Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما هي التحديات الماثلة أمام البرهان؟

مقدمات الوضع الراهن تسارعت بعد فشل المحاولة الانقلابية في سبتمبر التي استثمر فيها المكونان المدني والعسكري

بعد صدور البيان الأول للفريق عبد الفتاح البرهان باعتباره قائداً للقوات المسلحة السودانية، معلناً حالة الطوارئ ومعطلاً بعض مواد الوثيقة الدستورية، يصبح من المهم استكشاف فرص استقرار المعادلة التي يطرحها ومدى قدرتها على خلق الاستقرار في الحالة السودانية، خصوصاً أن ما جرى كان متوقعاً وكانت له مقدمات لا تخطئها عين. ونتيجة لذلك تحوطت بعض القوى السياسية السودانية، وربما تكون قد بلورت خططاً لمواجهة الوضع المستجد.

مقدمات الوضع الراهن تسارعت بعد الإعلان عن فشل محاولة انقلابية في 21 سبتمبر (أيلول) الماضي، إذ استثمر فيها المكونان المدني والعسكري، وتم تبادل الاتهامات بشأن مدى مسؤولية كل طرف عن هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة، إذ حمَّل المكون العسكري مسؤولية هذا التطور للمكون المدني باعتباره فاشلاً في إدارة الدولة خصوصاً في الملف الاقتصادي، ومنشغلاً بالمحاصصات في المناصب التنفيذية. أما المكون المدني فاعتبر أن "الانقلاب الفاشل يشكل مقدمة لانقلاب يتم الترتيب له فعلياً".
ضغينة متصاعدة

وتكوَّنت من منصة هذا التراشق اللفظي بين رموز النخب المدنية والعسكرية ضغينة لا يُستهان بها، غالباً ما تؤدي إلى تسميم أي بيئة سياسية، إذ أسهمت قرارات لجنة إزالة التمكين في زيادة الاحتقان عبر قراراتها التي طاولت مصالح نظام البشير الذي يتم الدفاع عن بعض مكوناته من جانب المكوّن العسكري.

ومن منصة لجنة إزالة التمكين حدثت مواجهة خشنة مع المكون العسكري، الذي اتخذ قراراً بإنهاء كل أنواع التفاعل مع المكون المدني ضمن أطر الهياكل الدستورية وأهمها المجلس السيادي.

في سياقٍ موازٍ، برزت أزمة شرق السودان التي تم تحليلها باعتبارها محاولة من المكون العسكري للاستقواء ضد المكون المدني وخلق الأزمات للحكومة السودانية تمهيداً لتغييرها، وقد وضح ذلك من خلال مطالب ناظر عموديات قبيلة البجا، محمد الأمين ترك، بتكوين مجلس عسكري سداسي وإنهاء أعمال الحكومة التي يرأسها عبد الله حمدوك.

لعبة الشارع

وكان اللجوء إلى الشارع أحد أدوات المكوِّن المدني في الضغط على العسكر، لكن الأخير استخدم الآلية ذاتها، لا سيما بعد قول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، نائب رئيس المجلس السيادي، إنهم بدورهم يملكون شارعاً.

في هذا السياق ومن منصة التوافق بين قوى الهامش خصوصاً في دارفور والمكون العسكري، وانطلاقاً من اتفاقية سلام جوبا الموقعة بين الأطراف في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، جرى الإعلان عن انشقاق في "قوى الحرية والتغيير" تحت عنوان "ميثاق التوافق الوطني"، قاده كل من جبريل إبراهيم، وزير المالية في حكومة حمدوك، وحاكم دارفور مني أركو ميناوي.

وهكذا بدا المكون المدني منقسماً بين اعتصام القصر الجمهوري الذي تم تدشينه في 16 أكتوبر الحالي، حين تم استدعاء المكونات القبلية للدعم، وتظاهرات 21 أكتوبر الحاشدة التي انطلقت في كل أنحاء السودان داعمةً الانتقال الديمقراطي مهما كان الثمن.

ولم تكن صورة توازنات القوى التي دشنتها الشوارع السودانية في صالح المكون العسكري، كما أن المحاولات التي بذلها حمدوك للوصول إلى حل الأزمة عبر تكوين لجنة سباعية بهذا الشأن لم تنجح في تقريب وجهات النظر بين المدنيين والعسكر، إذ تمترس المدنيون مستندين إلى دعم شعبي متواصل على الرغم من أخطائهم المؤثرة، سواء بالانقسامات المبكرة أو عدم امتلاك مهارات لاحتواء النظام القديم.

وهكذا بدا المشهد السياسي السوداني منغلق الأفق تماماً، بينما ظهرت بعض النعرات العنصرية بين رموز الأحزاب ورموز دارفورية.
مستقبل التفاعلات السياسية
طبقاً لهذه المعطيات، بات تحرك المكون العسكري مرئياً في الأفق لدى كل الأطراف الداخلية والخارجية، إذ حاولت الأخيرة التدخل لمنعه عبر المبعوث الأميركي إلى القرن الأفريقي جيفري فيلتمان، لكن المفارقة كانت أن الواقعة وقعت وموفد البيت الأبيض في الخرطوم، يحاول أن يقدم خرائط طريق تحاول المساعدة في الخروج من المشهد المأزوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بطبيعة الحال لن يكون مستقبل التفاعلات السياسية في السودان بعيداً عن معطيات المشهد السابق، وبالتالي سيواجه الفريق عبد الفتاح البرهان تحديات عدة على المستويات الداخلية والخارجية.

غالب الظن أن التحدي الداخلي سيكون الأصعب، خصوصاً أن الناس نزلت إلى الشوارع بالفعل رافضةً ما جرى، وأن صفوف القيادات في المستويات الثانية والثالثة قد اختفت بعد القبض على القادة، إذ كانت تقديرات "تحالف قوى الحرية والتغيير" في مؤتمرها الصحافي الأخير أن "الانقلاب زاحف".

على صعيد موازٍ، هناك قوتان على الأرض تساندان التطور الأخير بقيادة البرهان، إحداهما الحركات الدارفورية المسلحة، وهي بعتادها في الخرطوم بعد توقيع اتفاق سلام جوبا، على الرغم من أن العاصمة السودانية جغرافياً ليست من مناطق الاتفاق. أما القوى الأخرى فهي قوى النظام القديم، التي تضررت من قرارات لجنة إزالة التمكين التي هددت مصالحها الاقتصادية، وتم استبعادها سياسياً، وهي قوى بعض مفاصلها مسلحة خصوصاً هؤلاء المنتمين إلى الجبهة القومية الإسلامية. وطبقاً لمفردات هذا المشهد، فإن مواجهات الشوارع محتمَلة ومتوقعة وقد تعجز القوات النظامية عن مواجهتها فعلياً، خصوصاً على حواف العاصمة السودانية الخرطوم أو في بعض المدن التي يملك الحزب الشيوعي السوداني فيها وجوداً وازناً، مثل عطبرة.
العامل الخارجي

أما على الصعيد الخارجي، فإن سلاح العقوبات الاقتصادية يبدو مشهراً من جانب واشنطن، التي عجزت عن التأثير في المكون العسكري السوداني على مدى أكثر من شهر لتجنب السيناريو الصدامي. كما نشط الكونغرس في محاولة حصار المكون العسكري عبر تجريده من مرتكزاته الاقتصادية من شركات وأصول تحقق له مساحةً من فاعلية معتبَرة على الصعيد الاقتصادي، وذلك عبر قانون دعم الانتقال الديمقراطي السوداني الذي صدر عن الكونغرس في عام 2020.

صحيح أن التراجع الأميركي عن دعم السودان سيكون مؤثراً في تحجيم قدرات الفريق البرهان، لكنه تأثير وقتي نظراً إلى أن البرهان ربما لديه بدائل للإسناد الاقتصادي من جانب الصين، وهي تجربة سبق ونجح البشير في توظيفها لحماية نظامه السياسي على مدى طويل، وذلك في ضوء الاستثمارات الصينية المتنوعة الموجودة في السودان وحجمها الكبير التي تعتزم بكين التوسّع فيها، طبقاً لوعود أطلقها السفير الصيني بالخرطوم في أعقاب الثورة السودانية.

إجمالاً لا يبدو السودان مرشحاً للاستقرار السياسي، على المدى القصير وربما المتوسط وستستمر الضغوطات على المستوى الداخلي، التي ربما تكون مفتوحة على مواجهات عنيفة في الشارع، كما أن المنافسات الدولية المنطلقة من منصته تبدو واضحة للعين المجردة.

المزيد من تحلیل