Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إرث بول ماكارتني جدير بالفخر رغم تعثر ذاكرته

سواء كانت أغنية "إلينور ريغبي" مستمدة من اسم مكتوب على شاهدة قبر في حديقة إحدى كنائس ليفربول، أو على يافطة متجر في بريستول - ليس هذا بالأمر المهم طالما أن الأغنيات ما زالت تؤثر فينا

"ربما انتاب مكارتني شعور بالضيق من ادعاءات لينون الفكرية، لكن هذا الكتاب يؤكد أن له الحق في أن يفخر بإرثه" (غيتي)

هل من المهم فعلاً مَن كان الشخص الذي كتب أول أغنية لـ بيتلز؟

قام بعض الباحثين عن الهفوات بمراجعة كتاب مقبل مكون من جزئين سيصدره السير بول مكارتني تحت عنوان: “كلمات الأغاني: من عام 1956 حتى الآن” The Lyrics: 1956 to the Present، ووصموه بأنه لا يقدم "حقيقة ما حدث بالفعل".

على سبيل المثال، يزعم مكارتني، العضو السابق في فريق بيتلز،  أنه نسج أغنية "يوم في الحياة" A Day in the Life  الكلاسيكية استناداً إلى وفاة صديقته تارا براون وريثة غينيس التي انتهت حياتها في حادث سيارة مميت عندما كانت في سن الحادية والعشرين. كان هناك اعتقاد سائد لفترة طويلة أن جون لينون هو من كتب الأغنية، حيث سبق له أن قدّم تفسيراً مشابهاً لخلفية العمل - بينما ادعى مكارتني سابقاً أن الكلمات كانت تتحدث عن سياسي فاقد لصوابه تحت تأثير المخدرات.

هل سيؤدي هذا الجدل إلى وضع العقبات أمام قيام مكارتني بوضع النقاط على الحروف وصقل سمعته؟ هل لحياته أن تكون أكثر سعادة إذا نُسبت كلمات الأغاني إلى مكارتني / لينون بدلاً من لينون/مكارتني؟

يصعب عليّ الاعتقاد بذلك، لكن لا يمكننا إنكار أن العلاقة بين الاثنين كانت شائكة في بعض الأحيان، حتى أن مكارتني يورد في الكتاب أنه كان من الصعب أحياناً تحمل "تبجح" لينون، رغم أن لينون كان شخصاً دافئاً ومحباً بغض النظر عن الشخصية الصعبة التي يحتلى بها، والتي قد تكون ناجمة عن طفولة غير سعيدة.

يدعي مكارتني أن لينون كان مسؤولاً عن تفكك فرقة الـبيتلز، رغم أن بول (في الواقع) أخبر الصحافة أولاً في عام 1970 أنه لم يعد يسجل أو يؤدي مع الفرقة ولن يكتب أي عمل آخر مع جون. كان ذلك التصريح ذروة تدهور العلاقة.

مرة أخرى، ما هي الرواية التي نصدقها؟ هناك دائماً وجهان أو ثلاثة أوجه أو أكثر لكل انفصال، وجون ليس موجوداً بيننا ليخبرنا الحكاية من وجهة نظره. مع أنني متأكدة من أن بمقدور يوكو، زوجة لينون، تقديم نسختها، وربما قامت بذلك فعلاً.

ما مدى أهمية الحقيقة المطلقة عندما نصف أحداثاً وقعت قبل نصف قرن؟ إن تاريخ فرقة الـبيتلز، مثله مثل أزمة الإسكان البريطانية وانهيار حزب العمال، ليس كتاباً منزلاً. تكمن أهمية قصة الـ بيتلز - بكل شخصياتها المختلفة - في تأثيرها الهائل على الموسيقى المعاصرة. ببساطة، أصبحت أغنياتهم بمثابة موسيقى تصويرية لحياتنا، وهي جزء من قصصنا أيضاً. لكن كل عضو في الفرقة روى نسخة مختلفة من حكاية المجموعة.

التاريخ مرن، لكن قد يجد البعض صعوبة في فهم ذلك ضمن ثقافة الإلغاء الموجودة لدينا. لسوء الحظ، هناك اتجاه متزايد لمحاولة تحديد طريقة واحدة في التفكير، مجموعة واحدة من القيم، رواية واحدة للأحداث، أو كما هو متعارف عليه، "الحقيقة". يجب إسقاط التماثيل، وطرد المحاضرين الجامعيين من وظائفهم، ونبذ المؤلفين الذين تحقق كتاباتهم مبيعات هائلة، بسبب عدم امتثالهم لمجموعة معينة من الآراء.

إلى جانب مفهومنا الذي يزداد ضيقاً لما هو مقبول - الأمر الذي يمثل تهديداً حقيقياً لحرية التعبير - هناك الموضة الحديثة لاستعراض تاريخك الشخصي وقصتك وتعزيزهما، لإثبات أن موقفك هو الصحيح كما لو كنت لا تقل أهمية عن أي سياسي أو وسيط دولي أو عبقري خلاق.

