الاثنين الماضي وقبل مغادرته البيت الأبيض متجهاً إلى ولاية بنسلفانيا حيث احتشد أنصاره في تجمّع انتخابي، ادعى نرمب أمام الصحافيين أن "لا مؤشر إلى تهديد إيران ليتطلب رداً منا"، ما شكّل انعطافاً بالموقف. فإذا لم يكن الرئيس الأميركي يحسبها كما يفترض به، فإن تلك التصريحات تُضعف بالتالي حجّة الحزب الجمهوري الذي يساند بغالبيته قرار إرسال القوات الضاربة إلى الخليج، بوجه الديمقراطيين في الكونغرس خلال جلسة استماع عُقدت في هذا الشأن.
في سياق متصل، ظهر سعي كبار مسؤولي جهاز الأمن القومي الأميركي إلى إقناع الكونغرس المنقسم حول ملف إيران ومسألة إرسال قوات إضافية إلى الشرق الأوسط، وبدا جلياً بالتركيز على مدى خطورة التهديدات الإيرانية الجديدة، والدفاع عما تم الإقدام عليه، الذي يلزَمه فعلاً مقنعاً بشأن المعلومات الاستخباراتية التي أدت إلى نشر القوات العسكرية.
لم يتحسّس الكونغرس ردعاً لهجمات طهران على الرغم من توافر المعلومات والأدلة، لذلك اعتبر أن الفعل كان منقوصاً، فتباينت الآراء بين "إما أن ترسل (قوات) لتُنهي ملفاً يحمل في جنباته الخطر! وإما لا ترسل حتى تتبين دقة ما تملك من معلومات لكي يكون الأمر مستساغاً فعلاً".
وبما أن مادة الخبر كانت تدور حول اجتماع وزير الخارجية مايكل بومبيو ووزير الدفاع بالوكالة باتريك شاناهان ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد بمشرّعي مجلسَي النواب والشيوخ رداً على الإحباط المتزايد في شأن صمت الإدارة مقابل تصاعد التوترات مع إيران، إلا أن أعضاءً في الحزب الديمقراطي وجدوا أن الردّ الإيراني على ظهور الآلة الحربية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما بعد الضغوط الاقتصادية الأميركية المتزايدة "أمرٌ طبيعيّ". ولم يُخفوا قلقهم في شأن نتائج سوء التقدير المحتمل على المدى القريب وعدم وجود إستراتيجية أميركية للتعامل مع تبعات ما قد يحدث على المدى الطويل.
وقد تكون الأجواء في واشنطن متأثرة بدخول نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن الرئاسي للعام 2020، فوجد الديمقراطيون في جلسة الكونغرس تلك فرصةً للانتقاد، إذ إنه بالأمس القريب كان الرئيس الأميركي السابق الديمقراطي باراك أوباما هو مَن أوصل الحال إلى ما هي عليه اليوم. واعتبر الديمقراطيون أن توجيه ضربة إلى رأس الرئيس الحالي ترمب تحت قبة الكونغرس قد تجعله مشتتاً في حملته الانتخابية المقبلة.
في موازاة ذلك، تناقلت وسائل إعلامية أميركية تصريحات وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف في آخر مقابلة له عبر شبكة "سي أن أن" الإخبارية الأميركية. ورفع ظريف صوته قليلاً خلال إطلالته التلفزيونية ليظهر بمظهر البريء، قائلاً "نحن وقفنا ضد (الرئيس العراقي السابق) صدام حسين وتنظيمَي القاعدة وداعش المتشددَين"، على الرغم من إدانة بلاده بإيواء عناصر من القاعدة وعائلاتهم في طهران تحديداً، ودعمها ميليشيات مصنفة "إرهابية". وحافظ ظريف على إصراره أمام المجتمع الدولي، على الادعاء بأن بلاده تنبذ الإرهاب والأنظمة القمعية، لينأى بها بعيداً عن الدول المصنّفة أميركياً ضمن "محور الشر".
في السياق ذاته، قال الكاتب الأميركي ديفيد سكوت "عن أي حربٍ وتحشيد يتحدث الحزبان؟ إيران التي تملك بالمجمل أقل من 408 طائرات عسكرية متهالكة و100 طائرة عمودية ذات قدرة قتالية متدنية يقابلها 10000 طائرة بين عمودية وحربية في المدارج الأميركية حول العالم وكل هذا القلق يدور في أروقة الكونغرس؟ أميركا التي عدد سكانها في العام 2019 وصل إلى 330 مليون نسمة، تُقارَن بشعب يكره سلطته الثيوقراطية إذ يبلغ عدد سكان إيران 82 مليون نسمة عن أي ضجيج نتحدث؟".
وفي تعليق له في شأن رد الفعل الأميركي الطبيعي إزاء التوتر في منطقة الخليج، صرّح ديفيد سكوت "إذا سلكت إيران سلوكاً سوياً كان الترحيب بها واجباً، أما إذا أخذت تمتدّ شرقاً وغرباً فتقليم أظافرها بات ضرورةً ملحةً لأن العالم لا يحتاج إلى عصاباتٍ خارجة عن القانون تدير عمليات قتل وتفجير في أكثر من بلد".