Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بيان الخارجية الإيرانية يحرج ميقاتي ويكرس سلطة "حزب الله"

ذكرت واشنطن أن استيراد المحروقات من دولة خاضعة للعقوبات لا يصب في مصلحة لبنان

ميقاتي متحدثاً إلى مجلس النواب في قصر الأونيسكو ببيروت خلال جلسة منح الثقة، الإثنين 20 سبتمبر الحالي (أ ب) 

لم يكن مضى على تأكيد رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، بأن "المازوت الإيراني دخل لبنان بمعزل عن الحكومة اللبنانية" سوى يومين، حتى دحضت الخارجية الإيرانية كلامه، وذكرت في بيان أن "شحنة الوقود المرسلة للبنان كانت بطلب من السلطات اللبنانية"، ليعود الناطق باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، ويصرح قائلاً إن "إرسال الوقود الإيراني إلى لبنان جاء وفق عملية شراء عادية وطبيعية تماماً من تجار لبنانيين".

وفيما أكدت مصادر ميقاتي كلامه السابق، مكررةً أن الحكومة اللبنانية لم تطلب أي شحنة وقود من إيران، وبينما تؤكد مصادر مطلعة أن الإجراءات المتبعة في شراء الوقود تفرض أخذ الموافقة قبل مغادرة الشحنة طهران، وبما أن وزارة الخارجية الإيرانية أشارت إلى السلطات اللبنانية بصفتها صاحبة الطلب، فهذا يعني أن حكومة تصريف الأعمال هي التي طلبت المازوت الإيراني، لكن مصادر رئيس الحكومة السابق، حسان دياب، تؤكد بدورها أنها لم تعمد إلى طلب كهذا. حتى وزير الطاقة السابق، ريمون غجر، الذي كان جزم بأن أحداً لم يطلب منه الإذن في إدخال المازوت الإيراني إلى لبنان، بقي على موقفه هذا، موضحاً في اتصال مع "اندبندنت عربية" أنه لم يصل إلى المديرية العامة للنفط خلال توليه الوزارة أي طلب رسمي من إيران أو من أي جهة أخرى لإدخال المازوت والبنزين لا براً ولا بحراً أو تخزينه أو تفريغه، مشدداً على أن "صلاحية الوزارة تنحصر بهذا الأمر فقط، فيما يعود إلى السلطات اللبنانية البت بقرارات ذات أبعاد سياسية مثل استيراد المحروقات الإيرانية وغيرها، كما حصل مع النفط العراقي الذي كان قراراً على مستوى الحكومة مجتمعةً، أما المفاوضات والاتفاقية فتولاها وزير الطاقة بطلب من مجلس الوزراء".

تأكيد ميقاتي عدم طلب حكومته أي شحنة وقود من إيران وجزم وزير الطاقة السابق وحكومة تصريف الأعمال بالأمر ذاته يطرح أكثر من تساؤل عن هوية السلطات اللبنانية التي قصدها البيان الصادر عن وزارة الخارجية الإيرانية، وسط تفسير وحيد وهو أن السلطات اللبنانية في نظر إيران باتت محصورة بـ"حزب الله" الذي كان الجهة التي طلبت الوقود الإيراني بشكل علني، وعلى لسان الأمين العام للحزب حسن نصر الله في كل إطلالاته الأخيرة.

مصادر ميقاتي توضح

وأكد بيان وزارة الخارجية الإيرانية أن "شحنة الوقود المرسلة إلى لبنان كانت بطلب من السلطات اللبنانية"، مبدياً استعداد طهران لتلبية طلب لبنان إذا أراد شراء النفط والوقود الإيراني مرة أخرى. من جهتها، التزمت السلطات اللبنانية الصمت، كما أن نفي حكومة ميقاتي طلب أي شحنة وقود من إيران، أتى خجولاً باستخدامه صيغة "مصادر رئاسة الحكومة" وليس في إطار بيان مباشر صادر عن رئاسة الوزراء، علماً أن الحكومة الجديدة تجنبت أيضاً تناول هذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد في جلستها الأخيرة في قصر بعبدا، التي تزامنت مع دخول الصهاريج المحمّلة بالمازوت الإيراني عبر سوريا إلى البقاع (شرق لبنان).

وأوضح أحد المقربين من ميقاتي، الوزير السابق نقولا نحاس، أن "بيان وزارة الخارجية الإيرانية يهدف إلى القول إن لبنان بات في المقلب الآخر، في المحور الإيراني، وأن الدولة اللبنانية تفتقد القدرة على صون سيادتها". وعلى الرغم من ذلك يوضح نحاس أن "حكومة ميقاتي لن تفتعل معركة سياسية ولن تقدم على استدعاء السفير الإيراني لاستيضاحه عن موقف وزارة خارجيته، فليس الوقت الآن مناسباً لطرح مواضيع تشكل خلافاً داخلياً، فيما البلد على شفير الهاوية وفي القعر". أولوية ميقاتي حسب نحاس، "هي معالجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي وتخفيف معاناة الناس، أما المواضيع السياسية الخلافية فتحتاج إلى توافق وطني، تاركاً مهمة الملفات السيادية الشائكة للقيادات السياسية"، معتبراً أن "لبنان بصيغته السابقة لا يمكنه أن يستمر والمطلوب إعادة النظر بالنظام الحالي"، وقد يكون المعبر الأساس حسب نحاس، هو "طرح البطريرك الماروني بشارة الراعي في اعتماد الحياد وعقد مؤتمر دولي من أجل لبنان".

