Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أين يتموضع الجيش السوداني في أزمة بلاده؟

أشهر من الخلافات بين المكونين المدني والعسكري أدت إلى حالة الطوارئ وحل هياكل السلطة الانتقالية

هل تحصل تحركات داخل القوات المسلحة السودانية من أجل تغيير قياداتها (أ ف ب)

ردد السودانيون الذين خرجوا للتظاهر في مواكب 21 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، لدعم السلطة المدنية، من بين شعاراتهم "الجيش جيش السودان وما جيش برهان"، في إشارة إلى أن الجيش السوداني ملك للشعب، وليس من حق رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان. لكن كيف يقرأ العسكريون السودانيون ما حدث من إعلان لحالة الطوارئ وإمكانية تدخل الجيش في حالة تفاقم الوضع على صعيد الشارع السوداني بسبب مناهضته لهذا الإعلان، ولمن يدين الجيش للشارع أم للمكون العسكري؟ 

تمكين الإخوان

في هذا السياق، يشير نائب رئيس تجمع قدامى المحاربين السودانيين العميد معاش السر أحمد سعيد، وهو تنظيم يضم الضباط المبعدين من الخدمة العسكرية خلال فترة حكم نظام الرئيس السابق عمر البشير، إلى أن "الأوضاع الانتقالية دائماً مليئة بالتحديات بخاصة أن هذه الفترة جاءت بعد 30 عاماً من الحروب واختراقات وتمكين تنظيم الإخوان المسلمين وتأثير النظام السابق على مجمل مفاصل الدولة"، قائلاً إن "الخروج من هذا النفق لن يكون سهلاً، والأزمة التي تفجرت بين المكونين المدني والعسكري قبل إعلان حالة الطوارئ، جاءت بسبب ما حدث من خروقات وتجاوزات في الوثيقة الدستورية، صحيح صاحبها أخطاء، إلا أنه كان لا بد من السير قدماً باتباعها وتطبيقها حرفياً، ومعالجة ما يحتاج إلى إصلاح، بدلاً من هذا الانقلاب الكامل الأركان". 

ويعتقد أن المكون العسكري الحاكم في مجلس السيادة الذي تم حله، هو وريث شرعي لنظام البشير، حيث كان يمثل اللجنة الأمنية التي تحمي النظام السابق، فهناك تساؤلات ومؤشرات تدل على تواطؤ هذا المكون مع عناصر نظام البشير منذ الإطاحة به في أبريل (نيسان) 2019، منها كيفية هروب مدير الأمن والاستخبارات العامة صلاح قوش، وشقيق الرئيس السابق العباس، وبعض رموز النظام الحاكم آنذاك إلى الخارج، بخاصة إلى تركيا. لذلك، من غير المستبعد أن تكون الانقلابات العسكرية التي ظلت تعلن من حين لآخر مجرد فبركة، فضلاً عن التراخي في ما يحدث من انفلاتات أمنية، وعدم الشفافية والوضوح حول الشركات العسكرية. 

انتحار حقيقي 

وعن إذا كان توقع إعلان حالة الطوارئ في البلاد، كمخرج للأزمة السياسية، أجاب سعيد "كنت أرى احتمالات إعلان الطوارئ ضعيفة جداً، من منطلق أن المؤشرات التي يستند عليها مخطط إعلان الطوارئ من محاولات انفلاتات عسكرية وأزمات مستفحلة بخاصة أزمة الشرق، هي من مسؤوليات المكون العسكري، فضلاً عن أن اعتصام القصر الجمهوري هو مخطط أصبح مكشوفاً، بجانب أن العامل الإقليمي والدولي يحول دون ذلك، فهو يمنع أي محاولات للانقضاض على الديمقراطية وقطع طريق الانتقال تحت أي ظرف كان ولن يسمح بحكومة طوارئ. بالتالي، هذه الخطوة، تمثل انتحاراً حقيقياً للبرهان ومن خلفه، وتؤكد كل ما كان يثار حوله من شكوك، وأن اتهامات المكون المدني كانت على حق". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكنه استبعد حدوث أي تحركات داخل القوات المسلحة السودانية من أجل تغيير قياداتها في المكون العسكري الذي يهيمن على مركز القرار، انطلاقاً من أن الجيش يضم تيارات عديدة في داخله، مما يصعب مثل هذه المهمة. ونوه إلى أن الترتيبات الأمنية التي نصت عليها اتفاقية السلام في جوبا، تعد جزءاً من الأزمة التي فجرت هذا الوضع، فمثلما تسببت الترتيبات الأمنية في اتفاقية أديس أبابا عام 1972 بين حكومة الرئيس الأسبق جعفر نميري وحركة الأنانيا في تمرد حركة قرنق 1983، وكذلك قادت الترتيبات الأمنية بعد ثورة 1985 إلى انفصال جنوب السودان، فإن الترتيبات الأمنية الحالية قادت إلى هذا الانقلاب، من خلال انحياز وتآمر بعض قوات الحركات المسلحة مع المكون العسكري، فالمؤسف أن هذه الحركات من طبيعة قبلية، فضلاً عن عدم توفر الكفاءة والانضباط لدى قواتها بنسبة كبيرة. 

وخلص إلى أنه "قياساً على مواكب 21 أكتوبر، فإنه من الصعب موافقة الشارع السوداني على هذا المخطط الانقلابي من أجل عودة نظام الإخوان مرة أخرى، فقد تحدثت تفلتات أمنية وانسداد سياسي، لكن ليس بالشكل الذي حدث في سوريا وليبيا والعراق".

أزمة مصطنعة 

في المقابل، يوضح اللواء معاش معتصم العجب أن "ما حدث هو مخطط انقلابي لإعادة تنظيم الإخوان إلى المشهد السياسي بوجوه جديدة من أجل الحفاظ على السلطة ومكتسباتهم وثرواتهم، فالخلافات التي تسببت في الأزمة كانت جميعها مصطنعة، بخاصة أن الوثيقة الدستورية الموقعة بين المكونين العسكري والمدني نصت على أشياء كثيرة تتعلق بشؤون الحكم والسلطات والمهام، لكن عرقلت من ناحية القضاء والقوانين وغيرها، تمهيداً لإنهاء زخم الثورة". 

وبين العجب، أن ما تم من تصعيد للأزمة السياسية أظهر تنسيقاً يجري مع جهات عليا نافذة، لأن هذا التصعيد أوصل البلاد إلى حالة من الاختناق وشح في السلع وارتفاع أسعار بعضها بمبالغ كبيرة، منوهاً إلى أن "المكون العسكري في ذات نفسه ملوث بالدماء، فجزء منه كان ضمن منظومة اللجنة الأمنية لنظام البشير حتى لحظة سقوطه، وهو يراوغ شباب الثورة من أجل تمرير أجندته لأنه على توافق تام وتنسيق مع أنصار البشير. فمعروف أنه من المستحيل أن يصل ضابط خلال فترة حكم النظام السابق إلى رتبة فريق أو لواء، إلا إذا كان مخلصاً له، فكثير من الضباط أحيلوا إلى المعاش قبل بلوغهم هذه الرتبة، لأنهم من غير موثوق بهم". 

ضمانات كبيرة 

وأضاف "لذلك رضخ المكون العسكري بعد سقوط البشير وخلال المفاوضات التي كانت جارية مع المكون المدني لتشكيل الحكومة، وقبل بالوثيقة الدستورية في 17 أغسطس (آب) 2019، على أمل الانقلاب عليها تحت أي ذريعة كانت، وهذا ما حدث". 

وأشار إلى أنه على الرغم من أن الجيش السوداني ما زال بعافيته بخاصة في قاعدته من صغار الضباط، عكس الرتب الكبيرة التي تدين بالولاء للنظام السابق، لكن من الصعب حدوث تأثير مباشر أو تحرك بأي شكل كان في ظل وجود قوات للحركات المسلحة وغيرها، ما يعرض البلاد لمخاطر وسيناريوهات لا تحمد عقباها. 

وبرر العجب الخطوة التي اتخذها البرهان بإعلان حالة الطوارئ، بقوله "أعتقد أن كل واحد في المكون العسكري مدان في ملف من الملفات الصعبة سواء حرب دارفور أو اعتصام القيادة العامة، بالتالي اتخذوا هذه الخطوة حتى يتفاوضوا من منطلق قوة وبسقوف أعلى وضمانات كبيرة، فما يحدث الآن هو شبيه بوضع البشير قبل الإطاحة به".  

إجراء صحيح 

في المقابل، اعتبر رئيس أركان القوات البحرية السودانية سابقاً الفريق أول ركن فتح الرحمن محيي الدين صالح، ما قام به عبد الفتاح البرهان، بأنه إجراء صحيح ولا يعد انقلاباً عسكرياً كما يروج له البعض، لأنه في حالة الانقلاب تحظر الأحزاب السياسية عن ممارسة أنشطتها، وتعتقل قياداتها، ويكلف قادة أفرع الجيش بإدارة شؤون الولايات، وأن يسيطر العسكريون على الوظائف التنفيذية والسيادية في الدولة، فضلاً عن إعلان حالة الطوارئ لتقييد الحريات لمنع الاحتجاجات والأصوات التي تخالف حكم العسكر، وهذا لم يتم أصلاً. منوهاً إلى أن المبررات كانت كافية لاتخاذ تلك القرارات، من أهمها حالة التشظي والاستئثار بالسلطة من قبل مجموعة محددة من القوى السياسية، وتردي الحالة الأمنية حتى أصبحت البلاد على شفا هاوية، إضافة إلى الاستعداء الممنهج للقوات المسلحة، وتحريضها للانقلاب على قيادتها، مما يشكل خطراً حقيقياً على أمن واستقرار السودان. 

وبيّن صالح، أن المكون العسكري لا يرغب في ممارسة السياسة، ويريد إنهاء الفترة الانتقالية بسلاسة وصولاً لانتخابات عامة، منوهاً أن الأسبوع الماضي حدث انسداد في الأفق بسبب ضيق الحالة الاقتصادية التي أصبحت لا تطاق، بالتالي كان يجب على القوات المسلحة أن تتدخل لإنقاذ البلاد. 

ولفت رئيس أركان القوات البحرية السودانية سابقاً، إلى أن ما اتخذه البرهان من إجراءات تم تأييدها بالكامل من قبل الجيش السوداني، بل هو الذي ضغط عليه لاتخاذ تلك القرارات، و"في تقديري إذا كان تأخر في اتخاذها لكان انفلت العقد وحصل تغيير من القاعدة العريضة للجيش، مبيناً أن كل القوات العسكرية والشرطية شاركت في هذا التغيير، وأنه لا مجال لصوت نشاذ، بعد أن وضح أن هناك استراتيجية لتفكيك الجيش، وعزل القيادات التي شاركت في حكم البشير، مع أن الجيش كيان محايداً وليس منحازاً لأي جهة أو مكون سياسي". 

خطوات الأزمة 

وكان أن سبق إعلان حالة الطوارئ، أزمة سياسية حادة منذ أكثر من شهر على إثر خلافات بين الشقين المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية، إضافة إلى خلافات فيما بين المكون المدني للحكومة، حيث انفصلت مجموعة عن قوى الحرية والتغيير ووقعت ميثاقاً سمته أيضاً ميثاق التوافق الوطني. 

وفي ضوء تلك الخلافات السياسية انتظمت، منذ أكثر من أسبوعين مجموعة منشقة من قوى الحرية والتغيير تضم حركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم الذي يتولى حالياً وزارة المالية، وحركة تحرير السودان جناح مني أركو مناوي الحاكم الحالي لإقليم دارفور، إضافة إلى عناصر وتنظيمات وأحزاب كانت موالية لنظام المؤتمر الوطني الذي أطاحت به ثورة شعبية في أبريل 2019، اعتصاما أمام القصر الجمهوري في الخرطوم مطالبة بتسليم السلطة للقوات المسلحة، وحل حكومة حمدوك، على أن يتم تشكيل حكومة جديدة من الكفاءات السودانية. كما سبق هذا الاعتصام نشوب أزمة شرق السودان التي تطالب بإلغاء مسار الشرق في اتفاقية السلام في جوبا التي وقعت بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة في الثالث من أكتوبر 2020، باعتباره لا يعبر عن جميع أهل الإقليم، فضلاً عن إفصاحهم بوجود تظلمات تنموية وتهميش لإقليمهم رغم أنه يضم أكبر موانئ البلاد، إضافة إلى الكميات الكبيرة من المعادن. 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير