Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السبيل إلى إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني

يتعين على الطرفين مراجعة الخطوط الحمراء أو المخاطرة بالحرب

المرشح الرئاسي الإيراني إبراهيم رئيسي قبل انتخابه رئيساً في العاصمة الإيرانية طهران في يونيو 2021، (رويترز)

يثير المسؤولون الغربيون مخاوف من أن الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، سوف ينسف في نهاية المطاف المحادثات بين بلاده والقوى العالمية الكبرى، الهادفة إلى استئناف العمل في الاتفاق النووي لعام 2015 الذي كان في حالة فوضى منذ أن سحبت إدارة ترمب الولايات المتحدة من الاتفاقية في عام 2018. وهم قلقون من أن رئيسي يؤخر استئناف المفاوضات، وأن إدارته ستطرح مطالب غير عملية عندما تُستأنف المحادثات أخيراً. لكن العقبة الحقيقية التي تواجه المفاوضات ليست الآراء المتشددة لحكومة رئيسي، بل فشل واشنطن وطهران في حل الخلافات الأساسية التي حالت دون إبرام صفقة في الجولة الأخيرة من المحادثات في فيينا في يونيو (حزيران)، حتى في ظل الحكومة الأكثر اعتدالاً على عهد الرئيس حسن روحاني.

في الواقع، يبدو أن الحكومة الإيرانية الجديدة مصممة على مواصلة المحادثات، ومن المرجح أن تبدأ من حيث توقفت سابقتها. واستطراداً، لا تزال طهران تتمسك بالتقدم المحرز بين أبريل (نيسان) ويونيو خلال ست جولات من المحادثات الهادفة إلى إحياء الاتفاق، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA). ولكن إذا فشلت الولايات المتحدة وإيران في تكييف مواقفهما لسد الفجوة التي تفصل بينهما، فسوف تظلان في طريق مسدود. وقد ينجم عن ذلك نتائج كارثية لكلا البلدين والشرق الأوسط بأكمله. أما إذا كانتا تسعيان إلى نتيجة مختلفة، فهما تحتاجان إلى اعتماد نهج مختلف.

خلاف شديد

في قلب المواجهة توجد تصورات خاطئة من كلا الجانبين. تعامل إدارة بايدن إيران كما تتعامل مع أي شريك مفاوض عدائي، في حين أن إيران، التي أحرقها انسحاب الرئيس دونالد ترمب من الاتفاق ونزفت من العقوبات القاسية التي فُرضت عليها، تعتبر نفسها الطرف المتضرر. من جانبها، تعتقد القيادة الإيرانية أن الوقت في صالحها، إذ بحسب تقييمها، فرضت واشنطن عقوبات إلى أبعد حد ممكن على إيران، ومع ذلك فقد نجا الاقتصاد الإيراني وهو يتوسع الآن. وبالنظر إلى النمو المتسارع لبرنامج إيران النووي، يعتقد المسؤولون في طهران أنهم في وضع جيد لتعزيز دالتهم وبسط مزيد من النفوذ وانتزاع مزيد من التنازلات من الغرب.

لكن الحقيقة هي أن انهيار خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA) سيمثل أسوأ ما في العالم بالنسبة إلى الدولتين، لأنهما إذا فشلتا في تغيير المسار عند استئناف المحادثات، فمن المحتم أن تصل المفاوضات إلى طريق مسدود. وفي غياب مسار لإعادة إرساء الاتفاق النووي، ستواجه إدارة بايدن ضغوطاً سياسية هائلة لمضاعفة سياسة ترمب المتمثلة في ممارسة "أقصى قدر من الضغط"، التي عارضتها إدارة بايدن ووصفتها بالفشل الذريع. علاوة على ذلك، ستضطر واشنطن إلى اتخاذ قرارات أكثر صعوبة مع وصول البرنامج النووي الإيراني إلى نقطة اللاعودة، وبعد أن أصبحت الدعوات الإسرائيلية المتكررة للعمل العسكري أعلى وأكثر ضوضاء.

مع الخلاف الشديد بين طهران وواشنطن، ستغرق المنطقة في صراع أكبر وعدم استقرار.

تدرك إيران وجود منفعة في توازن القوى الإقليمية في أعقاب انتصار "طالبان" في أفغانستان والنتيجة الفوضوية لأطول حرب شنتها الولايات المتحدة. كما يمكن لطهران أن تشجع حلفاءها ووكلاءها في العراق وسوريا على الضغط بقوة أكبر على القوات الأميركية للرحيل. وعلى الرغم من ذلك، فإن التوترات المتصاعدة قد تكون كلفتها كبيرة على إيران. إذ إن تقدمها النووي من شأنه أن يعيد البلاد إلى العزلة الناجمة عن النبذ الدولي: مع تجاوز إيران مزيداً من الخطوط الحمراء [المحظورات] في خطة العمل الشاملة المشتركة، سيعيد الأوروبيون التزام عقوبات الأمم المتحدة التي رفعها الاتفاق النووي وسيفرضون مجموعاتهم الخاصة من العقوبات المتعددة الأطراف. نتيجة لذلك، ستجد الدول الأخرى صعوبة في الحفاظ على التجارة مع إيران. كل هذا من شأنه أن يلحق مزيداً من الألم بالشعب الإيراني، الغارق أصلاً في أزمات لا تعد ولا تحصى، تتراوح من الركود الاقتصادي إلى التدهور البيئي وانتشار جائحة كورونا. كذلك، ستخاطر طهران بجعل نفسها هدفاً لعمليات سرية أكثر، تخرب منشآتها النووية وبنيتها التحتية الحيوية وتصفي علماءها النوويين.

فضلاً عن ذلك، ستكون التداعيات الإقليمية خطيرة. مع الخلاف الشديد بين طهران وواشنطن، ستغرق المنطقة في صراع أكبر وحالة من عدم الاستقرار، بدلاً من أن تشهد تقدماً في جهود التهدئة ووقف التصعيد بين إيران وبعض جيرانها العرب. عندئذ سترى واشنطن بروز ممر من الفوضى يمتد من أفغانستان إلى حدود إسرائيل. بالنسبة إلى إدارة بايدن، فإن فشل محادثات فيينا من شأنه أن يعرقل أجندة السياسة الخارجية الأوسع التي سعت إلى تحويل التركيز من الشرق الأوسط إلى القضايا العالمية، مثل مكافحة تغيير المناخ، وخصومات القوى العظمى، خصوصاً مع الصين. وقد يجد الرئيس جو بايدن نفسه في طريقه إلى تدخل مسلح آخر في الشرق الأوسط من النوع الذي وعد بأن يبذل قصارى جهده لتجنبه.

الشيطان يكمن في التفاصيل

التحدي الذي يواجه واشنطن وطهران هو كيفية استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة في أعقاب الانقسام الذي حرضت عليه إدارة ترمب. بعد ست جولات من المحادثات، وافقت الولايات المتحدة على رفع معظم عقوبات عهد ترمب على إيران، وليس جميعها. وفي هذا الإطار، تعتقد طهران أن بعض العقوبات التي ستبقى سارية تنتهك بشكل صارخ الاتفاق النووي الأصلي. على سبيل المثال، بعد أن رفض مجلس الأمن رفضاً قاطعاً قراراً أميركياً بتمديد حظر الأسلحة المنتهية صلاحيته الذي تفرضه الأمم المتحدة، فرضت إدارة ترمب حظراً أحادي الجانب على توفير أو شراء الأسلحة التقليدية من وإلى إيران. في الواقع، تنظر إيران إلى هذه السياسة على أنها محاولة لمنع دول أخرى من الانخراط في نشاط لم يعد يحظره القانون الدولي. لكن بالنظر إلى تورط إيران في الحروب في سوريا واليمن، وهجمات الشركاء والوكلاء الإيرانيين على المصالح الأميركية في العراق، والمشادات البحرية بين إيران وإسرائيل، تخشى إدارة بايدن أن يؤدي رفع الحظر إلى معارضة قوية في الولايات المتحدة وفي صفوف الشركاء الإقليميين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من الصعب أيضاً حل بعض الإجراءات التي يتوقع الغرب أن تتخذها إيران على الجبهة النووية. على سبيل المثال، تريد القوى الغربية من إيران أن تعيد "وقت التخصيب"، أي طول الفترة الزمنية التي ستستغرقها لتكديس ما يكفي من اليورانيوم العالي التخصيب لسلاح نووي واحد، إلى عام واحد، وذلك بحسب تصور خطة العمل الشاملة المشتركة. في المقابل، تشير التقديرات إلى أن إيران الآن على بعد شهر واحد فحسب من التخصيب. نظراً للتقدم الذي حققته في البحث والتطوير منذ عام 2019، لا سيما في ما يتعلق بأجهزة الطرد المركزي، فإن تفكيك الآلات ببساطة لا يكفي ربما لتأخير فترة التخصيب عاماً واحداً. المطلوب هو تعطيل البنية التحتية وخطوط التجميع التابعة لأجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وهي خطوة تعتبرها طهران مهينة وتتجاوز التزاماتها في خطة العمل الشاملة المشتركة.

إذا كانت الولايات المتحدة وإيران تعقدان الأمل على إنقاذ الاتفاق النووي، فسيتعين عليهما إظهار استعدادهما لاستكشاف أفكار جديدة.

كما أن الجانبين متباعدان بشأن تسلسل الخطوات التي سيحتاجان إلى اتخاذها للعودة إلى الامتثال الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة. بالنظر إلى أن الولايات المتحدة هي التي تركت خطة العمل الشاملة المشتركة، تتوقع طهران أن تتخذ واشنطن الخطوة الأولى بإلغاء عقوبات عهد ترمب، ومن ثم منح إيران وقتاً كافياً للتحقق من تخفيف العقوبات بشكل فعال. وقد طالب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بذلك صراحةً. في الحقيقة، ينبع هذا من غياب ثقة إيران بالوعود الأميركية، وفي هذا السياق يؤكد المسؤولون الإيرانيون أنهم بحاجة إلى رؤية [قطف ثمار] الفوائد الاقتصادية التي تهدف الصفقة إلى توفيرها، بدلاً من قبول وعود التجارة والاستثمار التي لا تثمر أبداً. ويبدو أن المفاوضين الأميركيين على استعداد لتنظيم رفع العقوبات إلى حد معين، لكنهم ليسوا مستعدين لرفعها كلها دفعة واحدة ثم الانتظار لأسابيع حتى تعود إيران إلى الامتثال بينما يستمر برنامجها النووي في النمو.

إضافة إلى ذلك، يسعى الجانبان إلى التزامات ليست ضمن الإطار الأصلي لخطة العمل الشاملة المشتركة. من جهة، تريد واشنطن تعهداً إيرانياً صريحاً بالانخراط في مفاوضات متابعة نحو صفقة "أقوى وأطول" قد تشمل قوة إيران الإقليمية. ومن جهة أخرى، تسعى طهران للحصول على تأكيدات بأن واشنطن لن تنسحب من خطة العمل الشاملة المشتركة مرة أخرى أو تقوضها باستمرار من خلال فرض عقوبات جديدة. من دون التأكد من استمرار تخفيف العقوبات على الأمد الطويل، سيستثمر عدد قليل من الشركات الأجنبية في إيران، وستكون مكاسبها الاقتصادية من إحياء الصفقة ضئيلة. والجدير بالذكر أن مطالب كل طرف مفهومة ومعقولة، ولكن من الصعب على الطرف الآخر الموافقة على قرارات سياسية صعبة لم تُتخذ بعد على أعلى المستويات.

إنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة

السيناريو الأسوأ بالنسبة إلى واشنطن وطهران ليس أمراً محتماً. في الواقع، يحتاج بايدن إلى الانخراط شخصياً في تناول الملف الإيراني وقبول الثمن السياسي لتعزيز المصالح الأميركية الأساسية من طريق ضبط البرنامج النووي الإيراني والعودة به إلى نطاق السيطرة. وتشير عقيدته الناشئة القائمة على تجنب المستنقعات العسكرية [المعضلات والغرق في وحول أزمة] من خلال الدبلوماسية، والشجاعة التي أظهرها في إنهاء الحرب في أفغانستان على الرغم من حملة الانتقادات الهجومية، إلى أنه على مستوى التحدي. في غضون ذلك، على نظيره الإيراني، الذي يُحكم أتباعه المتشددون الآن القبضة على جميع مقاليد السلطة في إيران، ألا يرفض المساومة والإصرار على بلوغ كل الأهداف كاملة، وكأن المساومة نقيض الخير من خلال السعي وراء مطالب راديكالية وفورية. وعلى طهران أيضاً أن تضع جانباً رفضها الرمزي للتفاوض مباشرة مع المحاورين الأميركيين، وهي سياسة لم تؤد سوى إلى إبطاء عملية المفاوضات وجعلها عرضة لسوء التفاهم.

بالتالي، في سبيل كسر الجمود، حري بالجانبين التراجع عن بعض الخطوط الحمراء. لا يوجد سبب يدعو إيران إلى رفض مزيد من المحادثات في المستقبل عندما لا يكون الالتزام ملزماً قانوناً ولا محدداً زمنياً، وعندما تكون المفاوضات قادرة على معالجة بعض مخاوف طهران في شأن أوجه القصور في تخفيف العقوبات. وعلى نفس المنوال، ليس من مصلحة الولايات المتحدة تبديد فرصة لتقييد قدرة إيران على تطوير أسلحة غير تقليدية، مقابل التمسك باتفاقية فرض حظر على الأسلحة التقليدية فشلت في كبح صناعة الأسلحة المحلية الإيرانية، ونقل الأسلحة إلى شركاء طهران الإقليميين.

كما يجب على الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين أيضاً أن يتفقوا على جدول زمني قصير في ما يتعلق بوقت التخصيب: إذا كانت فترة العام الواحد المتفق عليها أصلاً بعيدة المنال، فحري بهم أن يقبلوا بفترة تخصيب مدتها تسعة أو عشرة أشهر، التي ستكون أفضل من فترة تخصيب مدتها شهر واحد أو أقل في حال عدم وجود اتفاق. ينبغي على طهران أيضاً الرد بسرعة على الأسئلة العالقة التي طرحتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ما يتعلق بالآثار غير المبلغ عنها للمواد النووية التي عُثر عليها في المواقع النووية الإيرانية العائدة إلى الأنشطة النووية قبل عام 2003.

وخارج إطار المحادثات النووية، على إدارة بايدن تشجيع الحوار بين إيران وجيرانها العرب لمعالجة بعض القضايا غير المحسومة الخاصة بدور طهران في المنطقة. في هذا الإطار، استضافت الحكومة العراقية ثلاث جولات من المفاوضات بين المسؤولين الإيرانيين والسعوديين، إضافة إلى قمة حديثة ضمت دولاً إقليمية أوسع. يجب على واشنطن أن تحث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على استخدام نفوذه لإقامة مبادرة حوار إقليمي من شأنها أن تجمع بين إيران والعراق وجيرانهما الدول الخليجية الست (البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) من أجل مناقشة تدابير بناء الثقة التي يمكن أن تؤدي إلى إرساء بنية أمنية مستدامة لمنطقة الخليج.

لن يكون أي من التنازلات المطلوبة لإخراج المفاوضات من حالة الركود سهلاً. ولكن إذا كانت الولايات المتحدة وإيران تعقدان الأمل على إنقاذ الاتفاق النووي، فسيتعين عليهما إظهار استعدادهما لاستكشاف أفكار جديدة. يجب أن تهدف الدبلوماسية إلى اغتنام اللحظة، بناء على إدراك أن محادثات فيينا قد تكون فرصتهما الأخيرة لإنقاذ صفقة تُعد على الرغم من كل عيوبها، أفضل بكثير وأقل تكلفة من البدائل المطروحة.   

• علي فائز هو مدير مشروع إيران في "مجموعة الأزمات الدولية" وأستاذ مساعد في جامعة جورج تاون. تابعوه على تويتر @alivaez.

• والي ر. نصر أستاذ في دراسات الشرق الأوسط والشؤون الدولية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز. تابعوه على تويتر @vali_nasr.

المزيد من تحلیل