المازوت الإيراني دخل بلا حسيب أو رقيب

تخطى عدد الصهاريج المحملة بالمازوت الإيراني التي دخلت لبنان حتى الآن، الـ65 صهريجاً، كلها عبر معبر حربتا في منطقة بعلبك وعلى مرأى من القوى الأمنية التي وفق ما تكشف مصادر سياسية لم تُبلَّغ بدخولها. والمعلوم أن حاجز حربتا غير مجهز بنقطة للجمارك، وبالتالي دخلت الصهاريج بلا حسيب ولا رقيب، وسط تساؤلات عن نوعية المازوت الإيراني ومدى تطابقه مع المواصفات المعتمدة في لبنان. وتكشف مصادر متابعة للملف عن أن مسؤول "حزب الله" في البقاع تولى الاتصال بالبلديات وبعض المؤسسات الطبية والمستوصفات كما اتصل بأصحاب المولدات، عارضاً عليهم المازوت، إما كهدية كما أبلغ المستوصف التابع لجمعية فرسان مالطا في منطقة دير الأحمر البقاعية، أو شراء تنكة المازوت لقاء 50 ألف ليرة، أي بأقل من نحو النصف عن السعر المعتمد من قبل الشركات المستوردة. واللافت أن بعض مَن اتصل بهم مسؤول الحزب رفض أخذ المازوت الإيراني.

لم يخضع للضريبة

من جهة أخرى، أكد الباحث الاقتصادي سامي نادر، أن "دخول النفط الإيراني إلى لبنان جرى بغض نظر أميركي على الرغم من تأكيد وفد الكونغرس قبل أسبوع خلال زيارته بيروت أن العقوبات على إيران قائمة والقوانين ستُطبق". بحسب نادر، فإن "إدخال المازوت الإيراني إلى لبنان يعني عملياً كسر الحصار المفروض على إيران، لأن لا حصار على لبنان في ظل وجود البواخر قبالة الشواطئ اللبنانية تنتظر الاعتمادات لإفراغ حمولتها". وتوقف الخبير الاقتصادي عند توقيت رفع الدعم عن المازوت الذي تزامن مع دخول المازوت الإيراني، معتبراً أن "ذلك ليس صدفة بل يصب في مصلحة حزب الله، الذي يتولى عملية البيع في الأسواق اللبنانية. لم يدفع حزب الله رسوماً جمركية عند إدخال المازوت الذي لم يخضع للضريبة، وإذا كانت الوسيلة السيادية الأولى في كل دولة هي فرض الضرائب، فإن المازوت الإيراني بالتالي استباح السيادة اللبنانية بشكل فاضح".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ماذا سيفعل الحزب بالأموال؟

كذلك سأل نادر عن "طريقة بيع المازوت الإيراني وبأي عملة، لا سيما أن نصر الله كان أكد أنه سيبيع المحروقات الإيرانية بالليرة اللبنانية، لكن كيف سيسدد ثمنها لإيران؟ هل سيشتري الدولار من السوق أم أن الأموال التي سيتقاضاها لقاء المازوت الإيراني ستكون تعويضاً عن الموازنة المخصصة له من إيران، وبالتالي ستساعده أموال المازوت الإيراني على دفع رواتب عناصره وإبقاء مؤسساته على قيد الحياة". وأكد الخبير الاقتصادي أن "دخول النفط الإيراني إلى الأسواق اللبنانية يعني أيضاً أن كل سوق الطاقة في لبنان قد تغيرت معالمها، كما يعني أن حزب الله استفاد من فائض القوة العسكرية والسياسية لفرض فائض قوة جديد على المستوى الاقتصادي".

وإذ شدد نادر على أن دخول النفط الإيراني كان مقابل دخول الغاز المصري الذي يوفر كثيراً على خزينة الدولة، لا سيما أن كلفة إنتاج الكهرباء بواسطة الغاز أقل بـ60 في المئة من إنتاجها على المازوت، يسأل "هل غض النظر الأميركي عن دخول النفط الإيراني إلى لبنان كان مقابل غض نظر عن بدء إسرائيل عملية التنقيب عن النفط بعد فوز شركة هاليبورتون HALLIBURTON بعقد حفر آبار نفط في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان؟".

الخارجية الأميركية تحذر

عندما أكد رئيس الوزراء، نجيب ميقاتي، أن حكومته التي رفعت شعار "معاً للإنقاذ"، لم تطلب المحروقات من إيران وعبّر عن حزنه لخرق السيادة اللبنانية، أكد أيضاً أنه تلقى وعوداً بأن العقوبات الأميركية لن تشمل الحكومة اللبنانية. لكن الموقف الأميركي بدد هذه الآمال. ففي أول تعليق رسمي للخارجية الأميركية، نبهت المتحدثة الإقليمية باسمها، جيرالدين غريفيث إلى أن "استيراد النفط من إيران والنشاطات المشابهة تعرض لبنان للخطر". وذكرت غريفيث بأن "الإدارة الأميركية فرضت عقوبات جديدة على حزب الله لمنعه من استغلال الموارد اللبنانية وتأمين تمويله، وهي ملتزمة بتضييق الخناق على الحزب". وأضافت أن "استيراد المحروقات من دولة خاضعة للعقوبات لا يصب في مصلحة لبنان".

وفي السياق برز موقف البطريرك الماروني، بشارة بطرس الراعي، الذي حدد عناوين سيادية تتربع على رأس أولويات الحكومة ويتقدمها "التصدي للعمليات المتواصلة لضرب هيبة الشرعية وكرامة الدولة ككل والمس بنظامها الديمقراطي". وشدد الراعي في هذا المجال على "حياد لبنان وتصحيح الممارسات المنافية للدستور"، وانتقد الطريقة التي تم بها إدخال صهاريج المحروقات.

المزيد من العالم العربي