Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفلسفة توسع حضورها في السعودية... وتبحث "اللامتوقع"

كيف تحولت البلاد من حدود كتب التراث إلى علوم هيغل وسقراط المغضوب عليها بالأمس؟

مشهد من معرض الرياض الدولي للكتاب (أ ف ب)

لربما كانت اللوحة ذائعة الصيت التي رسمها الفرنسي بول غوغان قبل نحو عقد من الزمان، "من أين نأتي، ما نحن، وإلى أين نحن ذاهبون؟"، قد تجسدت في السعودية، وهي البلاد التي بدأت تسارع الخطى نحو الاهتمام بالفلسفة وسؤال "من نحن؟"، فبعد إنشاء أول جمعية للفلسفة في 2020 يأتي الإعلان، أخيراً، عن إقامة تظاهرة سنوية تحت اسم "مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة".

وأعلنت هيئة الأدب والنشر والترجمة، أن المناسبة التي ستقام 8-10 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، ستحمل شعار "مهرجان الأفكار"، يحضرها نخبة من المتخصصين في الفلسفة ونظرياتها والمهتمين بتطبيقاتها الحديثة من جميع أنحاء العالم.

ويستهدف منظمو المؤتمر حضوراً مختلف الاهتمامات والخبرات والخلفيات الأكاديمية والمهنية، بغية السعي إلى بناء شراكات استراتيجية مع كافة الجهات المعنية من القطاعات الحكومية والخاصة وغير الربحية حيث تتضافر جهودها لدعم حضور الفلسفة وامتداداتها الفكرية والثقافية والمعرفية في كافة مجالات الحياة ودول العالم، وبناء جسور راسخة فيما بينها قائمة على أسس فكرية ومعرفية مشتركة.

المؤتمر الذي جاء بعد ردح من الأزمنة السجالية التي علت فيها أصوات التحريم لعلم الفلسفة، شاءت الأقدار أن يحمل في دورته الأولى محوراً مركزياً هو مفهوم "اللامتوقع" (Unpredictability)، الذي سيناقش المشاركون فيه من أصقاع العالم أهم الموضوعات ذات الصلة في الواقع الحديث كنظريات الأخلاق وأبعادها المفاهيمية، ومستجدات التقدم العلمي، والوتيرة المتسارعة لتطبيقات التكنولوجيا، مسلطة الضوء على حضور الفلسفة المهم في كل هذه المسارات على اختلاف الأنشطة الإنسانية.

 كل ذلك سيُطرح في محاضرات المؤتمر وجلساته الحوارية، إضافة إلى أنشطة أخرى كمساحة التجارب التفاعلية التي تتناول موضوعات المؤتمر بطريقة إبداعية، وورش العمل المختلفة، ومعرض مصاحب للمشاريع الفلسفية، إضافة إلى أنشطة الأطفال واليافعين وأركان مخصصة للقراءة والاطلاع.

سيتناول المؤتمر أيضاً حضور الفلسفة المؤثر في مختلف الأنشطة الإنسانية، عبر برنامج حافل بالمحاضرات والجلسات الحوارية، وبالأنشطة الموازية مثل مساحة التجارب التفاعلية التي تتناول الموضوعات الفلسفية بطريقة إبداعية، وورش العمل، ومعرض مصاحب للمشاريع الفلسفية، إلى جانب أنشطة الأطفال واليافعين، وأركان مخصصة للقراءة والاطلاع.

ويهدف القائمون على المؤتمر إلى إيجاد مساحة حوار سنوية لمناقشة مستجدات علم الفلسفة وتطبيقاته الحديثة، إضافة إلى بناء جسور التعاون بين المؤسسات الناشطة في مجال الفلسفة من مختلف دول العالم.

ملتقى للفلاسفة حول العالم

حول هذا المؤتمر، رأى الأكاديمي السعودي مؤسس أول جمعية للفلسفة عبد الله المطيري، أن "المؤتمرات العلمية فرصة كبيرة للحوار وتبادل الأفكار والتواصل الشخصي بين الفلاسفة، وبالتالي فالفكرة الأساسية هنا، أن يشارك السعوديون في الاستماع والحديث معاً".

كما يرى المطيري أن بلاده ستسعى من خلال هذا المؤتمر إلى أن تكون ملتقى للفلسفة في العالم، وأن يعبر السعوديون عن قراءتهم الفلسفية للأحداث والأفكار، وأن يشاركوا مع البقية في بناء القول الفلسفي العالمي.

والمؤتمر بحسب الأكاديمي السعودي، عبارة عن تواصل مباشر مع المنتج الفلسفي العالمي، ودعوة لأن يكون الحوار الفلسفي أكثر انفتاحاً على سياقات ثقافية أوسع. لا ينحصر المأمول في المؤتمرات العلمية في ما يتحقق في أيام المؤتمر فقط، بل في ثمرات تلك اللقاءات مع الأعمال المشتركة والصداقات الفكرية".

كيف تغيرت المعادلة من التحريم إلى التحليل؟

ثمة سؤال لا يقل أهمية عن سؤال بول غوغان وهو: كيف تغيرت المعادلة في السعودية بعدما علت أصوات تحريم الفلسفة سابقا إلى الاهتمام بها في الوقت الراهن؟ يجيب المطيري، "تغيرت المعادلة من خلال مجتمع حيوي وباحث عن المعرفة توفرت له قيادة سياسية حسمت كثيراً من القضايا الوهمية التي خلقتها تصورات منغلقة عن الحياة والإنسان".

كما أن ما يجري الآن بحسب المطيري، "هو المتوقع والطبيعي، فالفلسفة شكل من أشكال المعرفة الإنسانية، ومن حق الناس تداولها والتفاعل معها بما تراه مناسباً لها. المؤسسات التشريعية والتنفيذية فتحت المجال للأفكار والمبادرات في هذا المجال، فنجد وزارة الموارد البشرية تصرح لجمعية الفلسفة، وكذلك وزارة الثقافة تقيم معها التعاون وتعقد معها الشراكات ممثلة في هيئة الأدب والنشر والترجمة".

يرى المطيري في حديثه معنا، أن فرص الثقافة الفلسفية في السعودية واعدة متى ما استمرت الفرصة متاحة للمهتمين والمهتمات بالتعليم الفلسفي والمشاركة في الحوارات والكتابة والنشر والمشاركة في المحافل الفلسفية. 

واعتبر أن "ما يتوفر اليوم في الثقافة السعودية هو الحيوية والطموح الكبير والرغبة الجادة في تقديم معرفة فلسفية حقيقية. كل هذا سيثمر متى ما توفرت له الفرص من المؤسسات التعليمية والجمعيات الأهلية وباقي المناشط المعرفية. ما زلنا إلى اليوم ننتظر افتتاح أول قسم للفلسفة في الجامعات السعودية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


المؤتمر فرصة لهواة الفلسفة

ثمة جملة ربما أثارت حفيظة المؤلف والمترجم خالد الغنامي، وهي أن "السعوديين لا يقرأون"، في رده على هذا الزعم يقول، "السعوديون لا يشترون الكتب من الرفوف لرميها في الأرض، السعوديون يقرأون بنهم"، يقول ذلك الغنامي الذي شارك، أخيراً، في ندوة حوارية تحت مسمى "الفلسفة والأسئلة المعاصرة" مستنداً إلى شهادة دور النشر بعد أن "حقق معرض الرياض الدولي للكتاب قبل نحو شهر أرقاماً كبيرة في المبيعات هي الأعلى عربياً، كما أن ثمة اهتماماً ملحوظاً بكتب الرواية والفلسفة".

بالنسبة للفلاسفة الهواة الذين لم يتلقوا تعليماً أكاديمياً في جامعات ومدارس البلاد، فإن المؤتمر كما يقول الغنامي سيكون فرصة كبيرة لهم حين "يستضيف كبار الفلاسفة والمهتمين من حول العالم، والذين تلقوا مؤهلات أكاديمية في الفلسفة سيكون هذا أمراً مفيداً بالنسبة لكثير من الشباب والمهتمين في الفلسفة"، ويضيف، من الناحية الفلسفية، يصنف المؤتمر كنوع من الفعل التواصل، وهو نوع من "الفلسفة التواصلية".

بالنسبة لقضية التحريم والتحليل حول الفلسفة يرى الغنامي أنه أمر لم يعد ذا أهمية لأن الفلسفة، بحسب قوله، "أصبحت تحظى باهتمام شريحة كبيرة من القراء والمثقفين السعوديين، ولم يعد للصوت المحرم أي حجة تدعم موقفه".

بالحديث عن الفلسفة في السعودية، ثمة جمعية عارضت إنشاءها أصوات مضادة لدخول هذا العلم في البلد المحافظ، غدت فيما بعد نواة للجمعيات الفلسفية في السعودية، بحسب الغنامي الذي شارك في تأسيسها عام 2008، وهي كما يقول، "كانت نواة للشباب والشابات، وكان لها دور في تشجيع القراءة في كتب الفلسفة وتبسيطها كالاهتمام في كتب، كانط، وهيكل، وسبينوزا، والفلاسفة الإنجليز والألمان، وكيف كانت الفلسفة الإغريقية وتأثيرها على العالمين العربي والإسلامي".

ما اللامتوقع؟

ما "اللامتوقع Unpredictability" الذي سيكون محوراً مركزياً مطروحاً في المؤتمر المنتظر؟ يقول الغنامي، "الفلسفة دائماً قائمة على سؤال اللامفكر فيه، فهي بطبيعتها تذهب إلى اللامتوقع، وما لا يخطر على البال، حتى وإن كان أمراً في غاية الصغر، حين تقرأ كتاباً أو تحضر مؤتمراً فأنت تواجه اللامتوقع وستستمع إلى كلام لا تتوقعه، كما أنها بطبيعتها قد تثير قضايا لم يطرحها أحد من قبل".

ويرى شايع الوقيان، والذي يعد من المهتمين بالفلسفة في السعودية أيضاً، أن هذا المؤتمر يجعل شعاره "مهرجان الأفكار"، والمفهوم المركزي له هو "اللامتوقع"، وهو المستقبل، بوصفه يحمل معه مفاجآت قد يكون من الصعب توقعها في ظل تسارع التحولات العالمية الكبرى التي دشنتها الثورة المعرفية والمعلوماتية.

قد تكون جائحة كورونا التي غزت العالم ودمرت الأرواح وكان قدر البشر لعامين وبضعة شهور "القطيعة" أمراً لا متوقعاً، ولربما أن هذا ما دعا الوقيان للقول، "لقد أصبح العالم بالفعل قرية واحدة، فمع جائحة كورونا صار البشر على قلب إنسان واحد يفكرون معاً ويتبادلون الخبرات والتجارب. وأعتقد أن الجائحة- رغم أنها أمر سلبي في ذاتها- فإنها أعادت إلى طاولة النقاش مفاهيم كالحوار والتواصل الحضاري والمصير المشترك".

العلم المغضوب عليه 

بالعودة لسؤال كيف عبرت البلاد من حدود علوم "التراث" نحو شطآن علوم سقراط وديكارت المغضوب عليها بالأمس؟ يجيب الوقيان وهو عضو في جمعية الفلسفة، بالقول، "لحسن الحظ، أو لسوئه، فالفلسفة بدأت تفرض نفسها في الفكر السعودي في العقود الأخيرة وهي العقود التي شهدت انفتاحاً كبيراً على العالم المحيط بنا والثقافات المختلفة".

 ويضيف،"تصاعد الانفتاح في السنوات الأخيرة ومعه ظهرت علوم وفنون شتى كانت مهجورة أو غير موجودة، ومن ملامح الانفتاح الحضاري لبلادنا وما رافقه من نضج في الفكر ارتفاع وتيرة الإنتاج الأدبي والفكري وانتشار دور النشر وبروز مناشط فكرية أبرزها حلقة الرياض الفلسفية وإيوان الفلسفة وغيرهما من أنشطة تطورت إلى إنشاء جمعية الفلسفة". 

هل حقاً كانت تلك محرمة؟ يجيب الوقيان بأنه "لم يكن هناك تحريم علني للفلسفة في السعودية في السابق، لسبب بسيط وهي أن الفلسفة لم تكن حاضرة في المشهد الفكري والتربوي السعودي، لكن هناك نظريات أدبية ونقدية تم تحريمها وإدانتها بشراسة، وهي نظريات ما يسمى ’الحداثة’ من بنيوية وتفكيكية وأسلوبية، وهذه النظريات لها ارتباط غير مباشر بالفلسفة في الغالب، ولو أن الفلسفة تمكنت في الحضور القوي لدينا لرأينا بالطبع موقفاً هجومياً ضدها. أما ما حدث فهو أن الفلسفة أدينت في العصر القديم على يد بعض الفقهاء، وتم توارث هذه الإدانة والتحريم، وورقة التحريم هذه كانت سترفع في وجه أي طرح فلسفي لو أنه حدث فعلاً".

ما الإضافة؟

وعن سؤال ما الذي سيضيفه المؤتمر للفلاسفة والمهتمين بالفلسفة؟ يقول الوقيان، "لعل من أهم الآثار التي ستنجم عن انعقاد مؤتمر كبير كهذا هو إعادة التفكير في حضور الفلسفة في التعليم العام والعالي، فالفلسفة أخذت مكانها في الصحافة والأنشطة الاجتماعية والمؤتمرات والندوات، لكن نظام التعليم يحتاج إلى إدخال مادة الفلسفة في المناهج. وقد قامت وزارة التعليم بخطوة عظيمة عندما أقرت منهج ’التفكير الناقد’ لكن تكريس الفكر الفلسفي يحتاج إلى خطوات أخرى أتوقع أنها مقبلة قريباً".

المزيد من ثقافة