من كيتي برايس إلى آلان كار، ربما قام أنجح الفنانين والطهاة المشهورين عبر شاشات التلفزيون والكوميديين بنشر سيرهم الذاتية (التي يكتبها شخص آخر غالباً) بحلول الوقت الذي بلغوا فيه سن الثلاثين.

لكن كتاب “كلمات الأغاني” يُصنَّف  ضمن فئة أخرى. بول مكارتني ليس متسابقاً في أحد برامج تلفزيون الواقع يقدم معاناته كشخص من الطبقة العاملة على أنها تستحق الثناء، ولكنه أحد الموسيقيين الأنجح والأكثر شعبية على مدار الستين عاماً الماضية. لطالما رفض كتابة سيرته الذاتية، لذلك ربما يكون هذا المؤلَّف الضخم (912 صفحة) أقرب ما يكون إلى روايته للأحداث في حياته، استناداً إلى محادثات بينه وبين الشاعر الأيرلندي الشهير بول مولدون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يركز الكتاب على 154 أغنية ويحتوي على صور فوتوغرافية وصور لكلمات أغنيات مكتوبة بخط اليد من مجموعة يحتفظ بها بول بنفسه. تم ترشيح العمل لجائزة كتاب العام لمكتبات ووترستونز. إنه عمل ثري، لكنني اندهشت من تذمر أحد النقاد يتذمر من أن بول قد "تجاهل" 350 أغنية أخرى لأنها "ربما كانت ستضعف روح الكتاب". يا إلهي، ما هذا الكلام!

صحيح أن مكارتني اختار عدم ذكر الأيام العشرة التي قضاها في سجن باليابان عام 1980 لحيازته وزوجته السابقة هيذر ميلز الحشيش.

هناك بعض الهفوات في ذاكرة بول. فهو يدعي أن أسلوب جيمي هندريكس المبهرج و ردود الفعل الواسعة التي أثارها قدومه إلى لندن، قد أثّرا على إنتاج أغنية "يوم في الحياة" - لكن هندريكس لم يكن قد وصل إلى العاصمة البريطانية في ذلك الوقت.

في نهاية المطاف، ليست هذه التفاصيل ذات أهمية. لا شك في أن مكارتني سجل بعض الأغنيات الفاشلة مع فرقة وينغز، وربما تكون كلمات أغنياته الفردية رقيعة.  لكن الكتاب يقدم سرداً شخصياً ساحراً للحظات مهمة في بداية حياته المهنية، بما في ذلك كيف التقى بـلينون - في احتفال كنسي صيف عام 1957.

قد يكون النفس الشعبي والإيجابي طاغياً على الكتاب، لكن هذه هي شخصية مكارتني. يقول في أحد المقاطع متأملاً: "غالباً ما أتوقف وأتساءل عن فرصة لم شمل فريق الـبيتلز. كنا أربعة رجال يعيشون في هذه المدينة الواقعة في شمال إنجلترا لكن لم يعرف أحدنا الآخر. ثم، عن طريق الصدفة، تعرفنا على بعضنا البعض".

يتم تصوير الصدفة التي حدثت بها لقاءاتهم بشكل رائع.

عند الاستماع إلى مقابلة إذاعية أجراها مكارتني حول الكتاب، ندرك أن ذكرياته حول كيفية تأليف إحدى أعظم الأغاني في نصف القرن الماضي (إلينور ريغبي Eleanor Rigby) تختلف عن رويات سابقة. قال في السابق إن كريم الترطيب المفضل لدى والدته هو نيفيا، وهناك مقطع في الأغنية يقول إن إلينور "تحافظ على وجهها بفضل جرة موضوعة قرب الباب". يتحدث عن سيدة عجوز اعتاد الذهاب إليها والدردشة معها عندما كان مراهقاً، وقد كانت وحيدة على ما يبدو، مما أدى إلى كتابة المقطع القائل: "كانت تجمع الرّز من الكنيسة بعد انتهاء حفلات الزفاف" لأنها شخصياً لن تتزوج أبداً، سيكون هذا حلماً فقط".

هل كانت أغنية “إلينور ريغبي” مستواحاة من اسم مكتوب على  شاهدة قبر في حديقة إحدى كنائس ليفربول، أو على يافطة متجر في بريستول - ليس هذا بالأمر المهم حقاً. قد تكون ذكريات مكارتني متغيرة، وربما لم تعد ذاكرته محط ثقة، لكن في النهاية، ليس هناك من ينكر أنه (ولينون) ابتكرا أغنيات باتت من الكلاسيكيات الحديثة. أغان تتناول الحياة اليومية في العالم الحديث بالإضافة  إلى أشعار منمقة تماثل ما يجود به أي مؤرخ أو كاتب يوميات، تتراوح كلماتها بين الانغماس في المخدرات إلى الاختلاط بالمجتمع الراقي والشعراء.

ربما انتاب مكارتني شعور بالضيق في بعض الأحيان، وبدا أنه كان يغار من ادعاءات لينون الفكرية، لكن هذا الكتاب يؤكد أن له الحق في أن يفخر بإرثه، رغم أنف المتصيدين.

© The Independent

المزيد من آراء