Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التطور الدرامي في قضية غابي بيتيتو مثير للقلق

مسائل خطيرة عدة نتجت عن هذه القضية بما فيها مشكلة العنف ضد المرأة وما نحتاج إليه هو التغيير وليس صائدي جوائز تلفزيونية والرعب الواقعي

"باتت قضية مقتل المدونة أمام خطر التحول إلى عرض غريب، وكابوس إعلامي مروع، وهجاء واقعي يتكشف أمام أعيننا" (رويترز)

التحقيق في الولايات المتحدة في مقتل الشابة غابي بيتيتو (مدونة في سن الثانية والعشرين عثر على جثتها في حديقة وطنية بعدما كانت قد أبلغت الشرطة عن نزاع مع صديقها)، تحول إلى ما يشبه السيرك الإعلامي، قبل أن يأتي مسلسل دوين تشابمان "دوغ ذا باونتي هانتر" Dog the Bounty Hunter (مسلسل تلفزيوني واقعي يروي تجارب دوين بصفته صائد جوائز) بوعد العثور على خطيب غابي المفقود. ويعد برايان لوندري المتواري عن الأنظار لأيام عدة الآن، "شخصاً محورياً" في القضية، ويشار إليه على أنه "مشتبه به رئيس"، وقد سطرت في حقه مذكرة توقيف، ما يوجب القبض عليه في ما يتعلق باستخدام احتيالي لبطاقة دفع نقدي.

ويسود اعتقاد أنه يخيم في مكان ما في براري ولاية فلوريدا التي تكثر فيها التماسيح، الأمر الذي أضاف مزيداً من الإثارة إلى هذه القضية، لا سيما لجهة ما إذا كان ما زال على قيد الحياة أم لا.

ومع خوض "دوغ" في الموضوع، باتت قضية مقتل المدونة أمام خطر التحول إلى عرض غريب، وكابوس إعلامي مروع، وهجاء واقعي يتكشف أمام أعيننا. وعلى نقيض المسلسل الشهير "سكويد غيم" Squid Game (دراما كورية جنوبية يلعب فيها متسابقون غارقون في الديون ألعاب أطفال من أجل ربح كثير من المال) الذي تعرضه خدمة "نتفليكس"، فإننا هنا أمام فيلم رعب حقيقي.

مروحيات تحوم في الأجواء، والتغطية تشمل مختلف جوانب مسرح الحدث، بحيث إننا شهدنا مشاجرات بين المتظاهرين المعتصمين أمام منزل والدي لوندري وجيرانهما. وقد وقع هؤلاء الجيران عن غير قصد في فخ إطلاق الصيحات وتعابير الغضب، مع التركيز على الغضب.

الإعلام يبدو مسعوراً إزاء كل ذلك، وهذا هو السبب في ظهور "دوغ" نجم تلفزيون الواقع الرخيص مع عدد من العروض التي تحمل اسمه. وبدت المسألة على طريقة أعطني انتباهاً! فرصة رائعة للحصول على بعض من ذلك. فالقصة تشبه قضية اختفاء مادلين ماكان (طفلة توارت عن الأنظار عام 2007 من سريرها في إحدى شقق العطلات في منتجع في البرتغال) التي كانت التطورات الحقيقية فيها نادرة نسبياً، وحفلت بكثير من التأويلات لتغذية السرد الدرامي الذي اعتمد تالياً على التكهنات وألوان الخلفية، للحفاظ على مقدار من الإثارة والتشويق. ويمكن اعتبار مسلسل "دوغ" جزءاً من هذا الإطار.

غير أن استخفافه بالوصول إلى مكان الحادث يثير فعلاً الاشمئزاز. فهناك شابة مقتولة. ألا تضيع هذه المسألة الأساسية وسط كل هذه الجلبة؟

في المقابل، يعد الجدل على متلازمة "اختفاء امرأة بيضاء" أحد الجوانب التي أثارتها القضية. فقد انهمكت وسائل إعلامية كثيرة تغطي وقائعها في نوبات من جلد الذات بسبب ذلك. ولدي أنا ما يكفي من الوعي كي أدرك أنني جزء منه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتمحور الحديث على النقطة الآتية: إن الضحية غابي بيتيتو تستحق العدالة، لكن لو كانت بشرتها سوداء أو بنية، فهل ستلاحظ وسائل الإعلام ذلك، وهل تتابع السلطات قضيتها بهذه القوة؟ هل يأتي "دوغ" إلى المدينة؟

الأجوبة على هذه الأسئلة كلها هي على الأرجح: "لا". فقد كان من المؤثر على نحو خاص، العثور على رفات بيتيتو في وايومينغ، وهي ولاية تضم عدداً كبيراً من السكان الأميركيين الأصليين.

وقد شكل ذلك إطاراً لمسلسل "ويند ريفر" Wind River، الدراما الإجرامية التي عرضت في عام 2017، والتي سعت إلى لفت الانتباه إلى عدم اكتراث المجتمع بحالات اختفاء نساء أميركيات من السكان الأصليين للبلاد. ويشير العنوان الذي يلي المشهد الأخير، إلى أنه تم الاحتفاظ بإحصاءات عن الأشخاص المفقودين لكل مجموعة سكانية في الولايات المتحدة، باستثناء هذه.

إنها لحقيقة مثيرة للإحباط أن يكون هناك تسلسل هرمي للضحايا في مختلف أنحاء العالم الغربي، حيث تكون الشابة بيتيتو نجمة وسائل التواصل الاجتماعي الشقراء، في قمة هذا التسلسل والآخرون في أسفله.

لكن من الواضح أن وجودها على قمة الهرم ينطوي على فوائد مشكوك فيها. فهل وصول أشخاص مثل "دوغ" يساعد أم يعيق مسار تحقيق العدالة التي يتفق الجميع على أن غابي بيتيتو تستحقها، بالطريقة نفسها التي يستحق جميع ضحايا هذا النوع من العنف، العدالة لهم.

لا شك في أن السيرك الإعلامي هذا يشجع السلطات على تحقيق هذه الغاية، لكن قد يشكل عائقاً في نهاية المطاف.

وأياً تكن النتيجة النهائية، فإن الأعمال الوثائقية والدرامية التي ستتناول الموضوع لاحقاً، من المرجح أن تمنع عائلة بيتيتو التي تعاني، من أن تطوي المسألة وتمضي قدماً. وسيتم بعد ذلك تحديد مسار حياة أفرادها من خلال هذا الحدث إلى الأبد. وسيظل يطاردهم علناً كما في السر، خصوصاً أن شهية وسائل الإعلام تغذيها شهية الجمهور. إنها دائرة تحولت إلى حلقة مفرغة تحديداً نتيجة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي. فقد أثبتت وسائل التواصل الاجتماعي مرة أخرى أنها قادرة على أن تذهب إلى أبعد مما يمكن لوسائل الإعلام التقليدية أن تصل إليه.

ويأتي أفضل مثال على ذلك، أو بالأحرى أسوأ مثال، على شكل مجموعات تكونت لدعم برايان لوندري المشتبه به، مؤلفة من أفراد ومن شبان في مجتمع الإنترنت معادين للنساء، ومن المدافعين عن ارتكاب الإساءات، ومن ناشطين في الدفاع عن "حقوق الذكور"، وهؤلاء جميعهم يقبعون في الزوايا الأكثر ظلمة لشبكة الإنترنت.

وتوجد في الواقع قضايا خطيرة ناشئة عن هذه القضية، بعضها يحمل أوجه تشابه مع قضية سارة إيفيرارد في المملكة المتحدة (مديرة تسويق كانت تبلغ من العمر 33 عاماً عندما اختطفت في جنوب لندن ووجدت جثتها في ما بعد). وتتضمن تلك القضايا بعضاً مما تطرقت إليه أعلاه، لا سيما مشكلة العنف ضد المرأة الذي يمارسه الذكور، وسلوك الشرطة حياله، ومسألة التسلسل الهرمي للضحايا، والطريقة التي يمكن أن تتحول عبرها هذه الحالات إلى عروض تلفزيونية غريبة عندما تتفجر قضية كهذه.

أخيراً إذا كان هناك من جانب مفيد يمكن الكلام عليه في هذه القضية المروعة، فربما أنها باتت عرضة للمناقشة. لكن مسألة ما إذا كان هذا النقاش سيفضي إلى تغيير ذي مغزى، تظل سؤالاً من الصعب الإجابة عليه. وتبقى الحقيقة المؤلمة لهذه الدراما، أنه مهما كانت نهايتها، فستكون هناك بلا شك نسخة مكررة عنها. وربما قد تكون حاصلة في الوقت الراهن. وربما تمر مرور الكرام من دون أن يتنبه لها أحد.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل