أضحى غير عادي بالمرة، بالنسبة لبلد تعود منذ عقود عدة إنجاز موازنته في آجال معقولة ومحترمة. وأكد أن عام 2021 شارف على الانتهاء ولم يبق منه سوى نحو خمسة أسابيع، وتونس لم تفصح حتى الآن عن مشروع موازنتها للعام المقبل، وسط حيرة للفاعلين الاقتصاديين والمؤسسات المالية الدولية. وأضاف أن قانون المالية التعديلي للعام الحالي الذي نشرته وزارة المالية منذ نحو 10 أيام قدم بعض المؤشرات التي يعتقد سعيدان أنها خطرة وتتمثل في ارتفاع نفقات الدولة مع ارتفاع عجز الموازنة.

وتتأكد الصعوبات التي تتخبط فيها وزارة المالية، بحسب المتحدث ذاتها، من خلال ما وصفه باستحالة تعبئة الموارد المالية على المستوى الداخلي على إثر تسجيل شح في السيولة لدى البنوك التي تم إنهاكها في العامين الأخيرين من خلال عمليات الإقراض المتواصلة لموازنة الدولة.

كما أبرز عز الدين سعيدان أن الغموض وراء عدم الإعلان عن الموازنة للعام المقبل يعزى إلى استحالة التوصل إلى تعبئة الموارد المالية الخارجية في شكل قروض خارجية من المؤسسات المالية الدولية، مشدداً على أن الاقتراض من الخارج أصبح مستحيلاً لتونس في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية الراهنة، وما زاد الوضع تعقيداً، وفق سعيدان، عدم التوصل إلى الآن، للاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يمثل "جواز سفر" للبلاد للحصول على الضوء الأخضر من بقية المانحين الدوليين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعن السيناريوهات المقبلة في ظل عدم توصل تونس لإنجاز موازنتها، قال المحلل الاقتصادي والمالي إن الدستور التونسي ينص على أن رئيس الجمهورية يوقع على أوامر رئاسية كل ثلاثة أشهر، لصرف نفقات الدولة من دون نفقات الاستثمار، معتبراً ذلك أمراً على غاية من الحساسية والخطورة ويضع صدقية تونس على المحك، ورجح أن تكون لهذه العملية تداعيات خطرة في ما خص تصنيف تونس إلى مستويات دنيا في وكالات التصنيف العالمية.

وفي شهر أكتوبر تم تسريب وثيقة مسودة لمشروع قانون المالية تضمنت عدداً من الإجراءات الضريبية، وعرفت تبايناً من المتخصصين بشأن مضامينها، وأن الإجراءات الواردة فيها لا تحمل حلولاً لإنقاذ المالية العمومية المتهالكة.

التوجه نحو إصدار أوامر رئاسية لتنفيذ الموازنة

بدوره استغرب أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية آرام بلحاج الوضعية الراهنة التي وصفها بالمقلقة، والحيرة من عدم كشف وزارة المالية عن مشروع الموازنة للعام المقبل، وقال إن صدور قانون المالية التعديلي لهذه السنة أعطى فكرة مسبقة عن الأوضاع المالية لتونس في العام المقبل، وذلك من خلال الصعوبة المهمة في إغلاق الموازنة الحالية، مرجحاً اللجوء إلى البنك المركزي لإغلاق الموازنة أو التوجه نحو التعاون المالي الثنائي مع عدد من الدول الشقيقة والصديقة للحصول على حوالى 1.2 مليار دولار، وشدد على أن عدم الإعلان عن مضامين الموازنة الجديدة أو حجمها وتوقعاتها، يعكس حال التخبط والغموض التي تعرفها البلاد، بخاصة وزارة المالية المتكتمة حتى اللحظة.

ورجح بلحاج أيضاً أنه في ظل الوضع الراهن بعدم الإفصاح عن موازنة العام المقبل، سيتم تصريف الأمور بأوامر رئاسية كل ثلاثة أشهر لصرف الأجور ونفقات الدولة من دون نفقات الاستثمار العمومي، وانتقد أداء وزارة المالية التي تعد الموازنة من دون أخذ آراء أهم شركاء الدولة المتخصصين، أي الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (منظمة الأعراف)، والاستئناس بهم عند إعداد الموازنة، لافتاً إلى أنه في كل سنة يتم إعداد مشاريع الموازنة وراء أبواب مغلقة وموصدة في وجه المتخصصين.

من جانب آخر، تحدث أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية عن التحديات الاقتصادية التي تنتظر البلاد في العام المقبل، وأهمها تحدي الإنقاذ الاقتصادي المتهالك، والتحدي الاجتماعي من خلال التساؤل عن الحفاظ عن ديمومة الانتدابات، علاوة على تحدي الإنعاش الاقتصادي.

سنة مالية عصيبة جداً

من جانبه، قال الخبير المحاسب والمتخصص في شؤون الموازنة أنيس الوهابي، إن تونس تنتظرها سنة مالية عصيبة جداً بكل المقاييس، وللخروج من الوضع الاقتصادي والمالي الحانق قد تحصل معجزة وفق اعتقاده، ولم يستطع إلى الآن عجز الحكومة الحالية بقيادة نجلاء بودن ووزارة المالية عن إعداد مشروع موازنة للعام المقبل، الأمر الذي سيهز صورة تونس ويفقدها صدقيتها وفق رأيه.

ولاحظ أن القانون الأساس للموازنة يشترط أن يقع إعداد التوجهات الأولية للموازنة منذ شهر يوليو (تموز) من كل سنة، وفي شهر سبتمبر (أيلول) تقع المشاورات الأولى مع بقية الوزارات لوضع التصورات والتوجهات الأولية لها.

ووفق الدستور، فإن الحكومة مطالَبة بإيداع مشروعي الموازنة وقانون المالية يوم 15 أكتوبر، على أن يصادق البرلمان على المشروعين بعد تعديلهما يوم 10 ديسمبر (كانون الأول)، ولكن في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد بعد قرارات 25 يوليو (تموز) 2021 وتعليق جانب من الدستور، فإن الأوضاع انقلبت رأساً على عقب، ليتم الاقتصار على أوامر رئاسية فقط، ويعتقد الوهابي أن صدور الموازنة الجديدة في ظل الأوضاع الاستثنائية الراهنة، سيتم بواسطة أوامر رئاسية، مما اعتبره المتحدث "أمراً غير طبيعي وعلى غاية من الخطورة على الوضعين الاقتصادي والمالي للبلاد".

ورأى الوهابي أن المستثمرين التونسيين والأجانب ينتظرون صدور مشروع الموازنة الجديد للعام المقبل لترتيب أمورهم المالية والتخطيط للمشاركة في المشاريع العمومية، محذراً من أن المستثمر الأجنبي في حال عدم صدور الموازنة الجديدة قد يلغي تونس من حساباته وأجنداته الاستثمارية، مما سيزيد الطين بلة.

ولفت إلى أن القطاع الخاص ينتظر بدوره الموازنة وما ستتضمنه من إجراءات ضريبية جديدة لإدراجها ضمن مسائله الضريبية والقيام بالترتيبات الضرورية.

اقرأ المزيد