Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معادلة "القاعدة" مقابل "داعش" في أفغانستان

صراع المتطرفين على السلطة تحت حكم "طالبان"

مسلحون من "داعش" أثناء اعتقالهم في مدينة "جلال آباد" في خريف 2019 (رويترز)

أثار الاستيلاء السريع لحركة "طالبان" على أفغانستان مخاوف من أن تصبح البلاد مرة أخرى ملاذاً آمناً للمسلحين الإسلاميين العازمين على ارتكاب أعمال إرهابية دولية. وبالنظر إلى تاريخ "طالبان" في إيواء مثل تلك الجماعات المتطرفة، فثمة ما يبرر تلك المخاوف. في المقابل، تتنافس حركتان على النفوذ في البلاد، هما "القاعدة" و"الدولة الإسلامية" (المعروف أيضاً باسم داعش)، وتواجهان عقبات شديدة في سعيهما إلى استخدام أفغانستان منصة في تعزيز قوتيهما وشن موجة جديدة من الهجمات الإرهابية.

إذ تنقسم الجماعتان أنفسهما بشدة حول الدور الذي ستؤديه أفغانستان تحت حكم "طالبان" في المشهد الجهادي العالمي. بالنسبة إلى "القاعدة"، يُعتبر انتصار "طالبان" إنجازاً ملحمياً، بالأحرى تحقيقاً لوعد الله بنصر المؤمنين على الكفار. وبالنسبة إلى "داعش" لا يعتبر ذلك انتصاراً على الإطلاق، بل دليل إضافي على استعداد "طالبان" للتعاون مع الأميركيين.

خلافة مقبلة أم حليف أميركي؟

منذ صعود تنظيم "داعش" في 2013 وإعلانه تأسيس "دولة الخلافة" في السنة التالية ضمن الأراضي التي سيطر عليها في العراق وسوريا، سعت "القاعدة" إلى تقديم نفسها بوصفها التنظيم الأكثر اعتدالاً وواقعية بين المجموعتين. إذ إنها أكثر تحفظاً في تكفير المسلمين الآخرين، وأشد اهتماماً بمناشدة الرأي العام في العالم الإسلامي. وكذلك عملت "القاعدة" على تعميق علاقاتها الوثيقة بالفعل مع "طالبان". وتعود العلاقة بين المجموعتين إلى بداية حكم "طالبان" في 1996، حينما رحبت "طالبان" بزعيم "القاعدة" أسامة بن لادن للبقاء في أفغانستان تحت حمايتها. في 2001، قبل هجمات 11/9، أقسم بن لادن ​​علناً الولاء أو البيعة، لزعيم "طالبان" آنذاك الملا عمر، وحثَّ جميع أعضاء "القاعدة" في البلاد على فعل الشيء نفسه.

تحت قيادة خليفة بن لادن، أيمن الظواهري، أكدت "القاعدة" بشكل متزايد ولاءها لـ"طالبان". ففي دعاية "القاعدة"، تُقدّم "إمارة أفغانستان الإسلامية"، وهو الاسم الرسمي الذي أطلقته "طالبان" على تلك البلاد أثناء حكمها لها، بوصفها مقر الخلافة المنتظرة. وكذلك تقدّم زعيم "طالبان" تحت لقب "أمير المؤمنين"، وذلك لقب تسمّى به تقليدياً الخلفاء، بوصفه شخصية تشبه الخليفة. جاء ذلك التطور رداً على إعلان "داعش" تأسيس الخلافة في يونيو (حزيران) 2014، وقد تضمن مرسوماً يفيد بأن جميع الجماعات الجهادية الأخرى، بما في ذلك "القاعدة"، لم تعد شرعية. وجاء رد "القاعدة" على ذلك عبر إضفاء معنى جديد على علاقتها مع "طالبان"، ما يوحي بأن شبكة "القاعدة" مترابطة بخيط قوامه نوع من الخلافة، تحت رعاية "إمارة أفغانستان الإسلامية".

وبالتالي، تمثّلت إحدى الطرق التي اعتمدتها "القاعدة" كي تُنفّذ ذلك جزئياً، في إعادة التركيز على بيعاتها حاكم "طالبان". فمثلاً، في رسالة إخبارية أصدرتها عام 2014 أعلنت "القاعدة" عن "تجديد البيعة لأمير المؤمنين الملا محمد عمر (حفظه الله)"، مؤكدة "أن القاعدة وفروعها في كل مكان جنود في جيشه". في غضون ذلك، أعاد الظواهري علناً التعبير باسم شبكة "القاعدة" بأكملها عن البيعة للزعيمين التاليين من "طالبان"، الملا أختر محمد منصور في 2015، والملا هيبة الله أخوند زاده في 2016. وفي كل رسالة، وصف الظواهري "إمارة أفغانستان الإسلامية" بأنها "أول إمارة شرعية" منذ سقوط الخلافة العثمانية عام 1924.

بالنسبة إلى "القاعدة"، يعتبر انتصار "طالبان" في أفغانستان إنجازاً ملحمياً، لكن "داعش" لا يعتبره انتصاراً على الإطلاق

على نحو مماثل، صورت جماعات "القاعدة" زعيم "طالبان" باعتباره سلطتها العليا. فمثلاً، في مارس 2017، حينما أعلن المتمرد المالي إياد أغ غالي تشكيل فرع جديد يتبع "القاعدة" في غرب أفريقيا، أعلن ولاءه ليس للظواهري وحده، بل أيضاً لأخوند زاده.

واستطراداً، يتعارض كل ذلك مع نص اتفاق فبراير 2020 بين الولايات المتحدة و"طالبان"، الذي وعدت فيه "طالبان" بالتوقف عن دعم "القاعدة" والدخول في محادثات سلام مع الحكومة الأفغانية. وعلى الرغم من أن "طالبان" لم توافق على "قطع العلاقات" مع "القاعدة"، بحسب ما يروج أحياناً، فإنها تعهدت بعدم "إيواء" أو دعم "القاعدة" والجماعات المماثلة. وكذلك وعدت بعدم السماح باستخدام أفغانستان "في تهديد أمن الولايات المتحدة وحلفائها".

ومع ذلك، لا يبدو أن القيادة العليا في "القاعدة" قد شعرت بالإهانة من الاتفاق. ففي مارس (آذار) 2020، أصدرت الجماعة بياناً هنأت فيه "طالبان" على الانسحاب الأميركي الموعود. وأشاد بيان "القاعدة" بـ"اتفاق الدوحة" الذي وُقّع بوساطة قطرية، ووصفه بأنه "نصر تاريخي عظيم،" ودعا المسلمين في جميع أنحاء العالم إلى الاقتداء بـ"طالبان" في التزامها الجهاد. وكذلك صوّر البيان "إمارة أفغانستان الإسلامية" على أنها "نواة الدولة الإسلامية"، أي الخلافة، "التي ستحكم بشريعة الله الطاهرة".

في سياق متصل، فيما عزّزت "القاعدة" علاقتها مع "طالبان"، عمد تنظيم "داعش" إلى اتهام "طالبان" بالضلال. ففي نظر "داعش"، أضحى انحراف "طالبان" عن النقاء الديني صارخاً، خصوصاً بعد وفاة الملا عمر في 2013، حين أهملت "طالبان" تطبيق الشريعة الإسلامية وازداد ميلها القومي وتسامحها مع الأقلية الشيعية في أفغانستان، وسعت إلى علاقات مع الدول الكافرة، بما في ذلك دولة قطر "المرتدة". ويلوم تنظيم "داعش" حركة "طالبان" أيضاً على رفضها الاعتراف بدولة الخلافة التي أعلنت عن تأسيسها، ومقاومة جهودها عام 2015 في إنشاء "ولاية" ضمن ما يسمى "أرض خراسان"، وهي منطقة تاريخية تضم تقريباً كامل تراب أفغانستان الحالية. ولقد دخلت "طالبان" وما يسمى "ولاية خراسان" التابعة لـ"داعش" في حالة حرب منذ ذلك الحين، وفي بعض الحالات قدمت الولايات المتحدة دعماً جوياً فاعلاً لـ"طالبان".

بعد إعلان اتفاق 2020 بين واشنطن و"طالبان"، اعتبر تنظيم "الدولة الإسلامية" الاتفاق دليلاً آخر على انحراف "طالبان". وأدانت المجلة الإخبارية الرسمية التي يُصدرها تنظيم "داعش" حركة "طالبان"، بسبب اتخاذها الأميركيين "حلفاء جدداً". وكذلك أشار المتحدث باسم ذلك التنظيم إلى أن الاتفاق جعل رسمياً أمراً كان واضحاً بالفعل، يتمثّل في أن الولايات المتحدة و"طالبان" يتآمران معاً ضد "داعش". وبحسب رأيه، شكّلت الصفقة "غطاء للتحالف الدائم بين ميليشيا طالبان المرتدة والصليبيين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نصر غير مؤكد

بعد احتفائه باتفاق "طالبان" مع الولايات المتحدة، توقف تنظيم "القاعدة" عن التعليق على الوضع في أفغانستان لمدة عام ونصف العام. وفقاً لـ"وكالة استخبارات الدفاع"، طلبت "طالبان" من تنظيم "القاعدة" العمل على "تقييد نشاطاته والتعتيم على العلاقة الطويلة الأمد بين الجماعتين، إلى حين استكمال القوات الأميركية وقوات التحالف انسحابهما من أفغانستان". من الواضح أن "القاعدة" شعرت بحرية التعليق علناً بمجرد مغادرة آخر الجنود الأميركيين كابول في 31 أغسطس (آب) 2021، حيث أصدرت بعد ساعات قليلة بياناً مكتوباً يهنئ "طالبان" والمجتمع الإسلامي بأكمله على "النصر التاريخي".

بحسب البيان، أثبتت النتيجة في أفغانستان أن "طريق الجهاد،" وليس التسوية أو التصالح، يشكل الطريقة الصحيحة في التعامل مع الدول "الكافرة". وأضاف البيان أن هزيمة الولايات المتحدة تمثل نهاية "عصر الغطرسة الأميركية والأوروبية ورغباتهما في احتلال أراضي المسلمين عسكرياً". وعلى الرغم من أن "القاعدة" لم تقل إن "العدو البعيد" المتمثل في الولايات المتحدة وحلفائها قد هُزم بالكامل، فإنها أكدت أن التركيز في المرحلة المقبلة سيكون على نشر الجهاد إلى دول أخرى في العالم الإسلامي. وأشارت إلى أن انتصار "طالبان" في أفغانستان "سيفسح الطريق بعون الله وقوته، أمام شعوبنا المسلمة كي تتحرر من حكم الطواغيت الجبري". ويستخدم المقاتلون الإسلاميون المتطرفون مصطلح "طواغيت" في الإشارة إلى الحكام المسلمين الذين يُنظر إليهم على أنهم يحكمون بغير شرع الله. واستطرد بيان "القاعدة" مشيراً إلى أن ذلك النصر سيمهد الطريق "أمام تحرير فلسطين المسلمة من الاحتلال الصهيوني".

على نحو مشابه عبّرت الفروع الإقليمية في "القاعدة" عن مشاعر مماثلة. فمثلاً، أشاد تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، وهو الفرع اليمني في تلك الجماعة، بحركة "طالبان" لالتزامها طريق الجهاد ورفضها "المساومة على مبادئها وثوابتها". وتفاخر ذلك التنظيم بأن الانتصار في أفغانستان سيؤدي إلى "إطاحة الطغاة المستبدين وطرد الغزاة من بلاد المسلمين". وعلى حد تعبير الفرع السوري في "القاعدة" المتمثل في تنظيم "حراس الدين"، فقد أظهر انتصار "طالبان" أن الجهاد يشكل "الطريق الوحيد" الذي يؤدي إلى النصر والتمكين. وأصدرت فروع تنظيم "القاعدة" في شمال أفريقيا والساحل بياناً مشتركاً يشيد بصمود حركة "طالبان" التي أثبتت أن الجهاد يمثل السبيل الوحيد أمام العالم الإسلامي في الانتقال "من وهدة الذل إلى ذُروة العز".

في المقابل، بالنسبة إلى "داعش"، بدا من المضحك الاعتقاد بأن "طالبان" قد حققت أي نوع من "النصر" في أفغانستان، بل إن ما حدث فعلاً، من وجهة نظرها، يتمثل في أن الولايات المتحدة سلمت السلطة عن طيب خاطر إلى "طالبان" التي أصبحت عميلة للولايات المتحدة فعلياً.

بعد استيلاء "طالبان" على كابول في 15 أغسطس، قلّلت النشرة الإخبارية الأسبوعية التي يصدرها "داعش" الصدمة الواضحة التي أثارها النجاح العسكري لحركة "طالبان"، واصفة إياه بـ"النتيجة الطبيعية" لما اتفق عليه الأميركيون و"طالبان" في الدوحة أثناء العام السابق. وأضافت النشرة أن ما حدث لم يكن أكثر من "انتقال سلمي للسلطة من طاغوت إلى آخر... واستبدال طاغوت ملتحٍ بآخر حليق". وذكرت نشرة "داعش" أيضاً أن "طالبان" وعدت بعدم السماح بتكرار ما يشبه حوادث 11/9، وهكذا "أعادت أميركا طالبان إلى السلطة وسلمتها كابول من دون إطلاق رصاصة واحدة".

واستكمالاً، أصدر أنصار "داعش" عبر الإنترنت انتقادات مماثلة حتى قبل صدور النشرة الإخبارية عن ذلك التنظيم. إذ أشار أحد أنصار التنظيم البارزين إلى أن الأميركيين نجحوا في إفساد مبادئ "طالبان" الدينية، مقتبساً آية قرآنية "قال الله تعالى {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ} (سورة البقرة، 217). لقد تمكنوا من إبعاد طالبان عن دينهم".

من الواضح أن آراء "القاعدة" و"داعش" متضاربة للغاية. وبالنسبة إلى "طالبان" إمّا أنها باتت أكثر ميلاً إلى تلبية المصالح الأميركية مما تأمله "القاعدة"، وإما أنها أكثر تطرفاً مما يود تنظيم "داعش" تصديقه.

من وجهة نظر "داعش" أصبحت "طالبان" عميلاً فعلياً للولايات المتحدة

واستدراكاً، يبدو أن الحقيقة تقبع في مكان ما بين الاحتمالين السابقين، بمعنى أن حركة "طالبان" تريد الجمع بين الاتجاهين المتمثلين في الحفاظ على علاقتها مع "القاعدة"، وكذلك تأمين الاعتراف الدولي بها [طالبان] باعتبارها الحاكم الشرعي في أفغانستان. وبشكل عام، فإن "طالبان" لا تشاطر "القاعدة" أجندتها العابرة للحدود الوطنية، إذ تبدأ مصالحها وتنتهي في أفغانستان، أو في الأقل ذلك ما تزعمه. في الوقت نفسه، نسجت "طالبان" علاقات وثيقة مع "القاعدة" على مدى السنوات العشرين الماضية. إذ ذكر تقرير للأمم المتحدة نُشر في وقت سابق من تلك السنة، أن وجود "القاعدة" في أفغانستان يتراوح بين عشرات الأفراد و500 فرد منتشرين في 15 ولاية. ووفقاً للتقرير، لا تزال "حركة طالبان وتنظيم القاعدة متحالفين بشكل وثيق، ولا يظهر أي مؤشر على قطع العلاقات بينهما".

استطراداً، على الرغم من أن بعض المتحدثين باسم "طالبان" نفوا وجود أي علاقة مع "القاعدة"، بل أنكر أحدهم وجود البيعة، فلقد رفضت "طالبان" بعناد الابتعاد عن الجماعة، حتى لو كلفها ذلك ثمناً باهظاً. ويُعزى ذلك العناد ربما إلى عوامل عدة، بدءاً من حقيقة أن تنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان" قاتلا معاً ضد الولايات المتحدة طيلة 20 عاماً، وكذلك توجد روابط دم بينهما. ووفق تقرير الأمم المتحدة نفسه، تنبني علاقة المجموعتين أيضاً على "الروابط الشخصية من طريق الزواج والشراكة في النضال، التي تترسخ الآن من خلال العلاقات بين الجيل الثاني". في الإطار نفسه، يوجد سبب منطقي عملي لعدم إنهاء العلاقة، يتمثّل في أن إدانة "القاعدة" قد تؤدي إلى خلاف مع أعضاء وفصائل "طالبان" الأكثر تشدداً، ويشمل ذلك خصوصاً سراج الدين حقاني، وزير الداخلية المعين حديثاً الذي يقود "شبكة حقاني" المتحالفة مع "القاعدة".

على الرغم من استمرار العلاقة، فإن "طالبان" لديها مصلحة قوية في كبح جماح تنظيم "القاعدة". ففي الوقت الذي تسعى فيه "طالبان" إلى الحصول على الاعتراف والقبول الدوليين، سيكون من الحماقة أن تسمح تلك الجماعة لتنظيم "القاعدة" بشن هجمات على الغرب أو حتى دول إسلامية شقيقة. ليس من الصعب تخيل سيناريو يتضمن أن توفر "طالبان" مساحة عمل ودعماً مالياً لـ"القاعدة" مع تقييد نشاطاتها في ما يتعلق بالتخطيط وشن الهجمات.

في ذلك السيناريو، ستصبح أفغانستان مرة أخرى ملاذاً لـ"القاعدة"، بل ملاذ آمن يمكن أعضاء "القاعدة" وقادتها من إعادة تجميع صفوفهم وجمع الأموال وإنتاج الدعاية وإصدار التوجيهات للشبكة الأوسع من المنتسبين إلى ذلك التنظيم. وفي المقابل، سيمنع أولئك الأفراد من شن عمليات هجومية. إذاً، تتضمن المحاولة الثانية لحركة "طالبان" في حكم أفغانستان خلق توازن بين التمسك بمبادئهم المتشددة وتقديم تنازلات عملية بغية تأمين حكمهم، وقد تتبع علاقتهم مع "القاعدة" الآليات نفسها.

طريق طويل للتعافي

‫في الإطار الواسع للأمور، ثمة طريق طويل أمام "القاعدة" في إعادة بناء تنظيمها المُحطم، بغض النظر عن الدعم الذي ستقدمه "طالبان" لها. وتبدأ مشكلة "القاعدة" من القمة، إذ جرى القضاء على القيادة الأساسية في التنظيم أثناء السنوات الأخيرة. في أغسطس 2020، قُتل الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة"، أبو محمد المصري، بالرصاص في شوارع طهران. وبعد شهرين قتل حسام عبد الرؤوف، القائد البارز في "القاعدة" داخل أفغانستان. إضافةً إلى ذلك، انتقل عدد من القادة الرئيسيين إلى سوريا بحثاً عن ملاذ آمن جديد وقتلوا في ضربات شنتها طائرات أميركية من دون طيار، ما دفع أحد الأيديولوجيين الجهاديين إلى وصف شمال سوريا بأنه "ساحة صيد" للجهاديين المخضرمين.

‫ ‫واستطراداً، تزيد المشكلة تعقيداً مع تذكّر أن الظواهري، زعيم الجماعة السبعيني، يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه مريض. وعلى الرغم من أن إصدار كتاب وشريط فيديو حديثاً يفند التقارير السابقة عن وفاة الظواهري العام الماضي، يبقى من غير الواضح كم لديه من الوقت ليعيشه.

‫في سياق موازٍ، ‫يعيش الخليفة المحتمل للظواهري، سيف العدل، البالغ من العمر 61 سنة، في إيران منذ نحو عشرين سنة. ويبدو أن الحكومة الإيرانية تحتفظ به وبعديد من قادة "القاعدة" الآخرين في البلاد كورقة ضغط، إذ تتيح لهم بعضاً من حرية الحركة لكنها تحول دون مغادرتهم البلاد.

كذلك تخلق إقامة قادة "القاعدة" في إيران مشكلة جدية في ذلك التنظيم، لأن قادته يعتبرون إيران الشيعية عدواً عقائدياً وسياسياً، وليست مضيفاً مناسباً لقيادتها. وإذا حاول سيف العدل تولي قيادة التنظيم من قاعدته الإيرانية، من المحتمل أن يواجه مقاومة من العناصر الأكثر صلابة في الحركة. لذا، من المفترض أن يسعى قادة "القاعدة" المتمركزون في إيران الآن إلى الانتقال إلى أفغانستان، لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت طهران ستسمح لهم بذلك.

ثمة مشكلة أخرى تتمثل في عدم تحكم وسيطرة قادة التنظيم على الجماعات المنتسبة إليه، ما يجعل "القاعدة" اليوم تعمل كشبكة لا مركزية إلى حد كبير، إذ لا تخضع فروعها المحلية، من شمال أفريقيا إلى جنوب آسيا، لسيطرة مباشرة من طرف القيادة العليا. ويرى بعض المحللين أن استقلالية تلك الفروع تشكل مصدر قوة بالنسبة إلى التنظيم، لكن في غياب قيادة مركزية قوية ستكون شبكة "القاعدة" معرضة لخطر الانقسام وحتى التفكك التام. ففي 2013، فشل الظواهري في ممارسة ما يكفي من السلطة كي يمنع فرعه العراقي، المتمثل في "دولة العراق الإسلامية"، من الانشقاق وتشكيل "داعش". وعلى نحو مماثل، فشل في منع فرعه السوري، المتمثل في "جبهة النصرة"، من الانشقاق في 2016.

ضمن ملمح متصل، يوجد في صلب المشكلة التي تواجهها "القاعدة"، ذلك التباين الاستراتيجي بين قيادتها الأساسية وفروعها. وعلى الرغم من استمرار القيادة في التزامها، من ناحية الخطاب في الأقل، بإعطاء الأولوية للقتال ضد "العدو البعيد" المتمثل في الولايات المتحدة وحلفائها، فإن أهداف وغايات فروع ذلك التنظيم تكون محلية في المقام الأول، إذ إنها [الفروع] لا تبذل معظم جهدها في تخطيط هجمات إرهابية ضد الغرب.

‫ومن المفارقة أن عدوة "طالبان"، أي "ولاية خراسان" التابعة لـ"داعش" يمكنها أن تستفيد أكثر من حكم "طالبان". إذ قد يكون تنظيم "الدولة الإسلامية" في أفغانستان في حالة انهيار واضمحلال، ذلك أنه عانى خسائر فادحة ولم يعد يسيطر على الأراضي، لكنه يملك استراتيجية محددة للاستفادة من الواقع الجديد. وكذلك يستطيع أن يصور نفسه على أنه البديل الجهادي المتشدد بالمقارنة مع "طالبان"، ويؤكد الاعتدال المزعوم في حركة "طالبان" وميلها إلى التسوية. من خلال مهاجمة الولايات المتحدة في مطار كابول في أواخر أغسطس، لم يكن "داعش" يحاول قتل الأميركيين فحسب، بل سعى إلى أن يُظهر لأنصار "طالبان" الأكثر تشدداً أن مجموعتهم قد تراجعت. وفي إحدى الرسائل، ذكر "داعش" أن "طالبان" تحمي "الصليبيين وجواسيسهم" في مطار كابول.

ينبغي للولايات المتحدة وحلفائها أن يظلوا يقظين واستباقيين، خشية العودة القوية من قِبَل إحدى هاتين المجموعتين أو كلتيهما

‫من ناحية أخرى، سيستفيد تنظيم "داعش" من خروج الولايات المتحدة من أفغانستان، لأن القوة الجوية الأميركية لعبت دوراً أساسياً في عكس مكاسب التنظيم هناك. من المؤكد أن مؤيديه عبر الإنترنت يرون الأمر بتلك الطريقة. فقد تباهى أحد المدافعين البارزين على الإنترنت مشيراً إلى أن "جنود (الخلافة في خراسان) في حالة جيدة. والآن، لم يعد هنالك جيش أفغاني، إذ هُزمت المؤسسة العسكرية الوثنية وهرب معظم الجنود والقادة من أفغانستان، ولم تعد هناك قواعد أميركية تنطلق منها الطائرات كي تساعدهم، ولا قوات خاصة كي تشن غارات ضد المجاهدين. لم يبق سوى طالبان المرتدة في المسرح كي تواجه مصيرها الحتمي، فإما رصاصة خارقة في الرأس وإما سكين حاد في الرقبة".

‫وعلى الرغم من أن "داعش" سيستفيد على الأرجح من تراجع الضغط العسكري عليه في أفغانستان، فإن الجماعة تتمتع بجاذبية محدودة في البلاد. ويرجع ذلك جزئياً إلى ارتباطها بالسلفية، وذلك مذهب أصولي في الإسلام السني لكنه يعتبر أقلية في أفغانستان، حيث يسود المذهب الحنفي وارتباطه بالعقيدة الماتريدية [يُنسب إلى الشيخ أبي منصور الماتُريدي (853- 944) الذي عاش معظم وقته في سمرقند بأوزبكستان. ويميل إلى نوع من التوفيق بين المدارس السنية المختلفة]. واستطراداً، إن معظم المناطق التي سيطر فيها سابقاً تنظيم "الدولة الإسلامية" كمحافظتي كونار وننغرهار في الشرق، تشكل أماكن تحظى فيها السلفية بشعبية غير عادية. قد يكون تنظيم "الدولة الإسلامية" قادراً على اجتذاب بعض مؤيدي "طالبان" الأكثر تشدداً، لكنه سيجد صعوبة في توسيع قاعدة دعمه أكثر من ذلك.

في ذلك الصدد، تواجه "القاعدة" و"داعش" تحديات جدية في محاولة إعادة تأسيس نفسيهما في أفغانستان. ففي حين أن عودة "طالبان" قد تخلق أكبر فرصة لـ"القاعدة" في إعادة تشكيل وتنظيم نفسها منذ أكثر من عقد، إلا أنها ليست في وضع جيد لاغتنامها. في زاوية مقابلة، سيسعى تنظيم "داعش" إلى لعب دور المفسد، لكنه سيواجه صعوبة في الفوز بالدعم المحلي أو مضاهاة "طالبان" من ناحية القوة البشرية والموارد. في غضون ذلك، ستستمر الولايات المتحدة في محاولة إضعاف المجموعتين كلتيهما من خلال مواصلة شن ضربات بالطائرات من دون طيار، ربما بدعم من "طالبان" حينما يتعلق الأمر بـ"داعش".

‫ ‫وكخلاصة، لا شيء من شأنه أن يخفف التهديد الذي تشكله تلك الجماعات الجهادية على أفغانستان وجيرانها والعالم. لذا، ينبغي أن تظل الولايات المتحدة وحلفاؤها يقظين واستباقيين، خشية عودة إحدى هاتين المجموعتين أو كلتيهما إلى القوة. في المقابل، لا يزال من غير المؤكد إلى أي حد سينجح الجهاديون في استخدام أفغانستان، ونجاحهم ليس نتيجة مؤكدة بأي حال من الأحوال.

‫ 

* كول بونزل زميل في "معهد هوفر"، "جامعة ستانفورد"، ومحرر في مدونة "جهاديكا" الإلكترونية.

مترجم من فورين آفيرز سبتمبر (أيلول)/ أكتوبر (تشرين الأول) 2021

المزيد من تحلیل