Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما هي جذور أزمة شرق السودان وأسباب تفاقمها؟

القضايا المطلبية والصراعات القبلية تعرقل معالجة قضايا هذه المنطقة الحيوية

جانب من زيارة وفد الحكومة الانتقالية إلى شرق السودان (إعلام مجلس السيادة السوداني)

اتخذت قضية شرق السودان بعداً جديداً، في أعقاب إغلاق محتجين خطَي تصدير واستيراد للنفط في البلاد يوم السبت 25 سبتمبر (أيلول) الحالي، وما رافق ذلك من حشد لدعم مسار سلام الشرق في منطقة شنبوب قرب مدينة كسلا، وهي تطورات أربكت حسابات الحكومة السودانية، وشدت أنفاس الشارع، لما ستحدثه من آثار وأزمات، بخاصة في إمدادات الوقود والسلع الحيوية الأخرى، فضلاً عما أفرزته من تداعيات سياسية وأمنية على البلاد. لكن ما هي جذور هذه الأزمة، وأسباب تطورها، وما المعالجات والحلول التي يجب أن تكون لإنهاء هذه المشكلة نظراً إلى أهمية هذه المنطقة الحيوية وأبعادها الخارجية من ناحية أمن منطقة البحر الأحمر؟

شبهات فساد

في هذا الشأن، أشار الأمين السياسي لـ "حزب المؤتمر السوداني" في إقليم البحر الأحمر، محمد عبد الرحيم، إلى أن "شرق البلاد له قضايا مطلبية وأخرى سياسية ترتبط بمسار الشرق للسلام، وهي قضايا لم تكن وليدة اليوم، بل بدأت منذ مرحلة ما بعد الاستقلال في عام 1956 بالمطالبة بالحكم الإقليمي، ثم قيام مؤتمر البجا الذي دعا للكفاح المسلح في عام 1964، وصولاً إلى تكوين جبهة الشرق في عهد النظام السابق. فالقضايا الملحة لهذا الإقليم تتعلق بالتنمية والنسب العادلة، في ما يتمتع به من موارد مثل الموانئ، حيث أن موانئ السودان الرئيسة تقع في هذا الإقليم، فضلاً عن التعدين، بخاصة الذهب، وهي ثروة هائلة، فهناك نحو 100 شركة تعمل في هذا النشاط، بالتالي فإن غياب التنمية وضعفها هي من أولويات القضايا المطلبية في إقليم الشرق".
ورأى عبد الرحيم أن "مساحة التعبير التي أوجدتها ثورة ديسمبر (كانون الأول) تُعد سبباً في ما شهده شرق السودان من حراك مطلبي وسياسي خلال الفترة الماضية، لكن يأتي التوقيع على اتفاقية جوبا مطلع أكتوبر (تشرين الأول) 2020، التي تضمنت مسار الشرق، على رأس هذا الحراك نظراً لعلاقته بمسألة الأوضاع الاجتماعية في الإقليم، فهناك تحفظ ورفض لأغلب الشخصيات التي وقعت على مسار الشرق للسلام، أكثر من الاعتراض على المحتوى، وذلك بسبب علاقتها بنظام البشير، ووجود شبهات فساد، إضافة إلى أنها لا تمثل مكونات لها ثقل ووزن قبلي".


طريق ثالث

ولفت عبد الرحيم إلى أن "الطرفين اللذين يقودان الحراك الجماهيري في الشرق لهما قدرة على الحشد، وهو ما ظهر عند إغلاق خطي تصدير واستيراد النفط في بورتسودان، وما تم من حشد جماهيري لدعم مسار سلام الشرق في منطقة شنبوب قرب مدينة كسلا، لكن يظل المجلس الأعلى لنظارات البجا هو القوة الأكبر، حيث له قدرة على السيطرة على المواقع الاستراتيجية ذات التأثير الاقتصادي والاجتماعي في شرق البلاد، نظراً إلى امتلاكه أراض ذات بُعد استراتيجي واقتصادي، بخاصة مناطق خطوط البترول والميناء".
وأشار إلى أنه "نظراً للموقع الجغرافي والاستراتيجي لمنطقة شرق السودان باعتبارها تقع على البحر الأحمر، ومجاورتها لدول عدة، فضلاً عن الصراع القائم حول الموانئ وموارد البحر الأحمر، لا يُستبعد أن يكون هناك تداخلات وتأثيرات خارجية على ما يجري من أحداث في هذا الإقليم، لأن بعض دول الجوار يرتبط استقرارها السياسي بهذا المشهد ومكوناته الاجتماعية".
ونوه الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني في إقليم البحر الأحمر، بأن "الطرفين المتصارعين حول مسار الشرق محقان في مطالبهما، وعلى الرغم من صعوبة المعالجة، إلا أنه يجب إيجاد طريق ثالث وخطة بديلة ووثيقة جديدة تستوعب كل الأطراف دون استثناء أحد، وهذا يتطلب تحركاً من الحكومة والمجموعات السياسية والاجتماعية الفاعلة لإحداث توافق حول القضايا محل الخلاف، وأن تكون هناك تطمينات تزيل المخاوف والاحتقان، فقضية الشرق ليست احتجاجية كما تتعامل معها الدولة، بخاصة المكوّن العسكري، بل هي قضية مطلبية، بالتالي لا بد أن تكون معالجتها من خلال مسارين هما التمثيل السياسي العادل في السلطة بشكل حقيقي، ومسار التنمية عبر إيجاد بنية تحتية وصحية وتعليمية وخدمية في كل مناطق الإقليم".

إهمال وتهميش

في السياق، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا في الخرطوم محمد خليفة صديق، إن "قضية شرق السودان ليست قضية جديدة، فهي قديمة جداً وظهرت في عدد من أنظمة الحكم السابقة، ومن ضمنها نظام الرئيس السابق عمر البشير، ما دفع أهالي الشرق إلى حمل السلاح ضد الحكومة السابقة، وتكونت تنظيمات عسكرية تابعة لمؤتمر البجا والأسود الحرة التي تضم قبائل الرشايدة وآخرين، وهاجمت مواقع في همشكوريب وكسلا، وتورط النظام الأريتري في دعم متمردي الشرق ضد نظام البشير، وانتهى الأمر بتوقيع اتفاق سلام الشرق في أسمرا برعاية دول عدة أبرزها الكويت التي قدمت ملايين الدولارات لتنمية منطقة شرق البلاد، لأن قضية شرق السودان تنموية بامتياز، حيث ظل هذا الإقليم يعاني من إشكالات مختلفة في الجوانب التنموية، على الرغم من أنه يُعد من المناطق الغنية بالمعادن بخاصة الذهب في منطقة جبيت، فضلاً عن وجود ميناء بورتسودان الذي يمثل المورد الرئيس لخزينة الدولة، إضافة إلى وجود مواقع عدة غنية بالبترول، وما يُعرف بكنز البحر الأحمر وهي المعادن المشتركة بين السودان والسعودية".
وتابع صديق، "فعلى الرغم من أن منطقة شرق السودان تُصنف ضمن المناطق الغنية، لكنها لم تستفد من هذه الثروات، بل ظلت من أفقر مناطق البلاد، ففيها ينتشر مرض السل بسبب الجوع، إضافة إلى وجود أزمة مياه حادة يعاني منها سكان مدينة بورتسودان منذ زمن طويل، فضلاً عن أزمات الصحة والتعليم وانتشار الأمية بنسب عالية، بالتالي يتطلب الوضع معالجات مختلفة. وظهرت خلال السنوات الماضية مبادرات مختلفة لدعم التعليم مثل مبادرة دعم الطعام مقابل التعليم، لحث الرعاة في المناطق الريفية لإلحاق أبنائهم بالمدارس من خلال توفير وجبات غذائية للأسرة حتى تتشجع لفك ارتباط أبنائها بالرعي والزراعة ليتفرغوا للتعليم ويشعروا بأهميته، لكن لم تستمر هذه المبادرة لأسباب مختلفة، بخاصة الاقتصادية منها، لذلك فإن منطقة شرق السودان بهذا الإهمال والتهميش تعاني من مشكلات مختلفة، ما يجعلها بحاجة إلى إظهار هذا التظلم، بخاصة في ظل وضع ديمقراطي لم يقدم لها شيئاً خلال قرابة ثلاث سنوات".

استقطاب مضاد

وزاد، "في اعتقادي أن ممارسة أهالي الشرق الاحتجاج والضغوط ضد الحكومة الانتقالية، أمر طبيعي على الرغم من أنه قاس وأضر بالبلاد من ناحية تهديده للاقتصاد، وهي ممارسة أقل من الممارسات التي حدثت إبان النظام السابق، حيث استُخدم السلاح، وتم احتلال مناطق عدة في شرق البلاد على يد متمردين يتبعون تنظيمات الشرق، لذلك كان لا بد للحكومة الانتقالية الحالية من أن تتعامل مع هذا الحدث بسرعة وحسم والجلوس مع المحتجين للتفاوض معهم بالحوار، باعتبار أن هذه القضية معقدة تحتاج إلى قراءة اتفاقية سلام الشرق التي ما زالت سارية على الرغم مما أحدثته من آثار، بالتالي فإن الأمر يتطلب قراءة المشهد بصورة كلية، ومعالجة القضايا بطريقة شاملة، وعلى الحكومة الانتقالية أن تنتهج سياسة مغايرة لما تتبعه من مبدأ إطفاء الحرائق، إذ لا يقود إلى معالجات جذرية، فهناك استقطاب، واستقطاب مضاد من قبل جانبَي الصراع، وهذا أمر مضر بالإقليم وقضاياه، فلا بد من أن تكون النظرة إلى القضايا شمولية والمعالجة بأبعاد وطنية، من خلال جمع كل مكونات شرق السودان المتفَق عليها في صعيد واحد، وهذا أمر ليس صعباً، فقد سبق أن جمع السفير السعودي في الخرطوم ناظري البجا والبني عامر في منزله، لذلك يجب جمع كل نُظّار وعُمد شرق السودان في مكان واحد والخروج بخلاصات تصل إلى ورقة تأسيسية يمكن أن تعالج قضية الشرق في شكل جذري".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكد أستاذ العلوم السياسية على أن "حل مسألة الشرق يتطلب بالدرجة الأولى جدية من الحكومة السودانية، من خلال اتخاذ قرارات واضحة، والتعامل بشكل أفضل مع قضايا هذا الإقليم، فليست هناك قضية يعجز حلها، لكن المطلوب هو توافر الإرادة السياسية حتى لا تصبح هذه القضية محل مزايدات، فقد آن الأوان لحسم هذه المشكلة بطريقة حاسمة وعادلة حتى لا تحدث أثراً وشرخاً في مجتمع الشرق، بخاصة وأن هذا الإقليم يقع في قلب منطقة الأزمات التي تعاني منها منطقة القرن الأفريقي كالخلاف الحدودي بين السودان وإثيوبيا، وأزمة سد النهضة، والأزمة الإثيوبية الأريتيرية المتوقعة، وأزمة حلايب الجديرة بحلها في هذا التوقيت في ظل التقارب بين السودان ومصر".


مطالب مشروعة

من جانبه، أوضح الباحث السياسي خالد محمد نور، أن "لشرق السودان قضايا تنموية بالأساس، وهو ما يتفق حوله الجميع، خصوصاً أرياف البحر الأحمر وكسلا، حيث يوجد خلل تنموي خطير وواضح بخاصة في مجالات التعليم والرعاية الصحية الأولية، إضافة إلى ضرورة استفادة مواطني الشرق من الموارد التي يزخر بها الإقليم. وهي مطالب مشروعة وحقيقية، ويجب أن يلتف حولها الجماهير وتوليها الحكومة العناية اللازمة، ويتم إجبارها على ذلك إذا تقاعست، لكن للأسف ما نشهده الآن في الأجسام التي ظهرت على السطح بعد الثورة التي ترفع شعارات المطالبة بالحقوق، فإن أغلب قياداتها كانوا متنفذين في النظام السابق، ومدافعين عنه، ولم نشهد لهم أي مطالبة حقيقية وقتها، فضلاً عن أنها ذات طابع قبلي خطر على وحدة وسلامة النسيج الاجتماعي في شرق البلاد، بل وخطر على وحدة وسلامة السودان كله". وأضاف نور، "في الحقيقة أن الحشود والحشود المضادة التي جرت  الإقليم خلال الفترة الماضية، هم مجرد باحثين عن مناصب سياسية ومعبرين عن قوى وتحالفات إقليمية ومحلية. هي مجرد نخب محلية فاسدة تعمل بالوكالة عن نخب قومية وإقليمية أكثر فساداً". وأكد أن "مسار الشرق على مستوى بنوده لا بأس به، لكن الحركات الموقِّعة عليه لا تملك الكوادر، ولا الحضور المناسب لتمثيل شرق البلاد. كما أن أسوأ ما في الأمر هو أن المعارضين للمسار هاجموه من منصة قبلية وعلى أساس قبلي واضح، ما استفز المجموعات الاجتماعية الأخرى وتداعت للدفاع عن المسار بالأساس القبلي نفسه".
واعتبر الباحث السياسي "حكومة الخرطوم جزءاً من الأزمة في كل قضايا الشرق، حيث أنها تنتظر الأزمة حتى تتحول إلى احتقان واحتشاد، وفي بعض الحالات إلى مواجهات قبلية، ثم تبدأ في التدخل. كما أن عدم وجود منصة رسمية واحدة للتعاطي مع قضايا الشرق يمنح أطراف الصراع مؤشرات مختلفة ومتعارضة كنتيجة لاختلاف رؤى الجهات التي يقابلونها، إلى جانب أن مشاكسات شركاء السلطة انعكست على أزمة الشرق، وذلك بتغذية كل طرف في الحكومة أحد أطراف هذه الأزمة لاستخدامه كورقة تكتيكية في صراعاتهم البينية".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي