Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اعتقالات وتشديد الإجراءات الأمنية في "الجمعة 14" من الحراك الشعبي الجزائري

المتظاهرون ينتقلون إلى "ساحة الشهداء" عقب إغلاق السلطات "ساحة البريد المركزي"

على الرغم من نفى رئيس أركان الجيش الجزائري وجود "طموحات سياسية" لدى المؤسسة العسكرية للحكم، إلا أن المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع بقوة للجمعة الـ14 من عمر الحراك الشعبي الذي انطلق في 22 فبراير (شباط) الماضي، رفعوا شعارات تحذر من تكرار السيناريو المصري في الجزائر، مردّدين بأعلى صوتهم "دولة مدنية وليس عسكرية" و"انتهى زمن فرض الرؤساء".
ومنذ إزاحة بوتفليقة من الحكم بتقديمه الاستقالة في 2 أبريل (نيسان) الماضي، أصبح الجيش محور اللعبة السياسية وتحوّل رئيس الأركان الفريق أحمد قايد صالح (79 سنة) بحكم الأمر الواقع إلى الرجل القوي في الدولة مقابل غياب شبه تام للرئيس الانتقالي عبد القادر بن صالح، ورئيس الوزراء نور الدين بدوي اللذين يطالب الشارع برحيلهما. وركّزت جموع المتظاهرين في الأسابيع الأخيرة، سهامهما صوب رئيس أركان الجيش، على خلفية مواقفه المتمسكة بالحلول الدستورية للخروج من أزمة الانسداد التي تعيشها البلاد، والتوجه نحو إجراء انتخابات رئاسية، يرفض الشارع إجراؤها في 4 يوليو (تموز) لأنها ستُعيد النظام السياسي نفسه الذي يُناضل الجزائريون لتغييره جذرياً.

تضييق واعتقالات

في خضم تصعيد الشارع ورفع سقف المطالب، شهدت الجمعة الـ14 من الحراك الشعبي، تعزيزات أمنية مشدّدة في شوارع العاصمة مع استقدام شرطيات بالزي الرسمي والمدني، للتعامل مع المتظاهرات اللواتي يُسجلن حضورهم إلى جانب الرجال في كل جمعة، للضغط على رموز نظام الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة الذين يتمسكون بمناصبهم ويرفضون الرحيل. وفُجع المتظاهرون بنبأ وفاة أحدهم ويُدعى نبيل (43 سنة) وهو أب لثلاثة أطفال، إثر سكتة قلبية في خلال المسيرة السلمية الـ14 في العاصمة. وتناقل رفاقه قوله "سأشارك في المسيرات حتى آخر نفس من حياتي"، ليصبح ثالث متظاهر يتوفى منذ انطلاق الحراك في 22 فبراير.
ورصدت عدسة "اندبندنت عربية" في صبيحة الجمعة، تنفيذ قوات الأمن حملة اعتقالات مبكرة، طاولت ناشطين ومتظاهرين قرب ساحة البريد المركزي، التي أغلقت السلطات العامة مداخلها بوجه المتظاهرين، مشيدةً جداراً حديدياً حول المدخل الرئيسي للبناية بداعي تشقق السلالم. كما صودرت هواتف بعض الصحافيين والمصورين الذين كانوا موجودين في المكان لتغطية المسيرة، قبل أن تتم إعادة معداتهم وإطلاق سراح الموقوفين.
ولم تصمد التعزيزات الأمنية كثيراً، إذ قرر أفراد الشرطة إخلاء الساحات والشوارع للمتظاهرين الذين زادت أعدادهم عقب خروج جموع المصلين من المساجد، والتحاق الآلاف منهم بمكان التظاهر قرب الجامعة المركزية، وشارع ديدوش مراد، تجنّباً لأي احتكاكات، وسط تحذيرات من محاولة قمع المتظاهرين وحرف مسار الحراك عن طابعه السلمي باستفزاز المواطنين، الذين يخرجون كل يوم جمعة بالملايين في كل مناطق الجزائر للمطالبة بتغيير النظام.

إدانة واسعة

وضمن ردود الفعل، دان المحامي والناشط الحقوقي مقران آيت العربي "عمليات الاستفزاز" التي تمارسها "حكومة رفضها الشعب". وقال "من حق الشعب أن ينظم المسيرات السلمية وأن يتنقل عبر التراب الوطني بكل حرية. ولكن اليوم قامت أجهزة الأمن بمنع الدخول إلى العاصمة وحاولت احتلال الشوارع والساحات بقوة فاقت الأسابيع السابقة. كما نزعت رايات أمازيغية قصد الاستفزاز. وأوقف عشرات الأشخاص وتم اقتيادهم إلى مراكز الأمن"، مضيفاً أن "القمع دليل الضعف والارتجالية وانعدام رؤية واضحة للاستجابة لمطالب الثورة السلمية".
ودعا المحامي مصطفى بوشاشي إلى "احترام حق الشعب في المسيرات والتظاهرات السلمية، وبرفع الرايات التي يريدها"، مطالباً بالإفراج الفوري عن الموقوفين، مع إشارته إلى أن "الإجراءات التي قامت بها السلطات صباح اليوم (الجمعة)، والمتمثلة في التعزيزات الأمنية والاعتقالات، تُعدّ إشارةً إلى عدم وجود نية صادقة للذهاب إلى تحقيق مطالب الشعب".

"ساحة الشهداء"... موطن الحراك الجديد

وللمرة الأولى منذ انطلاق الحراك في الجزائر قبل ثلاثة أشهر، وجد المتظاهرون في العاصمة مركزاً جديداً للتظاهر، وهو ساحة الشهداء، التي تشكل رمزية تاريخية. وجاء هذا المتغير الجديد عقب إغلاق السلطات ساحة البريد المركزي، التي كانت رمز الاحتجاجات في الجزائر. وردّد المتظاهرون في العاصمة وكل المدن الجزائرية الأخرى، شعارات تطالب برحيل رموز نظام بوتفليقة، أي رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، مع تأكيدهم رفض تنظيم أي انتخابات رئاسية في 4 يوليو، عبر الهتاف بشعارات "بن صالح... بدوي... ديغاج (ارحل)"، و"لا انتخابات يا حكومة العصابات".



حلول الطالب الإبراهيمي

اللافت في المسيرة الرابعة عشرة، رفع بعض المتظاهرين لافتات تدعو إلى ضرورة القبول بالمبادرة التي طرحها وزير الخارجية السابق، أحمد طالب الإبراهيمي قبل أيام، حين دعا المؤسسة العسكرية- التي تتسم بحسب رؤيته بالانضباط وتفادي التدخل المباشر في الشأن العام- إلى "الإصغاء إلى اقتراحات النخب وعقلاء القوم، وألا تكون سنداً لمؤسسات لا تحظى بالرضى الشعبي، حتى وإن كانت في وضع دستوري ثابت، إذ إن الدستور وُضع للحالات العادية لا الاستثنائية كالتي نمر بها اليوم".
واقترح الإبراهيمي "الجمع بين المرتكزات الدستورية في المادتين السابعة والثامنة، وما يتسع التأويل فيهما على اعتبار أن الهبة الشعبية استفتاء لا غبار عليه، وبين بعض المواد الإجرائية التي تساهم في نقل السلطة دستورياً"، وهو ما يطالب به الشارع في المسيرات الأسبوعية.
ومع استمرار رفض إجراء الانتخابات الرئاسية، ألحّ المتظاهرون على تمسكهم بالمسيرات السلمية، والخروج حتى أيام العيد الذي يُرتقب أن يصادف ثالث أيامه مع الجمعة الـ16 من الحراك الشعبي. ويرفض الجزائريون العودة إلى ديارهم، والقبول بنصف ثورة وإنما يصرون على تحقيق كل المطالب التي خرجوا من أجلها يوم 22 فبراير 2019.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي