Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تقرأ طهران الدور التركي في الإقليم؟... سوريا نموذجا

تذهب إيران إلى أن الاستراتيجية المقبلة لدمشق هي حسم الوضع في إدلب ومعالجة الاحتلال الأجنبي لأراضيها

مقاتلون سوريون مدعومون من القوات التركية (أ ف ب)

ثلاث عمليات عسكرية واضحة قام بها الجيش التركي بغطاء وقرار سياسي من حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان داخل الأراضي السورية، حملت مسميات "درع الفرات" (2016-2017)، و"غصن الزيتون" (2018)، و"نبع السلام" (2019).

الأولى "درع الفرات" انطلقت في أغسطس (آب) 2016، واستمرت إلى مارس (آذار) 2017، وكانت عملية مشتركة بين الجيش التركي ونظيره السوري الحر، واستهدفت المنطقة الممتدة ما بين نهر الفرات شرقاً إلى إعزاز غرباً، سوّغتها حكومة أردوغان بأن هدفها محاربة تنظيم داعش وقوات سوريا الديمقراطية الكردية التي تشكل تهديداً لأمن تركيا، بحسب توصيف أردوغان لهذه القوات، وكانت نتيجتها سيطرة مباشرة للجيش التركي على شمال سوريا.

والعملية الثانية باسم "غصن الزيتون"، وانطلقت في يناير (كانون الثاني) 2018 قام بها الجيش التركي بالتعاون مع نظيره السوري الحر باتجاه مدينة عفرين لاستهداف قوات "حماية الشعب الكردية" باعتبارها امتداداً لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في اللوائح التركية، وكان المحرك لهذه العملية ما قالته أنقرة بأن هذه الجماعة تسعى لإقامة فيدرالية ديمقراطية شمال سوريا انطلاقاً من إقليم عفرين؛ الجيب الجغرافي الواقع ضمن نطاق عملية درع الفرات وقوات الحكومة السورية ومعزول عن بقية مناطق المشروع الفيدرالي الكردي في شمال سوريا.

أما عملية "نبع السلام" التي بدأت في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، فاستهدفت السيطرة على مناطق الرقة والحسكة الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية. وتزامنت مع بدء انسحاب القوات الأميركية من هذا القاطع الجغرافي، ما مهد الطريق أمام أنقرة لاستهداف جماعة "قسد" التي كانت تتمتع بالمظلة الأميركية.

هذه العمليات العسكرية التركية تضعها طهران في إطار الجهود التي بذلتها وتبذلها كل الدول المعنية بالأزمة السورية، من أجل التأثير، وأن يكون لها موقع في مستقبل التغييرات التي قد يشهدها هذا البلد، وأن أنقرة اختارت الدخول إلى هذه الساحة من بوابة دعم بعض الجماعات المسلحة من المعارضة السورية، وبعد فشل هذه الجماعات في تحقيق الهدف المطلوب في إحداث تغيير أو فرض أمر واقع يصب في المصالح التركية، لجأت إلى خيار التدخل المباشر في مناطق شمال وشرق سوريا، أولاً من أجل إبعاد التهديد الكردي عن حدودها، كذريعة دائمة تستخدمها على الساحتين السورية والعراقية، وثانياً من أجل أن تكون لاعباً فاعلاً على خريطة الشرق الأوسط والتغييرات الجيوسياسية والجيواستراتيجية المتوقعة.

استطاعت تركيا في هذه العمليات الثلاث السيطرة على ما يقارب 4 آلاف كيلومتر من الأراضي السورية وحولتها إلى مناطق نفوذ ملحقة بالإدارة التركية، وأجبرت قوات سوريا الديمقراطية الانسحاب إلى عمق 32 كيلومتراً عن حدودها. إلا أن هذه العمليات لم تحقق الهدف التركي وفرض معادلتها لتكون شريكاً مقرراً في المشهد السوري، لذلك ذهبت إلى خيار التحضير لعملية جديدة على محور تل رفعت والباب وكوباني ومنبج وعين عيسى مع ارتفاع الحديث عن إمكانية أن يلجأ النظام في دمشق إلى خيار عسكري لاستعادة محافظة إدلب وما تمثله من ورقة تركية في لعبة توازنات النفوذ في مواجهة اللاعبين الآخرين، بخاصة الإيراني والروسي، والهدف منها تكريس مفهوم المنطقة العازلة بين حدودها ومسرح عمليات القوى الكردية بناء على "كردوفوبيا" التي تستخدمها أنقرة في إطار الدفاع عن مصالحها وأمنها الاستراتيجي والجيوسياسي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الذريعة الكردية التي تحرك القيادة التركية باتجاه سوريا ومعها العراق، تأتي من استراتيجية هذه القيادة التي تقوم على منع الأكراد والقوى التي تمثلها من امتلاك القدرة السياسية التي تساعدها في تبلور مشروعها الاستقلالي أو الحكم الذاتي، وأن المدخل لتحقيق هذا الهدف يمر عبر ضرب وتفكيك القدرات العسكرية للفصائل الكردية بمختلف مسمياتها باعتبارها رافداً ومكملاً للقوة السياسية. واصطدمت الاستراتيجية التركية في سوريا ضد الأكراد بحائط المظلة الأميركية التي تمتعت بها هذه القوى، ما انعكس سلباً على فعالية العمليات العسكرية التركية، وجعل أنقرة تستغل أي فرصة تتراجع فيها المظلة الأميركية للإعلان عن هذه العمليات، ومع ذلك فإن هذه العمليات لم تكن لتحصل من دون غض نظر أميركي تخدم استمرار مصالح واشنطن في المشهد السوري.  

