Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يتواصل خطر الجماعات الإرهابية على الغرب؟

تعلمت من أخطائها وطورت تكتيكاتها وأصبحت أكثر ارتباطاً للإبقاء على أنشطتها

يجادل البعض بأن انتصار حركة "طالبان" في أفغانستان يمكن أن يكون سبباً لإلهام المتشددين (رويترز)

على عكس ما يعتقد كثيرون في الولايات المتحدة من أن خطر الجماعات الإسلامية المتشددة ضد الغرب تراجع بشدة في ظل سياسات التقييد والتأهب والضربات الإجهاضية التي مارستها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأميركية والغربية ضدها خلال العقدين الماضيين، فإن باحثين غربيين يدقون أجراس الخطر ويحذرون من أنه على الرغم من الانتكاسات التي تعرضت لها هذه الجماعات، فإنها تعلمت من أخطائها، وأصبحت أكثر ارتباطاً وتنظيماً، وطورت تكتيكاتها وهياكلها لإبقاء أنشطتها وهجماتها مستمرة عبر السنين.

فما الذي مكّنها من ذلك؟ وكيف ستتعامل الولايات المتحدة والغرب مع هذا التهديد؟

تحديات بديلة

مع رحيل القوات الأميركية من أفغانستان في أغسطس (آب) الماضي، بدا أن حقبة ما بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001 انتهت. فقد أدى بروز تحديات صعبة مثل تغيّر المناخ وصعود الصين كمنافس قوي للولايات المتحدة، إلى تراجع الأهمية والأولوية التي كانت السياسة الخارجية الأميركية توليها في الماضي للإرهاب  الذي تتبناه الجماعات الإسلامية المتطرفة، والذي كان الشغل الشاغل للغرب على مدى عقدين. وحتى في إطار مكافحة الإرهاب الضيق، احتل عنف الجماعات العنصرية التي تنادي بتفوق العرق الأبيض، وعنف جماعات التطرف المناهضة للحكومة، مكانة متقدمة في سلم الأولويات الحكومية الأميركية، بحيث أصبحت الهجمات التي تشنها الجماعات المتشددة مثل تنظيمي "القاعدة" و"داعش" بين حين وآخر غير قادرة على تغيير الأمور.

جرس إنذار

لكن جيتي كلاوسن، أستاذة العلوم السياسية والتعاون الدولي في جامعة برانديز في ولاية ماساتشوستس الأميركية، أصدرت كتاباً جديداً يدق جرس إنذار لتذكير السياسيين والأجهزة الأمنية والاستخباراتية، باستمرار التهديد الذي تمثله الشبكات الإرهابية، على الرغم من الحرب ضد الإرهاب التي استمرت لأكثر من 20 عاماً. وتتعقب الباحثة المتخصصة في مجال مكافحة الإرهاب، نشأة تنظيم "القاعدة" في إطاره الأوسع، وكيف ازدهرت البذور التي نثرها في أنحاء الغرب خلال حقبة التسعينيات، وفي الفترة التي تلت أحداث 11 سبتمبر 2001، التي تقول إنها ترسم صورة حركة قوية ومستمرة، على الرغم من الضربات التي تعرضت لها.

الملاذ والهدف

وفي حين أن نطاق التغطية الجغرافية لعمل كلاوسن في هذا الكتاب واسع النطاق، إلا أنه حسبما يقول دانيال بايمان، الأستاذ في جامعة جورج تاون، يصل  إلى أفضل غاياته عندما تناقش وجود الحركة الإسلامية وأنشطتها في الولايات المتحدة وأوروبا، والتي تقول إن الغرب بالنسبة إليها كان هدفاً وملاذاً في الوقت ذاته. فبينما وقع عدد من أبرز الهجمات التي شنها تنظيما "القاعدة" و"داعش" في الولايات المتحدة وأوروبا، إلا أن الدول الغربية وفّرت موطناً للمتطرفين.

ومن بين هؤلاء الشيخ المصري عمر عبد الرحمن، الملقب في الغرب باسم "الشيخ الضرير"، الذي يُعدّ الزعيم الروحي للجماعة المصرية، وعمر محمود عثمان الأردني الجنسية المولود في بيت لحم في الضفة الغربية والذي يلقب باسم "أبو قتادة الفلسطيني"، وغيرهما ممن سمحت البلدان الغربية لهم بإلقاء المحاضرات والوعظ وجمع الأتباع والتخطيط لشن هجمات إرهابية حول العالم، بما في ذلك داخل الدول التي وفّرت لهم الملاذ والملجأ الآمن.

من بوابة اللجوء

وفي أوروبا على وجه الخصوص، استغل المتطرفون القوانين المتساهلة والتزايد الكبير في طلبات اللجوء السياسي للعثور على ملاذ آمن، حيث سجلت المملكة المتحدة عام 1987 على سبيل المثال 4 آلاف طلب لجوء. لكن هذا الرقم ارتفع إلى أكثر من 85 ألفاً بحلول عام 2001، إذ رأت الحكومات الغربية أن تمنحهم حق اللجوء بعدما هربوا من ملاحقة النظم السياسية لهم في الشرق الأوسط. لكن الحكومات الغربية فشلت غالباً في إدراك أن هؤلاء المتشددين يشكلون تهديداً أمنياً لها مثلما شكلوا تهديداً لبلدانهم.

وحسبما تقول كلاوسن في كتابها، فإن أعضاء تنظيم "القاعدة" والحركات المماثلة الذين يرفضون الانفتاح الغربي وانتشار القيم الغربية، لم يكونوا نتاجاً لبيئة الغرب والشرق الأوسط، بل كانوا نتاجاً للعولمة أيضاً، وما حملته من رحلات رخيصة وتطور سريع في تكنولوجيا المعلومات التي أثبتت أهميتها في التفاعل بين أعضاء هذه الجماعات بشكل خاص. ومع مرور الوقت، طور المتشددون عملية إنتاج شبكة عابرة للحدود، مستفيدين مما تقدمه كل دولة بشكل مختلف لتنظيم حركة عالمية. فالمملكة المتحدة، على سبيل المثال، وفّرت حماية قوية لحرية التعبير، بينما قدمت أفغانستان الملاذ الآمن للتدريب.

ويُعدّ تحليل هذه الشبكة الذي استخدمته كلاوسن ذا قيمة عالية، بحسب موقع "فورين بوليسي"، إذ إنها أنشأت "مشروع الجهاد الغربي"، الذي يحدد هوية أكثر من 6 آلاف شخص من الدول الغربية الذين ارتبطوا بالإرهاب أو بحركات التمرد والعصيان المرتبطة بالحركة المتشددة.

ولا يكشف المشروع عن النطاق الواسع الذي امتد إليه الوجود المتشدد في الغرب فحسب، بل يُظهر أيضاً كيف يمكن أن ينمو تجنيد الأعضاء الجدد بشكل هائل بحيث تتدفق عبر الشبكات المعلومات الخاصة بقواعد السلوك والأعراف والاتصالات وفرص الانضمام إلى الجماعات ومزاياه. ومع تطور الشبكة تتمكن من الوصول إلى عدد أكبر بكثير من الناس، كما يمكن لكبار القادة الذين يشرفون على إدارة هذه الشبكة التحكم والتلاعب بها أحياناً عبر الإنترنت. ولكن في معظم الحالات تكون هذه السيطرة في الحياة الواقعية، من أجل تأسيس وتعميق العلاقات الاجتماعية في الحركة وتعزيز الروابط الفكرية والأيديولوجية.

آلة تعلم

ومن الأمور المثيرة والمفيدة بشكل خاص، تسليط كلاوسن الضوء على مسألة التسلسلات الهرمية التقليدية لبعض الشبكات المتشددة. ذلك أن الشبكة المحيطة بالشيخ عمر عبد الرحمن، التي كانت مسؤولة عن الهجوم على مركز التجارة العالمي عام 1993 ومؤامرات أخرى مختلفة عام 1994، كانت أشبه بهرم تقليدي في السلسلة القيادية، إذ كان الشيخ على قمتها، بينما يعاونه مساعدون رئيسيون. وهو أمر غالباً ما تتجاهله بشكل خاطئ نظريات مكافحة الإرهاب التي تفترض أن الجماعات المتصلة بالشبكة، هي جماعات لا مركزية إلى حد بعيد، في حين أن اعتقال أو التخلص من عدد قليل من القادة الرئيسيين أو العناصر الماهرة في التنظيم يمكن أن يضعف الحركة ككل بشكل خطير.

ومن الأمور الجديرة بالانتباه في مشروع كلاوسن أنه يربط بين المتشددين الذين لهم علاقة بتنفيذ الهجمات الإرهابية الفاشلة وغيرهم من الإرهابيين الذين يشنون هجمات ناجحة. وتشير هنا إلى أن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية تتجاهل الهجمات الإرهابية التي تفشل أو يتم إحباطها، في حين أن المشروع يظهر في الواقع أن تنظيم "القاعدة" كان بمثابة "آلة تعلم"، إذ إنه يعود بانتظام إلى تنفيذ المهمة التي فشل عناصره في تنفيذها في المرة الأولى. وتنبّه الباحثة هنا إلى أنه بالرغم من وجوب الثناء على مسؤولي مكافحة الإرهاب لتعطيلهم المؤامرات الإرهابية، إلا أنه ينبغي عليهم أن يكونوا في حالة تأهب واستعداد لتكرار شن الهجمات الإرهابية التي أحبطوها.

روابط دائمة

ويشير دانيال بايمان إلى أن تركيز مشروع  كلاوسن على الروابط بين الشبكات المتشددة، ربما قلل أحياناً من أهمية الانقسامات والانشقاقات التي تحصل داخل الحركة المتشددة، إذ تُنسب بعض الهجمات القليلة إلى تنظيم "القاعدة"، بينما تكون عناصر أخرى انشقت عنه هي التي نفذت الهجمات، خصوصاً أن الاختلافات بين الجماعات والفصائل غالباً ما تكون عميقة ومميتة. وعلى الرغم من أن عناصرها ربما يتشاركون بعض الأهداف، لكن الخلافات اليومية يمكن أن تستغرق وقتهم وجهدهم بما قد يعرقل الحركة ككل.

مع ذلك، فإن تحليل كلاوسن يظهر بوضوح أنه بينما تكون المجموعات المتشددة أحياناً على خلاف عنيف، فإن الأفراد داخلها يظلون مرتبطين بأعداد كثيرة أخرى في الحركة الكلية والواسعة، ما يسمح بتشكيل خلايا ومنظمات كاملة وتتفسخ، بينما تتمدد الشبكات المتشددة بشكل مطّرد ونشيط. وتشير كلاوسن إلى واقع أن المتطرفين الذين بدا أنهم منسيون في أوروبا خلال التسعينيات عادوا إلى الظهور في دول شمال أفريقيا بعد أحداث الربيع العربي عام 2011.

تحسين مكافحة الإرهاب

وتوضح كلاوسن نقطة مهمة ينبغي الالتفات إليها، وهي أنه غالباً ما لا تتم دراسة التأثير الذي تحدثه عمليات مكافحة الإرهاب المحسّنة في الحركة المتشددة، وحتى عندما تجري دراستها، يكون التركيز منصبّاً بشكل مبالغ على العمليات العسكرية وضربات طائرات الدرون المسيّرة، في حين التعاون اليومي بين أجهزة الاستخبارات وقوات إنفاذ القانون هو في صميم مكافحة الإرهاب، كونه يصبح فاعلاً في تعطيل الشبكات الإرهابية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى سبيل المثال، قد يظهر اعتقال شخص أو مجموعة أشخاص في المغرب صلات بمتشددين في إسبانيا، وعندما تتم مراقبتهم من قبل الاستخبارات الإسبانية، تتكشف خيوط حول خلية تمويل في الكويت، ثم تعتقل الكويت المشتبه فيهم وتكشف عن تحويلات مالية إلى إندونيسيا. وهكذا يمكن لهذا التعاون والتنسيق أن يستمر مع قيام الولايات المتحدة بدور قائد أوركسترا الاستخبارات العالمية.

لكن، في مثل هذه الظروف، يمكن أن تعمل الطبيعة الشبكية للحركة المتشددة ضدها، ذلك أن التواصل يجعل من المرجح اكتشاف نقاط التقاطع، ويصبح التجسس المضاد أكثر صعوبة.

الخطر قائم

وفي حين تقف الحركة المتشددة الأوسع اليوم على مفترق طرق، يمكن أن يجادل البعض بأن انتصار حركة "طالبان" في أفغانستان يمكن أن يكون سبباً لإلهام المتشددين بتنشيط عملياتهم ضد الغرب والولايات المتحدة، لكن خسارة "الخلافة الإسلامية" التي حاول تنظيم "داعش" إقامتها في كل من العراق وسوريا كانت ضربة قاسية للحركة المتشددة، بينما تفتقر الحركة اليوم إلى زعيم قادر وملهم مثل أسامة بن لادن يوجهها أين تكون الضربة المقبلة وأي تكتيكات تستخدم.

مع ذلك، فإن ما يبقى مؤكداً هو أن الشبكات الكثيفة التي توثّقها خبيرة مكافحة الإرهاب كلاوسن بشكل متقن، تظهر أن الحركة المتشددة ستظل قوية بما قد يمكّن قادتها في المستقبل من الحفاظ على حركة لا تظهر أي علامات على الابتعاد عن أهدافها حتى مع تركيز انتباه العالم على مشكلات أخرى.

المزيد من تقارير