Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وفاة نائب مغربي سابق بين الاغتيال السياسي والانتحار

القضية يلفها الغموض لتزامنها مع عملية انتخاب أعضاء المجالس المحلية والجهوية واقتراب موعد محاكمته بتهم فساد

وفاة المرشح لرئاسة مجلس جهة كلميم - واد نون عبدالوهاب بلفقيه (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية - صفحة بلفقيه على فيسبوك)

بعد أقل من أسبوعين على إجراء الانتخابات العامة بالمغرب، وفي ظل السباق المحموم بين الأحزاب في عمليات انتخاب أعضاء المجالس المحلية والجهوية، انشغل الرأي العام المغربي بنبأ الإعلان عن وفاة أحد المرشحين لرئاسة مجلس جهة كلميم (جنوب البلاد)، بعد تعرضه لإطلاق نار في بيته، وذلك خلال مرحلة تشكيل المجلس الجهوي للجهة.

حادث محير

لا تزال قضية وفاة المرشح لرئاسة مجلس جهة كلميم - واد نون، عبد الوهاب بلفقيه، يلفها الغموض، نظراً لتزامن تعرضه لإطلاق النار مع عملية انتخاب مكتب مجلس الجهة، واقتراب موعد محاكمته في قضايا فساد.

وبحسب المعطيات الأولية فإنه في الساعة التاسعة من صباح يوم الثلاثاء، فوجئت زوجة بلفقيه وأبناؤه بصوت طلق ناري قادم من غرفة نومه، وبعد التوجه نحو الغرفة وجدوه غارقاً في دمائه، وبالقرب منه بندقية صيده المرخصة، ومن ثم تم إخطار السلطات الأمنية التي شرعت بالتحقيق في الحادث

وفي شأن تفاصيل الحادث، تشير الصحافية الاستقصائية المغربية، حنان باكور، إلى أن القصة بدأت بتدوينة مرعبة نشرها صبيحة يوم الثلاثاء مرشح حزب الاتحاد الاشتراكي لرئاسة مجلس جهة كلميم - واد نون، محمد أبودادر، أورد فيها أن النائب البرلماني السابق، والمرشح لرئاسة جهة كلميم - واد نون، "عبدالوهاب بلفقيه، بين الموت والحياة بسبب طلق ناري"، موضحة أن الحادث وقع يوم انتخاب رئيس مجلس جهة كلميم - واد نون، وقبل يوم واحد من جلسة محاكمة بلفقيه الملاحق وعدد من أفراد أسرته في قضايا تتعلق بالفساد، حيث حددت جلسة جديدة لمحاكمته اليوم الأربعاء، وهو الأمر الذي فتح المجال للعديد من التأويلات المتضاربة بين تعرض النائب السابق للتصفية السياسية، وإقدامه على الانتحار هرباً من الملاحقة القضائية.

من جانبه، اعتبر مرشح حزب الاتحاد الاشتراكي لرئاسة مجلس جهة كلميم - واد نون، أن "دم بلفقيه في رقبة كل مسؤول لم يلزم الحياد، وكان طرفاً في العملية الانتخابية عبر أساليب الترهيب والترغيب، وكل من يحافظ على مصالحه الشخصية"، مضيفاً، "ما تعرضنا له هذين اليومين كفريق أعضاء الجهة، المكون من أغلبية مريحة، من بلطجة وترهيب وترغيب، وضغوط، أمر غير مسبوق يستدعي الوقوف عنده، لذلك ومع استحضار عدم علمي بحيثيات الحادث، أطلب من السيد وزير الداخلية فتح تحقيق معمق في الموضوع وترتيب الجزاءات اللازمة".

فيما أشار الناشط السياسي المغربي، أسامة لخليفي، إلى أنه "في انتظار ما سيسفر عنه تحقيق النيابة العامة، لا أظن أن الأمر يمكن أن يصل في الصراعات السياسية حالياً بالمغرب إلى حد الاغتيال"، معتبراً أن "المغرب يشهد تطوراً في مجالي الممارسة الديمقراطية والانتخابات، لكن لا يزال هناك تجاوزات كانت واضحة خلال الانتخابات العامة الأخيرة، لكن البلد مر على العموم باستحقاق ديمقراطي يمكن الإشادة به". 

تعرض للضغط

كان عبدالوهاب بلفقيه قد تعرض لضغوط، بحسب مقربين منه، في خضم عملية انتخاب رئيس وأعضاء مجلس جهة كلميم - واد نون، وبعد قرار حزبه (الأصالة والمعاصرة) سحب تزكيته للترشح لرئاسة المجلس، قام النائب السابق باعتزال السياسة والانطواء في منزله بعد عقود من تولي مسؤوليات رئاسة مجالس منتخبة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشير الصحافية حنان باكور إلى أن "كربة بلفقيه اشتدت منذ يوم 15 سبتمبر (أيلول)، يوم إعلانه استقالته من حزب الاصالة والمعاصرة، واعتزاله العمل السياسي بصفة عامة، بعد قرار حزبه سحب ترشيحه لرئاسة جهة كلميم - واد نون"، مضيفة أن "بلفقيه أعلن اعتزاله عبر رسالة خطية حملت كلمات تعري وجع النائب البرلماني السابق، الذي نزل من القطار الاتحادي، بعد خلافات مع الكاتب الأول للحزب (الاتحاد الاشتراكي) إدريس لشكر، والذي كان محاميه في قضايا الفساد الملاحق فيها، قبل أن يتخلى عنه، والتحق بحزب الأصالة والمعاصرة"، موضحة أن في رسالته الخطية، تحدث بلفقيه عن الغدر الذي طاله من جهة وضع ثقته فيها، ولاعتبارات وعد بأن يعرفها الجميع. لقد رحل وفي طريقة رحيله كل شيء"، على حد تعبيرها. 

وتشير الصحافية الاستقصائية إلى أن قرار بلفقيه اعتزاله العمل السياسي جاء بعد أن قضى حياته ممارساً للسياسة وراكباً لأمواجها، جاء مباشرة بعد قرار الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، عبداللطيف وهبي، سحب تزكية الترشيح لرئاسة الجهة من بلفقيه الذي حازت اللائحة التي كان يقودها على المرتبة الأولى، بعد التحالف الثلاثي بين "التجمع الوطني للأحرار"، والأصالة والمعاصرة" و"الاستقلال" (الأحزاب الحائزة على المراتب الثلاث الأولى في الانتخابات العامة الأخيرة) لـ"تكريم" مرشحة "الأحرار"، إمباركة بوعيدة، بهذا المنصب، مضيفة أن مقربين من بلفقيه، بينهم محاميه، لم يخفوا بأنه هدد في حديثه معهم هذه الأيام بأنه "سيقوم بإيذاء نفسه"، ومعلومات أخرى تشير إلى أن هذا الكلام نقله إلى زعيم "الأصالة والمعاصرة" أيضاً، موضحة أن "الرجل خسر كل شيء... وإن صحت فرضية الانتحار، فهي تعكس بقوة حجم الخسارة التي تداخل فيها السياسي بالمادي إلى أن أصبح عارياً أمام ما ينتظره من متابعات".

صراع محتدم 

تشهد عملية انتخاب أعضاء المجالس المنتخبة تصرفات غير نزيهة تضم الضغط و الابتزاز وعرض المناصب للبيع، وكانت بعض مقاطع الفيديو لجلسات انتخاب أعضاء المجالس المنتخبة قد أثارت الجدل، نظراً لاحتوائها على مظاهر العنف والمشاجرة والسب، وهو أمر يتكرر بعد كل انتخابات.

ويشير أستاذ القانون العام، خالد التزاني، إلى أنه "في إطار عملية اختيار المجالس المنتخبة بعد انتخابات 8 سبتمبر (أيلول)، أصبحنا نشاهد يومياً الكثير من المشاحنات والصراعات بين ممثلي الأحزاب المعنية، وهو دليل كبير على أن الأحزاب السياسية في المغرب لا تولي أهمية كبرى للبرامج الانتخابية التي دافعت عنها خلال حملتها الانتخابية، أو لنقل تلك البرامج التي حاولت إقناع المواطنين بها من أجل التصويت على مرشحيها في مختلف الدوائر"، موضحاً أنه "يوماً بعد يوم يتضح أن هاجس كل الأحزاب السياسية هو تقسيم الكعكة الانتخابية لحصد أكبر عدد من المقاعد، سواء في الجماعات أو الجهات والأقاليم، وأن هذا الصراع الكبير بين الأحزاب إذا ما أضيف إلى البلقنة الكبيرة التي يعرفها المشهد الحزبي المغربي، فإنه يؤشر بدرجة كبيرة إلى أن الحكومة المقبلة، التي سيتزعمها عزيز أخنوش، من شأنها أن تنفجر عند أول خلاف بين الخليط المتجانس من الأحزاب التي ستكون مكونة لها".

وبخصوص مسؤولية الدولة في الحد من تلك الممارسات، يشير التزاني إلى أن "الدولة تقوم بمجهودات جبارة وتسخر كل الإمكانات المادية والبشرية لإنجاح الاستحقاقات الانتخابية، يضاف إلى ذلك الترسانة القانونية الكبيرة التي تضعها لحسن سير هذه الاستحقاقات"، معتبراً أن "المشكل يكمن في الأحزاب السياسية نفسها، باعتبار أن المشهد السياسي الحزبي بالمغرب تسوده كثير من الضبابية، الأحزاب السياسية لا تقوم بوظيفة التأطير لمنخرطيها، وهذه الوظيفة هي أهم وظيفة يقوم بها الحزب السياسي"، مضيفاً أن الأحزاب السياسية المغربية لم تستطع مسايرة الإصلاح الدستوري، وحتى نخبها ليست في مستوى الدستور، ففي كل استحقاق انتخابي تطفو على السطح نفس التحديات: تعزيز الثقة في الأحزاب، وفي العمل السياسي، ورفع نسب المشاركة، كما تطفو على السطح وبشكل كبير النقاط الخلافية بين جميع الأحزاب السياسية المشاركة في هذه الاستحقاقات، على حد تعبيره.

اغتيال الديمقراطية

وفي تعليقه على الحادث، قال حزب العدالة والتنمية في بيان له، أن "نسمع على تهديدات بالقتل هنا وهناك وشراء للذمم هنا وهناك، يعني أن الناخبين الكبار المفترض فيهم أن يكونوا في مستوى اللحظة، ما زالوا هم وهيئاتهم ومن يراهنون عليهم ومن مهد لهم الطريق ليصلوا إلى مواقع التمثيلية، أسرى زمن ظننا أن ولى بلا رجعة، وأن الانتقال نحو الديمقراطية ما زال حلماً بعيد المنال، وأن السياسة في هذا البلد قد ماتت وانتهى أمرها". وأضاف البيان، "لكن أن يصل الأمر إلى درجة ما وقع في جهة كلميم، حيث الأخبار الواردة من هناك تفيد انتقال المستشار عبدالوهاب بلفقيه إلى رحمة الله، وسواء تعلق الأمر بانتحار أو باستهداف، فإن الحقيقة البادية للعيان، هي أن التحكم في العملية الديمقراطية وصل إلى حد موغل في اغتيال الديمقراطية والرقص على جراحها، وأن العبث بلغ مدى لا يمكن التكهن بمآلاته، وأننا فعلاً نقترب من المجهول بسرعة كبيرة".

خيانة أخلاقية

ويأخذ الرأي العام المغربي على مجلس جهة كلميم - واد نون عقده اجتماع انتخاب الأعضاء في الوقت الذي تعرض بلفقيه للإصابة بطلق ناري، من دون مراعاة خطورة وضعه. وتوضح الصحافية حنان باكور، "بينما كان العالم يتساءل في حيرة إن كان بلفقيه حياً أو ميتاً، مقتولاً أم منتحراً، نزل فجأة خبر إعادة انتخاب إمباركة بوعيدة، مرشحة حزب التجمع الوطني للأحرار، رئيسة لمجلس جهة كلميم - واد نون"، معتبرة "ذلك حدث بسرعة البرق، ولربما كان هذا الانتخاب أسرع عملية انتخاب على الصعيد الوطني"، مضيفة أن "المعطيات المتوفرة تشير إلى أنه تم في غياب منافسها أبودارا، الذي انشغل بحادث بلفقيه، حتى إن عدداً من المستشارين الذين كان "سيستقطبهم" بلفقيه لدعم أبودارا، وعددهم 11، لم يحضروا، وتمت العملية بنجاح".

المزيد من تقارير