لا شك أن احتمال عدم إبرام اتفاق مع الاتحاد الأوروبي بشأن تنفيذ بريكست، هو سيناريو خطير من خيال أولئك الذين يحنّون إلى الأيام الخوالي التي كانت فيها بريطانيا سيّدة البِحار من دون منازع، وكانت المرأة تتحدث ولكن دون أن يسمع لها أحد. بلى، سيشكل هذا السيناريو كارثة تعصف بكل أطياف الشعب، وعلى رأسها المرأة، وذلك للأسباب التالية:
أنه يعني التخلي عن تشريعات حقوق المرأة
الاتحاد الأوروبي يحمي حقوقنا نحن معشر النساء في تساوي الأجور وإجازة الأمومة وأماكن العمل الآمنة، كما أن لديه تاريخاً طويلاً في دفع المملكة المتحدة إلى حالة من الجدل الواسع حول المساواة بين الجنسين. ومن شأن إقرار البريكست من دون اتفاق أن يترك تلك الحقوق التي اكتسبتها المرأة بشق الأنفس، عرضة لأهواء الحكومات المستقبلية من دون حماية هيئة دولية.
قد يبدو من المستبعد أن تعيد المملكة المتحدة عقارب الساعة إلى الوراء فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين، لكن نظرة خاطفة على الضفة الأخرى من الأطلسي تظهر مدى سهولة كسب التأييد الوطني للحرب الشعبوية المناهضة للمرأة، وليس هذا هو الوقت المناسب للمقامرة بحقوق المرأة.
عدم قدرة المرأة ببساطة على تحمل المزيد من التقشف
التقييمات بشأن الأثر الاقتصادي لإقرار البريكست من دون اتفاق، أجمعت على تأكيد تعرض الاقتصاد البريطاني للتدهور المستمر. وإذا كان التقشف قد علّمنا شيئاً، فهو أنه حين يقل المال، فإن المرأة، خصوصاً نساء الأقليات العرقية، هي أكثر من يتعرض للمعاناة. إذ ترتفع نسبة النساء في القطاعات المعرضة بشدة لخطر الانكماش الاقتصادي، بما في ذلك قطاع الرعاية وتجارة التجزئة، في حين أن المرأة تحصل فعلياً على أجر يقل في المتوسط عن أجر الرجل بنسبة 18.1 بالمائة. وأظهر تحليل "مجموعة ميزانية المرأة" أن مليون وظيفة نسائية معرضة للخطر، حتى مع خطة تيريزا ماي لاتفاق البريكست، وينطبق ذلك بصورة أشد على عدم التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي كليّاً.
مواجهة المرأة في أيرلندا الشمالية صعوبات في إمكانية إجراء عملية إجهاض آمنة
لا تعني الحدود الصعبة في جزيرة أيرلندا مجرد الانتظار فترة أطول بالنسبة لسائقي الشاحنات، ولا حتى مجرد نقص الغذاء والدواء، بل يعني ذلك أيضاً أن النساء المسافرات عبر الحدود لإجراء عمليات إجهاض آمنة قد يواجهن مزيداً من المصروفات والتكاليف والتأخيرات. وبالنسبة للنساء اللاتي لديهن مشاكل في التلاءم مع أوضاع الهجرة، أو أولئك اللاتي يعانين من علاقات سيئة، فقد يعني ذلك تقييد حقوقهن الإنجابيّة.
اعتماد هيئة الخدمات الصحية الوطنية على المرأة
معظم موظفي "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" (77%) من النساء، وغالباً ما تعتمد المرأة على الهيئة أكثر من الرجال في مجال الصحة العقلية ورعاية الأمومة. وقد خلت فعليّاً آلاف الوظائف مع مغادرة المتخصصين المهرة القادمين من الاتحاد الأوروبي، المملكة المتحدة بأعداد كبيرة. وهناك مخاوف كبيرة من جانب كبار مسؤولي الهيئة حول نقص الموظفين بأعداد أكبر، وتفاقم مشاكل التمويل، وفرض مزيد من القيود البحثية في حال خروجنا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق.
يرجع هذا في الغالب إلى الأثر الاقتصادي الناجم عن تطبيق اتفاق بريكست، متمثلاً في انخفاض الثقة في الاقتصاد وتدني حجم الاستثمارات، وتفاقم الركود، وضعف الجنيه وانخفاض أسعار الفائدة. ببساطة، ستقل حصيلة الضريبة، والسيولة المالية، إضافة إلى انخفاض أعداد الموظفين اللازمين لدعم خدماتنا الصحية المتميّزة. وقد تعني تلك المعطيات انخفاضاً في العمالة وتدهوراً في الخدمات، وهو ما يلحق الضرر الأكبر بالمرأة أيضاً.
تدهور أوضاع المساواة بين الجنسين في بلادنا
يجري الاتحاد الأوروبي مباحثات من أجل تنفيذ إجازة مقدمي الرعاية المدفوعة الأجر، وتمديد إجازة الأمومة مدفوعة الأجر، ما سيساعد على إعادة التوازن إلى المبالغ المدفوعة نظير ما تقدّمه المرأة من رعاية غير مدفوعة الأجر. كما يمارس الاتحاد الأوروبي ضغوطاً على الحكومات كي تُصدّق على تشريعات أكثر شمولاً في حماية النساء والفتيات من العنف، خصوصاً "اتفاق اسطنبول". وبالأرقام، تلقى امرأتان مصرعهما أسبوعياً من قبل شريك حياتها الحالي أو السابق، ولا تزال المرأة تتلقى أجراً أقل من الرجل بنسبة 18.1 بالمائة في المتوسط.
نقص في الأدوية المتخصصة
تُصنّع بعض الأدوية التي تستخدمها المرأة وحدها، في دول القارة. وفي حال إقرار البريكست من دون اتفاق، قد تواجه المرأة صعوبات في حصولها على تلك الأدوية المتخصصة. وهناك علاجان رئيسيان في مجال الهرمونات البديلة، هما "إستروجيل" و"إسترادوت"، يصنّعان في بلجيكا وألمانيا على التوالي. ويُصنّع عدد من أدوية تنظيم الحمل في بعض دول أوروبا، بما في ذلك "ميكروجينون" الذي ينتج في ألمانيا وفرنسا. وفي حال عدم توصل المفاوضات إلى اتفاق بشأن حماية سلاسل التوريد من تلك الأدوية، يمكن أن تواجه المرأة اختلالات هرمونيّة مفاجئة وخطيرة تسبب اضطرابات بدنية وعاطفية كالاكتئاب والأرق.
إمكانية تقلص المعاش التقاعدي للمرأة
تتقاضى المرأة فعليّاً معاشات تقاعدية أقل بنسبة 40 بالمائة من الرجال، ويمكن أن يتسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، في مزيد من التدهور في ذلك المجال.
لقد جرت نقاشات كثيرة حول تأثّر الشابات بإقرار بريكست من دون اتفاق، لكن المرأة المُسنّة ستعاني أيضاً. ووفقاً لمؤسسة "آيج يو كيه" الخيريّة، فإن 23% من النساء المسنّات غير قادرات على تلبية احتياجاتهن اليومية ويتلقين معاشات تقاعدية أقل بنسبة 39.5% من الرجال، غالباً لأنهن قضين أوقاتاً أقل في العمل المدفوع الأجر بسبب مسؤوليّاتهن في الرعاية. وكذلك لا يمكن الصناديق التقاعديّة في أماكن العمل أن تواكب ارتفاع تكاليف المعيشة في حال خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، خصوصاً إذا ضعف الجنيه وانخفضت أسعار الفائدة، ما سيعني انخفاضاً في قيمة مدفوعات شركات التأمين للمتقاعدين في المستقبل.
وبالنسبة إلى المواطنين البريطانيين الذين يعيشون في أماكن اخرى في الاتحاد الأوروبي، فقد تُجمّد معاشاتهم التقاعدية بالكامل في حال تنفيذ سيناريو إقرار بريكست من دون اتفاق.
التسبب في أوضاع كارثية للمرأة العاملة
لقد غادرت بالفعل 7 آلاف ممرضة وقابلة قانونية المملكة المتحدة منذ إجراء الاستفتاء في عام 2016، الأمر الذي سيتسبب في حدوث عجز في كوادر المستشفيات ودور الحضانة ودور الرعاية. ونظراً لأن المرأة أكثر عرضة لترك العمل لرعاية الأطفال والمسنين بأربع مرات بالمقارنة مع الرجل، فمن المرجح أن تضطر المرأة إلى العودة للمنزل في حال تفاقم أزمة الرعاية.
من هذا المنطلق، يتوقع أن يتسبب إقرار البريكست من دون اتفاق في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بالنسبة للمرأة العاملة، هذا إذا كانت تحمل الجنسية البريطانية في الأساس. أما النساء اللاتي يقدمن الرعاية بدوام كامل واللاتي قد يعتبرن "غير ناشطات اقتصادياً"، فسيعانين من أجل ضمان استقرار أوضاعهن. وهذا يعني أن مواطني الاتحاد الأوروبي الذين يعيشون في المملكة المتحدة ويقدمون الرعاية إلى ذوي الاحتياجات الخاصة قد يعجزون عن تأمين حق البقاء في المملكة المتحدة، إذا طُبّق بريكست من دون اتفاق مع الاتحاد الأوروبي.
لذا، من الضروري أن يبذل نواب البرلمان كل ما في وسعهم للحد من إمكانية عدم التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي. سيستفيد الجميع من ذلك، خصوصاً المرأة. في المقابل، ليس اتفاق تيريزا ماي بالحل الأمثل، لأنها لا تزال يعرض حقوق المرأة للخطر وتقامر بالاقتصاد. يتعيّن على النواب اتخاذ الإجراء الذي يراه الشعب صائباً ويخدم المساواة بين الجنسين. يتعين عليهم التصدي لمحاولة الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق وإعادة القرار إلى الشعب عن طريق إجراء استفتاء "القول الفصل".
جينا نورمان ناشطة و مدافعة عن شؤون المرأة مؤيدة لفكرة تصويت الشعب في بريكست
© The Independent