Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تكفي الإرادة السياسية وحدها لمكافحة الفساد في تونس؟

شدد مراقبون على ضرورة ضمان استقلالية القضاء لضمان فعاليته في تأدية هذه المهمة

الرئيس التونسي قيس سعيد (أ ف ب)

لم يتغير حال التونسيين طيلة عَقد من الزمن بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق، زين العابدين بن علي، وتحولت تونس إلى بلد يعاني من استشراء الفساد، كما لم تحقق الديمقراطية مطالب التونسيين بتوفير الكرامة وفرص العمل.

وبقي عنوان مكافحة الفساد شعاراً براقاً رفعته الحكومات المتعاقبة، دون أن تنجح في استئصاله، لا بل تمكن من كل القطاعات تقريباً ونخر المؤسسات، وبات يهدد كيان الدولة.

وشكل تاريخ الخامس والعشرين من يوليو (تموز) 2021، لحظةً سياسية فارقة في تونس، بعدما أعلن الرئيس قيس سعيد، الإجراءات الاستثنائية التي وضعت حداً لمنظومة سياسية تتحمل مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية في البلاد.

وكشف سعيد عن تفشي الفساد في قطاعات عدة، مؤكداً عزمه على استئصال تلك الآفة ومحاسبة الفاسدين أياً كانت مواقعهم.

ويعول التونسيون على ما عُرف عن قيس سعيد، من نظافة اليد وخلو سجله من أي ممارسات مشبوهة، من أجل وضع حد لنزيف الفساد الذي مس مجالات عدة. لكن هل تكفي الإرادة السياسية لوحدها لمكافحة الفساد؟ وكيف يمكن التأسيس لثقافة الشفافية والحوكمة الرشيدة الخالية من الفساد؟

نتج عن زواج المال بالسياسة، تأثير وتحكم في القرار السياسي، كما وظفت الأحزاب السياسية التي تعاقبت على الحكم طيلة عَقد ما بعد عام 2011، شعار مكافحة الفساد لتحقيق مكاسب سياسية وابتزاز خصومها، من دون أن ترسي آليات فعالة أو توفر إرادة حقيقية لمقاومة هذه الظاهرة.

التدقيق في القروض والهبات

وشدد الرئيس التونسي في آخر جلسة للحكومة في 28 أكتوبر (تشرين الأول)، على ضرورة معرفة مآل القروض الخارجية التي خُصصت لتونس والتي "لا أثر لها في الواقع"، حسب تعبيره.

وقال سعيد إن "النصوص القانونية كثيرة، ولكن كلما ازداد نص ازداد معه لص، ولا شيء تحقق على الوجه المطلوب"، مطالباً "القضاة بعدم التردد في تطبيق القانون على الجميع، ولا وجود لحصانة يتخفى خلفها البعض، يجب تطهير البلاد من الذي عبثوا بمقدراتها".

مخطط عمل لمجابهة الفساد

من جهة أخرى، اعتبرت منظمة "أنا يقظ" (منظمة رقابية) أن "الإرادة وحدها لا تكفي لمقاومة الفساد"، داعيةً إلى "ضرورة وضع مخطط عمل وتوجهات محددة وخريطة طريق واضحة في هذا المجال". وقالت المستشارة القانونية في المنظمة، آية الرياحي، "لا يمكن اليوم الحديث عن سياسة واضحة في مكافحة الفساد، على الرغم من وجود رغبة أو نية في هذا المجال".  وأضافت أن "أبواب مقر الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد موصدة، أمام المبلغين المحتاجين إلى حماية"، مشددةً على "أهمية دور السلطة القضائية في مكافحة الفساد"، وداعيةً إلى دعمها "بالموارد التي تجعلها سلطة مستقلة فعلاً".

واعتبرت الرياحي أن "القضاء عادةً ما ينخرط في خيارات السلطة الحاكمة في مكافحة الفساد"، مطالبةً بـ "البت سريعاً في ملفات شبهات الفساد المتعلقة بعدد من السياسيين والنواب والقضاة ورجال الأعمال، بما يسمح بتنقية الحياة العامة في البلاد، وتعزيز ثقة التونسيين بالسلطة القضائية".

الإرادة غابت قبل 25 يوليو

في المقابل، اعتبر رئيس لجنة مكافحة الفساد في البرلمان، بدر الدين القمودي، أن "الإرادة السياسية لمكافحة الفساد توفرت في تونس بعد 25 يوليو (تموز) 2021"، مشيراً إلى أن "هذه الإرادة كانت غائبة تماماً طيلة الفترة الماضية، على الرغم من أن الحكومات المتعاقبة رفعت شعار مكافحة الفساد".

وبين القمودي أن "ما ينقص تونس اليوم هو تجسيد الإرادة السياسية وتحويلها إلى مُنجز عملي، بما يجعل محاربة الفساد تتنزل ضمن استراتيجية واضحة المعالم". وقال إن "الإرادة السياسية في مكافحة الفساد التي وفرها رئيس الجمهورية، تستوجب بالضرورة معالجة بقية عناصر منظومة مكافحة الفساد، وفي طليعتها المؤسسة القضائية"، موضحاً أن "القضاء يحتاج إلى معالجة عاجلة حتى يضطلع بشكل تلقائي وناجع بملفات الفساد التي تُحال إليه".

تعزيز قدرات القطب القضائي المالي

ودعا رئيس لجنة مكافحة الفساد في البرلمان، إلى "تعزيز القدرات البشرية للقطب القضائي المالي المتخصص في النظر في ملفات الفساد المالي، وإفراده بنيابة عمومية، مع دعم إمكانياته اللوجستية".

كما دعا القمودي إلى توحيد الأجهزة الرقابية في تونس، وهي الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية، وهيئة الرقابة العامة للمالية، وهيئة الرقابة العامة لأملاك الدولة والشؤون العقارية، في جهاز موحد مستقل مع مضاعفة إمكانياتها البشرية واللوجستية، وجعل هذه المؤسّسات الرقابية تحت إشراف رئاسة الجمهورية، حتى تتمكن من مراقبة عمل المؤسسات التابعة للحكومة.

كما طالب القمودي بضرورة إيجاد استراتيجية وطنية واضحة المعالم لمكافحة الفساد، وإعادة النظر في تعطيل أعمال الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وبعثها من جديد حتى تضطلع بدورها في النظر في ملفات الفساد التي تصلها، مشددا على ضرورة حماية المبلغين عن الفساد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تعزيز دور التفقديات

من جهته، أكد طارق الكحلاوي، المدير العام السابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، أن "الإرادة السياسية مهمة اليوم في مكافحة الفساد من خلال تعزيز دور التفقديات داخل المؤسسات والوزارات التي يجب أن تتعامل وفق ما يقتضيه القانون دون خطوط حمراء"، معتبراً أن "الإرادة السياسية هي رسالة مهمة لهذه المؤسسات داخل الوزارات من أجل أن تقوم بدورها للحد من مختلف التجاوزات".

وشدد الكحلاوي على "أهمية تحييد مكافحة الفساد عن تصفية الحسابات الشخصية أو السياسية"، مشدداً على أن "الآليات لا بد أن تكون مؤسساتية من خلال توفير الإمكانيات لمختلف هياكل الرقابة"، معتبراً إياها بمثابة "الجدار الأول لمقاومة الفساد".

ولفت إلى أن "المشكل في هذا الملف يكمن في الجهاز القضائي، الذي لم تتم تنقيته كما يجب من الفساد"، مضيفاً أن "هناك إقراراً من داخل المؤسسة القضائية بأن المجلس الأعلى للقضاء لم يسهم في تطهير الجهاز القضائي".

دور الأسرة والإعلام والمؤسسات

"لا يمكن مكافحة الفساد بالآليات القضائية فحسب، بل إن التأسيس لثقافة الشفافية والحوكمة الرشيدة يمر عبر الأسرة ثم المدرسة ثم المجتمع المدني والإعلام ثم المؤسسات"، وفق الباحث في علم الاجتماع، سامي نصر. وأضاف أن "القطاع الموازي في تونس اليوم، أو ما يُعرف باللاشكلي (l’informel) نسج شبكة عنقودية من العلاقات، وأصبح يشكل عبئاً على القطاع الرسمي"، داعياً إلى "شل هذا القطاع الموازي، وتنقية الإدارة من ذوي الشبهة، عبر تفعيل المؤسسات الرقابية.

ولفت المختص في علم الاجتماع، إلى أهمية الإعلام في التوعية بشفافية المعاملات وبخطورة ارتكاب جريمة الفساد بمختلف أشكاله، معتبراً أن تونس تخوض اليوم أصعب الحروب، وهي محاربة واستئصال هذه الظاهرة التي تتطلب تضافر جهود كل مكونات المجتمع من مؤسسات رسمية ومدنية ومجتمعية للحد من خطورته.

وتحتل تونس المرتبة 69 عالمياً في مؤشر مدركات الفساد لسنة 2020، الذي يصدر عن منظمة الشفافية الدولية، حيث تحصلت على مجموع 44 نقطة من 100 متقدمة بنقطة واحدة مقارنة مع سنة 2019، ولازالت دون معدل خمسين نقطة، ما يعكس نقصاً كبيراً في مقومات الحوكمة والشفافية في القطاع العام، ويكشف القضاء في تونس يومياً عن عديد قضايا الفساد التي مست قطاعات التربية والتعليم، من خلال تزوير شهائد علمية، والتلاعب بأملاك الدولة، علاوة على قضايا أخرى تتصل بالاستيلاء على المال العام، وتبييض الأموال، والتهرب الضريبي.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي