Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قصف مستمر وعجز تركي دائم... أمام معسكرات "الكردستاني"

أنقرة لا تجد أي حل لهذا التنامي إلا الاستهداف المتواصل لتلك المناطق

مقاتلون أكراد من حزب العمال الكردستاني في أحد مواقع معسكراتهم الجبلية (اندبندنت)

بحسب البيان الذي أصدرته وزارة الدفاع التركية 17 مايو (أيار)، فإن الطائرات التركية استهدفت جميع قواعد حزب العمال الكردستاني ومعسكراته في المناطق الجبلية الوعرة على الحدود بين تركيا والعراق، في مناطق الزاب وخواكورك وآفشين، مضيفة أن تلك الغارات دمرت مخابئ وتحصينات ومستودعات أسلحة، يستخدمها الحزب في هجماته المتفرقة على النقاط العسكرية للجيش التركي، سواء داخل الأراضي التركية أو تلك المتمركزة داخل أراضي إقليم كردستان العراق، في المناطق التي تسميها تُركيا بالآمنة.

عملية نوعية ضد القوات التركية

وكان المركز الإعلامي لقوات الدفاع الشعبي، التي تعتبر التنظيم المسلح لحزب العمال الكردستاني، أعلن أن عناصرها قامت بعملية نوعية ضد القوات التركية في منطقة بارزان داخل مناطق إقليم كردستان، أسفرت عن مقتل ستة جنود أتراك، وجرح آخرين، وأضاف البيان أن هجوم قوات الدفاع الشعبي استهدف نقطة تمركز للجنود الأتراك، وأن الطائرات التركية تدخلت لانتشال جثث الجنود، وقامت بقصف شامل للمنطقة حتى تبعد المقاتلين الأكراد، وأنها في الطريق لذلك استهدفت قرى المدنيين في تلك المنطقة.

ولم توقف تركيا قصفها الجوي لكامل المناطق الحدودية بينها وبين إقليم كردستان، منذ أكثر من عقدين وحتى اليوم، فتلك الغارات صارت شبه أسبوعية منذ أن تأكدت تركيا بأن جميع حملاتها العسكرية التي تتقصد القضاء على معسكرات حزب العمال الكردستاني، أنما تُباء بالفشل، فسهولة حركة المقاتلين الأكراد وقدرتهم على تغيير نقاط تمركزهم، إضافة إلى اتباعهم لتكتيك الهجمات المباغتة على خطوط إمداد الجيش التركي في حال دخولها المناطق الجبلية الوعرة، منعت تركيا على الدوام من تحقيق نتائج مباشرة لعملياتها البرية في تلك المناطق.

معاقبة القواعد الاجتماعية

وتؤدي حملات القصف الجوي التركي عادة إلى اندلاع الحرائق في تلك المناطق، وفي مرات غير قليلة تؤدي إلى إصابة الرعاة والفلاحين والمدنيين الأكراد العراقيين.

وتقول المصادر القريبة من حزب العمال الكردستاني، إن قوات الجيش التركي تتقصد فعل ذلك، لمعاقبة القواعد الاجتماعية الكردية على طرفي الحدود، التي تؤمن غطاء لمعسكرات مقاتلي العمال الكردستاني وتحركاتهم. وهذه الأفعال هي التي دفعت المدنيين الأكراد العراقيين في منطقة شيلادزي بمحافظة دهوك في الـ26 من يناير (كانون الثاني) 2019 لمهاجمة قاعدة عسكرية تركية في تلك المنطقة والسيطرة عليها.

استعصاء دائم

وتعتبر المناطق الجبلية الفاصلة بين إقليم كردستان العراق والحدود التركية قواعد خلفية لحزب العمال الكردستاني ليخوض حربه ضد تركيا. وضمن أراضي الإقليم، فإن الكردستاني يحتفظ بعدد من معسكراته الأكثر استقراراً ومداً لمقاتلي حزب العمال في مواجهاته مع الجيش والقوى الأمنية التركية، حيث معسكرات خواكورك وحفتينان وقنديل وزاب تقع ضمن المحور الفاصل بين حدود الإقليم وتركيا.

وكانت تلك المناطق الجبلية الوعرة في المثلث الحدودي بين تركيا والعراق وإيران مراكز دائمة للحركات القومية الكردية، منذ أواخر القرن الـ19 وحتى الآن، وبقيت على الدوام عصية على الدول المركزية للسيطرة عليها.

مخاوف تركيا

وطوال الستينات والسبعينات والثمانينات كانت تلك المناطق تحت سيطرة الأحزاب الكردية العراقية وفصائلها المسلحة، ومنذ أن استحصلت الحركة القومية الكردية العراقية على الحكم الذاتي عقب انتفاضة عام 1991، واستقرت قواتها في مدن إقليم كردستان وبلداته، فإن تلك المناطق صارت خاضعة لمقاتلي العمال الكردستاني، التي أسست قواعدها ومعسكراتها العصية فيها.

مخاوف تُركيا من تلك المعسكرات زادت خلال السنوات الأربع الأخيرة، فهي تخشى من قدرة المقاتلين الأكراد على نقل أسلحة نوعية إلى تلك المعسكرات مما تحصل عليه جراء تحالف الفصائل الكردية السورية القريبة منها مع قوى التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب، تلك الأسلحة التي لو وصلت، لا سيما الصواريخ المضادة للدروع والقذائف الحرارية، فإنها ستُعقد تطلعات تركيا للقضاء على الحركة المسلحة الكردية.

هيمنة مضاعفة

وفي الثالث من أغسطس (آب) عام 2014، بدأ تنظيم داعش حملته ضد المناطق الأيزيدية غرب مدينة الموصل، وارتكب أثناء تلك الحملة الكثير من الجرائم الفظيعة بحق السكان المحليين في المدينة ومحيطها، ثم وسع التنظيم من عملياته لاحتلال كامل المناطق الشرقية والشمالية لمدينة الموصل، وقتها تدخل مقاتلو حزب العمال الكردستاني المتمركزون في معسكراتهم في الجبال الفاصلة بين إقليم كردستان العراق وتركيا.

وساهم حزب العمال الكردستاني بحوالى 500 مقاتل من المدربين على حروب المدن، ومن ثم زاد العدد عبر مدهم بمئات المقاتلين من الأكراد السوريين، وطوعوا كذلك المئات من المقاتلين الأيزيديين المحليين حتى باتوا قرابة خمسة آلاف مقاتل، وساهموا بشكلٍ كبير في فك الحصار عن المدينة وعن آلاف اللاجئين الذين ما زالوا في الجبال القريبة.

وخلال الفترة الفاصلة بين احتلال بلدة سنجار وريفها المحيط، وإعادة تحريرها من جانب قوات البيشمركة التابعة لإقليم كردستان العراق بشكلٍ رسمي، في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015، خلال هذه الفترة، أظهرت هذه القوة العسكرية التابعة للكردستاني رغبتها بالبقاء والحضور العسكري في ذلك الإقليم.

ثقل سياسي وأمني

وشكل هذا الحضور لقوة عسكرية قريبة من حزب العمال الكردستاني، متوافقة ومتعاونة مع فصائل الحشد الشعبي العراقية، ثقلاً سياسياً وأمنياً مضاعفاً على تركيا، خصوصاً أنها تقع خارج المناطق الحدودية معها، ولا تستطيع تركيا أن تخوض ضدها أية حملة عسكرية برية. وجربت تركيا قصف تلك المناطق أكثر من مرة، سواء من خلال استهداف شخصيات سياسية وعسكرية رفيعة قريبة من حزب العمال الكردستاني، أو حتى قصف نقاط ومراكز عسكرية تقول إن القوات القريبة من العمال الكردستاني تتمركز فيها.

قصف دوري ودائم

وتلقى تلك الأفعال التركية عادة تنديداً من الحكومة العراقية، التي لا تتجاوز عادة التنديد اللفظي، إذ تقول المصادر المطلعة إن تلك الخطوات التركية تكون عادة منسقة بين الأجهزة الاستخباراتية للطرفين، وتسمح بها الحكومة العراقية حينما تسعى لتحسين العلاقات مع تركيا بين حين وآخر.

على أن كامل الصورة تظهر العجز المتراكم لتركيا في التعامل مع تنامي حيوية حزب العمال الكردستاني في كامل المناطق المحيطة بحدودها، سواء في المناطق الجبلية مع إقليم كردستان العراق، أو في المناطق الجبلية الأيزيدية غرب مدينة الموصل، أو داخل الأراضي السورية، وتركيا لا تجد أي حل لهذا التنامي سوى بالقصف الدائم والدوري لتلك المناطق.

المزيد من الشرق الأوسط