Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا لو أطلقت روسيا والصين وإيران عملات رقمية بعيدا عن الدولار؟

يرى مراقبون أن هيمنة العملة الأميركية على الأسواق ستستمر ولا بديل متاحاً لفترة طويلة

تعمل بنوك مركزية عدة في كل أنحاء العالم على تطوير عملات رقمية سيادية (أ ف ب)

لم يُخفِ مسؤول سابق في الخزانة الأميركية قلقه الشديد من توجه روسيا والصين وإيران نحو إنشاء عملات رقمية لبنوكها المركزية للعمل خارج الدولار. واعترف مايكل غرينوالد، أن هذا التوجه يشكل مصدر قلق للولايات المتحدة، بخاصة أن دولاً أخرى قررت أن تحذو حذو تلك البلدان، قائلاً إن "ذلك سيكون مقلقاً"، في حين بقي رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (المصرف المركزي)، جيروم باول، تحت الضغط لأشهر طويلة، وطُلب منه تكثيف التدقيق بشأن ما يعتبره بعض المسؤولين الأميركيين تهديداً وشيكاً لمصالح السياسة الخارجية الأميركية. ووصلت الهستيريا العامة إلى ذروتها لدرجة أنه في 20 مايو (أيار) الماضي، أعلن باول أن "الاحتياطي الفيدرالي" سيبدأ البحث عن إمكانية إنشاء الدولار الرقمي.
وليست العملات الرقمية للبنوك المركزية بطبيعة الحال مثل العملات المشفرة، حيث تصدر السلطات الحكومية العملات الرقمية وتتحكم فيها بعكس العملات المشفرة الخارجة عن السيطرة وأعين الرقابة الحكومية. وتعمل بنوك مركزية عدة في كل أنحاء العالم على تطوير عملات رقمية سيادية، والتي يقول المدافعون عنها إنها يمكن أن تعزز الشمول المالي وتجعل المعاملات عبر الحدود أسهل، ولكن بالنسبة إلى روسيا والصين وإيران، فالأمر قد يختلف بعض الشيء، حيث القرار سياسي بالدرجة الأولى، ويهدف إلى الخروج من تحت عباءة الهيمنة الدولارية الأميركية، وربما يستخدم كوسيلة للتخلص من العقوبات التجارية والاقتصادية الأميركية كما هو الحال مع إيران وروسيا.
ويرى عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار"، وضاح الطه، أن "موضوع إطلاق الدول لعملات رقمية قد لا يتفق مع هيمنة الدولار الأميركي، لكن الأمر ليس بهذه السهولة، أي إن يتأثر الدولار بمجرد إصدار تلك الدول للعملات الرقمية، فالقضية أعمق من ذلك، حيث إن 60 في المئة من الاحتياطات العالمية الأجنبية مقومة بالدولار الأميركي، بينما يشكل الدولار، كناتج محلي إجمالي عالمي، نحو 20 في المئة، بحسب إحصائيات أصدرها الفيدرالي الأميركي قبل أسابيع قليلة. وبالنظر إلى تلك الأرقام، يمكن ملاحظة حجم التأثير على الاحتياطيات وحجم الثقة التي ينالها الدولار من حيث اعتماده كعملة وأصل من أصول الاحتياطات الأجنبية". وأضاف الطه أيضاً أنه "قد يكون هناك إصدار لدولار رقمي من شأنه أن يقلل من تأثير العملات الأخرى على التجارة".
وقال عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار"، إنه "قد تصلح العملات الرقمية التي تطلقها هذه الدول للتجارة البينية بموجب اتفاقيات ثنائية بين موسكو وبكين، وربما تلجأ دول معادية للولايات المتحدة مثل إيران وروسيا والصين إلى استخدام العملات الرقمية، لكن بشكل عام حجم التأثير لهذه العملات على المدى القصير والمتوسط سيكون برأيي محدوداً. أيضاً، عند الحديث عن التجارة العالمية وحجم الثقة بالدولار، فلا تزال العملة الأميركية هي الأقوى حتى بالنسبة إلى إصدار حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي. وأعتقد أن الدولار سيبقى المهيمن، وبالتالي أتصور أنه ليس من السهولة كسر هيمنة الدولار الأميركي على المديين القصير والمتوسط".

إيران وتطوير "الريال الرقمي"

في سياق متصل، أعلن محافظ البنك المركزي الإيراني السابق عبدالناصر همتي في بيان نُشر على موقع "البنك المركزي" في مايو (أيار) الماضي، عن "تطوير نسخة أولية من الريال الإيراني الرقمي". وكشف همتي الذي أقاله الرئيس السابق حسن روحاني في الشهر ذاته بسبب ترشح الأول للانتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي، أن "المركزي الإيراني انتهى بالفعل من صياغة الخطة التنفيذية لإصدار العملة الرقمية للبنك المركزي الإيراني، وأن الريال الرقمي سيكون في شكل عملة مشفرة مستقرة سترتكز قيمتها على الورق التقليدي الحالي الريال. والفرق الرئيس هو أن بيئة التطبيق ستتغير".
ووفق موقع "المركزي الإيراني"، "لن يكون الريال الرقمي قابلاً للتعدين على الرغم من استخدام تقنية مماثلة لإصدار الريال الرقمي، فإنه لن يكون مثل العملات المشفرة الأخرى مثل (بيتكوين) و(إثيريوم)". 

 روسيا وتجهيز نموذج أولي للروبل الرقمي

وكانت إلفيرا نابيولينا، محافظ البنك المركزي الروسي، قد أقرّت في تصريحات أدلت بها في يونيو (حزيران) الماضي، بأن "تحرك الاقتصاد عبر الإنترنت، سيجعل العملات الرقمية مستقبل الأنظمة المالية". وأضافت نابيولينا، إن "إزالة الدولرة تشكل جزءاً من سياسة واسعة لإدارة مخاطر العملات الأجنبية".
ويقول متخصصون إن روسيا تبتعد تدريجياً عن استخدام العملة الأميركية كوسيلة لعزل نفسها عن آثار العقوبات التي يمكن أن تستهدف كل الشركات التي تستخدم الدولار.
وفي عام 2019، قالت آن كورين، المديرة المشاركة لمعهد تحليل الأمن العالمي، لشبكة "سي أن بي سي"، إن هناك "نادياً متنامياً" من اللاعبين "الأقوياء جداً" الذين يريدون تقويض أهمية الدولار. وقالت في ذلك الوقت إن لدى الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي "حافزاً قوياً للتخلص من الدولار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونشرت موسكو في أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، ورقةً استشارية بشأن "الروبل الرقمي"، وتهدف إلى تجهيز نموذج أولي بنهاية عام 2021. وقالت نابيولينا إن "التجارب قد تبدأ العام المقبل".

اليوان الرقمي في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2022

أما في الصين فيتطلع "بنك الشعب الصيني" إلى أن يكون أحد أوائل البنوك المركزية الرئيسة في العالم التي تطلق عملتها الرقمية الخاصة، وبذلك سيكون قادراً على مراقبة المعاملات الرقمية عن كثب. وتم استخدام اليوان الرقمي في أكثر من 1.32 مليون سيناريو (عملية)، بإجمالي حجم معاملات بلغ نحو 5.4 مليار دولار، بحسب مجلة "فورين بوليسي". وتجري الاستعدادات لظهور اليوان الرقمي لأول مرة عالمياً في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين في أوائل عام 2022.

قوة الدولار أشبه بالقوة العسكرية الأميركية

من جانبه، رأى الباحث الاقتصادي الكويتي محمد رمضان، أنه "من المهم ايضاح أن العملات الرقمية التي تصدرها الدول ليست بديلة عن أي عملة أجنبية، وإنما هي بديلة عن العملة المحلية للدولة التي تصدرها، وبالتالي لا يمكن الاستغناء عن الدولار الأميركي، وهي عملة احتياط وغطاء للذهب، واستبدالها بالعملات الرقمية". وقال رمضان، "ترغب أكثر من دولة في العالم في التخلص من الدولار الأميركي، ولكن ما هو البديل المُتاح؟"، معتبراً أنه "لا بديل حقيقياً للدولار الأميركي، فالعملة الصينية ليست بديلاً عن الدولار، وكذلك الحال بالنسبة لليورو الأوروبي، كما أن النفط لا يزال يُباع بالدولار". وتابع رمضان أن "التحول بعيداً عن الدولار لا يحدث إلا إذا تحولت التداولات العالمية بأسرها إلى عملة بديلة، مثل تداول النفط والسلع الأخرى. كما أن الدول بين بعضها البعض تقبل بالدولار. وتعتمد السياسة الأميركية على تقوية الدولار وتعزيز استخدامه على المستوى العالمي، وهنا تكمن القوة الأساسية للدولار، والتي هي أشبه بالقوة العسكرية الأميركية، بالتالي فإن قوة الدولار في العالم أمر مهم جداً، ولا يمكن أن تسمح الولايات المتحدة بتراجع استخدامه بشكل كبير، إذ سيضر ذلك بالاقتصاد الأميركي".

سياسة الدولرة

وشكّلت سياسة الدولرة أولوية بالنسبة إلى روسيا والصين، عندما بدأت الدولتان في توسيع التعاون الاقتصادي بينهما، وبعد انفصال موسكو عن الغرب بسبب ضمها لشبه جزيرة القرم. وأصبح استبدال الدولار في التسويات التجارية ضرورةً لتجنب العقوبات الأميركية ضد روسيا.
وأوضح ديمتري دولجين، كبير الاقتصاديين لشؤون روسيا في بنك "آي أن جي"، أن "أي معاملة تحويل تتم في العالم تتضمن دولارات أميركية، يجري في وقت ما تصفية معاملاتها من خلال بنك أميركي، وهذا يعني أن حكومة الولايات المتحدة يمكنها إخبار ذلك البنك بتجميد معاملات معينة".
وكانت سياسة الدولرة اكتسبت مزيداً من الزخم في روسيا، لا سيما بعدما فرضت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب تعريفات جمركية على سلع صينية تبلغ قيمتها مئات المليارات من الدولارات. وكانت موسكو اتخذت في السابق زمام المبادرة بشأن إزالة الدولار، بينما أصبحت بكين تنظر إليه على أنه أمر بالغ الأهمية أيضاً.
وقال تشانغ شين، وهو زميل باحث في مركز الدراسات الروسية في جامعة شرق الصين للمعلمين في شنغهاي، لمجلة "نيكاي آسيا" في أغسطس (آب) الماضي، إنه "في الآونة الأخيرة بدأت الدولة الصينية والكيانات الاقتصادية الكبرى تشعر بأنه قد ينتهي بها الأمر في وضع مشابه لنظرائها الروس كونهم هدفاً للعقوبات، وربما يتم استبعادها من نظام سويفت".
وكانت روسيا والصين وقعتا صفقة تبادل عملات لمدة ثلاث سنوات بقيمة 150 مليار يوان (24.5 مليار دولار). ومكّنت تلك الاتفاقية كل دولة من الوصول إلى عملة الطرف الآخر دون الحاجة إلى شرائها من سوق الصرف الأجنبي، وتم تمديد الصفقة لثلاث سنوات في عام 2017.
وخلال زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى روسيا في يونيو (حزيران) 2019، أبرمت موسكو وبكين صفقةً لاستبدال الدولار بالعملات الوطنية للتسويات الدولية بينهما. كما دعا الجانبان إلى تطوير آليات دفع بديلة لشبكة "سويفت" التي تهيمن عليها الولايات المتحدة لإجراء التجارة باستخدام الروبل واليوان.

المزيد من عملات رقمية