Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حكومة ميقاتي تواجه التحديات بوصول النفط الإيراني

السنيورة: عليها أن تبعث برسائل تطمئن الدول العربية وتؤكد استقلالية القضاء

دخل لبنان مرحلة من التحديات من جهة، والتوقعات من جهة ثانية، حول إمكان فرملة مسار الانهيار القاتل الذي اتّسمت به أوضاعه الاقتصادية والمالية والمعيشية، خلال أكثر من سنة، بعد أن أنهى انطلاق عمل الحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي 13 شهراً من الفراغ الحكومي، وسط مشاكل لا تحصى عليها التصدي لها، وفي ظل الحاجة إلى قرارات مالية واقتصادية قاسية وعاجلة عليها اتخاذها وسط تعقيداًت سياسية سبق أن كبّلت حكومات سابقة، ما ساهم في تفاقم أزمته.

وفي وقت يتوقع فيه اللبنانيون من الحكومة الجديدة إجراءات عاجلة تؤمن لهم المواد الأساسية المفقودة، وفي طليعتها المحروقات، إضافة إلى ما يفرضه رفع الدعم عن هذه المواد من خطوات تتلاءم مع ارتفاع أسعارها، وبينما حثّت سائر العواصم الغربية، ولا سيما باريس وواشنطن، على الانكباب على الإصلاحات المطلوبة منذ سنوات، فإن من الأمثلة عن التعقيدات السياسية التي تحيط بعمل الحكومة الجديدة هو تزامن انطلاق عملها، وفي اليوم نفسه، مع إعلان الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، بعد اجتماعها، والتقاط الصورة التذكارية لأعضائها ببضع ساعات، عن وصول باخرة المازوت الإيراني التي استقدمها الحزب من أصل 4 بواخر ستأتي تباعاً إحداها محملة بالبنزين.

وأكد نصر الله رسو الباخرة في ميناء طرطوس السوري على أن تنقل بالصهاريج عبر الحدود البرية إلى لبنان ليبدأ توزيعها الخميس في 16 سبتمبر (أيلول)، مبرراً رسوها على الشاطئ اللبناني بالرغبة في عدم إحراج الدولة حيال إمكان فرض عقوبات أميركية على مؤسسات ومنشآت لبنانية تشتري النفط الإيراني.

عكس موقف نصر الله، غداة ولادة الحكومة، ميزان القوى (بتحالفه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتياره) الذي فرض الفراغ الحكومي، ومن ثم عمل على إنهائه والإفراج عن الحكومة، وأظهر أن اليد الطولى تعود إليه بفرضه الاستيراد من إيران على الرغم من العقوبات الأميركية على شراء نفطها، في ظل عجز الدولة.

كما أنه تصرف بتوزيع حمولة الباخرة الأولى وحدد الجهات التي سيتبرع لها منها لمدة شهر (المستشفيات والمخابز...)، ثم كيف تُباع الكمية التي ستخزن في منطقة بعلبك البقاعية، وترك تسعيرها إلى ما بعد إعلان وزارة الطاقة أسعار المحروقات، واعداً بأن يكون أقل من السعر الرسمي.

وعن الحكومة دعا إلى عدم توقع حلول جذرية منها، "لكنها يجب أن تخفف من وطأة الانهيار وتساهم في حل الأزمات التي لا تحتمل انتظار الانتخابات النيابية".

ثلث معطل وقراءات متعددة

ترك الإعلان عن الحكومة استنتاجات متناقضة في الوسط السياسي، منها أن تحالف "حزب الله" مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون استطاع تأمين حصول الأخير على ما يريده من الحكومة، أي الثلث المعطل، ليتمكن من إقالتها إذا عاكست توجهاته وصهره رئيس "التيار الوطني الحر"، فيما يؤكد الفريق الرئاسي أن لا ثلث معطلاً لأي فريق، ومنها ما اعتبر أن تسوية ما حصلت نتيجة تفاهم فرنسي - إيراني بعد اتصال الرئيس إيمانويل ماكرون بالرئيس إبراهيم رئيسي في 5 سبتمبر الحالي، قضت بضغط فرنسي لاستعجال قيام الحكومة مهما كلف الأمر، لأن باريس تلعب دوراً وسيطاً بين طهران وواشنطن في التفاوض على الملف النووي في فيينا.

تفاهم أميركي فرنسي - إيراني يمهد لفيينا

ومن القراءات حول أسباب تحقيق الاختراق في الانسداد السياسي، ما أدى إلى ولادة الحكومة، أن ثمار التفاهم الإيراني - الفرنسي هو حصول الشركة الفرنسية "توتال" على عقد التنقيب عن النفط والغاز وتأهيل القطاع في العراق بقيمة 27,5 مليار دولار، بجواز مرور من طهران، ومن نتائجه أن تتولى الأخيرة عبر "حزب الله" في لبنان، ملاقاة الضغط الفرنسي لقيام الحكومة، عبر إقناع الحليف عون بتسهيل ولادتها، مقابل دعوة باريس ميقاتي ورؤساء الحكومات السابقين إلى التساهل مع بعض مطالب عون وصهره رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل حتى لو حصل الأخيران على ما يسمح لهما بالقول إنهما حققا ما يريدان فيها، أي الثلث المعطل، ولو مُداورة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعليه، جاءت حصة الفريق الرئاسي راجحة في تركيبتها، لأن باريس طلبت من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ورؤساء الحكومات السابقين إبداء ليونة وعدم عرقلة مهمة ميقاتي في عقد تسوية مع عون، فالمطلوب قيام "أي حكومة" لأن انفجار الوضع اللبناني نتيجة غياب أي إدارة لأزمته سيجعل من الصعب لملمة آثاره في وقت العالم منشغل بقضايا أكثر أهمية من أفغانستان إلى مفاوضات فيينا والعلاقات بين دول حلف شمال الأطلسي، وبينها وبين روسيا، ومع الصين. ويتفق نواب من "التيار الوطني الحر" مع هذه القراءة بالقول إن الضغط الفرنسي "فرمل الشروط التي يضعها رؤساء الحكومات على ميقاتي". وتشير هذه القراءة إلى أن هذا ما يفسر مسارعة الحريري إلى الإعلان عن "كل الدعم" لميقاتي فور صدور مراسيم الحكومة.

سلوك "حزب الله" مع ميقاتي والحريري

في المقابل، يقول أحد رؤساء الحكومات السابقين لـ"اندبندنت عربية" في تفسير أسباب الإفراج عن الحكومة، إنه إضافة إلى الاستعصاء الذي مثله الرئيس عون أمام تشكيلها، فإن "حزب الله" كان "يتلطّى خلف الفريق الرئاسي ومطالب النائب باسيل الذي كان يدير التفاوض على الحقائب وأسماء الوزراء، وفجأة تهاوت الاستعصاءات ولم يكتفِ الجانب الإيراني بتسهيل ولادة الحكومة، بل سهل أيضاً تشغيل كاميرات المراقبة التابعة لوكالة الطاقة الدولية على منشآته النووية في الوقت نفسه، وهذا يقود إلى الاستنتاج بأن طهران تنفذ تفاهمات مع فرنسا ومع أميركا أيضاً على طريق إيجاد صيغة لاستئناف مفاوضات فيينا".

ويلاحظ رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، أن "حزب الله" أيّد تسمية ميقاتي لرئاسة الحكومة، لكنه لم يُسمّ الحريري، وأعطى ميقاتي أسماء الوزراء الذين يرغب بتوليهم حقائب في الحكومة، بينما امتنع عن إعطاء الحريري أي اسم من الوزراء الذين يريدهم في الحكومة التي كان يسعى إلى تأليفها. ولهذه الأمور دلالتها بأن الحزب هو الذي كان يؤخر التأليف في انتظار تطور ما في العلاقة مع الغرب ومع أميركا.

السنيورة والرسائل التي تجلب المال

وفي هذا السياق، يذكر السنيورة بردة فعله الأولى على إعلان الحكومة، معتبراً أنها "أفضل الممكن، لكنها أقل بكثير مما هو مطلوب. علينا أن نرضى بها، لكنها ليس المطلوب".

وحول ما يمكن توقعه من الحكومة في معالجة الأزمة الخانقة التي تعصف بلبنان يرجح السنيورة أن يقوم الفريق النافذ في الحكومة "بالمماطلة في الحلول المطلوبة. والتحدي هو كيف يؤلف ميقاتي من مجموعة الوزراء فريق عمل منسجم. وإذا كان مفهوماً أن هناك إجراءات مالية ونقدية لأزمة وتحديد سعر الصرف والبدء في الإصلاح من قطاع الكهرباء والتفاوض مع صندوق النقد الدولي على الإجراءات الإصلاحية وتنظيم القطاع المصرفي، فإنه على الرغم من أن هذه إجراءات ضرورية وحتمية، فإنها غير كافية".

ويعتقد السنيورة أن هناك ثلاثة أمور ملحة بمثابة رسائل إلى الخارج والداخل على الصعيد السياسي هي:

أولاً: أن نعطي رسالة للخارج بأن الحكومة والسلطة مع استقلالية القضاء حسب الصيغة التي أقرها فيها مجلس القضاء الأعلى، وهذا يتطلب التوقيع على التشكيلات القضائية المجمدة عند رئيس الجمهورية. ولهذا أهمية قصوى لأنه يؤكد لدول العالم أن الحكومة والسلطة في البلد لا تريد استخدام القضاء كمخلب ضد الخصوم.

ثانياً: بتوجيه رسالة إلى العالم العربي بأن الحكومة مستعدة للتعاون مع دوله ولا تريد معاداتها، أو أن يكون لبنان ساحة لتصدير الإرهاب والتدخلات في شؤونها.

ثالثاً: أن تبعث الحكومة رسالة إلى الخارج بأن التعيينات في المراكز الإدارية قائمة على احترام الجدارة والكفاءة والنزاهة، وليس الزبائنية والأزلام، والالتزام بالتدقيق المحاسبي في كافة إدارات الدولة ووزاراتها.

ويرى السنيورة أنه "لا تكلفة مالية لهذه الرسائل الثلاث، فيما توجيهها إلى الداخل والخارج يجلب المال إلى البلد".

1.135 مليار دولار من صندوق النقد

من جهة ثانية، عقدت الحكومة أول جلسة لها أمس في 13 سبتمبر بعد الإعلان عنها في شكل مفاجئ والتوصل إلى تسوية حول الخلاف على تركيبتها الوسط السياسي، والأسئلة التي طرحت حول قدرتها على انتشال لبنان من أزمته قابلتها مؤشرات لمصلحة انطلاقتها، منها إبلاغ صندوق النقد الدولي لبنان أنه سيتم تحويل أكثر من مليار دولار أميركي، قيمة حقوق السحب الخاصة بلبنان في الصندوق إلى حساب مصرف لبنان المركزي يوم الخميس في 16 سبتمبر، وهو خطوة تريح الأسواق المالية في البلد نسبياً بعد أن أنهكتها المضاربات النقدية طوال قرابة السنتين، فرفعت قيمة الدولار في سوق الصرف إلى ما يقارب 21 ألف ليرة لبنانية، فيما كان قبل الأزمة 1500 ليرة فقط، إذ إن أحد العوامل الرئيسة لأزمة لبنان هي النقص الكبير في العملة الصعبة في المصارف اللبنانية جراء إنفاق الدولة أموال المودعين عبر اقتراضها غير المضبوط من المصارف الخاصة ومن مصرف لبنان، إضافة إلى العوامل الأخرى.

وبالتزامن مع تشكيل مجلس الوزراء لجنة لصوغ البيان الوزاري للحكومة الذي على أساسه ستمثل أمام البرلمان لطلب الثقة النيابية، قالت وزارة المالية اللبنانية إن المصرف المركزي سيتسلم 1.135 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي، وهي أموال تشتد الحاجة إليها في الوقت الذي تكافح فيه البلاد إحدى أعمق حالات الكساد في التاريخ الحديث.

وأوضح بيان صادر عن الوزارة أن المخصصات الجديدة لاحتياطيات صندوق النقد تتألف من 860 مليون دولار عن 2021، و275 مليون دولار عن 2009.

وينتظر أن يستخدم جزء من هذه الأموال لتمويل إنشاء معمل للكهرباء، فيما جزء آخر سيخصص للبطاقة التمويلية التي أطلقتها الحكومة السابقة مقابل رفع الدعم عن استيراد مواد كثيرة.

عون يكثر من العناوين وميقاتي يتواضع

وخلال جلسة مجلس الوزراء قال عون إن المطلوب "إيجاد الحلول العاجلة لمعالجة الأوضاع المعيشية للمواطنين وإطلاق ورشة عمل سريعة لوضع لبنان على طريق الإنقاذ والتعافي والنهوض"، مشدداً على أن "على الحكومة أن تعمل كفريق عمل واحد متجانس متعاون لتنفيذ برنامج إنقاذي".

ولفتت دعوة عون الوزراء إلى "الإقلال من الكلام، والإكثار من العمل"، إذ إن بعض الوزراء ارتكب هفوات تسببت بحملات عليهم على مواقع التواصل الاجتماعي. وأشار إلى انه "ستواجهنا صعوبات كبيرة، وسنعمل على تذليلها واستنباط الحلول الممكنة"، مذكراً بأن المباشرة بالإصلاحات شرط أساسي لدى المجتمع الدولي للسير بآليات الدعم وتقديم المساعدات".

وأكثر عون من نقاط برنامج الحكومة فعدّد عشرة عناوين يجب تضمينها البيان الوزاري، منها خطة التعافي التي أقرّتها الحكومة السابقة وما ورد من إصلاحات في المبادرة الفرنسية، وإجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها، واستكمال التحقيقات الجارية في انفجار مرفأ بيروت، إضافة إلى المضي في خطة مكافحة الفساد، لا سيما مباشرة التدقيق الجنائي واستكمال خطة الكهرباء وتنفيذها".

أما ميقاتي فاعتبر أن البلد "يتطلب إجراءات استثنائية"، مشيراً إلى أن "الحكومة ستعمل من أجل كل لبنان وجميع اللبنانيين، ولن تميز بين من هو مُوالٍ أو مُعارض، من أعلن دعمه لنا ومن لم يعلن ذلك، ومن سيمنحها ثقته بعد أيام، أو من سيحجبها عنها، وسنمارس هذا الدور من دون أي كيدية تحت سقف القانون".

وطالب ميقاتي الوزراء بالإقلال من الإطلالات الإعلامية لأن الناس تتطلع إلى الأفعال، ولم يعد يهمهم الكلام والوعود".

والمعروف أن ميقاتي لم يكثر من العناوين التي يمكن إنجازها لإدراكه أنها انتقالية وعمرها زهاء 8 أشهر تنتهي بإجراء الانتخابات النيابية، وهو يطمح إلى تحقيق 3 عناوين رئيسة، إضافة لإجراء الانتخابات، هي تلزيم أحد معامل الكهرباء في إطار خطة وضعت منذ سنوات بقرض من الصندوق الكويتي للتنمية، إطلاق التفاوض مع صندوق النقد الدولي والبدء بتطبيق بعض الإصلاحات لكسب الثقة الخارجية والمحلية مقابل خفض تكلفة القطاع العام، ورفع رواتب الموظفين بعد انخفاض قيمتها جراء انهيار العملة الوطنية.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي