Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"لغز اختطاف جوارب الجثث" رواية القتل المتسلسل على خلفية نفسية

ليان سليمان كاتبة سعودية شابة تدخل عالم الأدب البوليسي على الطريقة الغربية بقوة

لوحة للرسام محمد الوهايبي (صفحة الرسام على فيسبوك)

يتوقع القارئ العربي دوماً صدور رواية بوليسية، لروائي معروف او مجهول، تملأ مساحة الفراغ في الأدب البوليسي العربي الذي لا يزال مقصوراً على بضع محاولات قليلة وغير كافية. ولعل رواية "لغز اختطاف جوارب الجثث" التي تحمل توقيع روائية سعودية شابة، غير معروفة في الوسط الأدبي، هي ليان سليمان (الدار العربية للعلوم- ناشرون) قد تمثل مفاجأة ولو صغيرة في حقل الأدب البوليسي العربي. ليان سليمان لم تعرّف بنفسها بتاتاً، وهي غائبة عن "فيسبوك"، وسائر المواقع الإلكترونية. وفي سؤال موجه إلى دار النشر أوضحت الإدارة أنها شابة سعودية تقيم في الرياض، ولدت في كندا عام 2000، وعاشت فيها بضع سنوات، وتعمل في حقل الأزياء، والرواية هي عملها الأول. وأشارت الإدارة إلى أن الروائية تهوى قراءة الأدب البوليسي العالمي، لا سيما أغاثا كريستي وكذلك أرثر كونان دويل.

لعل ما استوقفني في الرواية أولاً عنوانها البوليسي جداً، والغلاف الجميل المركب فوتوغرافياً. وعندما بدأت في قراءتها شعرت أنني أمام عمل بوليسي مئة في المئة، أجنبي ولكن مكتوب بالعربية، حتى ليمكن الشك في أن الرواية مترجمة عن الإنجليزية أو سواها. لكنّ ما يبدد الشك أن الأحداث تدور بمعظمها في تورنتو الكندية التي عاشت الكاتبة الشابة فيها سنوات قبل عودتها إلى السعودية. والمكان أصلاً في زمن العولمة الأدبية، لم يبق محصوراً بهوية الكاتب، فثمة روايات أجنبية (وعربية) تدور في بلدان ليست بلدان أصحابها، فالجغرافيا المكانية والمدينية باتت مفتوحة بحرية.

أدب بوليسي غربي

ولئن افترضنا أن الرواية مكتوبة بالعربية وليست مأخوذة عن نص أجنبي او مقتبسة منه، فهي تنتمي إلى الأدب البوليسي الحقيقي في المعنى الشامل لهذا الأدب، تقنياً وأسلوبياً ونفسياً. وهي تحفل بالتلغيز والتحقيق الدقيق والبحث الجنائي والتشويق والمصادفات غير المتوقعة، ما يسمح بالقول إن كاتبتها  الشابة ابنة الحادية والعشرين، صاحبة ثقافة بوليسية مهمة، وعلى اطلاع على منهجية التحري والتفتيش. وفد نجحت الكاتبة في سبك القصة البوليسية في إطار حكاية حب وانفصال تزامنت مع الأحداث منذ البداية حتى النهاية.

في الرواية يتولى التحقيق في جرائم متسلسلة تقع تباعاً في مدينة تورنتو، ثلاثة محققين يؤلفون "ثلاثياً" متماسكاً، هم، سيريوس روبرتس وتيانا أرثر، وهما زوجان انفصلا عشية انطلاقهما في التحقيق، بعدما شهدت علاقتهما الزوجية خلافاً أسفر عن قرار بالانفصال، على الرغم من الحب الذي ما زال قائماً بينهما. وإن انفصلا كزوج وزوجة، فهما ظلا يعملان معاً في جهاز الشرطة الكندية، كمحققين. أما الثالث في الفريق فهو زميلهما نواه، صديق الزوجين. تقع على الثلاثة مهمة التحقيق في مقتل اربعة أشخاص كنديين في جريمة متسلسلة يبدو القاتل فيها واحداً، سواء في طريقة القتل المتبعة أم في خلفيتها "المجازية" المتمثلة في سرقة جوارب القدم اليمنى من كل ضحية.

تحاول الكاتبة الشابة اعتماد تقنيات التحقيق المعروفة في الروايات البوليسية، لا سيما لدى أغاثا كريستي وآرثر كونان دويل، وتلقي على بطلتها تيانا (الزوجة المنفصلة) بعضاً من ملامح المحقق الشهير هيركول بوارو (كريستي)، والمحقق الآخر شارلوك هولمز (دويل). فهي تتمتع بذكاء خارق وقدرة على التحليل والمقارنة وربط الخيوط واستخلاص العبر. وتبدو كأنها هي مركز الثقل في إدارة التحقيق مع زميليها، والإشراف عليه. تبدأ مع رفيقيها في التعرف إلى الضحايا وأهاليهم  ومحيطهم ورصد علاقاتهم المتعددة، وتحاول البحث عن الخيط الذي يجمع بينهم، تقصياً للأسباب التي دفعت القاتل إلى ملاحقتهم بالتسلسل. أما الضحايا هنا فهم، صامويل أدمز موظف في الأربعين، فلور لاونسن طالبة جامعية في الرابعة والعشرين، اليزابيث باركر امرأة عادية في الخمسين وجوناثان سميث طالب في العشرين من عمره. هؤلاء الضحايا كانوا وجدوا قبل أسبوع  من مقتلهم في محطة مترو المدينة، وأخذ القاتل منهم جوارب القدم اليمنى.

قتل بالسكين

والملاحظ أن الضحايا قتلوا بطعنات سكين في البطن، ما يعني أن القاتل كان يعرفهم وواجههم ولم يطعنهم غدراً في الظهر. ثم تنضم إليهم ضحية خامسة، هي إيزابيل ألبرت، الشابة الفرنسية الجنسية التي تعيش في لندن والتي استُدرجت إلى تورنتو لتُقتل فيها. هذه الضحية تحمل سراً كان لا بد من اكتشافه بين لندن وتورنتو. وقد بدا أنها ألحقت بالجرائم المتسلسلة عن قصد، وفق خطة اعتمدتها قاتلة أخرى هي سيدة بريطانية تكون صديقة القتيلة اليزابيث، ترتكب فعل اختلاس تعلم به اليزابيث ما يدفع القاتلة التي تدعى ساندرا، إلى التخلص منها في تورنتو، في سياق جرائم القتل التي اطلعت عليها بدقة وتابعتها انطلاقاً من لندن. وهذا التراوح بين تورنتو ولندن يضفي على الرواية طابعاً "متعولماً"، بحسب ما توحي به أدبيات الرواية البوليسية العالمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الرواية المحكمة البناء بوليسياً، نجد خمس ضحايا وقاتلين، بل قاتلا وقاتلة، وتكمن قوة الحبكة في تحليل الجرائم وتفكيكها والربط بينها وحل عقدتها الكلاسيكية في المعنى البوليسي. أما القاتل الرئيس فيتمكن التحقيق من كشفه، فإذا هو صديق الطالب جوناثان ويدعى جاك ويلسون، وقد أصيب باكراً بمرض الباركنسون الذي جعله في حال من الشلل النصفي والارتجاف،  فتدمّر نفسياً وراح يثير سخرية رفاقه خصوصاً صديق عمره جوناثان. يقرر جاك الانتقام وقتل جوناثان، فيرتكب الجرائم الثلاث السابقة بالتسلسل ليصل إلى صديقه ويجعل مقتله ضمن هذا التسلسل. وقد تنكر بزي رجل عجوز يحمل اسم ديفيد مخفياً وجهه تحت قناع جيد الصنع،   وسكن قرب منزل جوناثان ليراقب حركته اليومية. أما قصة جوارب القدم اليمنى، فناجمة عن عقدة نفسية قديمة، فجاك كان فقيراً فقراً مدقعاً في طفولته، وكانت أمه تضطر إلى جمع الثياب الرثة والمستعملة من البالات وصناديق القمامة، فتجلب له جوارب غير متشابهة شكلاً ولوناً، وكان يضطر إلى وضعها في قدميه، مثيراً سخرية رفاقه الذين كانوا يعيرونه بأمه "سارقة الجوارب".

وإن بدت رواية الشابة ليان سليمان مبنية بتقنية بوليسية متينة، فهي تعاني بعض الضعف في البناء السردي والتقطيع الحدثي والزمني. ولم تخل الرواية من أخطاء لغوية، على الرغم من سلاستها الأسلوبية. وما يظل يلفت في هذه الرواية الأولى أنها استطاعت أن تدخل عالم الأدب البوليسي  بقوة ولو عبر الطريقة  أو المنهج الغربي وفي جو غير عربي البتة. وهذا ما يجعل القارئ يطرح سؤالاً لا جواب له: هل الرواية هذه مقتبسة عن رواية بوليسية أجنبية؟

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة