Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا وراء الهوس بالعثور على رسائل خفية في أغاني البيتلز؟

ما زالت نظريات المؤامرة والإشاعات تدور لأكثر من خمسين عاماً حول إخفاء أغاني هذه الفرقة "رسائل سرية". ما السبب في ذلك؟

أثارت الرسائل "السرية" المفترضة جنون المعجبين في عصر ما قبل الانتشار الإعلامي الضخم والإنترنت. وفي الصورة أعلاه فرقة البيتلز إثر عودتها من جولة فرنسية في 1964 (غيتي)

منذ أبصرت الموسيقى النور، والإشاعات تدور حول تضمنها "رسائل مخفية". لكن لا توجد فرقة كانت مدار أساطير حضرية (مدينية)  أكثر من فرقة البيتلز، التي ما زالت، على الرغم من انفراط عقدها قبل أكثر من 50 عاماً، تغذي الكتب والمنتديات الإلكترونية مثل رِديت Reddit، إضافة إلى مقالات الصحف واحدة تلو الأخرى  حول "الأسرار" المزعومة المخفية  في كلمات الأغاني وتصميم أغلفة الألبومات وتسجيلات أغاني الفرقة التي يتجاوز عددها المئتين.

فما هو سر الموسيقيين الملقبين بـ"الأربعة المذهلون" الذي يثير اهتمام منظري المؤامرة إلى هذا الحد؟

بدأت الحكاية في عام 1966، عندما كانوا يسجلون ألبوم "ريفولفر" Revolver (مسدس)، واكتشفوا تقنية "القناع المعكوس" وهي عملية تسجيل رسالة لا يمكن سماعها إلا عند تشغيل الأغنية معكوسة.

كانت هذه التقنية موجودة منذ أواخر القرن التاسع عشر، لكن الفرقة روجت لها ونشرتها في القرن العشرين.

في عام 1968، قال جون لينون لمجلة رولينغ ستون، "في نهاية أغنية "راين"  Rain، يمكنكم سماعي أغنيها معكوسة. لقد كنا نسجل المادة الرئيسة للأغاني في استوديوهات "إي أم آي"، وجرت العادة بعد ذلك على أن نأخذ الأغاني إلى المنزل ونفكر في ما نعتقد أنه قد يكون إضافة فنية جيدة أو كيف سيكون أداء الغيتار".

وتابع، "وهكذا، عدت إلى المنزل في حوالى الساعة الخامسة صباحاً، وكنت تحت تأثير المخدرات إلى أبعد حد، توجهت إلى جهاز التسجيل الخاص بي وشغلته، لكن الأغنية دارت بالعكس وشعرت بنشوة الإصغاء إليها عبر السماعات. رحت أسر لنفسي (متسائلاً)، ما هو العنصر المفقود، ما هو؟ كان ذلك لا يُطاق، فعلاً، وأردت حقاً أن تكون الأغنية بأكملها معكوسة تقريباً، وهذا ما فعلناه. لذلك أضفنا التسجيل المعكوس في نهاية الأغنية".

وقد أثارت الرسائل "السرية" المفترضة جنون المعجبين في عصر ما قبل الانتشار الإعلامي الضخم والإنترنت، أثناء بحثهم بشغف عن مزيد من المعلومات عن النجوم العالميين الأثيرين على قلوبهم.

لكن بعد مرور عام على ذلك، بات المفهوم، الذي أوضحت الفرقة من خلال اعترافاتها بأنه لم يكن أكثر من مجرد دعابة برزت تحت تأثير المخدرات، وخرجت عن نطاق السيطرة، ما أدى إلى فاتحة نظريات المؤامرة الشهيرة المتعلقة بفرقة البيتلز التي نعرفها اليوم، بدءاً من نظرية "بول مات".

تقول الحكاية، إنه في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1969، كان المنسق الموسيقي  روس غيب يقدم برنامجه الإذاعي عبر أثير محطة WKNR في ديترويت، عندما اتصل شخص غامض ليقول، إنه عند تشغيل أغنية "ريفولوشن 9" "Revolution 9" من ألبوم "ذا وايت ألبوم" (1968) معكوسة، يمكنكم سماع الكلمات التالية: "شغلني إيها الرجل الميت".

وادعى المتصل أن الكلمات كانت "دليلاً" على أن بول ماكارتني الحقيقي قد توفي عام 1966 في حادث سيارة على إحدى الطرق السريعة في المملكة المتحدة، واستبداله بشخص شبيه (قيل لاحقاً إنه كان رجلاً يُدعى بيلي شيرز).

وعلى قدر ما يبدو حدوث ذلك لا يُصدق في يومنا هذا، إلا أن القصة انتشرت على نطاق كبير. وبدأ الطلاب في الجامعات الأميركية بكتابة مقالات في صحفهم الجامعية.

بدأ المعجبون بالعودة إلى الأغاني، وادعوا أنك إذا استمعت إلى أغنية "ستروبيري فيلدز فوريفر" "Strawberry Fields Forever" من النهاية إلى البداية، من ألبوم "سيرجنت بيبرز لونلي هارت كلوب باند" Sgt Pepper’s Lonely Hearts Club الصادر عام 1967، يمكنك سماع جون لينون يقول، "دفنتُ بول" (يقول آخرون، إن الكلمات تبدو أقرب إلىى عبارة "كرانبري صوص").

زعموا أيضاً أن "حيوان الفظ" الذي يرد ذكره في أغنية "آي آم ذا وولرس" "I Am The Walrus" من ألبوم "ماجيكال ميستري تور" Magical Mystery Tour لعام 1967 هو رمز للموت لدى قوم الفايكنغ (أو اليونان، أو الاسكندنافي، أو ...) وأن غلاف ألبوم "آبي رود" Abbey Road الشهير الصادر عام 1970 هو في الواقع إشارة رمزية إلى موكب جنازة، حيث يمثل لينون رجل دين يرتدي الأبيض، بينما يجسد رينغو ستار دور متعهد دفن الموتى بسبب لباسه الأسود، وجورج هاريسون مثل حفار القبور في ملابس العامل بينما يؤدي "شبيه" مكارتني دور "جثة" الرجل الذي يُزعم أنه كان ينتحل شخصيته، لأنه حافي القدمين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

انتشرت الإشاعات على نطاق واسع لدرجة أن مقابلة مع مجلة "لايف" في عام 1969 حملت عنوان، "لا يزال بول معنا".

بعد خمس سنوات، تذكر مكارتني قائلاً لمجلة رولينغ ستون، "اتصل بي شخص ما من المكتب وقال "اسمع يا بول، أنت ميت". فأجبته "أوه ، أنا لا أوافق على هذا الكلام".

وصف المؤلف نيكولاس شافنر، الذي نشر الكتاب المؤثر "فرقة البيتلز إلى الأبد" في عام 1977 ، ما حدث بأنه "قصة شعبية حقيقية من عصر الاتصالات الجماهيرية".

لكن ، ولسبب ما، فإن تلك الحكاية لم تختف حقاً، وتحولت ليس فقط إلى أكثر نظريات المؤامرة المتعلقة بالبيتلز ديمومةً، بل غذت الاهتمام لعقود تلت بالرسائل "المخفية" المفترضة في فنهم وفي حركة ثقافية أوسع.

ومع تزايد عدد الفرق الموسيقية التي تستخدم تقنية "القناع الخلفي" أو تتهم باستخدامها، بحلول السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، بدأت بعض المنظمات المسيحية الأميركية باتهام موسيقيي موسيقى الروك أند رول باستخدام هذه الحيلة لإخفاء رسائل "شيطانية" لغسل أدمغة الناس .

في عام 1982، اتهم المبشر التلفزيوني الشهير بول كراوتش المغني ليد زيبلين بإخفاء كلمات تقول "هذا نخب للشيطان الجميل" في أغنية "ستيرواي تو هيفن" Stairway to Heaven الصادرة عام 1971.

أدى ذلك إلى محاولتين فاشلتين في أوائل الثمانينيات، بادرت إليهما كل من ولايتي كاليفورنيا وأركنساس في الولايات المتحدة، للمصادقة على تشريع يحظر تقنية القناع المعكوس لأنها "انتهاك للخصوصية" يمكن أن "يتلاعب بسلوكنا من دون علمنا أو موافقتنا ويحولنا إلى أتباع للمسيح الدجال".

أشار القانون المقترح في أركنساس إلى ألبومات فرق البيتلز وكوين وبينك فلويد، وكانت هناك أيضاً دعوات لتشريع مماثل في تكساس وكندا.

بحلول منتصف الثمانينيات وأواخرها، ظهرت الأقراص المدمجة، ما جعل الاستماع إلى التسجيلات بشكل معكوس أكثر صعوبة، لكن الإشاعات ظلت قائمة.

في عام 1993 ، زُعم أن مكارتني أعاد إحياء الإشاعات حين أصدر ألبوماً بعنوان "بول إز لايف" (بول حي) Paul is Live حيث ظهر واقفاً على معبر المشاة الشهير في آبي رود. في عام 2018، حُولت حكاية "بول مات" إلى فيلم كوميدي، وكتاب فكاهي في عام 2020.

بالطبع، يمكن تلخيص كل ذلك واعتباره أنه يتجاوز قليلاً ما كان يقوم به الأطفال من أجل اللهو قبل وصول ألعاب الفيديو، أو وسيلة تجعل الناس "على صلة" بأشياء كانوا مهووسين بها في حقبة ما قبل وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها خرجت عن السيطرة تماماً وصارت متناسلة على الداوم وجزءاً من تقاليد البيتلز.

لكن إضافة إلى كونها أول مثال حديث على نظرياتِ مؤامرة مماثلة تؤثر الآن على نجوم الموسيقى الحاليين، مثل جاستن بيبر (المتهم بإرسال رسائل مموهة) وأفريل لافين (التي يقال إنها ميتة واستُبدلت بجسد شبيه)، أرجع بعض علماء النفس الظاهرة برمتها إلى ظاهرة سمعية تسمى باريدوليا، وهي عندما يقوم الدماغ بخلق ترددات أو روابط غير موجودة.

على نمط الأشخاص الذين يرصدون الأشكال في الغيوم، أو يزعمون أنهم رأوا وجه يسوع مطبوعاً على قطعة من الخبز المحمص، من هاملت الذي كتبه شكسبير ويرى نذر الموت في السماء، إلى الحشود الذين ادعوا أنهم رأوا الشيطان (دائماً الشيطان) في الدخان الذي تصاعد عقب هجمات 11 سبتمبر (أيلول).

في عام 2007 ، قال عالم النفس البروفسور برايان واندل، مدير مركز جامعة ستانفورد للتصوير المعرفي والبيولوجي العصبي، لصحيفة "ذا سياتل تايمز" إن ظاهرة سماع الرسائل المخفية في الأغاني تعود جزئياً إلى النفس البشرية التي تبحث عن البنى والأنماط وسط الفوضى.

وقال، "انتظروا بما فيه الكفاية فتبدأ بعض البنى التي سيجمع عليها  الناس في الظهور، لأن أدمغتنا مبنية ومُعدة للبحث عن الأشياء وفقاً لقواعد معينة. لذا فليس من المستغرب أن يحتاج المرء إلى الإصغاء إلى 500 ألف ساعة من الأغاني الشهيرة وتشغيلها معكوسة حتى يسمع أحياناً شيئاً يوافق جميع الموجودين في الغرفة على أنه شيء غريب، على الرغم من أنه لم يكن من المفترض أن يكون موجوداً أساساً".

وصرح إريك بورغوس، الذي يدير موقع talkbackwards.com لعكس الصوت، لصحيفة "ذا وول ستريت جورنال"، "من وجهة نظر حسابية، إذا قمت بالاستماع لوقت كاف، فستبدأ بسماع أنماط في نهاية المطاف".

بعد عقود من انتشار الحكاية، ربما وجد اللغز طريقه إلى الحل عندما قال مكارتني لصحيفة "ذي أوبزرفر" في عام 2005 إنهم قاموا في أغنية "فري آز إي بيرد" "Free As a Bird" الصادرة في عام 1995، وهي إعادة صياغة لتسجيل قام به لينون الراحل عام 1977،  بإضافة عبارة من "تلك التسجيلات المعكوسة المخادعة في نهاية الأغنية على سبيل المزاح لتسلية كل هؤلاء المهووسين بالبيتلز".

ثم في عام 2020، أكد مكارتني البالغ من العمر 78 سنة لصحيفة "ذا ميرور" أن المعاني السرية في أغانيهم التي حيرت المعجبين لسنوات، كانت في الواقع مجرد كلام فارغ يدور بين الأصدقاء.

قال، "عندما تكونون أطفالاً، تقومون باختلاق أشياء سخيفة، والرائع في ذلك هو أنك وأصدقاؤك تعرفون جميعاً تلك الأشياء السخيفة ... كنا جميعاً نمزح. لذلك ، ليس من الضروري أن يكون لتلك الكلمات معنى!".

© The Independent

المزيد من منوعات