Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخاوف من الكلفة الاجتماعية لسياسة التقشف في تونس

لم تقدم الحكومة بعد رؤية واضحة للخروج من الأزمة المالية في البلاد

الرئيس التونسي قيس سعيد مترئساً اجتماعاً للحكومة (أ ف ب)

دعا الرئيس التونسي قيس سعيد إلى التقشف في المال العام، والتعويل على موارد الدولة الداخلية، وذلك خلال لقائه رئيسة الحكومة نجلاء بودن، وعند اجتماعه بمحافظ البنك المركزي مروان العباسي.

ويرى المتابعون للشأن العام في تونس، أن البلاد ستواجه صعوبات كبيرة عند الخروج إلى السوق المالية الدولية، بالنظر إلى تصنيفها السلبي من قبل وكالات التصنيف الائتماني العالمية، وأيضاً لعدم الاستقرار السياسي وضبابية الرؤية بالنسبة إلى المستثمرين والمانحين الدوليين.

فهل باتت الدعوة إلى التقشف أمراً واقعاً، وهل انسدّت أفق التمويل الخارجي؟ وكيف ستؤثر سياسة التقشف في المواطن التونسي الذي أنهكه غلاء الأسعار بينما تراجعت قدرته الشرائية بشكل لافت، بسبب الركود الاقتصادي الذي تعيشه البلاد؟

ما هو التقشف؟

التقشف هو مصطلح سياسي اقتصادي، ويعني أن تضع الحكومة برنامجاً يهدف إلى تحسين أداء الاقتصاد، للتخفيض من عجز الميزانية، من خلال التقليص من نفقات الدولة، أو الرفع من الضرائب.

ويؤكد أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية، رضا الشكندالي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن سياسة التقشف تهدف إلى مكافحة التضخم المالي والحدّ من عجز ميزانية الدولة والعجز التجاري. 

ويضيف أن التقشف يعتمد على خيارين، إما تعديل السياسة المالية العامة، أو ضبط السياسة النقدية في إطار التنسيق بين البنك المركزي والحكومة، من خلال تخفيض نفقات الدولة أو زيادة الضرائب، أو الزيادة في نسبة الفائدة. 

ويشير الشكندالي إلى أن من سلبيات سياسة التقشف، تراجع النمو الاقتصادي، بالتالي عدم خلق الثروة، ومزيد من الضغط على موارد الميزانية من الجباية، إضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة، وهي كلفة اجتماعية كبيرة وثقيلة على الدولة. 

دور الدولة الاجتماعي

ويؤكد أن الرئيس التونسي تحدّث في أكثر من مناسبة عن دور الدولة الاجتماعي، أي التعليم والصحة والنقل، وهو ما يعني ضمنياً زيادة في نفقات الدولة وليس تقليصها.

وعاب الشكندالي على سعيد أنه لم يقدم رؤية اقتصادية تتضمّن برنامجاً واضح المعالم للخروج من الأزمة الراهنة، لافتاً إلى أن ما يصرّح به هو كلام عام وليس برنامجاً متكاملاً ومنسجماً للتقشف.

ولتحسين وضعية المالية العامة وتفادي الآثار السلبية لسياسة التقشف، يقترح الشكندالي ضرورة تعزيز صورة تونس في الخارج، بعد نجاحها في السيطرة على فيروس كورونا، حتى يستعيد القطاع السياحي نشاطه، ودعم القطاع الفلاحي، وتشجيع التونسيين في الخارج على مزيد من التحويلات المالية، مشيراً إلى أن الأخيرة بلغت هذه السنة أكثر من 6 مليارات دينار (2 مليار دولار)، علاوة على تطوير استخراج وتحويل الفوسفات.

الطبقة الهشة لم تعد تتحمّل

كلفة اجتماعية منتظرة لسياسة التقشف في حال تم اعتمادها، ستعمّق أزمة التونسيين الاجتماعية، في ظل انحدار القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويؤكد الناطق الرّسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "منطق التقشف عهدناه منذ عدد من الحكومات، عندما يتم اتخاذ إجراءات تمسّ الطبقات الاجتماعية الأكثر هشاشة، وهي الأكثر تحمّلاً لأعباء الأزمة الاقتصادية. ويكون الشعار المرفوع عادة هو تقاسم التضحيات، لكن فعلياً نلاحظ أن الفئات الضعيفة هي التي تتحمّل أكثر من غيرها التبعات". 

ويضيف بن عمر أن "الحكومة الحالية لا تختلف عن سابقاتها، التي لم تضع تصوراً واضحاً للفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة"، داعياً إلى التوجه "إلى المستفيدين من جائحة كورونا".

احتقان اجتماعي

ويتوقّع أن تشهد تونس في الفترة المقبلة مزيداً من الاحتقان الاجتماعي، لافتاً إلى أن الطبقة الهشة لم تعد تحتمل المزيد من الضغط، قائلاً إن الدولة تمهّد للتخلي عن دورها الاجتماعي، نظراً لما تواجهه من صعوبات مالية. 

ودعا بن عمر إلى ضرورة التزام الحكومة بالاتفاقيات الاجتماعية المبرمة مع الاتحاد العام التونسي للشغل، والتي تمس فئات واسعة حفاظاً على السلم الاجتماعي.

استعداد الممولين الدوليين

وأكد سعيد، في جلسة للحكومة عقدت أمس الخميس، أن "تونس ستنجح في تجاوز الأزمة التي تعيشها بفضل العمل الدؤوب"، داعياً "جميع التونسيين من دون استثناء إلى الإسهام في إيجاد التوازنات المالية المطلوبة".

كما أكد أن "الأموال التي سيسهم بها التونسيون في تخفيف وطأة الأزمة المالية، ستكون تحت رقابة رئاستي الدولة والحكومة".

وكان محافظ البنك المركزي صرّح بأن الممولين الدوليين مستعدون لتمويل تونس، سواء على الصعيد الثنائي أو في إطار المنظمات المالية العالمية، شرط أن تكون الرؤية واضحة والأهداف محدّدة ودقيقة، لافتاً إلى أن المفاوضات ستعود مع صندوق النقد الدولي ومع كل المنظمات الدولية في القريب العاجل بعد أشهر من النقاشات غير الرسمية.

وتواجه المالية العامة في تونس وضعاً صعباً عمّقه تراجع ترتيب البلاد في التصنيف الائتماني الأخير لوكالة التصنيف الائتماني "موديز" من "B3" إلى "Caa1"، ما يعني تقلّص الثقة الممنوحة لها. وترافق هذا التصنيف آفاق سلبية على المدى المتوسط، ما يعزّز إمكانية التخفيض من جديد.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير