هي سادس أجمل مدينة في العالم، بحسب تصنيف بوابة "كوندي ناست ترافلر" الأميركية لأجمل المدن، تُعرف بطيبة سكانها وحسن ضيافتهم، وجمال معمارها الذي جعلها وجهة سياحية للمغاربة والأجانب.
لكن في السنوات الأخيرة باتت تُلقّب بعاصمة الانتحار في المغرب، فما هي أسباب ارتفاع أعداد المنتحرين سنوياً في منطقة شفشاون؟ وهل ساهم تراجع زراعة القنب الهندي في إقبال أبناء المنطقة على الانتحار؟ وكيف تُعاني بعض عائلات النساء المنتحرات من الوصم الاجتماعي؟
"انتحار المرأة يعني أنها تعرضت للاغتصاب"
تقول زهرة التي تعيش في ضواحي مدينة شفشاون شمال المغرب، "هم (الناس) لا يرحمون، يتحدثون بسوء ولا يعرفون السبب الذي دفعها لتنتحر، انتحار المرأة بالنسبة إليهم يعني تعرضها للاغتصاب، أو تخلي رجل وعدها بالزواج عنها، لا يفهمون ظروفها أو ما تُعانيه.
وتُضيف في حديثها إلى "اندبندنت عربية"، "التقاليد هنا صارمة جداً، ولا يوجد لنا وسيلة للتعبير عن أوجاعنا أو ما نعيش... غالبية الشباب مثقلة بهموم البطالة والفقر، وضغط المجتمع واليأس".
وتعتبر زهرة (21 سنة) أنّ الوصم الاجتماعي يُلاحق عائلات الفتيات المنتحرات أكثر من الذكور، موضحةُ أن "إحدى قريباتي انتحرت، بسبب معاناتها مع الاكتئاب، لكن الناس لم ترحمها، اتهموها بأنها تعرضت لاعتداء جنسي".
العمل في زراعة القنب الهندي
وفي هذا الصدد، يقول عبد السلام أولاد حميدو، رئيس "جمعية بوجعاد" للتنمية والتعاون، في قرية بوجعاد في ضواحي شفشاون "خلال السنوات العشر الأخيرة ارتفعت أعداد المنتحرين في إقليم شفشاون، بسبب التغيرات التي مسّت المجتمع سواء اقتصادياً أو اجتماعياً".
ويضيف في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن "الانتحار ينتشر في صفوف أهالي القرى المجاورة لمدينة شفشاون، وهم ليست لديهم علاقة بالسياحة، بل غالبيتهم تعمل في زراعة القنب الهندي، بنسبة 99 في المئة".
ويُتابع "يعمل المزارعون والعمال في القنب بشكل موسمي مدة ثلاثة أشهر ونصف الشهر في السنة، وأحياناً كثيرة فقط أربعين يوماً، مقابل 10 يورو لليوم، لا تكفي لتلبية احتياجات المعيشة، ما يُساهم إلى جانب عوامل أخرى في انتشار ظاهرة الانتحار".
التعايش مع حوادث الانتحار
ويرى عبد السلام "أنّ غالبية المنتحرين في المنطقة، لم يُعانوا من أمراض نفسية، وهناك فئتان منهم، فئة كانت تُعاني من مشاكل وتتعايش معها لفترة ومن ثم تُقدم على انتحار، فيما ينتحر النوع الثاني بمجرد ما تواجهه مشكلة كشجار مع أحد الأقارب".
ولكن كيف تستقبلون في المنطقة خبر الانتحار، يُجيب، "أتخوف من أن تتعايش المنطقة مع حوادث الانتحار، لأننا كل أسبوع نسمع خبر انتحار شخص ما، منذ حوالى سبع سنوات".
ويُوضح عبد السلام "في البداية كُنا نستنكر ونتحدث في الموضوع، أما حالياً فيبدو حادث الانتحار عادياً بالنسبة إلى السكان، وهذا أمر خطير جداً، ولم يعد هناك أي مشكل في سماع خبر انتحار شخص هنا".
"بغيناك تعيش"
في المقابل، أطلقت مجموعة من الشباب حملات وندوات تحت شعار "بغيناك تعيش"، وهناك عدد من الجمعيات ترغب في العمل على الاستماع إلى الشباب، لكن من دون إمكانيات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يُشار إلى أنّ مجموعة القبائل الغمارية في إقليم شفشاون أطلقت مبادرة "بغيناك تعيش"، وهي حملة إلكترونية تهدف إلى وقف نزيف ظاهرة الانتحار في الإقليم، وعرفت مشاركة عدد من أبناء المنطقة.
وتقول المجموعة، "نهدف من خلال هذه الحملة إلى التنبيه إلى خطورة ظاهرة الانتحار على منطقتنا وشبابنا".
ويرى عبد السلام "أنّ الأسر تعيش معاناة كبيرة بعد انتحار أحد أفرادها، وتُعاني الفتيات من الوصم الاجتماعي بعد الانتحار، لاسيما اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 17 سنة و25 سنة".
وصم الانتحار
على الرغم من جهل الناس هنا بسبب الانتحار، فإنهم يعزونه إلى مشكلة تتعلق بشرف الفتاة أو علاقة غير شرعية، ما يدفع العائلات إلى ترك المنطقة أو العيش منعزلين عن الناس. فيما ترفض الأسر التي انتحر أبناؤها الحديث عن الموضوع، وينغلقون على أنفسهم، وحتى المرضى النفسيين يرفضون الاعتراف بأنهم مرضى.
ويُشير عبد السلام إلى غياب ثقافة العلاج النفسي بالمنطقة، مضيفاً أنّ الأهالي يلجؤون إلى طرق تقليدية للعلاج.
ما علاقة زراعة القنب الهندي بالانتحار؟
يقول محمد بن عيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، "إنّ ظاهرة الانتحار في شفشاون اجتماعية، ولا ترتبط بفرد واحد في المنطقة".
ويُتابع في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن "المشكلة في منطقة شفشاون تكمن في أنها كانت تعيش على زراعة وتجارة المخدرات، وكانت تعرف نشاطاً اقتصادياً كبيراً، وفي السنوات الأخيرة عاشت ضغطاً بسبب منع تهريب المخدرات، ما أسفر عن حدوث تغيير اقتصادي في المنطقة، وتراجع مستوى معيشة السكان".
ويُوضح محمد بن عيسى أن "الانتحار في منطقة شفشاون ناجم عن خلل وانخفاض المستوى المعيشي للأهالي عقب تراجع زراعة وتجارة القنب الهندي".
تقليد المنتحر
ويعتبر محمد بن عيسى أنّ من أسباب انتشار ظاهرة الانتحار في المنطقة التقليد والمحاكاة، موضحاً أنه "بعد انتشار خبر انتحار شخص على مواقع التواصل الاجتماعي، واهتمام الناس بقصة الشخص المنتحر، ثمة من يرغب في تقليده، لأنه يشعر بأنه غير مهتم به كفرد ويعتقد أن بعد انتحاره سيحظى بالاهتمام، وهذا ناجم عن التغيير الاجتماعي والاقتصادي الذي شهدته المنطقة في السنوات الأخيرة".
وتحتل مدينة شفشاون المرتبة الأولى مغربياً من حيث حالات الانتحار، برقم يصل إلى 50 حالة انتحار سنوياً، بحسب مرصد الشمال لحقوق الإنسان.