Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حكام كابول الجدد وتحديات ما بعد الرحيل الأميركي

طموحات طالبان بـ "الإمارة" تصطدم بالمقاومة الشعبية وشكوك المجتمع الدولي

مقاتلو طالبان بعد سيطرتهم على القصر الرئاسي في كابول الشهر الماضي (أ ب)

على الرغم من سعي "طالبان" إلى الحصول على اعتراف من المجتمع الدولي، وسط انفتاح ملحوظ على وسائل الإعلام الغربية، و"حملة علاقات عامة" تأمل من خلالها في إظهار صورة مختلفة عن الحركة التي ارتبط ذكر اسمها بالعنف والوحشية، فإن هذه الرغبة، وفق مراقبين، لن تدفع "طالبان" إلى تغيير أساليبها على المدى الطويل.

فبينما يعيش حكام كابول الجدد نشوة مرحلة ما بعد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، فإن سلسلة معقدة من التحديات الجيوسياسية تنتظرهم، منها التداعيات العنيفة التي ستواجهها دول جنوب ووسط آسيا، والمشاعر "الجهادية" النشطة التي يمكن أن تهدد الاستقرار الإقليمي، إضافة إلى البيئة الاجتماعية والجيوسياسية التي تغيرت عما كانت عليه حينما كانت "طالبان" في السلطة.

وتقول كارولاين روز، باحثة في معهد "نيوزلاين" الأميركي، لـ "اندبندنت عربية"، إن "طالبان" التي تكافح من أجل الاعتراف الدولي، بدت راغبة في التغلب على هذا التحدي من خلال إقامة علاقات جديدة مع الأطراف الإقليمية والمحلية، وتقديم موقف أيديولوجي أكثر اعتدالاً والأخذ في الاعتبار المصالح الأمنية المشتركة، لافتةً النظر إلى أن هذه الاستراتيجية مكّنت الحركة من تعميق علاقاتها مع خصوم تقليديين مثل إيران، ومع قوى إقليمية مثل الصين وروسيا اللتين تسعيان إلى مد نفوذها في أفغانستان.

هل تغيرت "طالبان" فعلاً؟

ويذكر مجموعة من الباحثين بمعهد "نيوزلاين" في مقالة بعنوان "تحديات أفغانستان الطالبانية"، بأن خطاب "طالبان" يشير إلى أنها ستتبع نهجاً مختلفاً في الحكم هذه المرة، مستشهدين باستخدام قيادات الحركة كلمات مثل "الشمول" و "حقوق المرأة" و "العفو". لكن ومع ذلك، فإن السيناريو المحتمل هو أن "طالبان" ستواجه صعوبة في الموازنة بين البراغماتية وطرقها القديمة، بينما تتحرك لتعزيز قوتها والسعي للحصول على اعتراف دولي.

ويبدو أن هناك حدوداً لمدى الاختلاف بين نظامي "طالبان" الجديد والقديم، فعلى الرغم من إصدار الحركة عفواً على جميع موظفي القطاع العام، وظهور مذيعة على القناة الوطنية في أفغانستان بالحجاب الذي يختلف عن نوع الحجاب الذي كان إلزامياً في ظل حكم الحركة، فإن أمراً صدر لاحقاً يحظر على المذيعات الظهور على شاشات التلفزيون. وبعد يومين من السماح لقافلة صغيرة من الشيعة لإحياء ذكرى عاشوراء بالسير عبر كابول، وردت تقارير تفيد بأن الحركة أزالت تمثالاً لزعيم محسوب على أقلية الهزارة الشيعية.

ولم تخرج "طالبان" عن نسق خطابها المعهود، حين قارنت استعادة كابول بـ "فتح مكة" في العام الثامن من الهجرة، حين دخل نبي المسلمين محمد إلى المدينة المقدسة من دون قتال. وعدَّ الباحثون استحضار "طالبان" هذا الحدث التاريخي لوصف سيطرتهم على العاصمة تصرفاً غير جديد بالنسبة للحركة، لافتين إلى أن "داعش" والميليشيات الشيعية المتطرفة لطالما لجأت إلى ربط أفعالهم بالتطورات التاريخية، بهدف استقطاب مزيد من الموالين لهم عبر استغلال ما لهذه الأحداث من تأثير في مشاعر العديد من المسلمين حول العالم.

وتذكر المقالة أن "استيلاء طالبان على أفغانستان قد يكون حافزاً لنهج أكثر عدوانية من أجل إرساء الحكم الإسلامي في بلدان أخرى". لكن وعلى الرغم من أنه قد يُنظر إلى إمارة "طالبان" على أنها وسيلة للموازنة بين استحضار الحنين إلى الغزو والجهاد، والنهج المحلي والقومي"، فإن "طالبان" قد لا تسمح بوجود مقاتلين أجانب في صفوفها، كونها لا ترى حاجة للجهاد خارج البلاد. ومع ذلك، يمكن أن تسمح للجماعات الجهادية الأخرى العابرة للحدود بالعمل داخل أفغانستان، باستثناء "داعش – خراسان"، التنظيم الذي تعتبره عدواً.

المقاومة الشعبية

وتنضم مقاومة بعض الفصائل لحكم "طالبان" إلى قائمة التحديات التي تواجه الحركة، إذ من غير المرجح أن تستسلم القوات الحكومية المناهضة لـ"طالبان" بخاصة تلك المرتبطة بالاستخبارات الأميركية، عبر المديرية الوطنية للأمن بسهولة. كما تشكل الميليشيات وبعض أمراء الحرب مثل عبد الرشيد دوستم، وعطا محمد نور، وأمر الله صالح، وأحمد مسعود تهديداً آخر لـ"طالبان"، بخاصة أن هذه الميليشيات مؤهلة لتصبح وسيلة تستخدمها الولايات المتحدة وحلفاؤها، لتقويض النظام الجديد الذي تسعى الحركة إلى تشكيله.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتواجه طموحات "طالبان" عقبة أخرى هي إمكانية نشوء مقاومة في المستقبل يقودها عناصر الجيش والشرطة الأفغانية، المرتبطة في كثير من الحالات بسماسرة السلطة القبلية والعرقية المحلية في جميع أنحاء البلاد. وكونهم يحملون مشاعر متناقضة إزاء "طالبان"، فمن المحتمل أن يتحولوا إلى معارضين نشطين للنظام الجديد خلال أي أزمة مستقبلية. ويشير الباحثون إلى أن الحكام الجدد سيواجهون تهديداً مستمراً بالانتفاضات من قبل القوات المستسلمة، إذا لم تكن الإمارة الجديدة أكثر سخاءً من حكومة أشرف غني.

المساعدات الدولية

ووفق "معهد نيوزلاين"، سيكون ضمان استمرار تدفق المساعدات إلى أفغانستان التي تعد واحدة من أكثر الدول اعتماداً على المعونات الأجنبية، اختباراً مبكراً لمهارات "طالبان" الدبلوماسية. ومن المحتمل أن يركز الحكام الجدد على الحفاظ على قنوات المساعدة الدولية، وربما تمرير هذه المساعدات عبر هياكل الدولة لكسب ولاء خصوم الحركة المحتملين. ومن المفارقات بحسب المعهد الأميركي، أن دعم واشنطن في المستقبل للنظام الجديد، عبر السماح له بالوصول إلى احتياطات الأموال الأفغانية الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة، يمكن أن يكون عاملاً أساسياً في بقاء حكومة "طالبان".

"طالبان" ودول الجوار

وستخلق كابول الطالبانية تحديات جديدة لجيران أفغانستان والفاعلين الدوليين، فالحركة التي تروج لاعتناقها خطاباً أيديولوجياً أكثر اعتدالاً، باتت تتمتع بنفوذ أكبر بكثير مما كانت عليه قبل 20 عاماً، فهي اليوم تمتلك معدات عسكرية أكثر تطوراً، إضافة إلى مصادر دخل أكثر تنوعاً منها ما تدرّه من محاصيل الأفيون.

ومن المتوقع أن يقرر جيران أفغانستان مثل إيران وروسيا والهند وأوزبكستان وطاجيكستان وحتى باكستان قريباً بشأن ما إذا كان بإمكانهم الوثوق بنظام تقوده "طالبان" بهدف تأمين مصالحهم الأمنية الوطنية، إلا أن هذا الواقع الجديد يثير مخاوف عدد من الدول المجاورة بشأن قدرة "طالبان" على تحفيز الحركات الإسلامية النائمة داخل أفغانستان وخارجها، وإثارة العنف عبر الحدود، وزيادة تدفق المهاجرين، فضلاً عن إنعاش أسواق المواد الأفيونية والميثامفيتامين.

ولذا من المتوقع أن تكثف طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان سياسات مكافحة الإرهاب، مدفوعين بمخاوف تزايد النشاط الجهادي على طول حدودها مع أفغانستان. كما ستدفع سيطرة "طالبان" على المقاطعات الحدودية، لا سيما نقطة شير خان الحدودية، حكومات آسيا الوسطى، إلى زيادة أمن الحدود، وتعزيز دفاعاتها عبر الدعم العسكري الصيني والروسي، ومن خلال مطالبة الولايات المتحدة بإنشاء نقاط عملياتية وقنوات اتصال مع "طالبان"، لثنيها عن دعم الجماعات المتطرفة.

كما ستنشغل بلدان مثل تركيا وباكستان وأوروبا التي تعتبر من الوجهات التقليدية للمواد غير المشروعة والمهاجرين القادمين من أفغانستان، برفع مستوى التأهب على صعيد الجمارك وأنظمة إنفاذ القانون، لمواجهة تدفق البضائع غير المشروعة واللاجئين. وقد بدأت تركيا في إقامة جدار على طول حدودها مع إيران في محاولة لمنع المهاجرين، في حين أصدرت فرنسا تحذيرات ضد المهاجرين الراغبين في الاستقرار هناك، ونسّقت مع ألمانيا وحلفاء آخرين في الاتحاد الأوروبي لتحديد آلية استجابة فعالة لإدارة أزمة المهاجرين.

أما النسبة للصين وروسيا وإيران، فيرى الباحثون أن رحيل القوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي قد أدى إلى القضاء على خصم أساسي في أفغانستان ووفّر فرصاً محدودة لممارسة النفوذ، لافتين إلى العلاقة الراسخة التي يتمتع بها الحرس الثوري الإيراني مع "طالبان". وفي سياق متصل، يتيح تجدد مخاوف مكافحة الإرهاب بين جمهوريات آسيا الوسطى الفرصة لموسكو وبكين لإرساء بصمات أمنية أعمق في المنطقة من خلال بناء المزيد من القواعد، والمشاركة في سلسلة من التدريبات العسكرية المشتركة، وتشكيل مستوى جديد من التبعية العسكرية مع جيران أفغانستان.

ومع ذلك، فإن عدم الاستقرار سوف يشكل تحدياً لمصالح القوى الإقليمية في المنطقة، مما سيعرض للخطر مشاريع البنية التحتية بما فيها أجزاء من مبادرة الحزام والطريق، وطرق التجارة والنقل، وحتى الاستقرار الداخلي لهذه الدول.

إنقاذ المكاسب الأميركية

وفي ظل غياب القوات، ووجود استخباراتي ضعيف، يدعو الباحثون الولايات المتحدة إلى العمل عن كثب مع شركائها في أفغانستان ممن يملكون اتصالاً مباشراً وغير مباشر مع "طالبان"، بهدف مراقبة وتقييم إمكانية عودة تنظيم "القاعدة" لتنظيم صفوفها تحت حكم "طالبان"، كما يحثون واشنطن على التحقيق في فرص التعامل مع مناهضي "طالبان" والعمل معهم حال قيامهم بإنشاء مناطق داخل أفغانستان خارج سيطرة الحركة، طالما كانت أهدافهم تتماشى مع المصالح الأميركية.

وفي الوقت نفسه، تشدد المقالة على ضرورة أن تستغل الولايات المتحدة "المخاوف الأمنية المشتركة لدول وسط وجنوب آسيا لمواجهة منافسيها ووضع استراتيجية إقليمية شاملة"، إضافة إلى مواصلة جهودها في مساعدة باكستان وطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان لزيادة الدوريات الحدودية والقدرات الدفاعية في مواجهة عدم الاستقرار الأفغاني وتجاوزات الصين وروسيا.

ويختتم الباحثون بالإشارة إلى إمكانية أن يتحدى المجتمع المدني الذي تشكل في أفغانستان خلال السنوات الماضية حكم "طالبان"، قائلين "فشلت الولايات المتحدة في جهودها التي استمرت 20 عاماً لإنشاء دولة أفغانية ناجحة، إلا أنها نجحت في خلق مجتمع مدني نابض بالحياة، ولذلك يتعين على إدارة بايدن أن تفعل كل ما في وسعها دبلوماسياً ومن خلال النفوذ المالي لتأمين المكاسب المجتمعية".

المزيد من تقارير