Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التحرك الغربي نحو لبنان: مراقبة الإنفاق ومعاكسة نفوذ إيران

"حزب الله" يرد ملوحاً بـ"إخراج أميركا" من أجهزة الدولة قاصداً الجيش

الرئيس اللبناني ميشال عون يلتقي وزير الخارجية الألماني نيلز آنين (دالاتي ونهرا)

يشهد لبنان زحمة تحركات خارجية بعد انطلاق عمل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، بعضها متصل بمواكبة عملها من أجل القيام بالإصلاحات العاجلة التي تخفف من وطأة وأضرار المأزق المالي والاقتصادي، وبحث سبل مساعدته، وبعضها الآخر يتعلق بالتنافس بين إيران الساعية إلى تثبيت نفوذها في السلطة السياسية عبر تحالف "حزب الله" مع رئيس الجمهورية ميشال عون و"التيار الوطني الحر" الذي يرأسه صهر عون، النائب جبران باسيل.

في الأيام الماضية، تركز اهتمام الأوساط السياسية اللبنانية على ترقب نتائج زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان إلى المملكة العربية السعودية، إذ تناول الموقف من مفاوضات فيينا بشأن الاتفاق النووي الإيراني، والوضع الإقليمي والأزمة اللبنانية، التي جاءت بعد اتصال أجراه الرئيس إيمانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وسط معلومات بأن الرياض لن تتجاوب مع سعي باريس من أجل تقديم مساعدات للبنان، في ظل استمرار هيمنة "حزب الله" على السلطة السياسية فيه. كما أن الأزمة اللبنانية كانت على طاولة محادثات أجراها مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، مع عدد من المسؤولين الخليجيين ومنهم وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد العزيز.

تقوم حجة باريس في تشجيع الرياض على الاهتمام بالوضع اللبناني أكثر، على ضرورة عدم ترك الساحة فيه للنفوذ الإيراني.

المواقف الدولية ضد تهديد "حزب الله" القاضي بيطار

وواكبت باريس تحرك لودريان بانتقال منسق المساعدات الدولية للبنان السفير بيار دوكين إلى بيروت، للاطلاع على الخطوات الحكومية تمهيداً للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وحث الحكومة على الإصلاحات لا سيما في قطاع الكهرباء، فيما سبق ذلك مروحة مواقف دولية في الأسبوع الأخير من سبتمبر (أيلول) الماضي تدين محاولات تعليق التحقيق القضائي في جريمة انفجار مرفأ بيروت، بعد حملة "حزب الله" وبعض الفرقاء السياسيين على المحقق العدلي في الملف، القاضي طارق بيطار. والمواقف الدولية جاءت رد فعل على انكشاف تلقي بيطار تهديداً من مسؤول التنسيق والارتباط في "حزب الله" وفيق صفا، بأنه سيتم "قبعه" من مركزه. كما شملت هذه المواقف بيانات متشددة من مجلس الأمن تدعو إلى استكمال التحقيق "المحايد والمستقل" في الجريمة، ومن الأمانة العامة للأمم المتحدة والخارجية الفرنسية، ومعظم السفراء الغربيين في بيروت. وترافقت هذه المواقف مع تصعيد في الاتهامات من قوى محلية معارضة للتحالف الحاكم لـ"حزب الله" بأنه يسعى إلى إخفاء تورطه في إخراج كمية من مادة نترات الأمونيوم التي سببت انفجار المرفأ، الذي دمر ثلث أحياء المدينة وخلف 209 قتلى وثلاثة آلاف جريح.

وفيما حط في بيروت في 5 أكتوبر (تشرين الأول) وزير الدولة في الخارجية الألمانية نيلز آنين، يزور بيروت في الساعات المقبلة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في سياق جولة تشمل العاصمة السورية دمشق، قبل أسابيع من معاودة جولات فيينا بين الدول الكبرى وإيران حول الملف النووي، التي كانت طهران أوقفتها في يونيو (حزيران) الماضي. ويرى مراقبون أن طهران تحرص من خلال جولة اللهيان على تأكيد امتلاكها أوراق القوة على الصعيد الإقليمي، تمهيداً لاستئناف التفاوض الذي تصر واشنطن وباريس على أن يشمل الوضع الإقليمي، في وقت تؤكد العاصمتان الغربيتان تعاونهما مع السعودية في مواجهة التدخلات الإيرانية في عدد من الدول ولا سيما في حرب اليمن عبر الحوثيين.

"تحالف الفساد مع الهيمنة الإيرانية" على السلطة

لم تسعف التطورات في بيروت السعي الفرنسي لتعديل وجهة نظر الرياض بشأن عدم اهتمامها بالوضع اللبناني بفعل هيمنة "حزب الله" على السلطة فيه.

ففي المشهد السياسي الداخلي، تنسب جذور المأزق المالي الاقتصادي الذي يغرق فيه، تارة إلى الطبقة السياسية الفاسدة التي أفلست البلد نتيجة تنافس قادتها على الإفادة من منافع الدولة وماليتها، وأخرى إلى سيطرة "حزب الله" على القرار السياسي عن طريق نجاحه في إيصال عون إلى الرئاسة منذ عام 2016 وخضوع القوى السياسية كافة إلى ضغوطه في هذا الشأن، ما أدى إلى بروز معادلة بنظر فئة واسعة من اللبنانيين تعتبر أن جذور الأزمة تعود إلى التحالف بين رموز الفساد والهيمنة الإيرانية على السلطة بحيث يخدم كل منهما الآخر. ولم تكن الدول الغربية المعنية بالشأن اللبناني بعيدة عن هذه القناعة، سواء علناً مثل الولايات المتحدة الأميركية التي تصنف الحزب منظمة إرهابية، أو ضمناً مثل بعض الدول الأوروبية وفي طليعتها فرنسا، لاعتقادها بأنه لا بد من التعامل مع الحزب بصفته يمثل فئة واسعة من اللبنانيين ولأكثرية الطائفة الشيعية.

لكن الأشهر الماضية من التردي المعيشي في أوضاع اللبنانيين، شهدت تصاعداً في الحملات على الحزب، وعلى إخضاعه البلد لإيقاع الصراع بين طهران والدول الغربية، سواء في مجال التفاوض بشأن اتفاق جديد على برنامجها النووي أو على تدخلاتها الإقليمية وبرنامجها للصواريخ الباليستية. ازداد تجرؤ خصوم الحزب عليه باتهامه بأنه وراء تأخير تأليف الحكومة 13 شهراً، فيما اتسعت رقعة المجموعات المنتمية إلى الحراك الشعبي وانتفاضة 17 أكتوبر 2019 التي تدعو إلى "إنهاء الاحتلال الإيراني".

"حزب الله" رد بالمازوت الإيراني

رد "حزب الله" على الحملة ضده باتهام أميركا بمحاصرة لبنان ومنعها العديد من الدول من تقديم المساعدة المالية له في أزمته، واتخذ إجراءات أحادية لمساعدة بعض جمهوره على تجاوز الأوضاع المعيشية، فأنشأ تعاونيات لبيع المواد الغذائية بأسعار مخفضة، واستورد في الأسابيع الماضية المازوت الإيراني للتخفيف من أزمة المحروقات التي كادت تأخذ البلد إلى العتمة، نتيجة استنزاف احتياطي مصرف لبنان من العملة الصعبة لاستيراد البنزين، وما يكفي لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء والمولدات الخاصة. إلا أن هذه الخطوات بقيت محدودة باعتراف قادة الحزب نفسه، بأنه لا يحل مكان الدولة التي من واجبها معالجة الأزمة.

جاء تحركه نتيجة ضغوط واشنطن وباريس والاتحاد الأوروبي من أجل تسريع تشكيل الحكومة وتصنيف الإدارة الأميركية السابقة حلفاء للحزب تباعاً على لائحة العقوبات بتهم التعاون مع الحزب والفساد، هم الوزراء السابقون علي حسن خليل (حركة أمل)، ويوسف فنيانوس (تيار المردة برئاسة سليمان فرنجية)، والنائب باسيل صهر رئيس الجمهورية أواخر عام 2020. وهذه الدول خصوصاً أميركا ركزت على تقديم المساعدات للجيش اللبناني للحؤول دون تأثر أدائه الأمني بالانخفاض الهائل في قيمة الليرة اللبنانية، وبالتالي رواتب العسكريين التي فقدت قدرتها الشرائية بنسبة 85-90 في المئة، في وقت تراهن مع سائر العواصم الغربية على أن يقف الجيش في وجه مزيد من توسع نفوذ الحزب في المناطق غير الشيعية ليحكم السيطرة على البلد كلياً.

قلق الحزب من قرار ظني يتهمه

إلا أن حملة الحزب على القاضي بيطار وانكشاف أمر التهديد الذي نقله إليه قيادي أمني فيه، وضعته في خانة المتهم في جريمة هناك إجماع داخلي ودولي على ضرورة كشف مسببيها وظروفها، نظراً إلى المآسي الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية التي سببتها. ولم تنفع سطوة الحزب الذي اعتاد أن يحقق من خلالها ما يريد، بسبب فائض قوته العسكرية وقدرته على ترهيب فرقاء كثيرين، لتحييده عن الحملات على دوره بالانصياع إلى التوجه الذي يسلكه. وهو كان رفض، منذ أغسطس (آب) 2020، كذلك حلفاؤه والرئيس عون، مطالبة قوى عديدة بالتحقيق الدولي في الجريمة، أو بلجنة تقصي حقائق دولية. وكشفت مصادر سياسية مطلعة على خلفية حملته ضد بيطار، عن أنه تصرف هذه المرة بانفعال خلافاً للعادة، لأن معلومات بلغته بأن المحقق العدلي باستدعائه عدداً من الوزراء السابقين والنواب الحاليين ورئيس الحكومة السابق حسان دياب إلى التحقيق، يخفي توجهاً بتضمين قراره الظني الذي يمكن أن يصدر بعد مدة، اتهاماً للحزب بالتورط في مسألة تخزين نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، وبتسهيل نقلها إلى سوريا لاستخدامها في حرب النظام على مناطق المعارضة، لأن الهدف مساءلة هؤلاء بشأن دور ما للحزب في القضية.

حماية دولية للقاضي بيطار

رفدت هذه المعلومات معطيات لدى الحزب بأن الدول الغربية سعت بصدور المواقف المستنكرة لتعليق التحقيق العدلي بسبب دعاوى من بعض الوزراء السابقين ضد القاضي بيطار، الذين رفضوا المثول أمامه، بحجة "الارتياب المشروع" في حياديته وطلب كف يده، إلى تأمين مظلة دولية له. وأخذ بعض وسائل الإعلام القريبة من الحزب يتحدث عن تأثير أميركي على القضاء، فيما ذكر بعض المعلومات أن بعض السفارات اتصلت بجهات قضائية داعية إلى عدم الرضوخ لضغوط الحزب من أجل "قبع" بيطار كما هدد القيادي فيه وفيق صفا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقبل أن تبت محكمة الاستئناف في دعوى ضد بيطار وترفض طلب كف يده، أدانت قناة "المنار" التلفزيونية الناطقة باسم "حزب الله" البيان الذي صدر عن لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي الذي دعا إلى "الحفاظ على سلامة القضاة، الذين يتولون التحقيق في الانفجار المروع". وأشار بيان المشرعين الأميركيين إلى "قلقهم من دور حزب الله في الدفع بقرار تعليق هذا التحقيق الحساس". وشدد البيان الأميركي على نزاهة المحقق العدلي الناظر في ملف التفجير، القاضي بيطار، معتبراً أنه "قاض محترم". وفي الوقت نفسه، ذكرت مصادر دبلوماسية متابعة لتفاصيل ما يحصل على هذا الصعيد أن عواصم غربية حرصت على إيصال رسائل إلى أجهزة أمنية عدة بوجوب ضمان حماية بيطار من أي مكروه قد يتعرض له. وأثار ذلك حفيظة الحزب فرأت "المنار" أن الكونغرس الأميركي أكد كل ارتياب (بالمحقق) مؤكد، متدخلاً في التحقيق ومطلقاً الأحكام، وموزعاً النياشين وشهادات حسن السلوك، كما فعلت لجنة الشؤون الخارجية. وسألت "من أين تعرفه هذه اللجنة وأعضاؤها حتى يعجبوا بكل هذه النزاهة؟ ولمَ هذه الإشادة بهذا التوقيت؟ أليس هذا ضغطاً على قضاة محكمة الاستئناف ومحاولة التأثير السافر على عملهم؟".

معاكسة التحرك الغربي بتخوين المعارضين

فضلاً عن أن كثافة التحرك الدولي في اتجاه لبنان وتناول أزمته في عدد من اللقاءات على الصعيد الإقليمي، تهدف إلى نوع من الرقابة والمتابعة لعمل الحكومة في شأن إنفاق مبلغ المليار و135 مليون دولار التي حصل عليها من حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي لضمان عدم هدرها، بدا أن التسوية الفرنسية الإيرانية التي أدت إلى إخراج البلد من الفراغ الحكومي لم تشمل مرحلة ما بعدها، وأن "الإدارة الدولية" لأزمته تسعى إلى معاكسة جهود الحزب لتكريس هيمنته على مقدرات الدولة بدليل استمرار الولايات المتحدة في فرض العقوبات على الحزب وشخصيات تتعاون معه في تأمين التمويل له وغسل الأموال. كما أن الدول الغربية لم تخف مراهنتها، كل على طريقتها، على تغيير ميزان القوى الراجح لمصلحته في رئاسة الجمهورية وفي البرلمان، عبر الانتخابات النيابية المقبلة في ربيع 2022. وهو ما دفع رئيس كتلة نواب الحزب إلى القول "يتوهمون أن بإمكانهم تغيير المسار السياسي في البلد" عبر هذه الانتخابات. وتلاحقت مواقف الحزب في هذا الاتجاه منذرة بمواجهات مع التحرك الخارجي في البلد. وأعلن نائب رئيس المجلس التنفيذي فيه الشيخ علي دعموش في الأول من أكتوبر أن "الهدف الجديد القديم ‏لأعداء لبنان وأدواتهم في الداخل زعزعة ثقة الناس ‏بالمقاومة، والدخول من بوابة الانتخابات النيابية ‏لإضعاف حزب الله، وتغيير المعادلة الداخلية، والسيطرة على المجلس النيابي ‏المقبل، من أجل أخذ ‏لبنان إلى التطبيع مع العدو كما فعلوا مع بعض دول الخليج، والإذعان للشروط ‏الإسرائيلية في ترسيم الحدود البحرية".‏

بهذه المواقف يرفع الحزب السقف ضد خصومه السياسيين، طارحاً معادلة "من يقف ضدنا يكون مع إسرائيل"، مستبقاً تصاعد الحملات عليه بتخوين من يقف ضده. ورأى معارضون له أنه بذلك ينحو منحى خطيراً بتأليب جمهوره ضد سائر القوى السياسية، ويعمل على تخويف حتى من يهادنونه في انتظار تغيير ما في ميزان القوى.

تهديد الأميركيين بإخراجهم... والقوات المسلحة

لكن تحضير الحزب لمواجهة المعاكسات الغربية لنفوذه ذهب بعيداً، في موقف أعلنه رئيس المجلس التنفيذي فيه هاشم صفي الدين، لوَّح فيه بخوض معركة ضد الوجود الأميركي في لبنان، إذ قال "لا مجال لتحصين لبنان إلا أن نكون أقوياء في المعادلة الإقليمية، وأي كلام آخر، لا قيمة له على الإطلاق، وهو يندرج في خانة الاستسلام والتنازل لمصلحة إسرائيل".

وأضاف "الأميركان يؤثرون في لبنان أمنياً وسياسياً ومالياً واقتصادياً، وهم أقوياء في الدولة اللبنانية، ولديهم كثير داخلها، ولكن نحن حتى الآن لم نخض معركة إخراج الولايات المتحدة الأميركية من أجهزة الدولة، وإذا جاء اليوم المناسب وخضنا هذه المعركة، سيشاهد اللبنانيون شيئاً آخر".

ويسعى الحزب بهذا التصعيد إلى الحد من تحركات الجانب الأميركي لمزاحمة النفوذ الإيراني قبيل استئناف مفاوضات فيينا ولدفع بعض القوى السياسية الفاعلة إلى التراجع عن حملاتها عليه، خصوصاً إذا ما صحت التكهنات عن أن التحقيق القضائي في انفجار مرفأ بيروت يشير إلى تورطه في استقدام نترات الأمونيوم، أو في إخراج جزء منها إلى سوريا... لكن التهديد الذي أطلقه صفي الدين يستهدف في الوقت نفسه الجيش اللبناني والقوات الأمنية التي تدعمها واشنطن بالسلاح والتدريب والذخيرة، وسط حديث عن قرب دعمها مالياً تعويضاً عن انخفاض قيمة رواتب العسكريين.

المزيد من تحلیل