Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سيدة الفوضى تقود العالم

استأنست أميركا حركة "طالبان" بعد عشرين سنة من محاربتها وقدمتها لنا في صورة أم الإرهاب

صارت الفوضى سيدة السياسات الدولية (أ ف ب)

أشاعت الفوضى

كما تشتهي

وأجرت الريح

كما تشتهي

وأيقظت

قطعاننا كلها

وأشغلتنا

دفعة واحدة...*

يشتكي كثير من البشر من هيمنة السياسي، فيهربون إلى كرة القدم، فإذا بالمسألة الأفغانية، الكرة في الملعب. يدس المرء رأسه في "فيسبوك" فتخرج له "طالبان"، متدثرة بالعلم الأميركي، فيبحث عن مسلسل تلفزيوني قديم مُسلٍ، فإذا بالبطل يحارب يأجوج ومأجوج في المحيط الهادي.

هذا ما حصل معي خلال ما انصرم من أيام شعواء، لقد قررت غصباً أن أقفل رأسي وأصم أذناي عن هذا الإسهال السياسي والإعلامي: أفغانستان ومرادفها الآخر "طالبان". انسحاب الولايات المتحدة العظمى، ما لا مثيل له في التاريخ، واستلام جماعة "طالبان" أفغانستان، ما جعل العالم مهووساً بها، فباتت أفغانستان الوجه والكورونا القفا.

ولقد كنت كالآخرين، أهرب من الغولة، فيلاحقني سلال القلوب! أو كما يقول المثل الليبي. فإذا كانت "طالبان" الغولة، فقد قامت أميركا باستئناسها، بعد عشرين سنة من محاربتها، وتقديمها لنا في صورة أم الإرهاب، وقد أمسى علينا اليوم، الأخذ في الاعتبار: أن حال "طالبان" حال "عودة الابنة الضالة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مثلما حدث لباتي هيرست، وهي ابنة أحد الأثرياء من كاليفورنيا، التي اختطفها، بعض المسلحين الثوريين عام 1974، لتبدي تعاطفاً مع مختطفيها، وتشاركهم في إحدى عمليات السطو. قبل أن ينتهي بها الأمر، لأن يتم إلقاء القبض عليها، ويُحكم عليها بالسجن. إلا أن محامي الدفاع عن هيرست قال: إنها قد خضعت لعملية غسيل دماغ، وأنها كانت تعاني مما يعرف بمتلازمة ستوكهولم، ما اصطلح عليها، لتفسير المشاعر غير المنطقية، التي يشعر بها المختطَفون، تجاه مُختطِفيهم. وشئت أم أبيت تخطفك سيدة الفوضى، وتجعلك منك: المنغمس، أو باتي هيرست. فبعد فيلم "الهروب الكبير"، بات علينا جميعاً، منح "طالبان" صكوك الغفران، أو على الأقل منحها فرصة للتوبة، لتمنح الصكوك، وبهذا يقفل باب الإرهاب الدولي، من أجل فتح باب سلال القلوب...!

خرجنا من زوبعة، عراك الإخوة الكبار حول الانسحاب من أفغانستان، ولوم الحلفاء لكبيرهم: أن جاءهم الانسحاب كأمر واقع لا محالة، ودون تداول ومشورة، لندخل في زوبعة عجيج المحيط الهادي. وإذا بفرنسا، كالزوجة المطلقة دون علمها، ولا حتى علم إخوتها في الاتحاد الأوروبي، وأن أفغانستان كانت الفاتحة، ما تبعها احتفال أنجلو أميركي، تحالف الثالوث ما سحب البساط من تحت الحليف الأوروبي.

هكذا سيدة الفوضى، تحول المحيط الهادي إلى محيط نووي، وقد سلبت فرنسا زبونها الأسترالي في عشر غواصات نووية! الإعلام الفرنسي لوح باستعادة الروح الديغولية: بأن تعمل فرنسا على بيع حاملات نووية للهند مثلاً، أو أي زبون محتمل في المحيط اللاهادي. وثمة مُذكر أشار إلى أن فرنسا كانت سباقة، حين باعت الدولة اليهودية، مفاعل نووية "ديمونة"، منذ خمسينيات القرن الماضي.

ولقد تم اللقاء الأممي، السنوي السبتمبري للأمم المتحدة في هذا الإطار، أي تعارك الحلفاء، ورفع وتيرة الحرب التجارية، والتصعيد الممكن، من التسلح النووي في المحيط الهادي، وهذا ما جعل الصين تتحدث عن "عودة الحرب الباردة". وطبعاً في عالم فاقد التوازن، سيدة الفوضى بهذا، تصب النووي على النار، وبذا يكون من حق كل قادر، أن يكون نووياً. وبهذا المضاف إليه، تنتقل وتتصاعد المشاكل المتفاقمة، في عالم تسوده الكورونا ويتسع فيه ثقب الأوزون، وترتفع الحرارة وتنتشر الحرائق. عالم كهذا، عراك الحلفاء فيه طامة كبرى، تُسرع وتُكبر أدوار الطامعين، في دور أكبر من مقاسهم.

لقد صارت الفوضى سيدة السياسات الدولية، مما انعكس في قارة هشة كأفريقيا، بالعودة إلى ما سلف، من انتشار للانقلابات والنزاعات المسلحة، وجعل من أخرى دولاً فاشلة، غير قادرة على توفير الكفاف، وحتى انغمست في الظلام، كما العصور الوسطى. وقد قيل إنه بسبب عدم توفر الكهرباء في السودان، أخيراً، هاجر الآلاف من المواطنين السودانيين... إلخ.

 

 

* مقطع من قصيدة "سيدة الفوضى" للشاعر العراقي على جعفر العلاق.                       

اقرأ المزيد

المزيد من آراء