لعل القلق التركي الأساس من الطموحات الكردية، التي كانت المحرك لعملية "غصن الزيتون" باتجاه منطقة "عفرين" لقطع الطريق أمامها في بناء النواة الأساس لدولتهم المنشودة في المربع الجغرافي الذي يحتضن الديموغرافيا الكردية من خلال الوصول إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط والسيطرة على ميناء اللاذقية. ونجاح أنقرة في منع الكرد من تحقيق هذا الهدف أسهم في ضعضعة المشروع الكردي بعد أن فقد أحد أسس السيطرة على هذا المنفذ المائي، الأمر الذي ساعد القيادة التركية في تصعيد عملياتها البرية من أجل تفتيت جغرافية ما يمكن تسميته بمشروع الكانتون الكردي وتقطيع أوصاله.

وانطلاقاً من الاستراتيجية التركية في التعامل مع الطموحات الكردية، أو "كردوفوبيا" التركية، وهي التي نفذتها وتنفذها عسكرياً وسياسياً في الداخل السوري دفاعاً عن حدودها، وتقوم على منع الاستقلال وعدم تغيير واقعهم السياسي باتجاه الحصول على حكم ذاتي، سواء في العراق أو سوريا. إلا أن الاستفتاء على الانفصال الذي جرى في إقليم شمال العراق الكردي سبتمبر (أيلول) عام 2017، فرض على أنقرة التشريك بين الهدفين، بحيث تمنع أكراد سوريا من إقامة حكم ذاتي، بالتالي تأسيس كردستان سوريا، وتسقط مشروع أكراد العراق في الاستقلال بدولتهم.

وإزاء الاتهام الذي تواجهه إيران والقوى الموالية لها العاملة على الساحة السورية بالسعي لإحداث تغيير ديموغرافي في العديد من المناطق السورية، خصوصاً في محيط العاصمة دمشق امتداداً إلى منطقة القصير وريف حمص. فإنها في المقابل تذهب إلى اتهام تركيا بامتلاك مثل هذا المشروع على طول الشريط الحدود في الأراضي السورية وعلى حساب الوجود الكردي فيها. وأنها تسعى لإسكان مكونات غير كردية في المناطق التي سيطرت عليها واحتلتها، وأن هذا المشروع يشمل إسكان نحو مليوني عربي أو غير كردي في هذه المناطق، مع إقامة 10 مدن جديدة بكل تفاصيلها وبناها التحتية بقدرة استيعاب 30 ألف نسمة لكل منها تسهم في خلق حاجز بشري وجغرافي بين أكراد سوريا ونظرائهم في تركيا وبالتالي أكراد العراق، وهي ذريعة لتوسيع أكثر من 40 قاعدة عسكرية داخل الأراضي العراقية وتغطي طموحاتها لاستعادة أجزاء واسعة من محافظة نينوى ومدينة الموصل.

وفي هذا السياق يمكن فهم المساعي التركية للسيطرة على الشمال السوري وأبعادها، أولاً من خلال التحكم بالطريق الاستراتيجي المعروف باسم M4 في عمق 30 كيلومتراً عن الحدود الذي يربط بين مناطق شمال شرقي سوريا وسواحل البحر الأبيض المتوسط، وما تشكله من ربط بين الحدود العراقية والساحل السوري. فضلاً عما تختزله هذه المناطق من مصادر طاقة سواء النفط أو الغاز، التي قد تشكل مصدراً اقتصادياً لمشروع الدولة الكردية الكبرى، إلى جانب ما قد توفره لأنقرة من مصادر طاقة تفتقر إليها، وتمظهرت هذه الحاجة في العلاقات التجارية التي قامت بين تركيا وتنظيم داعش لشراء النفط السوري خلال سيطرة هذا التنظيم على هذه المناطق.

وتعتقد القراءة الإيرانية للمشروع التركي في سوريا أن الاستراتيجية المقبلة للحكومة المركزية في دمشق، هو التخلص من التهديد الإرهابي واستعادة ما تبقى من مناطق تحت سيطرة الجماعات المسلحة، بخاصة في محافظة إدلب، والانتقال بعدها لمعالجة ما تسميه الاحتلالات الأجنبية للأراضي السورية. وإذا ما كانت الترجيحات تتحدث عن تدرج في العمليات العسكرية للنظام السوري، تبدأ أولاً في مناطق الشرق حيث الوجود الكردي وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، ولاحقاً الانتقال إلى إدلب. وهذا ما قد يدفع القيادة التركية للتعجيل في تفعيل خططتها للقيام بعملية عسكرية استباقية في هذه المنطقة حتى لا تكون أمام تحدي المطالبة بانسحاب قواتها من المناطق التي تسيطر عليها. بالتالي عرقلة جهود الحل السياسي للأزمة السوري ورفع مستوى التصعيد في المنطقة وتوفير الغطاء لاستمرار وجود اللاعبين الآخرين على الساحة السورية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل